نص خطبة:النقد و أثره على الأمة

نص خطبة:النقد و أثره على الأمة

عدد الزوار: 1700

2016-10-25

الجمعة 19 / 1 / 1438 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

فاح العبير إذا ذكرتُ محمداً   والنور أشرق والظلامُ تبددا

صلى عليك الله يا نبع الهدى   ما طار طيرٌ في السماء وغردا

في الحديث الشريف عن الخلف الباقي من آل محمد (عج) كما عن الطبرسي في الاحتجاج، المجلد الثاني: «يا محمد بن علي، قد آذانا جُهلاءُ الشيعة وحُمَقاؤهم، ومن دِينُهُ جَناحُ البعوضةِ أرجحُ منه»([2]).

النقد في مسير الحضارات:

النقد واحد من أهم سمات التقدم عند الأمم، فالأمة التي لا تقبل أن تُنتقد في مساراتها هي أمة ترغب أن تعيش الجمود والتخلف والاستسلام للموروث المشوه.

والنقد لغةً هو تفحص الشيء والحكم له أو عليه. تقول: نقدت الشيءَ نقداً أنقده. وبه يتميز الجيد من الرديء. وبهذا المجمل انصبّت كلمات أعلام اللغة كما في تاج العروس، ولسان العرب، والقاموس المحيط وغيرها.

أما في الاصطلاح فقد اختلفت كلمات أرباب الفكر والنظر والوعي والثقافة. لكن ما يقرب إلى النفس وما تركن إليه من بين ذلك الكمّ الهائل من الاصطلاحات هو عبارة عن النظر في الشيء، وهو القبول أو الرد قبل الفحص. ولا داعي أن أسهب في معطيات هذا التعريف، فإنني وإن كنت انتقيته من بين ذلكم الكمّ الهائل من التعاريف إلا أن لي عليه ملاحظات، أعرض عنها لعدم وجود الحاجة الماسة لذلك.

وقد تشعبت اتجاهات النقد ثم تحولت إلى علوم، ثم إلى تخصصات، والذين يواكبون حركة المسار العلمي على هذا الكوكب، ويراقبون المشهد الثقافي، ويتقلبون في جنباته عبر المرئي والمقروء والمسموع هم أولئك الذين بمقدورهم أن يحدثوا حالة التماسّ مع ما هو منتج، أما الذين أغلقوا على أنفسهم غرفهم وصموا آذانهم ولم يقبلوا لأنفسهم أن يتقدموا خطوة إلى الأمام، فأمرهم إلى أنفسهم، لكن التاريخ لا يرحم، وحكمه أقسى وأشد مما يتصور هؤلاء.

فالتاريخ عبارة عن موروث حضارة، وقد يكون فيه الغث والسمين، وربما رجحت كفة هنا، وكفة أخرى في موطن آخر، لكنه تاريخ، نقرأ من خلاله ما حصل قولاً وفعلاً، بكل ألوان الطيف التي تُحرّك كاتب التاريخ، وحرك ريشة قلمه لرصدها.

فالحضارة الرومانية لها قيمتها، ولا يتنكر لذلك إلا من لا نصيب له من العلم والوعي والانفتاح. وكذا الحال في الحضارة الفارسية ذات العمق، والأمر عينه في فلسفة الشرق، وهي الهند وما هو دونها.

خصوصية العرب:

والإنسان العربي ليس مفصولاً عن هذا المكون البشري، إنما له خصوصية، فإذا احترم العربي نفسه، واستطاع أن يتخذ من تلك الخصوصية ما يجعل منها معيناً للوصول إلى الهدف، استطاع أن يبلغ الهدف المنشود. وتلك الخصوصية أن الله تعالى أكرم العرب بأشرف بيت على وجه الأرض، وهو بيت الله، وفيه الكعبة المشرفة، وتهفو إليه قلوب المسلمين من شتى أصقاع الأرض، شرقها وغربها. وهذه الكرامة لم تحصل لواحدة من الأمم.

