نص خطبة: المهدي أنشودة المستضعفين وحلم التائهين

نص خطبة: المهدي أنشودة المستضعفين وحلم التائهين

عدد الزوار: 952

2016-06-09

الجمعة 19 / 8 / 1437 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ‏ اللهِ‏ إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾([2]).

المصلح المجدد:

أسعد الله أيامنا وأيامكم بميلاد الخلف الباقي من آل محمد (ص) وأعاد الله المناسبة علينا وعليكم، ورزقنا الله وإياكم شرف النظر إلى وجهه.

الإمام المهدي (ع) أنشودة المستضعفين على وجه الأرض، وتغريدة الأمم البائسة التي تنتظر فرجها بين الفينة والأخرى. والحديث عن الإمام المهدي (ع) بقدر ما فيه من الجمالية يكتنز في جنباته ما هو الأهم، ألا وهو الشعور بالمسؤولية تجاهه.

فالإمام المهدي (ع) لن يأتي بدين جديد، إنما الدين هو الدين، غاية ما في الأمر أنه ينفث فيه روحاً جديدة، فيعيده غضاً طرياً كما كان في عهد النبي الأعظم محمد (ص) شعاره في ذلك المحبة والسلام والرحمة، أما غير ذلك من الشعارات التي يراد لها أن تضاف إلى حركته فهي من المؤامرة عليها كما هو واضح.

والقرآن الكريم يدعونا أن نأخذ من النبي (ص) قدوتنا، والإمام المهدي (ع) النسخة الأصيلة التي تعكس لنا ما كان عليه الرسول الأعظم (ص) في كل تكوينه وعطائه.

إن الدين الإسلامي عبارة عن منظومة من الأحكام والقواعد، إن أخذت بها الأمة والأمم من ورائها رشدت، وحققت السعادة المنشودة، وإن تنكبتها فما هو إلا الضلال المبين الذي يترتب عليه الخسران الأكبر.

لدينا في هذا المضمار مسألتان: الأولى هي المهدي كقضية، والثانية هي المهدي كشخص. أما الأولى فلم يُستثنَ المهدي من كتاب سماوي بالمطلق، إنما تمت الإشارة إليه والتنصيص عليه، ولو تم إعطاء البحث ما يستحق من العناية لربما وقفنا على اسمه الشريف، كما هو الحال مع اسم النبي الأعظم محمد (ص).

وأما على نحو القضية، وهي فكرة المنقذ، فما من دين سماوي أو أرضي وضعي إلا وجعل من هذا العنوان مفردة فاصلة بين جميع التوجهات.

أركان المنظومة الدينية:

والمنظومة الدينية عبارة عن مركب له أجزاؤه وقواعده، أشير على نحو منها على نحو الاختصار:

1 ـ ما يعنى بالأصول الاعتقادية في مسيرة الفرد والأمة: وكلنا يعلم أن القرآن الكريم أسس لهذا المعطى وهذا البعد وتلك القاعدة الكثير، بل إن الآيات المكية لا تكاد تُستثنى منها آية إلا وهي تصب في هذا الاتجاه وتؤسس له. ثم جاءت الروايات عن النبي (ص) وتبعتها الروايات عن أهل البيت (ع) تبياناً لذلك. وتكثرت المذاهب والطرق وشذ من شذ، وثبت من ثبت.

وهنا إشارة بسيطة، وتنبيه لا بد منه وهو: لا ينبغي أن يزايد أحدٌ منا على أحد في عقيدته، فكل يمارس عقيدته بالطريقة التي فهمها، شريطة أن لا يخرج من خلال السلوك الذي يمارسه عن الثابت، أما استنطاق الأصل العقدي فهو شرع سواء للجميع، بل الأكثر من ذلك أنه لا تقليد له بالمطلق، فنحن نقلد مراجعنا في الفروع، أما الأصول فلا نقلدهم فيها، إنما يتعين علينا نحن أن نقف على الأصول، ونخلص إلى نتيجة على أساسها.     

