نص خطبة بعنوان: المرجعية الراشدة واسطة الفيض المهدوي
في ذكرى الخلف الباقي:
يقول الخلف الباقي من آل محمد (ص): «أنا بقيةٌ من آدمَ، وذخيرةٌ من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوةٌ من محمد»([2]). «إنَّ الحقَّ معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفترٍ، ولا يدَّعيه غيرُنا إلا ضالٌّ غوي»([3]).
الإمام الحجة (ع) خاتمة الأوصياء المرضيين من قبل رب العالمين، والفرج الموعود. والعدالة الكبرى تتجسد في ذاته المطهرة.
فهو محمّد، ولقبه المهدي، وكنيته أبو القاسم. أبوه الإمام الحسن بن علي العسكري، أحد أئمة أهل البيت (ع) وله من الخصائص، وفيه من المقامات، ما لا يمكن أن يُستقصى.
أمه نرجس المصفاة، التي تنتهي بنسبها الشريف إلى شمعون الصفا، وصي النبي عيسى (ع).
كانت ولادته في الخامس عشر من شهر شعبان، أما مدة إمامته ففي علم الله تعالى، وقد ورد في الحديث: «كَذَبَ الوقَّاتُونَ»([4]).
ولنا مع الإمام الحجة (ع) وقفات يسيرة، منها وقفتنا معه في غيبته الصغرى التي حصلت في غضون نيف وسبعين سنة، حيث كانت شؤون الأمة ومجريات قضاياها تُسيَّر من قبل نواب يحملون صفة الخصوصية، وهي صفة لا يدعيها أحدٌ بعد هذه الفترة الزمنية المحدودة، وهي الغيبة الصغرى، إلا كذاب مفتر.
وهؤلاء النواب الأربعة هم:
1 ـ عثمان بن سعيد العمري.
2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3 ـ الحسين بن روح.
4 ـ علي بن محمد السمري.
لقد مثل هؤلاء الواسطة بين الأمة في رعاية شؤونها، وبين الخلف الباقي في إفاضاته المقدسة.
وبانتقالهم إلى الرفيق الأعلى أغلقت أبواب النيابة الخاصة. وقد ادعيت من قبل أشخاص آخرين، إلا أن التكذيب سرعان ما ورد بحقهم من الناحية المقدسة، بأن هذه السفارة لا يدعيها بعد هؤلاء إلا كذاب مفترٍ.
وحتى في زماننا هذا هناك من يدعي أنه من أبناء الحجة (عج) أو أنه زوج إحدى بناته، أو أنه الباب الخاص بينه وبين الأمة، أو أنه النائب الخاص له، وكلها دعاوى يكذبها النص الشريف الوارد عنهم (ع).
ومنها وقفتنا معه في المرحلة الثانية، وهي الغيبة الكبرى، فمنذ القرن الرابع وحتى يومنا هذا، لا زلنا نعيش في ظل هذه الغيبة، لكنها لا تعني الغياب، إنما تعني الحضور الدائم الذي يتماشى مع جميع الآنات والحالات التي تعيشها البشرية، لذا يُدخل بعضنا السرور على قلب الحجة (عج)، فيما يدخل البعض الآخر الحزن على قلبه، جراء ما يقول أو ما يفعل.
وفي هذه الفترة الطويلة، التي ربما تدوم أطول مما مضى، وربما تكون أقصر، أو تكون أقرب من لمح البصر، لأن إصلاح أمر الخلف من آل محمد مضبوط بحاكمية الغيب، مع وجود نصوص تشير إلى أننا لنا مدخلية في إطالة الفترة الزمنية الفاصلة بيننا وبين الظهور الأكبر، وبسط العدالة العظمى.
أقول: في هذه الفترة، إلى يومنا هذا، تولى شؤون الأمة العلماء العدول الذين ينقلون لنا أحاديث أهل البيت (ع) من مظانِّها الصحيحة، وينتزعون منها الأحكام لرفع التكاليف عن العباد.
وأول منار شامخ في زمن الغيبة قام بأعباء النيابة العامة هو الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد (رضوان الله تعالى على روحه الطاهرة)، الذي كان زعيم الطائفة المتفرد في عصره.
