نص خطبة بعنوان: الإمام الحسين عليه السلام وضريبة الإصلاح في وسط الأمة
الثائر المصلح:
قال الرسول محمد (ص) للحسين (ع): «يزوركم طائفة من أمتي، تريد بري وصلتي، إذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف، وأخذت بأعضاده، فأنجيتها من أهواله وشدائده»([2]).
إن الحسين (ع) يلخص لنا مسيرة الأنبياء والرسل، في مسيرة الإصلاح والأخذ بيد الإنسان إلى مدارج الكمال، والحديث الشريف عن النبي الأعظم (ص) يختصر لنا المسافة: «حسين مني وأنا من حسين»([3]).
فإذا كان الهدف من حركة الأنبياء والرسل، هو إسعاد البشرية، فإن ما تحرك من أجله الإمام الحسين (ع) هو ذلك الهدف، ولا سعادة إلا بعد الإصلاح، يقول (ع): «إنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»([4]). فالإصلاح هو الهدف السامي الذي يوصل جميع أولئك الذين يتحركون في سبيل إيجاده في وسط الأمة، إلى النتيجة المحسومة. ومتى ما تخلى كل فرد من أبناء الأمة عن دوره في مسيرة الإصلاح، بقدر ما يبتعد عن المدرسة الحسينية، وبقدر ما يقترب منها بقدر ما يقترب من المدرسة الحسينية.
التزكية والتعليم:
فالتزكية والتعليم واحدة من مهمات الأنبياء والرسل، ونحن نعتقد أن الأدوار المناطة بأهل البيت (ع) هي ذاتها التي أنيطت بمن تقدم من الأنبياء والرسل.
والقرآن الكريم يؤكد على التزكية والتعليم بكل إصرار، وفي الكثير من الآيات ما يعطي هذا المعنى، إما تصريحاً أو تلميحاً، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبين﴾([5]).
إذن كانت الحركة الأولى التي استتبعتها الهدفية السامية هي التزكية والتعليم، وكلنا يعلم أن تصفية النفس وتزكيتها هي عبارة عن مشروع مضاف للإنسان نفسه. قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوْا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾([6])، فالعلم مضاف إلى الله تعالى بلا قطع ولا فصل، قصيراً أو بعيداً، بخلاف التزكية التي أوكل مشروعها للفرد نفسه، فمتى ما زكّى الإنسان نفسه استطاع أن يوجد أرضية صالحة كي تطبع السماءُ بصمتها على تلك الصفحات البيضاء، وهكذا حال العلماء والأولياء والعرفاء وأصحاب السير والسلوك، ومن تبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين، وأنتم منهم.
من ثمار التزكية والتعليم:
والأمر الثاني بعد التنقية والتصفية التي تعيشها الأمة، يأتي دور العلم الذي ينير لها طريقها، فتنتقل إلى مربع آخر، ألا وهو السعي من أجل العدالة في وسط الأمة، والعدالة مطلب رئيسي، لكن دوائرها تصغر وتكبر، فالبيت الذي لا تتربع العدالة في جميع زواياه يعيش خللاً كبيراً واضطراباً، ويكون نتاجه وإسقاطه على المجتمع من حوله. وهكذا العدالة في وسط المجتمع، ثم تتسع الدائرة إلى نظام الدول، ثم إلى أكثر من ذلك إلى النَّظم العالمي من حولنا، فمن دون العدالة لا تسعد الأسرة ولا المجتمع ولا الدول ولا الشعوب، وبدونها يختل النظم العالمي، وتذهب أمور الناس أدراج الرياح. لذلك عندما تسيَّد الموقف في فترات من الزمن أناس لا يحملون شعار العدالة العالمية، أدخلوا العالم في أكثر من أتون وأتون، ولو لم يكن إلا الحرب العالمية الأولى والثانية شاهداً على ذلك لكفى، حيث ذهب الملايين من البشر ضحية توقيع من قائد عسكري أهوج هو أدولف هتلر، وعلى هذا فقس.
كما أن القرآن الكريم يضع نقطة أخرى في هذا المربع فيقول: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيْزَانَ لِيَقُوْمَ النَّاسُ بِالقِسْطِ﴾([7]). فهذه الآية الشريفة أمنت للإنسان الكتاب، وهو عبارة عن الدستور، ثم الميزان الذي على أساس منه توزن الأعمال فيما لنا أو علينا قولاً أو عملاً.