والأمر الآخر أن الإنسان العربي شرفه الله تعالى بمحمد وآل محمد (ص) بحيث اصطفاهم من هذه الأمة الوسط المرحومة، ذات التراث العميق أيضاً، لكن قسوة الأقلام الجائرة على العنصر العربي، وعدم التفات الإنسان العربي لأهمية قيمته ومرتكزه في المكوّن البشري، أدخلنا في هذه الطاحونة، وإلا فإن الإنسان العربي بمقدوره أن يرفع رأسه في كل مكان وفي كل محفل ومشهد ما دام يتدرع بهذه الخصوصية. فالنبي محمد (ص) من العرب، بل هو سيدها، والإنسان العربي يتشرف أن يكون مضافاً لأمة أشرف ما فيها هو النبي الأعظم محمد (ص).

مجالات النقد:

وللنقد مجالات كثيرة، فهنالك النقد الفني. ولنسأل شبابنا الواعي المثقف المنفتح: كم قرأت عن حركة النقد في هذا الجانب؟ ربما شاهد البعض الكثير من المسلسلات والأفلام واللوحات الفنية من الخطوط والرسوم وغيرها، ولكن هل  قرأت ما كتب عنها من النقد؟ فبعضها يحمل السموم لهدم الإنسان من داخل مكوّنه، والناقد الخبير هو الذي يستطيع أن يضع يده على الجرح. وهل دفعتك نفسك في يوم من الأيام أن تقرأ دراسة نقدية لمسلسل جلست أمامه لشهر كامل كما هو الحال في رمضان؟

ثم النقد النفسي، فنحن في زمن فيه الكثير من المصاعب والمشاكل والضغوطات، وبطبيعة الحال سيكون لها انعكاسها على نفسية الإنسان، وبمقدور الإنسان الذي يعيش في نفسه حرجاً أن يلوذ بالناقد الخبير، لا من حيث المصحة المشرعة الأبواب في كل حين، والطريق إليها سهل، والعلاج فيها بالمجانّ، ولكن من حيث ما يحمل أولئك من الصعوبة النفسية، فهل اقترب الناقد من كتاباتهم ومن نصوصهم؟ وهل سمحنا لأنفسنا أن نقرأ للناقدين بعض النصوص الموجودة؟ ويكفي أن يتفوه المرء بكلمة فيما يعبَّر عنه بالموروث المقدس ـ الذي يستبدل أحياناً وبكل سهولة بمفردة المشوّه ـ لتقام الدنيا ولا تقعد، كما حصل لبعض الأعلام (رحمة الله على روحه المقدسة) عندما اقترب من بعض المفردات.

فما هو حالنا مع الجانب النفسي؟ وهل نسمح لأنفسنا أن يقال لنا: هنا خلل؟ أو في النص خلل؟

وكذا الحال في النقد التاريخي: هل يستطيع الخطيب أن ينتقد قضية تاريخية مسلّمة في ذهن السامع المتلقي؟ لا لشيء إلا لأنها ترددت على مسامعه سنين؟ وهل يسمح لذلك الخطيب أن يسبر غور المسألة ويكشف النقاب عن الدخيل فيها؟ إذا وصلنا إلى هذه المرحلة فنحن في مساحة الرشد والتقدم والوعي والنهوض، أما إذا أغلقنا الأبواب أمام بعض الحناجر لخطبائنا الطيبين الموفقين المثقفين الواعين المنفتحين فعلينا أن ننتظر الأسوأ.

إن في التاريخ من الغث ما هو أكثر من السمين بمرات ومرات، ومن يبحث عن مفردة تاريخية صادقة صحيحة  فهو كمن ينقّب عن الماس في الربع الخالي.

أيها الشباب الذين نعول عليهم كثيراً: لا تسلموا عقولكم لأحد، وعليكم أن تزودوها بزاد الثقافة والولاء والصبر. ولا شيء يحصل بسهولة، فلا غنم بلا غرم، شرط أن يحظى المتحرك بمساحته ويحافظ عليها.

