نص خطبة بعنوان:إظهار العلم وتحريم كتمه

نص خطبة بعنوان:إظهار العلم وتحريم كتمه

عدد الزوار: 437

2013-11-02

 

وجوب إظهار العلم وتحريم كتمه: 

قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِيْنَ يَكْتُمُوْنَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُوْنَ([2]).

في الحديث الشريف عن النبي الأعظم محمد (ص): «كاتِمُ العلمِ يَلعنُه كلُّ شيء، حتى الحوتُ في البحر والطير في السماء»([3]).

وفي حديث آخر عنه (ص): «أيما رجل آتاه الله علماً فكتمه وهو يعلمه، لقي الله عز وجل يوم القيامة ملجماً بلجام من نار»([4]).

وفي حديث آخر عن مولى المتقين علي بن أبي طالب (ع): «إن العالم الكاتم علمَه يُبعث أنتن أهل القيامة ريحاً، يلعنه كل دابة حتى دوابّ الأرض الصغار»([5]).

مما لا شك فيه أن للعلم قيمة سامية، وللعالم فضيلة، لما يتحلى به ويحمل من العلم. وقد أسس القرآن لذلك، ودفعت الشريعة باتجاهه وثبتته. لكن الأخطر في الوجه الثاني أن يتخلى العالم الذي فتح الله عليه أبواب المعرفة عن المسؤولية الملقاة على عاتقه، والرسالة التي يفترض أن يؤديها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

فكثير هم أولئك الذين امتنّ الله عليهم وامتحنهم من خلال منحهم بسطة في العلم، لكنهم لم يقوموا بالدور والمسؤوليات المناطة بهم، وبذلك تشملهم الآية الشريفة والأحاديث التي تشرفنا بذكرها عن النبي محمد (ص) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

فمن الأخطاء الكبيرة التي نقع فيها دوماً أننا نضفي مقام المعصوم (ع) على من ينهض بأعباء النيابة في زمن الغيبة، تحت مسمى (المرجع)، والحال أن المرجعية حالة طارئة في وسط الأمة، وهي في الكثير من الأحايين محمَّلة بالكثير من الأعباء التي نختصرها تارةً داخل أروقة الحوزة العلمية، من درس وتدريس ورعاية لشأن طابور طويل عريض من طلبة العلم، وتارةً أخرى نضيف للمرجعية مساراً آخر، ألا وهو النهوض بالمسؤوليات تجاه المجتمع من حولها.

وقد يكون هذا المجتمع في دائرة صغيرة، كما هو الحال للمرجع في النجف، بأن يكون معنياً بشأن أهلها، أو يكون في قم فيكون معنياً بشأنها، وهكذا الأمور بتعدد أفراد المرجعية، حيث تتعدد المواقع تبعاً لذلك، وربما اشتركوا في موقع واحد. ولكن حيث تصدى العالم المجتهد الجامع للشرائط للمرجعية، فمن المفترض الطبيعي أن لا يتخلى عن مسؤولياته والنهوض بها.  

وتارة أخرى تضاف مسارات أكثر تقدماً، كما لو كان المشهد الإقليمي أو الأممي من حوله يحتاج إلى تدخل مباشر من المرجعية، فمن المفترض أيضاً أن لا تنأى المرجعيات بنفسها ما دامت تنهض بهذا الدور، ولو في حدود معينة، هي النيابة عن الإمام المفترض الطاعة في زمن الغيبة.

وبمعادلة بسيطة لو أن الخلف الباقي من آل محمد (ص) كان موجوداً بين ظهرانينا وأوساطنا، فهل كان يلتمس له العذر أن لا ينهض بدوره ومسؤولياته تجاه الأحداث المتسارعة المتعاقبة المتدافعة التي تخلف وراءها الكثير من الخسائر؟ فإذا كنا نقول: إن المرجعية تعني فيما تعنيه واقع المعصوم في زمن الغيبة، فمن هذه الحيثية (النهوض بالمسؤولية) يفترض أن يكون هنالك على الأقل حالة من الاقتراب من مساحةٍ ما، لو كان الإمام المهدي (عج) موجوداً في حدودها لنهض بها، وهذه حالة طبيعية.