وهنالك أيضاً هدف سامٍ ورفيع تحرك الأنبياء والرسل في سبيله، ألا وهو تخليص الإنسان من العبودية للغير، وهي أعم من أن تكون لرب العمل أو رب الأسرة أو الحاكم، أو غير ذلك، فالعبودية ملغاة تماماً في التشريع الإسلامي إلا لله الواحد الأحد جلت قدرته. فبقدر ما يستشعر الإنسان في داخله حالة العبودية لله سبحانه وتعالى بقدر ما يعيش أُنساً ويتحرك في آفاق الحرية من حوله، والعكس صحيح.
كما أن القرآن الكريم يترك بصمته في هذا المربع فيقول: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾([8]).
كما أن هنالك مربعاً آخر، هو من الأهمية بمكان، خصوصاً في هذه الأزمنة التي تتلاطم فيها أمواج المشاكل والفتن في أكثر من مكان ومكان، إلا وهو رفع الاختلاف بين آحاد الأمة ومجتمعاتها. فلم يكن البشر متفقين على شيء بقدر ما كانوا متفقين عليه من الضلال، أما الحق فلم يجتمعوا عليه في يوم من الأيام، والدولة الوحيدة المنشودة والمنتظرة التي تُعدّ لإقامة التزكية، والهداية، والتعليم، والعدالة، وفك الإصر، هي دولة الخلف الباقي من آل محمد (عج) وما عداها فهي دول تبذل جهوداً في سبيل تأمين بعض المربعات، وبقدر ما تستطيع أن تؤمّن من تلك المربعات زيادة، بقدر ما تقترب من السعادة لها وللشعوب المنضوية تحت رايتها، ودونك التاريخ، وما عليك إلا أن تقلب أوراقه واحدة بعد الأخرى، لتجد المصداق على المدَّعى.
لذلك تجد أن علياً (ع) في نموذجه المختصر لواقع الدولة الإسلامية كان ورقة من وريقات التاريخ التي لا يستطيع أن يتجاوز حدودها أحد ممن أعطى لنفسه الإنصاف لنفسه، ولكن هذه الورقة الناصعة عبثت بمعطياتها الكثير من أقلام التاريخ.
وإلى وقتنا هذا، حيث إن الأمة لا ترغب أن توجد لنفسها مشروعاً يساوق ذلك المشروع ويحاكيه، فإنها تبقى تراوح مكانها.
فالإمام علي (ع) جاء للأمة وهي تعيش صراعاً دموياً، حيث انتقل الصراع من الفكر إلى السيف. ففي خلافة الأول والثاني كان الصراع فكرياً، وهو أشبه ما يكون بجمر تحت الرماد، إلا في زوايا ضيقة، ولكن في عهد الخليفة الثالث انتقلت المسألة من كونها صراعاً فكرياً إلى صراع دموي، إلى أن أودى بحياة الخليفة الثالث في المدينة المنورة، في مفردة لا زالت إلى اليوم لا يجرؤ أحد من أتباع أي فريق هنا أو هناك، أن يضع يده على السر فيها، ويرفع الستار عنها لتُقرأ كما هي، فهناك موانع تمنع أن يقترب كل من الفريقين إلى هذه المفردة، ودع التاريخ يحكم.
يقول تعالى: ﴿كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيمَا اخْتَلَفُوا فيه﴾([9])، فهذه الآية الشريفة تعطينا دلالة واضحة على أن هنالك اختلافاً، إلا في حدود ما كان متفقاً عليه من الابتعاد عن حدود التوحيد لله سبحانه وتعالى، صحيح أن الكلمة بينهم لم تكن سواء، فالجميع كانوا يعبدون آلهة متعددة وليس إلهاً واحداً، إلا أن المحصلة هي أنهم متفقون على الابتعاد عن حدود التوحيد. أما الأنبياء فقد أرادوا أن يوحدوا الأمم على الإله الواحد الحق، ولكن عندما صدع الأنبياء بدعوتهم أخذ الناس مسارات متعددة، أي أنهم انتقلوا من صراعات مادية، من مساحات الأرض، وجمع المال، والنفوذ والجاه والسلطة، إلى مساحة المعتقد.