النقد الإيجابي:

أما النقد الذاتي فيبدو أنه طامة كبرى، فمن لا يرضى أن تتكلم في مفردة صنعها أحد أرباب التاريخ، ومرت عليها القرون، وأصبحت زاده التاريخي، فكيف يسمح بالنقد الذاتي؟

والنقد لا يكون بالتجاسر والتسقيط والمحاربة، إنما يكون بالمناقشة، فمن كتب نصاً أدبياً يمكن مناقشة ما كتبه بأدب واحترام، والكلام عين الكلام في النص الفكري أو العلمي أو الشرعي أو في الجوانب الأكاديمية من الهندسة والطب والفيزياء وغيرها. فنحن اليوم أبناء القرن الحادي والعشرين الميلادي، ولسنا أبناء القرن السادس الهجري ولا زمن الظلمات. فليس لأحد أن يحكم عقولنا بعقلية أكل الدهر عليها وشرب، لأننا أبناء اليوم. وفي الرواية: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»([3]). وهذا كلام أهل البيت (ع) الذين يطلبون منا أن نكون أصحاب بصيرة قبل أن نكون أصحاب بصر، فليس من العسير على صاحب البصر أن يرى الهلال مثلاً في أول الشهر، ولكن ليس بالضرورة أن من يرى الهلال يرى النص كما يجب، أو حتى حرفين من النص، لوجود ألف طبقة وطبقة من الظلمة على البصيرة، وهي ليست ظلمة مادية، إنما هي ظلمة معنوية، من الحقد والحسد والظلم وأمثالها.

فليس لدينا نصٌّ معصوم سوى القرآن الكريم وكلام المعصومين (ع)، ولا معصوم غير هذا، ولم يدعِ أحد من زمن الكليني حتى زمن الإمام الخميني وإلى يومنا هذا أن كلامه كلام الله، وكل ما يسطرونه من كلام يعقبونه بقولهم: والله أعلم. فلو كان كلامهم معصوماً لما أعقبوه بهذه العبارة، وفي هذا إشارة إلى احتمال الخطأ في المقدمات.

إن النقد لا يعني الترف، وعندما نطالب الشباب أن يقرأوا ويلتحقوا بالدورات أو يتخصصوا بهذا الجانب أو ذاك، فلا يعني أننا نبحث عن إشغال أوقاتهم، إنما نرى وجود حاجة ملحة لذلك.

إنني أكره الطائفية بكل ألوانها، ولكن هنالك أمور لا بد من الوقوف عندها، ونسأل هنا هذا السؤال: كم في الطائفة من ناقد تاريخي أو ناقد اقتصادي أو اجتماعي أو غير ذلك؟ فلماذا لا يكون لدينا نُقّاد؟

أهداف النقد وغاياته:

1 ـ تقوية الثقة بالنفس: فمن ينقد نفسه يعني أنه يتقدم ويصحح الخلل والعطب، وعند تصحيح العطب تقوى النفس، وعلى العكس من ذلك إذا لم يعرض الإنسان نفسه على دائرة النقد، إذ يحصل التراجع والتأخر في معدل الثقة، فتراه يتكلم اليوم ويتراجع غداً.

2 ـ إدراج النفس في منظومة النقد المباشر: فأن يتقبل الإنسان ما يوجه إليه من النقد يعدّ أمراً إيجابياً إذا كان في دائرة البناء، أما إذا كان في دائرة الهدم، فمن لم يقوّ ثقته في نفسه ينعكس عليه سلباً في الاتجاه الثاني، إذ يستسلم بالكامل ويرى نفسه مكتوف اليدين.

3 ـ كبح جماح الغرور في النفس: فإن كنت أقبل النقد من زيد في مقاييس الأدب النقدي، وأترك مساحةً لعمرو أن يمارس النشاط نفسه، عندئذٍ ستكون الجماهيرية والسمو والرفعة مجيَّرة ومقننة باتجاهها الصحيح، أما إذا رفضت النقد فإن النفس ستندفع للأمام. لذلك من الخطأ أن تترك المساحة للمحيط من حولك ليسبّح بحمدك ويقدس لك، ويوافقك في جميع ما تقول، فهذه بذرة سم تتسلل للنفس وأنت لا تشعر. فلا بد أن يكون من أصدقائك من يقول لك: هذا صحيح وهذا خطأ، لتتقبل من كليهما، وتكبح جماح النفس.