المرجعية الدينية في زمن الغيبة:
ومنذ زمنه وحتى زماننا، حيث المرجعية الدينية الراشدة، المتمثلة بالمرجع الأعلى السيد علي السيستاني (حفظه الله تعالى) حفلت المسيرة بجمع من كوكبة العلماء، كل منهم أعطى إضافة وفتح باباً وأخذ بيد الأمة من واقع إلى واقع.
وكلنا يعلم ـ أيها الأحبة ـ أن المرجعية مقام رفيع، وهي الرابط بيننا وبين الخلف المهدي في زمن غيبته. فهؤلاء المراجع يصلون الليل بالنهار، إلا ما استُثني من استقطاع طبيعي تستدعيه الطبيعة البشرية، لأن الأمانة كبيرة، والأمين مكلف بأداء ما ائتُمن عليه.
وعندما نركز على مرجع بذاته فإننا لا نعني الإلغاء، إنما هم روافد لمسيرة الإمامة الحقة، يتقدم البعض منهم لما يستوجب من التقديم، كما لو كانت القضية تلقي بثقلها فينهض بها من هو بمستوى المسؤولية، فتحصل له الصدارة، كما حصل أيام السيد الإمام (قدس سره الشريف)، حيث طأطأت الأمة رأسها لقيادته العظمى، لنهوضه بالمسؤولية في مرحلة كان من الصعوبة بمكان.
مسؤوليات المرجعية:
هنالك العديد من المسؤوليات المناطة بالمرجعية الدينية، والملقاة على عاتقها في زمن الغيبة الكبرى، تتمثل بما يلي:
1ـ النهوض بأعباء الأمانة أينما كانت، وحيث كانت، ومتى ما كانت، فهو المسؤول الأول، وليس بمقدوره أن يتنصل عن مسؤولياته أو ينهض بأعبائها، فلو كان الإمام موجوداً لتوجّه التكليف إليه بالمباشرة.
والإمام علي (ع) يأخذ بأيدينا في هذا الاتجاه فيقول: «أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يقارُّوا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»([5]).
فهنالك إذن مسؤولية تحكمها مجموعة من الأُطر.
إن مشاكل الأمة تكثر وتتشعب بقدر ما تتقدم الحياة وتتطور، وكذلك لما يضاف إلى المشهد من صور التعقيد في خلط الأوراق بين التكتلات بأي صفة اتصفت، سواء كانت منظَّمية أم تجمعية أم مؤسسية أم حزبية أم فئوية أم قبلية أم غير ذلك من العناوين. فهذه العناوين، بمن ينهض بها، تستوجب جرجرة الساحة إلى واقع معقد.
وهذا الواقع المعقد يجعل من المسؤولية أكثر ثقلاً ومساساً وحرجاً، لذلك لا بد من النهوض بالتكليف، وخير دليل على أن المرجعية الرشيدة حاضرة في أي وقت يستدعي، وفي أي مكان، وفي أي قضية، ما أصدره (حفظه الله تعالى) من فتوى صريحة وواضحة وبينة بخصوص ما يجري على الساحة هذه الأيام من خوارج الأمة.
2 ـ النهوض بالجانب العلمي: فالحوزات العلمية ما كان لها أن تدوم وتتقدم وتتطور لولا ما أحدثته المرجعيات بشخوصها، من تطور في ذواتها. لذلك نجد أن مدرسة المرجع الكبير قبل قرن من الزمان، تختلف في معطياتها عما هي عليه في المرجعية التي نعيشها اليوم، بل ربما تضيق الفترة الزمنية فنقول: إن ما كنا نعيشه من مرجع قبل عقد من الزمن، لم يكن يملك من العناصر والآليات ما يمتلكه الفقيه الذي نعيشه اليوم.
لذا نستغرب من البعض الذي يرغب منا أن نعيش حالة من الوقف على مرجع بعينه طوته العقود. فحركة العلم لا تقف عند ساتر، لأن العلم مجنَّج، وهو نور يقذفه الله في قلب من يشاء من الخاصة من عباده، خصوصاً إذا وجدت الأرضية، وكانت البيئة الحاضنة مهيئة، عندئذ يمكنك أن تجد ما تشاء من أقلام سيّالة وفتاوى مقننة، أما إذا كان هناك انغلاق على الذات وانطواء عليها فالخسائر كبيرة.