من هنا علينا أيها الأحبة أن لا نستغرب عندما نسمع أن ثمة انتقاداً يبرز من هنا أو هناك، بل إنه أمر طبيعي يفترض أن نتعامل معه أيضاً بكل أريحية وانفتاح، بعيداً عن دائرة استعداء الطرف الآخر، فرداً كان أم جماعة.

كلنا نقرأ في القرآن الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيْ رَسُوْلِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ([6])، لكننا عند التطبيق لا نجد ما يبرهن على أننا نقتدي بالنبي (ص) في مثل هذه المساحات. فلم يكن النبي (ص) يخرج من هذه الدائرة، ولا الإمام علي (ع) ولا الأئمة (ع) وقد عاشوا المعارضة والمحاربة والسجن والقتل، لا لشيء إلا لأنهم نهضوا بأعباء مسؤولياتهم. فكون الإنسان يتعرض للسجن ليس آخر الدنيا، وأن يقتل في سبيل عقيدته ليس نهاية المطاف، فهنالك عالم ينتظر الإنسان، وفيه من النعم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ودعونا مما وُعدنا به من الحور العين والفواكه والثمار والأنهار من الخمر أو اللبن، فلو لم يكن السبق والمبادرة والعمل والبذل والتضحية في سبيل إلا أن نكحل أنظارنا نحن أبناء البشر بنظرة لمحمد وآل محمد (ص) في ذلك الصعيد لكفانا، كيف ونورهم هو مفتاح عوالم الغيب التي لم يطلع الله سبحانه وتعالى عليها إلا الخاصة؟.

المرجعية مسؤولية لا تشريف:

ومن الغريب أن مسلك التبرير هو الذي يُمتطى في الكثير من الأحايين، حال أن هذا المسلك يتعطل في بعض المواقف، ولك أن تسأل: لماذا نبرر لفلان المرجع، ولا نترك مساحة للتبرير لصالح مرجع آخر؟ أو نقبل التبرير لحوزةٍ ما ونرفضه لحوزة أخرى؟ أو نقبل التبرير لمبلِّغ هنا ونرفضه إذا ما صدر من مبلغ في جهة أخرى؟ هل أن الخلل في التبرير بما هو تبرير، كمفهوم ناشئ من مطاطيته القابلة للتمدد والالتواء حتى على نفسها؟ أو أن الإشكالية تكمن في أولئك الذين ادّرعوا ذلك المفهوم، وصاروا يتحركون به في أكثر من اتجاه؟ أعتقد أن الثاني هو الصحيح، لأن المفاهيم لا يُحكم عليها بمثل هذا، فالمفهوم يبقى في عالم الخيال والذهن والتنظير في أحسن ظروفه، لكن ما يحكي ذلك المفهوم هو التجسيد الواقعي الظاهري الخارجي، وهي الممارسة ممن يدعي انتحال المفهوم.

إن المسؤول أولاً وبالذات عن مسارات البناء الجديد هم من نصبوا من أنفسهم على رؤوس أبناء الأمة طبقة متقدمة، بدعوى أنهم الأكثر علماً أو عبادةً أو الأقرب إلى الله.

فأما الأكثر علماً فلنضع عليها أكثر من علامة استفهام. وأما الأكثر عبادة فقد شطب عليها القرآن والسنة المطهرة الصادرة عن النبي (ص) لأن الميزان هو الكيف وليس الكمّ، وإلا فإن العاملة الناصبة لا نجاريها نحن في قيامها وقعودها وركوعها وسجودها وتهجدها في الأسحار.

وأما دعوى القرب من الله فلا يستطيع أحد أن يزكي أحداً على الله سبحانه وتعالى ناهيك عن أن يزكي نفسه على الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوْءِ إلاّ مَا رَحِمَ رَبِّيْ([7]). بل إن الله تعالى أصدر حكماً مسبقاً على النفس بقوله: ﴿فَلا تُزَكُّوْا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى([8])، وقوله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلى الَّذِيْنَ يُزَكُّوْنَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُوْنَ فَتِيْلاً([9]).  