دور السلطات في الاختلاف العقدي:
أيها الأحبة: إن الصراع العقدي بذرته سلطوية، وليست تشريعية كما يتصور الكثير، لأننا متى ما أرجعنا المطلب العقدي إلى مصدره فلا إشكال، لأن التشريع يفترض أن يكون واحداً، والمعتقد صادراً عن كتاب رب الأرباب، وهو القرآن الكريم المنزل على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص) لذلك يفترض أن تجتمع كلمة الجميع على أن الإله واحد، وأن النبي واحد، والدستور واحد، وأن النهاية واحدة، وهي الوقوف بين يدي جبار السموات والأرض، فلو أدركت الأمة أن هذا هو الأساس، وابتعدت بالمشهد العقدي عن لغة السلطان في وسط الأمة، لما وقع ما وقع، وما قد يقع سيكون الأسوأ في الآتي من الأيام. لذا ينبغي على آحاد الأمة أن يكونوا على درجة عالية من اليقظة والحيطة لما يراد لها، وليس بالضرورة أن يراد لها السيِّئ من الخارج في كثير من الأحيان، إنما قد يراد لها السيِّئ من الداخل، بل من خاصة الخاصة، ولأسباب عدة.
فالخلاف الفكري والعقدي والسياسي بينهم قاسم مشترك، ألا وهو الخلاف، فهنا خلاف وهنالك خلاف، اللهم إلا في الروافد التي تصب في صالح كل واحد من هذه له مستوجباتها من جهة ولها أعلامها ورموزها وشخوصها من جهة أخرى.
كما أن الخلاف يمكن أن يوضع في واحدة من دوائر ثلاث:
1 ـ الخلاف الأجوف: وهذا ما يتعاطاه الكثير من الناس مع شديد الأسف، وقد لا يكون حتى رجال الدين والخطباء بمنأىً عن هذه الصفة، وهي الخلاف الأجوف الذي لا محصِّل من ورائه، إلا إثارة البلبلة والمشاكل والهرج والمرج والصراع المستتبع الذي لا يقدِّر المتفوه الأبعاد التي ربما تترتب عليه، والخسارة الكبيرة التي ربما يدفعها أفراد، بل ربما مجتمعات أو دول، حال أنها تنشأ من سذاجة وبساطة وأهوجية.
وفي نظري أنا، وبحسب تتبعي القاصر، وقراءتي الناقصة، أن معظم السجالات الموجودة إنما تأتي من خلال منبر يقابل منبراً، أو محراب يقابل محراباً، أو قناة تقابل قناة، أو موقع يقابل موقعاً، أو غرفة تقابل غرفة، فهي لا تعدو في الكثير من الحالات محيط الخلاف الأجوف الذي لا جدوى ولا محصلة من خلاله تماماً.
2 ـ الخلاف الموجَّه: ومرتكزات هذا الخلاف تكمن أحياناً في الموجِّه الذي يدير حركة الخلاف في وسط الأمة، وأخرى في الموجَّه، وهو في الأعم الأغلب من الطبقة التي لا تمتلك ثقافة للتعاطي مع ما هو المسقط عليها.
وأما الموجِّه فتتعدد رمزياته بسبب ما لتلك الرمزيات من مصالح، وحيث وجدت حطباً توقد فيه النار لتستفيد من الدفء المنبعث منها في الشتاء المقبل، فلا مجال أن نقول: إن هؤلاء ـ حال كونهم يعيشون الترجمة البراغماتية في وسط الأمة ـ سوف يتخلَّون عن لعب هذا الدور.
وقد يكون الموجِّه فرداً، وربما من الأفراد العاديين، ولكن بلحاظ حالة الموجَّه يمكن أن يشغل مساحة متقدمة على تلك الحالة العادية التي يعيشها الإنسان الموجَّه.
وقد يكون الموجِّه خطيباً له أهدافه وأغراضه، لذلك فإنني نبهت من خلال مسجد العباس (ع) في المطيرفي قبل دخول شهر محرم الحرام، أن أولياء الحسينيات ينبغي أن يكونوا على درجة عالية من الوعي والمتابعة اللصيقة لما يصدر من أرباب المنابر التي يصعدونها، وعليهم أن لا تأخذهم في الله لومة لائم إذا ما رأوا أن خطيباً يسعى لشق الصف, أو يحدث الخلل والإرباك في أوساط المجتمعات. وقد حذرت من ذلك قبل دخول شهر محرم، وكنت صريحاً في ذلك أبعد حدٍّ.