إن أبناء اليوم ليسوا أبناء العقود المتصرمة، إنما هم أبناء اليوم بكل عناصره ومعطياته، فليس من الصحيح أن ننتقد مدرسة الإخباريين ونطبقها في واقعنا العملي، فبعضنا اليوم ينتقدهم في تقليد الميت، لكنه في الوقت نفسه يصر على هذا الأمر في سلوكه، لأن العقول مغلقة، وإلا لزم أن نبقى على من تقدم، فيذهب جيلٌ، ويأتي جيل، ونحن باقون على المتقدمين. وهذه إشكالية كبيرة.
إن النهوض العلمي في الحوزات العلمية يقوم به أربابه وسلاطينه وعمالقته، وهم الطبقة الأولى من علمائنا، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم اليوم سيدنا المرجع السيستاني، حفظه الله تعالى، وحفظ الله المنظومة من مراجعنا جميعاً، الذين وصلوا إلى المرجعية وفق الطرق الطبيعية التي رسمت معالمها الحوزات العلمية، وليس المرجعيات المغروسة كما تغرس الأسنان بعد سقوطها.
ربما يقول البعض: إن الحوزة العلمية جامدة صامتة ساكنة لا تتحرك، بل لا حراك فيها، بمعنى أنها ميتة، وليت شعري! متى ماتت الحوزة، وقسم من رجالاتها اليوم يحلون معضلات القضايا والنظريات الذرية، وهم معممون يبحثون في هذا الجانب، فهل هذا جمود؟.
وهناك من رجالات العلم، من يحصد الجوائز في حَلِّ أعتى المعادلات الرياضية في المسابقات العالمية، يناطحون من خلالها عمالقة الفكر في الغرب.
إن الغرب يتلف اليوم آخر أوراقه، ولم يعد الغرب هو الغرب، وما عاد الفكر الغربي هو الفكر النظيف، فقد لوثته الماسونية العالمية، وصار لا يتحرك على أساس إراقة دم المسلم في كل مكان ومن أي اتجاه، لكن البعض ذهب بها عريضة، حتى إنه راح يتنكر لثوابته وأصوله، ويهزأ ببعض القامات والمقدرات.
ولو سألت أحدهم: هل قرأت لعلمائنا ما قدموه من نظريات فيما يعني اختصاصهم؟ فنحن لا نطالب علماءنا أن يفتحوا لنا ملفاً طويلاً عريضاً في مسألة تشريح الدماغ، فهذا ليس من شأنهم، إنما شأنهم أولاً وقبل كل شيء أن يؤمِّنوا التكاليف الشرعية وفق الضوابط العامة، أي استنباط الحكم الشرعي من مظانه الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
إن البعض اليوم ـ مع شديد الأسف ـ تنطبع في ذهنه بعض المصطلحات والمفردات الحوزوية، وتختزنها الذاكرة، فيرددها ويلوك بها لسانه في أكثر من مجلس، معتقداً أنه بذلك حفظ الحوزة، واطلع على أسرارها ومكوناتها العلمية، حال أنه لم يتعمق فيها كما ينبغي، ولم يقف على دقائق أمورها، فالحوزة أكبر من ذلك بكثير، لكن من يُنصِف يُنصَف، فالحوزة اليوم ليست مغلقة، فربما كانت من قبل كذلك، لوجود الفارق الكبير بين قاعدة الأمة ورأس الهرم، وربما كانت نسبة الجهل في وسط الأمة في السابق كبيرة، أما اليوم فالأمر مختلف تماماً، فليس هناك من لا يقرأ أو يكتب أو يسمع أو يطَّلع أو يستعين بفكر الآخر.
إن الحوزة العلمية مشرعة الأبواب، وبوسع أيٍّ كان أن يطرق أيَّ باب شاء، ويسأل ويستوضح عما يجري. نعم، إنها فترات تتقدم، وخطوات تتسارع، ولكن ربما لا نستشعرها نحن، لأن النقص ليس فيها ولا في أعلامها، إنما النقص فينا نحن، لأننا لا نبحث عن حقيقة، ولو كان الأمر كذلك لبحثنا عنها من مظانها.
