نص خطبة بعنوان:العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
البحث عن الكمال:
قال الحكيم في كتابه: ﴿رَبَّنَا وَابعَثْ فِيْهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ يَتْلوْ عَلَيهم آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ﴾([2]).
منذ أن درج الإنسان على وجه الأرض وهو يسعى للكمال والرقي، إذ كان يبحث عن سلاح على أساس منه يشق طريقه في الحياة ليسعد ويسعد الآخرون من حوله.
يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾([3])، فقد تحركت المعرفة في داخل الإنسان الأول، وجاءه المدد من السماء متمثلاً بصحف مطوية أمّنت له المسيرة على وجه الأرض بادئ ذي بدء: ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾([4])، فكانت مفاتيح العلم والمعرفة ولكن في صدر الإنسان المصطفى من قبل الله تعالى: «السلام على آدم صفوة الله». لكن الإنسان كثر عدده، وتعددت مشارب الأهواء والرغبات في داخله.
فالبعض من ذلك الصنف البشري كان لا زال يتهجى المفردات الأولى في عوالم العلم والمعرفة، وهنالك صنف آخر من بني البشر أبى إلا أن يأخذ لنفسه طريقاً أحادياً في وسط الأمة، فتحرك بناءً على مرتكزات معينة، تقدم فيها في مسارات وأخفق في مسارات أخرى، لكنه بالنتيجة كان يبحث عن الرضا والكمال والرقي.
من هنا لم تندد السماء بهؤلاء ولا بأولئك، إنما أرسلت الأنبياء والرسل تترى لتضع المعالم والإشارات على الطريق كي لا تزلّ بالإنسان قدمه، أو تجمح به نفسه، أو ينحرف به عقله.
أركان الكمال:
إن العلم والإيمان والأخلاق أركان ثلاثة تمثل أضلاعاً لمثلث إذا اجتمعت فيما بينها استطاع الإنسان أن يتخطى الكثير، ويثبت الكثير وأن يستجلب الأكثر، وهكذا كان الحال مع المصلحين ولو بعد حين.
فالعلم والإيمان والأخلاق أساس الكمال الإنساني على وجه الأرض، ومن تخلى عن العلم أو الإيمان أو الأخلاق فلا بد أن يكبو وإن طال به الأمد، أو تأخرت به الأيام والحقب، فالنتيجة في نهاية المطاف محسومة ومعلومة الأبعاد. فجهد الأنبياء والرسل لا ينكره منكر، لأن ما قدموه من جهد كان هو الحجر الأساس لما سار وبنى عليه العلماء والمبدعون والمفكرون طوال القرون المتقضية من عمر البشرية.
لقد وضع الأنبياء حجر الأساس، فكان من القوة والاستحكام بحيث لا زال يعطي الإشراقة في أكثر من اتجاه واتجاه، وما ذلك إلا لأنه يعني فيما يعنيه إحاطة السماء عصمةً وحفظاً وأخذاً إلى ما هو الأبعد، وفي كون الخطاب الإلهي أوسع وأشمل دائرة من خطاب إنسان هنا أو هناك، يتقدم به الزمن أو يتأخر، تتاح له الفرصة أو تغلق الأبواب في وجهه.
والأمر الثاني هو رفع القواعد على يد الأنبياء والرسل، قواعد العلم والمعرفة، وهذا مطلب أساسي مهم، فنحن في زمن لم يعد للجهل فيه مكان على كافة المسارات وفي جميع الأنحاء، فالعلم هو السلاح الأمضى، والمعرفة هي التي تسوس العالم اليوم في جميع أبعاده السياسية والفكرية والأدبية والفنية وما إلى ذلك حتى في مسارنا التربوي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري. والعلاقات بين الشعوب والأمم والدول لا يمكن أن تتقدم فيها القافلة قيد أنملة بغير العلم.