وهذه الجماعة قد تتعدى الخطيب العادي إلى رجل الدين، وقد يكون رجل الدين في درجة عالية من التقدير العلمي، إلا أن القضية لا تتعلق بالعلم فقط، فالعلم صفة ورافد مهم، ولكن هنالك الكثير من الأشياء التي لا بد أن تحيط بالعلم، وإلا فسوف يصبح من أخطر المطايا التي يركبها المرء للوصول إلى أهدافه وأغراضه.
وربما يكون هناك من هو أكبر من رجل الدين، بأن تتحرك منظمة أو حزب أو سلطة قريبة أو بعيدة. فربما سقط الإنسان ضحية هذا التوجيه من حيث يشعر أو لا يشعر، ويلتفت حين لا يكون لتلك الحالة من الالتفات ثمرة.
3 ـ الخلاف المؤصَّل لهُ([10]): فالبعض منا يحاول أن يتدخل في الكثير من الأشياء والمفردات، وينعطف مع الكثير من المنعطفات، ولا يتوقف عند الإشارات الحمر، وفي حسبانه أنه وصل إلى مقام لا يصل إليه غيره، لذا يسقط جميع الخطوط الحمراء، بل الأكثر من ذلك أنه لا يعطي غيره اعتباراً.
ومثال ذلك السائق المتهور عند إشارة المرور، فهو يعلم أن هناك جزاءً قانونياً مثبتاً، ويعلم أنه قد يقع ضحية لذلك القانون ويأخذ جزاءه، ويعلم أنه قد يتسبب في إحداث خطر مباشر على روح أو أرواح، فكم تسبب سائقو السيارات المتهورون في إتلاف أرواح أو ممتلكات.
أما في المشرب الفكري فالمسألة أخطر وأخطر، فأن تقتل نفساً بحدِّ السيف، وأن تقتله بحد الشرع واحد، بل هنا يكون الأمر أكثر خطورة، وقوله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً﴾([11])، كما يصدق هناك يصدق هنا أيضاً.
ضريبة الإصلاح:
يتصور الكثير من الناس أن عملية الإصلاح في وسط الأمة أمر سهل، وأن ضريبتها بسيطة، فلو كانت سهلة أو بسيطة لما جرى ما جرى في كربلاء على سبط النبي (ص) وشبل علي (ع) وفلذة كبد الزهراء (ع).
فقد تحرك الحسين (ع) وهو الإمام المفترض الطاعة، من أجل الإصلاح، وكانت الضريبة هي القتل. ونحن عندما نقرأ مسيرة الأنبياء يتصور البعض أن الكثير منهم لم يتعرض للأذى، والحال أنهم تعرضوا للكثير منه، فقتل من قتل، ونشر من نشر، وصلب من صلب، ونزلت بهم النوازل، ولكنهم تخطوا جميع العقبات بصبرهم وقدرتهم والمدد الإلهي المصاحب لحركتهم.
فمن أبسط ما يوجَّه للمصلح أنه مجنون، متهور، لا يحسب حساباً للآتي، وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل ذلك بقوله: ﴿فَقالَ الْمَلأُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُريدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا في آبائِنَا الأَوَّلين ~ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِيْنٍ﴾([12]).
فالأنبياء الذين يبعثهم الله من أجل الهداية قال عنهم الناس: إنهم في ضلال مبين، وهناك العديد من الموارد في القرآن الكريم تبين لنا ذلك. قال تعالى: ﴿قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبِيْنٍ ~ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِيْ ضَلالَةٌ وَلَكِنِّيْ رَسُوْلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِيْنَ﴾([13]).
كما نسب أنبياء الله تعالى إلى السحر: ﴿قالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَليمٌ﴾([14]).
كما نُسبوا عليهم السلام إلى الكذب، فمن باب أولى أن ينسب المصلحون ومن دونهم إلى ذلك. قال تعالى: ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِر ~ سَيَعْلَمُوْنَ غَدَاً مَنِ الكَذَّابُ الأَشِر﴾([15]).