خطورة التطرف واستفزاز الآخر:
في الزمن السابق كنت أحذر من التطاول على الرموز من المرتبة الثالثة، خوفاً من أن تصل الأقلام والألسن إلى المرتبة الأولى، ولكن كما يقول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي
وهكذا وقعنا في الفخ.
يقول أحد هؤلاء (المتنورين): وأما السيد الخوئي (رضوان الله عليه) فقد جنح بسفينة أهل البيت (ع) إلى ما لا يرضاه أهل البيت!.
فكم هي الجرأة والجسارة (والنذالة) في مثل هذه العبارات!.
ولنا أن نسأل: هل أن هذا القائل، نطق بهذا من عنده أو أن وراءه طابوراً خامساً؟
إننا حذرنا، ونكرر التحذير من التعرض لأمثال هؤلاء، تحت أي ذريعة كانت.
إن المرجعية الدينية منذ زمن الشيخ المفيد، وإلى يومنا هذا، تتَّكئ على بُعد مهم جداً، ألا وهو التواصل مع الآخر، وعدم القطيعة معه، والاحتفاظ ببعض الخصائص، فلمَ لا نسير على هدي مراجعنا؟ ولم لا نطبق أحكامهم؟ ولا نلتزم بإرشاداتهم؟.
إنك اليوم تشاهد بعض القنوات المحسوبة على المذهب، وليست المنسوبة له، لأن النسبة تستدعي المقاربة، أما المنسوبة فهي محمولٌ، قد يصدق وقد لا يصدق، فهذه القنوات محسوبة علينا، أما النسبة بهذه الكيفية فلا نقبلها.
بالأمس رأينا أن أستاذنا الشيخ الوحيد يحرم النيل من أعلام الطرف الآخر، وقد قامت قيامة البعض، وصار المقدس عندهم بالأمس أحد المشاكل، وانقلبت المعادلة تبعاً لوجهة النظر المذكورة التي أبداها، وراحوا يتبرؤون منه تقرباً إلى الله تعالى! فأي جماعة هذه التي غرست في أوساطنا؟.
بالأمس كان (العالم المقدس) (أستاذ الحوزة)، لكنه بكلمة واحدة لم تنسجم مع رؤاهم وتوجهاتهم تحول إلى أمر آخر.
إن المنشأ في الكثير مما تسمعونه هنا أو هناك أو تقرأونه إنما هو عدم التطابق مع الرغبات.
فالتواصل مع الآخر على كافة الأصعدة أمر مهم جداً، لا سيما في هذا الزمن الحرج، ومن لم تصله الرسالة واضحة جرّاء ما حصل في الموصل من العراق، فعليه أن يراجع الحسابات في قراءاته ووعيه وإدراكه، فهذه بارقة سوء، وهؤلاء خوارج العصر، لن يسلم منهم حجر على حجر.
كنت أقول عنهم: إنهم أعداء الإنسانية، لكنهم ما عادوا كذلك فحسب، إنما أصبحوا أعداء الحجر، فها هم يهدمون ويخربون كل بناء لا يروق لهم، سواء كان مسجداً أم حسينية أم كنيسة أم تمثالاً أم غير ذلك.
إن التطرف ظاهرة سيئة، من أيِّ جهة كانت، سواء كانت منطلقاته سنية أم شيعية، فإذا تطرف الشيعي وتفلّت من الثوابت التي رسمها أهل البيت (ع) وصانها مراجعنا (حفظهم الله تعالى) فإنه لا يقل سوءاً عن التطرف في الطرف الآخر، كلاهما مدمِّر مخرِّب. إننا نسأل من يتعصّب: هذه الدماء تُراق، فأين هو موقفك؟ وأين هو حراكك؟ وأين تضحيتك؟ يقول الإمام الحسين (ع): «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلَّ الدَّيَّانون»([6]).
فليس الدين أن يُلطَم الصدرُ فحسب، أو يُجرَح الرأس، أو يضرب الظهر، إنما ميدان الاختبار إذا حقّت الحقائق، وحانت ساعة الاختبار.