4 ـ التخلص من نقاط الضعف.

5 ـ كسب ثقة الآخر: فنحن اليوم بمسيس الحاجة أن نكسب ثقة الجمهور. ومما لا شك فيه أن هناك تراجعاً واضحاً يسود الساحة بسبب الخطاب المتدني الهابط الذي لا يتماشى مع حاجيات الناس، لذلك يبتعدون عن صاحب الخطاب.

فأنت اليوم تخاطب مستويات مختلفة من دكاترة وأساتذة ومثقفين، لا كما كان عليه الحال قبل خمسين سنة، فمن عاشوا في تلك الفترة أدَّوا ما عليهم، وهم آباؤنا وأجدانا نجلّهم ونحترمهم، لكن ثقافتهم قبل خمسين سنة تختلف عما عليه الناس اليوم بشكل كبير. بل إن ثقافة ولدي اليوم غير ثقافتي، والإمكانيات التي تحت يده غير الإمكانيات التي تحت يدي. فلا بد أن نحترم هذا الشباب وهذا الجيل الذي لا يرضى لنفسه غير الكرامة والعزة والشرف والرفعة. فلو أننا تركنا مساحة للثقافة تأخذ دورها نهض المجتمع، وإلا كان العكس.

حاجتنا للنقد:

من هنا نجد أن أهمية النقد تتجلى في مواطن ثلاثة:

1 ـ نقد الموروث المكدس: فلدينا موروث كبير، كتبت الكثير منه أقلام رصينة، كالشيخ المفيد مثلاً، والمحقق الحلي، والشيخ الأعظم الأنصاري، والإمام الشهيد الصدر، وأمثالهم من علماء الأمة. ولكن هنالك أقلام لم يكن أهلها في يوم من الأيام علماء.

لقد علمتنا مدرسة أهل البيت (ع) أنه لا يوجد في تراثنا ما يسمى بالصحاح، إنما هي كتب ومؤلفات ومصنفات لا بد من غربلتها، فليس من العبث أن يضع السيد الخوئي (رحمه الله) معجم رجال الحديث في أكثر من عشرين مجلداً، إنما كان هذا العمل لصيانة الموروث المكدس ليأخذ دوره في الغربلة. فالكثير من الكتب عند الغربلة لا بد أن يوضع عليها خطان متقاطعان، وهو أمر لازم.

2 ـ نقد الحديث: فمدرسة الحديث كذلك أصبحت بلا ضوابط. فمن المسؤول عن ذلك؟

ورد في الحديث الشريف عنهم (ع): «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الإيمان»([4]).

3 ـ نقد النقد في حدود الحركة الفاعلة: فحتى مدرسة النقد تحتاج إلى نقد كي ترشد وتكمل، وهذا هو المعمول به في أوربا.

وأنا لست من دعاة الثقافة الأوربية، وأرجو أن لا يفهمني البعض خطأً، إنما أنا من دعاة ثقافة محمد وآل محمد (ص) الأصيلة غير المشوهة، ولكن ذلك لا يعني عدم الإفادة من النتاج الفكري البشري العالي القيمة، الذي تحرك في مساحة الحرية وعدم الجلد بالسياط.

أبرز مدارس النقد الحديث:

إننا في الكثير من الأحيان نكون أشبه بالنعامة التي تدسُّ رأسها في التراب عند العواصف، ثم ترفع رأسها وإذا بالأشجار تساقطت والحيوانات مشردة والخراب في كل جانب. فلا ندري بما يدور في الدنيا من حولنا، لأننا دسسنا رؤوسنا بعيداً عن المحيط. وأنا والله لا أرضى لنفسي ولا لأبنائي ولا لجمهوري ولا للناس من حولي أن نكون بهذا المستوى من الهبوط في الوعي والثقافة والانفتاح والقراءة والمتابعة والرغبة في التصحيح. أما من يرضى لنفسه ذلك فهو حر ولا شأن لي به.