فهذه الأمور الثلاثة تحكمني أنا الإنسان البسيط، وتحكمك أنت أيها العبد المؤمن، حتى نصل إلى قمة الهرم في زمن الغيبة، المتمثلة بالمرجعيات المطروحة، وهي اليوم بحمد الله أكثر من مئة مرجع، وهذه حالة طبيعية وصحية في وسط الأمة، فما دام المراجع يسيرون على ما اختطه محمد وآل محمد (ص) فالحالة طبيعية جداً، أما لو حصل خلاف ذلك فلا بد من التفتيش عن الخلل، فلمَ يكون هذا المرجع يصطدم، ولو من خلال حاشيته، مع المرجع الآخر، وكذا الثالث مع الرابع، وهكذا دواليك، فلا بد من انحراف أو خلل، وربما لا يجرؤ البعض على هذا الكلام، ويرى فيه تهجماً على المرجعية، وهذا عين الجهل المستفحل في رؤوس بعض المعممين.

يقول البعض: لولا ظهور فلان على الفضائيات لبقيت أمورنا طيّ الكتمان، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فمتى كنا نتستر على أمورنا وعقائدنا وأفكارنا وعلمنا وسلوكنا وتوجهنا وأخلاقنا وارتباطنا؟ وفي أي حقبة من الزمن؟ أفي الزمن الذي وقفت فيه الزهراء (ع) تدافع عن رسالة أبيها محمد (ص)؟ أم في الزمن الذي نهض به علي بأعباء المسؤولية وقدم رأسه قرباناً لرفعة دين محمد (ص)؟ أم في الوقت الذي أبى أبو محمد الحسن المجتبى صاحب القبر المهدوم، المظلوم المسموم، أن يتيح للأمة فرصة لتنتشل نفسها من الواقع الذي هي فيه لتعود إلى مبادئ مدرسة النبي محمد (ص)؟ أم في الدور الذي لا يضاهيه دور ولا يجاريه عندما أبى الإمام الحسين (ع) إلا أن يقدم وقوداً للرسالة تستمر على أساسه مسيرتها قاطعة القرون حتى تقف أمانة مسلمة بين يدي ولي الأمر الخلف الباقي من آل محمد (عج)؟

دونكم بيانات الزهراء (ع) وكلمات الإمام علي (ع) وتأملوا في صلح الإمام الحسن (ع) واستنطقوا نصّ الحسين (ع) ثم الكوكبة النيرة إماماً بعد إمام لتروا صدق المدعى.

فمن ينصب من نفسه مرجعاً على الأمة، أو يقدِّم نفسه على أنه مرجع، لا بد أن يدرك أن المرجعية ليست تشريفاً، إنما هي تكليف بامتياز، ومسؤولية ودين. فلسنا في سباق (ماراثون) بين أكثر من عدّاء وعدّاء، ولسنا في سباق للحصول على أمر ما في مجال من المجالات، إنما هو مجال سبق إلى الله، ومسؤولية ثقيلة عظيمة جليلة.

من هنا فإن الآية الشريفة والروايات التي تلوتها لا تحذِّر عامة الناس، إنما تحذر الطبقة الخاصة. فلا مجال بعد للحجة على الله عز وجل إذا جيء بأحد من هؤلاء يوم القيامة على الهيئة التي ذكرتها الروايات والآيات الشريفة.

أقول: إن العالم القائم بمسؤولياته، والمرجع الناهض بواجباته، هو الممثل الحقيقي للمعصوم (ع) وهذا خارج بالتخصيص والتخصص، أما بالتخصص فلما عليه واقع الحال، وأما بالتخصيص فللنصوص الأخرى التي تقيد هذه الإطلاقات.