2 ـ التفريعات الشرعية: وهي عبارة عن منظومة واسعة من الأحكام الشرعية التي تؤمّن لنا صحة التعاطي مع ما هو في الخارج عبادة وعملاً. ففي الرسائل العملية هنالك أبواب العبادات وأبواب المعاملات. وهذه تتكفلها الشريعة من النبي الأعظم (ص) مباشرة في زمانه، وكذلك في زمن المعصومين (ع). أما في الغيبة الصغرى فمن خلال النواب الأربعة، وأما في الغيبة الكبرى فما أشرت إليه في الحديث السابق، من أن العلماء أو رواة الأحاديث هم الحجة علينا، والإمام المهدي (عج) حجة عليهم. والعلماء الأعلام الذين يستطيعون استنباط الأحكام الشرعية من مظانها هم الذين يعبدون لنا الطريق، ويؤمّنون لنا الحكم والتكليف.

والتفريعات الشرعية ـ أيها الأحبة ـ ليس بالضرورة أن نقف على العلة التي على أساسها تم تشريع هذا الحكم أو ذاك من أجلها، إنما علينا ـ إذا ما أردنا أن نمنح أنفسنا مساحة في الأخذ والعطاء ـ أن نسأل عن الدليل فقط، أما العلة فتبقى في يد المشرّع، فإن أعطى فيها رأياً  ـ كما هو الحال في مجموعة من الفروع ـ ننظر إلى الطريق، فإن تم سنداً، ولم يصطدم بثابتٍ دلالة، عملنا به، وإلا رفعنا اليد عنه وأرجأنا الأمر إلى أصحابه، وأصحاب الأمر في هذا هم الأئمة المعصومون (ع) وقبل ذلك النبي الأعظم محمد (ص).

3 ـ القيم الأخلاقية في وسط الأمة: فبالأخلاق نسود، والعلم وحده لا يحقق لنا سيادة وريادة، والقوة بما هي قوة لا تحقق سيادة وريادة، وإنما يؤمّن لنا السيادة والريادة على بيوتنا والأمم والمجتمعات من حولنا مكارم الأخلاق.

فالقرآن الكريم والنبي الأعظم (ص) ومن بعده الأئمة المعصومون (ع) زجّوا بالكثير من النصوص التي تعبّد لنا هذا المسار. ولكن، ما هو مقدار تعاطينا لها؟ هنالك آلاف الأحاديث التي تعنى بترميم هذا الجانب، بحيث لو التزم أحدنا بما أسسوا له في طريق الأخلاق، فمما لا شك فيه أن القريب والبعيد يسلم لنا بذلك. ولكن ـ مع شديد الأسف ـ ضاقت الصدور فتخلينا عن الكثير من الثوابت الأخلاقية حتى بات الواحد منا لا يستطيع مقابلة أخيه، ناهيك عن مصافحته، وهذا مرض خطير إذا استمر تحول إلى مرض عضال، وإذا تحول إلى عضال فتك بصاحبه وبالطرف الآخر.

ومما لا شك فيه أن النبي الأعظم (ص) كامل مكمَّل من جميع الجوانب، وشخصيته معنى الكمال المطلق، إلا أننا نجد أن القرآن الكريم لم ينعته بالشجاعة أو العلم أو غيرهما، إنما نعته بالأخلاق: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ﴾([3]). وهو نعت مباشر، وذلك ليقول للأمة: يا من تدّعون السير على نهجه، والانتماء إلى رسالته، هذا هو النبي في مكارم أخلاقه، خذوا من أخلاقه ما أمكنكم، كي تتهيأ لكم الأمور، وتتذلل أمامكم الصعاب، وتفتح أمامكم الأبواب، بالخلق العظيم.

4 ـ الجوانب العلمية: فأبواب العلم فتحت منذ زمن طويل، أي منذ وجود الإنسان على سطح الأرض، إلا أنها اتسعت بعد ذلك حتى باتت شرعاً للجميع.

إننا اليوم في زمن بمقدور ربات الخدور في خدورهن أن يتسنَّمنَ أعلى المراتب العلمية فيه، في جوانب التحصيل العلمي الديني والدنيوي. ولكن لنلتفت إلى الوراء قليلاً، سنجد أن أجيالاً طويت لم تحسن كتابة اسمها، ولا قراءة ما يوجه إليها. فنحن في نعمة كبيرة.