ومما لا شك فيه أن هناك من لا يرغب بالكمال والتقدم، وقد اعترضوا مسيرة الأنبياء والرسل والأولياء والعلماء في السابق، ولهم أيضاً حاضنتهم اليوم، وإن كانت أصواتهم اليوم لا تتعدى مساحة مرحلة سيتم تجاوزها حيث إن القافلة إذا ما تحركت، ولم تنحرف البوصلة عن اتجاهها فلا بد من الوصول للمحطة الأخيرة، ولات حين مناص، لأن الكلمة الأعلى للعلم، والثبات الأقوى للإيمان والأكثر نفوذاً في نفوس الناس هي الأخلاق الكريمة التي تمتع بها النبي الأعظم محمد (ص).
أما الإيمان أيها الأحبة فكلنا مؤمنون، وليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه بذرة الإيمان، غاية ما في الأمر أنها تشتد وتضعف. أعني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وهو ما نعتقده ونلتزم به ونرتب الآثار عليه، فإذا ما استقر في وجداننا كنا من طبقة المؤمنين، وليس من حق أحد أن يصادر هذه الصفة من أحد، فالناس بما هم أناس شركاء، غاية ما في الأمر أن الدائرة تضيق وتتسع بناءً على المذهب والدين الذي ينتمي إليه الإنسان، حيث تتكثّر القيود، وحيث تفرض مجموعة من القواعد والضوابط والأصول نفسها على أصل القضية وكنهها.
دور العلم في تطور الشعوب:
أما العلم، فإنني أعيد وأكرر ـ أيها الشباب ـ أننا في مرحلة لن نستطيع بغير العلم أن نبني أسرة كريمة، أو مجتمعاً راشداً، أو نسهم في بناء وطن جميل، أو نشارك في رفعة الإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فالعلمَ العلم، أوصيكم به لأنه الوصية الأولى التي جرت على لسان النبي الأعظم (ص) بناء على خطاب السماء: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾([5]).
فالعلم أيها الأحبة هو الإدراك، والإدراك لا يأتي إلا وليد الاكتساب، من البحث والمتابعة وعدم القناعة بالمستوى الأدنى: ﴿فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ﴾([6])، فلا تحددوا قيمكم، ولا تلغوا عقولكم، ولا تختصروا المسافة على أنفسكم، فمدى العلم من المهد إلى اللحد، كما جاء عنهم عليهم الصلاة والسلام.
أبنائي وأحبائي وإخواني وآبائي: على كل منا أن يعطي إضافة من خلال موقعه في هذا المجال، فإذا كنا نقنع بمجموعة من الأساتذة والمهندسين فنأمل أن يأتي اليوم الذي لا نرى فيه في مجتمعنا إلا الطبيب والمهندس والأستاذ وغير ذلك من العناوين، عندئذٍ نرتفع ويرتقي المجتمع. وبغير هذا السلاح لن نبرح مكاننا.
فالعلم يحتاج إلى هذه المرحلة من الإدراك، ثم يحتاج إلى بذل الجهد، فلا يولد أحد منا والمعرفة معه، وإنما هي عملية اكتساب، إذ ندرس الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم تفتح الأبواب أمامنا، وتتحدد المسارات وفق رغباتنا ثم نتقدم نحو ما هو الأفضل.
عندما كنت في بريطانيا قبل أيام قليلة، حضرت في أحد المجالس، فلم يكن فيه إلا البروفسور والدكتور والطبيب والأستاذ وأمثالهم من أرباب العمل الكبار. ففي مثل هذه الأجواء يشعر الإنسان بالنشوة والارتقاء والارتفاع والسمو، لأنه في دائرة يسوسها العلم في جميع جوانبها، فإذا ما أثيرت قضية تناولوها بلسان العلم لا بلسان السب والشتائم والتسقيط والألفاظ البذيئة كما يحصل في بعض المجتمعات الجاهلة الراكدة.