وخلاصة الأمر أن الحالة اليوم تستدعي الانتباه، إذ لا يمكن أن نكمم أفواه الناس، ولا أن نختصر عقولهم، ولا أن نلغي حيثيتهم، فكما أنك ترى شيئاً لنفسك يرى الآخرون في أنفسهم مثل ذلك. وكما أنك ترى أنك أجهدت نفسك واجتهدت، يرى الآخر أنه بذل أكثر منك ووصل إلى ما هو أكثر مما وصلت إليه، ولا أعني هنا أحداً، ولا أدافع عن أحد، ولا أسمح لنفسي أن أكون في يوم من الأيام تابعاً لأحد، أياً كان، إلا الخلف الباقي من آل محمد (عج)، إلا أن هذه مسؤوليات يجب أن ننهض بها.

فالآية الآنفة الذكر تنكر على هذه الطبقة من العلماء موقفهم. وكذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يَكْتُمُونَ‏ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ في‏ بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ([10]). فأنت أيها العبد المؤمن الطيب المرتبط الممتثل لنهج محمد وآل محمد (ص) سوف لن يعرض الله تعالى بوجهه عنك، أما العالم الذي تخلى عن مسؤولياته فليس له سوى الإعراض عنه من قبل الله سبحانه وتعالى.

ثم إن الله تعالى لن يزكيهم، إنما يختم على الأفواه وتُستنطق الأيادي وتشهد الأرجل. ومن بعد ذلك كله العذاب الأليم، صحيح أن رجل الدين لا يشرب الخمر ولا يستمع إلى الأغاني، إلا أن ما يمكن أن يقع فيه من الذنوب يعدل أضعاف أضعاف شرب الخمر وأمثاله.

خطوات نحو التصحيح:

والسؤال هنا: كيف يمكن لنا أن نصحح هذا المسار؟ الجواب: إننا لا نطالب هؤلاء بالتخلي عن مواقعهم وتسليمها للآخرين، إنما نطالب بترك مساحة لأنفسهم ليسمعوا قليلاً، فربما وعَوا ما نقول، ومن ثم ينظرون في توجهات وأهداف التيار الإصلاحي في وسط الأمة.

يُستفتى أحد المراجع في أحد علمائنا فيجيب: إن أمره لمريب. فأين التقوى والورع في ذلك؟ أما تكفينا دروس من الفتاوى الموجهة المشخصنة فيما مضى والتي دفعنا ضرائبها، حتى تبعث من القبور من جديد؟

إن هناك من يتكلم في القنوات بكلمتين، فتدفع الطائفة الكثير الكثير من الضرائب، وهناك من يتكلم من فوق منبر في الكويت، يسب هذا ويلعن ذاك، ثم يخرج من تلك البلاد سالماً ويعود إلى بلده، فيدفع الضرائب مؤمنو الكويت.

إننا إن لم نلتفت إلى أنفسنا ونراقب الوضع بدقة وعناية فائقة، فسوف يصل الأمر إلينا في ديارنا هذه، ونكون الأكثر خسراناً من غيرنا، فالأصابع المشبوهة التي تمتد من وراء نسيج الظلام الليلي، لتبعثر أوراقنا وتشتت شملنا وتفرق جمعنا وتحطم واقعنا علينا أن نقول لها: كفى متاجرةً بأسماء المراجع في تسقيط الذوات. فبإمكان أيٍّ كان أن يقطّع آيات القرآن الكريم ليسقطها على فلان أو فلان ممن يشاء، والأمر في الروايات الشريفة أسهل، وفي الفتاوى أسهل بكثير. فلم يعد ثمة مجال لمن يسطو علينا بسياط الفتوى أبداً، فالفتوى التي لا يُخشى فيها الله سبحانه وتعالى لا نخشاها أبداً، من أيٍّ صدرت، وكذا لا يخشاها من يحمل مسؤولية على عاتقه، فزمن الحشو، والشعائر الصفوية، والانبطاح، والذيلية غير المبررة، انتهى عهده، فأفيقوا من نومتكم.