لماذا يحارَب العلم؟

أحد ملوك إيران قبل قرابة قرن من الزمن أصدر قراراً بالحجر على جميع أبناء شعبه أن يتعلموا القراءة والكتابة إلا من يرتبط ببلاط السلطان، وكان يُنزل بهم أشد ألوان العذاب. تصوروا أن تطوى صفحة حياة الإنسان إذا أحسن كتابة اسمه. حتى أن أحد المشايخ من أطراف أذربيجان (ويدعى الملا علي) ، ذهب إلى إحدى القصبات في شمال إيران كي ينهض بمجتمع قريته، يعلمهم القراءة والكتابة، بناءً على أن القرية بعيدة عن متناول يد الشاه القاجاري، وهو نادر شاه المعروف.

وذات يوم خرج نادر شاه لحربٍ مع الأتراك، فوقف في رجوعه على مقربة من تلك القرية، فطلب منهم الماء هو وجيشه، فتقدم له غلام، فسأله نادر شاه عما يحسن، فقال الغلام: أحفظ الشاهنامة([4]). فقال نادر شاه: من علمك ذلك؟ قال: الملا علي. فطلبه الملك، وكان متنكراً بثوب فلاح، ولم يكن يرتدي العمامة. فجيء به بلباس الفلاحين، فقال له: ماذا تصنع مع هؤلاء البسطاء؟ قال: أعمل معهم، أستصلح الأرض وأستنبط الماء، قال الملك: سألتك عن غير هذا. فمن منهم علمته القراءة والكتابة؟ فأخبره بهم، وهم عدد قليل جداً. فأمر مدير الشرطة أن يوقد النار، ويأتي بوعاء يسكب فيه الزيت حتى يغلي، ثم وضع قبعةً مقلوبة على رأس الملا علي، وأمر صاحب الشرطة أن يصب الزيت على رأسه.

فلماذا يحارَب العلم؟ لأن العلم يعني نبذ الجهل، وهو يعني التحرر، وهذا يعني التغيير، والتغيير يفسد المصالح.

فالقضايا العلمية لم يكن ليفتح لها المجال حتى جاءت النهضة الكبرى في أوربا، ودخلت المجتمعات في طور الثورة الصناعية التي قلبت جميع تركيبة أبناء البشر على هذا الكوكب. فكانت الكهرباء، وما ترتب عليها فيما بعد. والطب والفتوحات الكبرى فيه. وعالم البحار وما فيها. والسماء وطرقها. وكل هذه مفتاحها العلم. ومع ذلك تبقى الحقيقة ثابتة كما جاء بها القرآن الكريم: ﴿وَمَا أُوْتِيْتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلّا قَلِيْلَاً﴾([5])، وإذا خرج المهدي (ع) رشدت عقول الناس وكملت، لأن أبواب المعرفة تفتح عليى الناس من كل حدب وصوب.

دعوى التناقض بين العلم والدين:

وهناك شبهات كانت وما زالت تُطرح في وجه الدين والمتدينين، ومنها دعوى أن ثمة تناقضاً بين الدين بالعنوان العام، وبين العلم الذي يسود العالم اليوم، وهذا تجنٍّ واضح، فأول من وضع الأسس للنهضة العلمية هو الدين الإسلامي، الذي سبقته أديان أخرى أيضاً، فالدين بالعنوان العام، من صحف إبراهيم وموسى (ع)، وقبل ذلك الأنبياء، أصّل للعلم والمعرفة، غاية ما في الأمر أن التاريخ لم يصلنا منه ما يؤمّن الكثير من الحيثيات، لكن القدر المتيقن أن الإسلام جاء من أجل النهضة العلمية الكبرى، إلا أن انقلاب الأمة على عقبيها، وانصرافها إلى ملذات الدنيا والفتوحات، عطل عجلة العلم والمعرفة حتى صرنا نستجدي عود الثقاب، وإلا فإن أسياد العلم والمعرفة في يوم ما هم المسلمون. فمن شذب العلم والثقافة في فارس إلا المسلمون؟ ومن أصحر بها في أسبانيا غير المسلمين؟ ومن طرق بها سور الصين دون المسلمين؟ لكن المعادلة انقلبت بما كسبت أيدي الناس.