أيها الأحبة: إن العلم يطلق على مجموعة من المفاهيم المترابطة فيما بينها والمتشاركة وهي التي يعتمد عليها في فك مجموعة من القضايا في الخارج، فعندما أدرك الغربيون والشرقيون ما لهذا المصطلح من معنى، وحركوه في وجدانهم تقدموا علينا بقرون طويلة. فإذا ما أردنا أن نلحق بركبهم في المجال المادي ـ وهو أمر لم تلغه الشريعة التي تقول: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ـ فلا بد لنا أن ننهج المسار العلمي.
لقد تشبثنا بالقبر وما وراء القبر، ونسينا نصيبنا من الدنيا، والله تعالى يقول: ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾([7])، وبذلك أسقطوا من الدين نصفه، وعاشوا حالة الشلل في النصف الآخر منه. نعم، يمكننا أن نعيش القبر وما بعده، ولكن لا نلغي مسيرتنا في الحياة ولما من أجله خلقنا الله سبحانه وتعالى، وجعلنا الخلفاء فيه على وجه هذه الأرض فقال: ﴿إِنّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيْفَةً﴾([8])، فالخليفة على الأرض هو آدم الأول، ثم من تفرع من نسله وهم أنا وأنت، ومن يأتي من أمم بعدنا، فكل هؤلاء خلفاء الله في أرضه، أنيطت بهم مسؤولية رسم معالم السعادة على وجوه جميع أبناء البشر. فعلينا أن ننتبه لهذه الحقيقة وهذه الجهة.
طوائف الناس بين العلم والإيمان:
فالناس من هذه الناحية أيها الأحبة على أربع طوائف، بناء على معيار الإيمان ومقياس العلم:
الطائفة الأولى: من رزقوا الإيمان والعلم، وهم الطائفة العليا، فطوبى لمن تمتع بهاتين الخاصيتين، العلم والمعرفة من جهة، والإيمان والتسليم لمحمد (ص) بالرسالة من جهة أخرى. وهذه ليست على إطلاقها، إنما بناءً على إرفاق العلم بالعمل، فلا إيمان بلا تطبيق، ولا علم بلا تجسيد، فإذا ما تمّ التطبيق والتجسيد خارجاً للمعاني الراقية السامية إيماناً وعلماً ومعرفة، عندئذٍ أيها الأحبة اقرأوا من شئتم، وضعوا أيديكم على أي مفردة من مفردات المجتمع، ستجدون فيها معصوماً مصغراً، وتجدون عالماً راشداً، ومن أنيطت به المسؤولية وهو على أتم الاستعداد أن يتقدم بها إلى الأمام.
والله سبحانه وتعالى يمتدح هذه الطائفة بقوله: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾([9]). وأما في السنّة فهناك الكثير من الأحاديث الدالة على أن العلم نور والجهل ظلام.
كما أن الإيمان قيد الفتك، فمتى ما وجدت حالة من الفتك بالأفراد أو المجتمعات أو الأوطان أو الإنسان بما هو هو، فاعلم أن الإيمان قد تخلف من تلك النفسيات التي تحاول أن تزرع هذه البؤر الموبوءة في أكثر من مكان ومكان.
الطائفة الثانية: وهم على العكس من تلك الطائفة الأولى، فلا علم ولا إيمان، حيث حرموا هذه وتلك. والقرآن الكريم يصور هذه الطائفة لنا بقولبة مبنية محكمة حيث يقول: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُون﴾([10]). أي أنه يطلب من المخاطب أن يتحرك من حيث هو، لا من حيث يريد له الآخر أن يكون، وهنا يحترم الإنسان نفسه ويقدر علمه وأدبه وانتماءه.
الطائفة الثالثة: وهم أولئك الذين رزقوا الإيمان، فآمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، لكنهم تخلفوا في جانب العمل بما أوتوا، وهم طبقة تعمل دون القدرة على وضع الدليل على ما عملوا. فهم يعملون، ولكن ليست لديهم القدرة أن يستدلوا على صحة تلك الأعمال التي يقومون بها. لذا تجدون ـ أيها الأحبة ـ أن الخرافة تشق طريقها في أكثر الأمور حساسيةً ومساساً بمعتقداتنا، لا لشيء إلا لأن العلم لم يكن موجوداً، والدليل لم يكن مصاغاً كما ينبغي وفق القواعد والضوابط المعمول بها، وهم طبقة تعمل دون القدرة على وضع الدليل على ما عملوا، وهم في أمنٍ إذا ما ساروا على نهج العلماء الأخيار، لا نهج العلماء بالمطلق فيما هو المصطلح والمتعارف عليه، إنما العلماء الذين تعرفوا محمداً وآل محمد (ص) وساروا على نهجهم.