فمن مدارس النقد في هذا الباب، نقد مدرسة القرآن، فمع بداية النهضة التي اجتاحت الشرق، ووصول انعكاسات الفكر الأوربي، وصل بعض أعلام الفكر والأدب إلى الاقتراب من نقد بعض النصوص القرآنية، وقد أُطلقت وقتها الكثير من الاتهامات بالكفر والردة، رغم أن الحراك كان فكرياً وأدبياً وفنياً وعلمياً، ولا علاقة له بإنكار القرآن الكريم أبداً. فكُفّر طه حسين مثلاً، واتهم العقاد بالإلحاد، وكذلك الرافعي وغيرهم.

ومن مدراس النقد أيضاً نقد مدرسة الحديث. فعندما نريد أن نستنبط حكماً شرعياً تجد أن عملية النقد قوية وفاعلة جداً، وغربلة السند تأخذ الكثير من الوقت، أما في التاريخ فلا تجد من ذلك شيئاً. مع العلم أن تاريخ الأمة لو كان طاهراً شريفاً لما جرت أنهر الدماء في أكثر من مكان ومكان، لكنه تاريخ أسود قبيح الوجه تحركه آليات خبيثة، فمن الطبيعي أن تراه اليوم بهذا الشكل.

ومن ذلك أيضاً: نقد مدرسة الاستنباط، فمن أفضل ما في مدرسة أتباع أهل البيت (ع) نقد حركة الاستنباط، وعلى سبيل المثال عندما كنت أحضر في محضر أستاذنا آية الله العظمى المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني (أطال الله عمره الشريف) كان يستغرق في غربلة رواية واحدة أحياناً شهراً ونصف الشهر! والمفترض أن الحاضرين في درسه يتربَّون على هذه الآلية، فهو يزرع فينا روح النقد والتمرد على الحركة الاستنباطية كي نكبر ونسمو وينتشر الفقهاء هنا وهناك.

وكان السيد الإمام (رض) يحضر درسه أمثال الشيخ المنتظري والشهيد المطهري، والمرجع الكبير الفاضل اللنكراني، فإذا مرّ أسبوع دون إشكال كان الإمام يقول لهم: لسنا في مجلس فاتحة، إنما هو درس واستنباط.

إن طالب العلم منذ أول يوم يضع قدمه في الحوزة العلمية يتعلم فنّ النقد والمناقشة، وعدم الأخذ بالمسلّمات كما هي. لذلك تجد أن طالب العلم غير المتحجر يتقدم في طرحه، أما الإنسان المتحجر الذي يلغي ذاته ليكون تابعاً صرفاً فيبقى في محله.

ومن ذلك أيضاً النقد المباشر بين أبناء المجتمع الواحد. فهنالك من يقبل النقد وهناك من يرفض لأن الثقافات مختلفة، فلا معنى للمفاضلة بين من يقبل ومن يرفض. فمن يرفض حركة النقد إذا لم تكن دوافعه نفسية يمكنه أن يرفض، ولكن على أن يحترم نفسه ويحترم الآخر. أما من يقبلها فهو واعٍ ومتقدم وحضاري ومنفتح.

لقد قلتها وأكررها هنا: إنني سائر في طريق العلم، والحمد لله أنني لست آتياً من المجهول، فأنا ابن هذه الأسرة. جدي هو السيد هاشم المقدس الكبير، وخالي السيد ناصر المقدس المرجع، وعمي الشيخ حسين الخليفة، وغير هؤلاء من ساداتي الذين أتشرف وأعتز بهم، إلا أنني عندما سرت في هذا الطريق جعلت هذا الموروث جانباً، وجعلت المجتمع في مسؤوليتي، وأعتبر أن هذه أمانة على كاهلي، ولو جعلني ذلك أدفع روحي التي بين جنبيّ ثمناً لما بخلت بها في سبيل تقدم مجتمعي، ولو قدر أنملة واحدة. أما لغة التهديد والوعيد، فلا تخيفني ولا تناسب إلا أصحابها.

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.