علينا أن ننفتح على الآخر ونقترب منه، ونعيش المحبة والصفاء والتعاون، فنحن يجمعنا دين وكتاب وقبلة ونبي هو أشرف الأنبياء وسيد البشر محمد (ص) ووطنٌ إسلامي كبير، وآخر نتحرك على ترابه ونشم هواءه ونرتشف ماءه. أليس في كل ذلك مساحة كافية أن نلتقي فنعيش المحبة والصدق؟ إن لم يكن هذا فانتظروا الآتي، لأن من يتفرعن فلينتظر جزاءه في القادم من الأيام.
إن المرجعية في أوساطنا صمام أمان في زمن الغيبة، وعلينا أن نلتزم بها، ونستنير بهديها، ونطبق أحكامها. ومرجعيتنا الراشدة المتمثلة بسيدنا المرجع تعني المحبة والسلام والانفتاح، ونحن أحرى أن ننهض بها.
أثر المعاصي في تأخير الفرج:
ربما يسأل سائل: بعد هذه الأزمات العنيفة التي تعصف بنا وبالعالم من حولنا، لم لا يخرج المهدي (عج)؟ وإلى متى يبقى غائباً؟
لقد كنا نسمع هذه المقولة ممن لا يتفق معنا في هذه المقولة، فأصبحنا اليوم نسمعها من بعض أبنائنا، إما عن حسن نية وبساطة وحب الاستفهام، وهذا من حق السائل، إلا أن البعض يرسلها إرسال استهزاء، والعياذ بالله.
والجواب عن هذا السؤال نجده عند من نسأل عن حاله، وهو الإمام الحجة (عج) إذ يقول: «ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب([7]) في الوفاء بالعهد عليهم([8])، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نُؤثِره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل»([9]).
إننا نرى الأخ يجر أخاه إلى المحكمة من أجل حطام الدنيا، ثم يقول: اللهم عجل لوليك الفرج!. ونرى وصياً يبتزُّ الأيتام حقهم، ويدعو بتعجيل الفرج!.
إن أعمالنا تعرض على الإمام الحجة (عج) في كل أسبوع مرة، فماذا يرى فيها؟ يرى أن أحدهم جاء بالشرطة إلى أبيه أو أمه، لتجرهم الشرطة إلى المخافر!.
أيها الأحبة: إنني لا أتحدث من فراغ، إنما أعكس موجوداً أراه بعيني، من صور تأتي وقضايا ومشاكل تحدث، فهل هذا هو خلق أهل البيت (ع) ومبادئهم وكرمهم؟ وهل هذا جزاء أهل البيت (ع)؟.
بعض هؤلاء يتصور أن الدين إنما هو زيارة الأربعين، أو زيارة الإمام الرضا (ع)، أو الذهاب إلى العمرة في رجب، أو صيام الأشهر الثلاثة، أو ما إلى ذلك من العبادات. إلا أن الله طيب، لا يقبل إلا من الطيب، وليس هذا هو الدين الذي أراده الله تعالى، فهذا لا ينفع من كان عاقاً لوالديه قاطعاً لرحمه منابذاً لمجتمعه، فما هي الثمرة في قلب أسود يطوف حول الكعبة؟ أو يد ملوثة ملطخة بالكثير من الجرائم يضعها صاحبها على شباك الإمام الحسين (ع)؟ إن أهل البيت (ع) أطياب أطهار لا يقبلون إلا من الطيبين الطاهرين.
ولولا أن تلك القضايا من الأسرار التي تعني بيوتاً، وكشفها يهدمها، لاستعرضت لكم قسماً منها، وهي تعني أناساً يستحقون في الظاهر تقبيل رؤوسهم، وهم في الواقع على النقيض من ذلك تماماً، لما يقومون به من الفظائع، معتقدين أن الزيارة أو العمرة تسترهم.
على المؤمن أن يصفي النفس، ويأتي بأقل الواجبات، لتفتح له أبواب الجنان، أما من يأتي بأكثر المستحبات ويرتكب الجرائم، فليس هنالك من باب يفتح له.
ثم يقول (ع: « والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل» وهي أشبه بعبارات جده أمير المؤمنين (ع) حيث يقول: «لقد ملأتم قلبي قيحاً».
ويقول (عج) في موضع آخر: «إنا غيرُ مهمِلين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا»([10]).