ودونكم الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين (ع) التي أدعوكم جميعاً أن لا تخلوا بيوتكم منها، وأن تتلوا منها وترددوا ولو مقاطع يسيرة. دعوها تباشر آذان أبنائكم وبناتكم، وافتحوا لها المجال كي تستقر في قلوبهم، فهي نورٌ لن يطفأ.
يقول الإمام السجاد في صحيفته المباركة: «اللهم ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين»([11]). فإذا كنا لا نمتلك الدليل، ولكن نستند إلى من يمتلك الدليل، ويؤمّن لنا الدليل، عندئذٍ نكون من أهل النجاة، أما إذا كنا نخبط خبط عشواء، وندخل في سجالات لا نهاية لها، فإن النتيجة أيها الأحبة غير مرضية، إنما ستكون محرجةً مخجلة مردية في نهاية المطاف.
الطبقة الرابعة: وهم من نالوا المراتب في العلم، وأصبحوا في صفوف المجتهدين في العلوم الدينية، وفي صفوف الدكاترة والعلماء الكبار في العلوم الأكاديمية، ولكنهم لم يرزقوا الإيمان، فلا يحكم الإيمان مسيرتهم، إنما يريدون للأمور أن تسير وفق مزاجهم، فيسقطون الثوابت من الدين ويتخطونها، لا لشيء إلا لأن هذا لا ينسجم مع معطاهم العقلي، ولا ما نظموه ورتبوه من مقدمات على أساس من صياغة عقل صرف.
الإيمان قيد الفتك:
أيها الأحبة: الإيمان قيد الفتك، والعالم لا يقل خطراً إذا ما جمحت به نفسه عن الحاكم الجائر، فأولئك يقتلون الناس في بعدهم المعنوي، وهذا يقتلهم في وجودهم المادي، وهؤلاء أخطر من أولئك. فالعالم الذي لا يتمتع بخاصية التقييد الإيماني حين الفتك أشد ضرراً وخطراً على البشرية من حاكم ظالم جلاد.
يقول السيد الإمام (رضوان الله تعالى عنه): إذا زل العالم زل العالَم، وإذا صلح العالم صلح العالم. وهذه المقولة مبنية على أساس الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام. وهي مقولة تستحق الكتابة بماء الذهب، والتطريز بماء اللاهوت.
إن هؤلاء رزقوا العلم، لكن إبليس أكبر عالم عرفته الأرض، لكنه اصطدم بحقيقة الإيمان، فغاب الإيمان مع ثبات العلم.
وهؤلاء أشد الناس عذاباً حيث قامت عليهم الحجة البالغة. فمن كلام للمولى علي (ع) قال: «فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم»([12]). أي أنه يعرف أن الكذب حرام مثلاً لكنه يكذب. فهو عالم، مجتهد، بروفسور، متقدم، لكنه يعمل على عكس المعطى العلمي، فلا فرق حينئذٍ بينه وبين الجاهل، بل إنه أسوأ من الجاهل، فهنالك جاهل يستفيق من جهله، وهنالك جاهل لا يستفيق. بل إن الحجة على العالم غير العامل بعلمه أعظم، لأن الجاهل لم يكن يعلم شيئاً، أما العالم فيدرك ويعي ما يفعل.
أما البعد الأخلاقي فأؤجله حفاظاً على الوقت، وهذه آياته وأدلته أمامي حاضرة مثبتة.