إن هذا المسار للبناء الجديد يتطلب منا مراحل ومسارات:

1 ـ ترك مساحة لطرح الأفكار الصحيحة، التي باتت الأمة في مسيس الحاجة إليها اليوم، فالدنيا مرحلية، وهناك الكثير من الفتاوى التي عفا عليها الزمن، وقد أُسست قواعد جديدة، وتم استحداث فتاوى جديدة، ولا يستطيع أحد أن ينفصل عن العصر الذي يعيش فيه. فالشيخ الطوسي (شيخ الطائفة) ذلك الرجل العظيم الذي أسس حوزة النجف، هذا الصرح الشامخ الولود، عند مراجعة ثلاثة من كتبه، وهي النهاية والخلاف والمبسوط، وكلها في الشأن الفقهي، لا نجد ثمة رابطاً بين فتاوى هذه الكتب الثلاث إلا نادراً، فهل يدل هذا على عظمة الشيخ الطوسي (رحمه الله) ؟ أم على عظمة المجتمع الذي عاش فيه؟ أم عظمة المنبع الذي كان يغترف منه، وهو منبع محمد وآل محمد (ص) ؟

إن هذا المسار يتطلب منا مجموعة من الأمور. وسوف أتحدث عنه في خصوص المرجعية وبكل وضوح، ومن أجل شيء واحد، ألا وهو الحفاظ على المرجعية. فكل ما تسمعون من أعلامنا الذين نذروا أنفسهم لذلك، إنما هو من باب الحرص على المرجعية وعلى الطائفة.

فإذا ما أردنا أن نتقدم قليلاً، فإننا نحتاج إلى قراءة صحيحة للنص الديني، وكذا إلى موافقة عملية لتلك القراءة، لا إلى مجرد التنظير. وكم كنت، ولا زلت أذكر مثالاً لذلك، وهو أن السيد الإمام (قدس سره) الشريف عندما تناول مسألة ولاية الفقيه في زمن الغيبة أقيمت الدنيا ولم تقعد، مع أنه لم يأت بشيء جديد على مستوى التنظير، فقد أشار لها الشيخ الطوسي (رحمه الله) وأكدها صاحب الجواهر، وثبت قواعدها الشيخ حسين الحلي، وأبرزها الإمام الشهيد الصدر، لكن الحلقة اكتملت على يدي سيد الأمة وإمامها الإمام الخميني (رحمه الله) عندما أوجد لها تجسيداً واقعياً في العالم الخارجي.

في ذكرى حمزة بن عبد المطلب:

مرت بنا في الأسبوع المنصرم ذكرى شهادة سيد شهداء عصره عم النبي (ص) حمزة بن عبد المطلب، وقد مررنا عليه مرور الكرام، في حين أنه يمكن أن يُقرأ من عدة مسارات، أشير إليها إشارات بسيطة:

1 ـ أن أول مراسم الحزن على الفقيد أقيمت على حمزة عم النبي (ص) في ثوبها المقنن بالشرع، لأن النبي (ص) أمضاها وبذل في سبيل إحيائها.

2 ـ أن الزهراء (ع) عندما أُتحفت بالتسبيح المعهود، كانت مسبحتها من التراب الذي وُئد فيه حمزة، وهذا ما نسقطه على تسبيحنا بمسبحة من قبر الحسين (ع).

3 ـ التمثيل بعد القتل، وهو ما لم يكن مسبوقاً به أحد سواه، وما عسى أن يكون واقع الأمة لو أنها قرأت ما جرى لحمزة على نحو التدقيق؟ فما يحصل اليوم ما هو إلا فرع عن ذلك اليوم، لأن القراءة مبتورة، أو غير مستنطقة ومستوحاة، أو أن المجتمع لم يحاول الإحاطة بها ليستفيد من معطياتها، لذا ترى أكثر من هند تتنقل في أكثر من مكان، وأكثر من أبي سفيان، وأكثر من وحشي ووحشي يتحرك بمديته وحربته في أكثر من موقع وموقع.

وقد أكدتُ مراراً بقولي: لا يظنن أحد أن الشيعة وحدهم مستهدفون، فنسبة ما يقتل من في سوريا من الطرفين يصل إلى 99% من أهل السنة. أما من يقتل في سيناء من المصريين فهو مئة في المئة من أهل السنة، وكذلك في فلسطين، أما في باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان فالنسب متفاوتة، فهذه المجموعة لا تميز بين شيعي وسني، إنما تختزن في داخلها العداء للإنسان بما هو إنسان.

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.