مع الوجدان الحسيني:
قد يسأل سائل: لِمَ هذا الإصرار على الحسين (ع) والتفنن في إبراز المشاعر المكتنزة في النفوس حباً للحسين (ع)؟
هناك أمور عديدة في الإجابة على هذا السؤال:
1 ـ الوفاء للإمام الحسين (ع) على ما قام به من دور في سبيل إصلاح واقع الأمة، وجزاء الإحسان هو الإحسان، وهل هناك إحسان أسدي للأمة أكثر مما أسداه الإمام الحسين (ع) لهذه الأمة؟ ولم يخرج في مقابل ذلك إلا شهيداً مظلوماً.
فالمراسم التي تقام، وإن تفنن فيها أصحاب الولاء فإنها تعبر عن حالة من الشعور المكتنز الذي يبرزونه في طقوس دينية يتعاطونها فيما بينهم، والناس يختلفون في ثقافاتهم، وعرض مشاعرهم، وقراءاتهم، وغير ذلك، وليكن ذلك. فما بين جنبات الفرد الواحد منا أوسع مما بين الأرض والسماء إذا ما كان خالصاً لله تعالى، أما إذا ابتعد عن دائرة الإخلاص لله تعالى فستكون النفس أضيق عليه مما هو فيه، لذا تراه يوزع التكفير والتسقيط والشتم والتضليل هنا وهناك، فينهى عن دخول تلك الحسينية، وسماع ذلك الخطيب، ومشاهدة ذلك الموقع.
2 ـ أخذ الدروس والعبر: فالإمام الحسين (ع) عَبرة وعِبرة، والممازجة بينهما تعطينا الثمرة التي قتل من أجلها الحسين (ع). فدم الحسين (ع) ليس رخيصاً، وكل قطرة منه تعدل الدنيا بما فيها ومن فيها.
3 ـ وضع الأبناء على جادة الطريق الحسيني: فيا أيها الآباء وأولياء الأمور، أيتها الأمهات والأخوات الفاضلات، إن المسؤولية كبيرة، والأبناء أمانة، والطريق واضح، وما علينا إلا أن لا نكون ممن يصد عن طريق الحسين (ع). فلو لم يكن للأبناء الرغبة الأكيدة في التوجه نحو الحسين (ع) فعلينا أن نأخذ بأيديهم إلى الطريق، وأوسع وأسرع سفينة تمخر أمواج الميعاد يوم الميعاد والمحشر هي سفينة الحسين (ع) ابن فاطمة بنت محمد (ص). وأنت أيها المؤمن موعود بذلك، وعلى عهد وميثاق مع علي وآل علي، ومع محمد وآل محمد (ص) أن ينتظرك الجميع هناك في عرصات القيامة، في وقت تكون فيه أحوج ما تكون لمن يأخذ بيدك، ولا يأخذ بيدك إلا هذه الكوكبة النيرة. فما عليك إلا أن تضع يدك في يدها في الدنيا، وتسلم أمرك وقيادك للحسين (ع) لتجده ينتظرك في الآخرة. وما لم يرُق له ذلك فليفتش عمن يأخذ بيده.
يقول النبي الأعظم محمد (ص) لعلي (ع): « يا علي، شيعتك هم الفائزون يوم القيامة، فمن أهان واحداً منهم فقد أهانك، ومن أهانك فقد أهانني، ومن أهانني أدخله الله نار جهنم خالداً فيها وبئس المصير.
يا علي، أنت مني وأنا منك، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، وشيعتك خلقوا من فضل طينتنا، فمن أحبهم فقد أحبنا، ومن أبغضهم فقد أبغضنا، ومن عاداهم فقد عادانا، ومن ودهم فقد ودنا.
يا علي، إن شيعتك مغفور لهم على ما كان فيهم من ذنوب وعيوب. يا علي، أنا الشفيع لشيعتك غداً إذا قمت المقام المحمود، فبشرهم بذلك.
يا علي، شيعتك شيعة الله، وأنصارك أنصار الله، وأولياؤك أولياء الله، وحزبك حزب الله.
يا علي، سعد من تولاك، وشقي من عاداك. يا علي لك كنز في الجنة، وأنت ذو قرنيها»([16]).
أيها الأحبة: علامَ يجري ما بيننا؟ ولم يتعرض بعضنا للإهانة والتقليل من القيمة والسعي في الإسقاط؟
أيها المحب الموالي: لا يخدعنك أحد هنا أو هناك، فليس هناك أعظم من نعمة الولاية بعد الإسلام. بل إن من يمنحك الحب إنما يمنحه لرسول الله محمد (ص).
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.