رحيل العلامة الأردبيلي:
فقدنا في هذين اليومين سماحة آية العظمى المرجع الكبير السيد عبد الكريم الأردبيلي (قدس سره الشريف) وهو رجل علم وجهاد، من الطبقة التي جمعت بين العلم والإيمان والخلق. وكل ما ذكرته وأذكره إنما هو مقدمة لما أريد أن أصل إليه وهو البحث عن الفقيه من هو، وكل ما أقدمه هو تهيئة وتوطئة ومقدمات للوصول للهدف والغاية، وأسأل الله أن يعطينا العمر لنصل إلى النتيجة.
فهذا الرجل عالم جليل مجتهد مسلَّم الاجتهاد، عمدة دراسته على أكابر الأساتذة كالسيد البروجردي (قدس سره) وهو مرجع الطائفة الأعلى في عصره، وحامي حوزة قم الكبرى. كما تتلمذ على يدي آية الله العظمى العلامة الجليل، السيد أحمد الخوانساري (قدس سره) صاحب المدارك، هذا الرجل الأسطورة الذي جمع بين الإيمان العلم والأخلاق.
يُسأل السيد الإمام (قدس سره ) عن عدالة السيد الخوانساري، فيجيب: اسألوني عن عصمته، ولا تسألوني عن عدالته! هذا هو منطق العلماء الشرفاء الحكماء الأتقياء، لا منطق الحرب والطعن من الظهر. ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾([13]).
ومن أساتذته واسطة العقد في العلم والمعرفة وهو السيد الإمام (قدس سره) الإمام المظلوم في علمه وعرفانه وسلوكه ونهضته وتطهيره للذات.
يقول الإمام علي (ع): «صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجاً أرى تراثي نهباً»([14]). والله لو ثنيت لي الوسادة لأتحدث عن السيد الإمام بمطلق الحرية لذهلتم، ولراجعتم الكثير من الحسابات.
السيد الفقيد أكمل مسيرة السيد البهشتي في كتابة قوانين القضاء للدولة الإسلامية، وهنا يتمايز الفقهاء بين التقليديين والتقدميين، فالصنف الأول لا يعمد لقراءة المسائل المحفوظة من الطهارة والصلاة والصوم والخمس والزكاة، إنما يعمد للمسائل التي تشغل بال الناس وتحرج مواقفهم. هذا ناهيك عن بحثه الخارج وغيره.
وأما جمال محياه، وإشراقة ابتسامته، ورحابة صدره، فحدّث ولا حرج، إذ كان والله يُخجل من يدخل عليه، ولا غرابة في ذلك لأنه ابن محمد وعلي، وهما جمال في جميع جوانبهم.
اليوم هي مناسبة رحيله ويبدو أنه شيع اليوم إلى مثواه الأخير فنسأل الله تعالى له الرحمة والمرافقة لآبائه وأجداده الأئمة المعصومين عليهم السلام، وبهذه المناسبة نعزي بقية الله الأعظم في فقده ومراجع الأمة العظام، ونجله سماحة السيد علي، أخذ الله تعالى بيده وجبر مصابه.
ذكرى وفاة النبي (ص):
في ليلة الثلاثاء القادم تحل علينا ذكرى وفاة النبي الأعظم (ص) وهو نبي البشرية، وأصل الدين وأساسه، ونحن لا نفرق بين أحد منهم، وكلهم نورٌ واحد من النبي (ص) والذرية الطاهرة، أولهم محمد وأوسطهم محمد وآخرهم محمد بل كلهم محمد.
وأخيراً: أرسل بعضهم في أحد تسجيلاته يطالب ببيان موقف السيد محمد رضا، وأنا أترفع عن جميع الصغائر وأنأى بنفسي لأنني أعرف بنفسي. والأمر المهم هو: ماذا سيقول السيد محمد رضا بعد أن تكلم ابن خاله سماحة السيد علي السلمان.
أقول: سماحة آية الله السيد علي، نجل المرجع الخال المقدس السيد ناصر: أنا الولد وأنت الأب، وما للولد إلا ما يراه الأب، والسلام.
نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.