من عوامل التخلف:

1 ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فمن تلك العوامل، بل العامل الأول أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، سواء صدر المنكر من الحاكم أم من الحكوم، لذلك تأخرت مسيرتهم، فسبقتهم النهضة في أوربا. ونحن اليوم ببركة النهضة العلمية والفكرية والفنية والثقافية في أوربا نعيش هذه المدنية، وكان المفروض بنا كأمة مسلمة أن نصدّر نحن المدنية إليهم، ولكن هذا حال من تنكب الطريق وأدار ظهره للحقيقة.

فالإسلام الذي ابتدأ منطقه بـ ﴿اقْرَأْ﴾ وهي دعوة صريحة للعلم، كيف يتناقض معها أو يضع سداً دونها؟

2 ـ تعارض القيم الدينية مع تقدم أو تطور المجتمعات: فقد ادَّعوا أن الدين يعرقل مسيرة التطور، ولا بد من رفع اليد عنه. فالمرأة عندما تلقي حجابها تتقدم، والرجل عندما يتخلى عن تدينه يتقدم، وإذا تقدم الرجل والمرأة تقدم المجتمع ونهضت الأمة. وهذا كلام غير منطقي أبداً، إلا أن السذجة من الناس، والهمج الرعاع، سرعان ما يلبون دعوة الداعي وينصرفون ذات اليمين وذات الشمال، أو ما إلى هو أبعد من ذلك.

فمتى وقف الدين حائلاً دون النهضة والتطور والتقدم؟ ألم ينهض الدين بالمجتمع العربي ويأخذ به من براثن الجاهلية، ويصل به إلى ما وصل إليه خلال ثلاثة وعشرين عاماً؟ بل ثلاثة عشر عاماً وهو عمر الدعوة في مكة، أو عشرة أعوام، وهو عمر الدعوة في المدينة؟ حيث أشرقت شمس الإسلام بالعلم والمعرفة؟

مواجهة الغزو الفكري:  

ولنسأل عن العوامل التي تساعدنا على الصمود أمام الغزو الفكري المشبوه؟

إننا لا نوصد الأبواب أمام كل فكر، إذ ليس كل ما في الغرب غير مقبول، فهذه قراءة غير صحيحة، إذ إن الكثير من إنتاجهم الفكري مقبول، وآثاره تدلل عليه، ولكن ثمة بؤر يُخشى منها، ومنافذ يخشى من التسلل من خلالها، فلا بد للشباب المؤمن الرسالي أن يتنبه لذلك.

فمن العوامل التي تساعدنا على الصمود:

1 ـ الاستفادة من رصيد الماضي: فلا كلام أن الأنبياء والأولياء والعلماء والمفكرين قدموا الكثير، فلا بد أن نستفيد من موروثنا، وهو موروث ثرّ، غاية ما في الأمر أنه يحتاج إلى مراجعة. فلا أقول: إن جميع ما كتب في الماضي صحيح، ولا أحد يقول بذلك، حتى أتباع المدارس والمذاهب الأخرى ما عادوا يصحّحون كل شيء وصل إليهم في الموروث، إنما باتوا يرفعون أيديهم عن الكثير من الأمور لوجود حالة التصادم والتعارض فيها.

2 ـ العودة إلى المبادئ الدينية والقيم الأصيلة: فليس كل ما وصل إلينا لا بد أن نتمسك به ونقبل به، إنما يجب أن يكون التمسك بالأصيل، وهو ما كان له أساس قرآني، أو مسار من العصمة تم تصحيحه. فإذا تم هذان الطريقان فبها، وإلا رفعنا اليد عن ذلك. لأن الغث يغلب السمين في الكثير من الأحايين، لأن الغث إنما يأتي وليد رغبة أشخاص بأعيانهم، يجيّرون كل شيء من خلال تقديم كل ما لديهم من إمكانيات في سبيل إشغال المساحة التي يراد إشغالها. وهذا واضح كوضوح الشمس.

وفي هذا المسار روافد ثلاثة لا بد أن نلجأ إليها ونستنطقها، وهي:

أ ـ الرافد الديني: وهذا لا يمكن أن نرفع اليد عنه، فالدين عند الله الإسلام، ونحن مع الإسلام، فحيث تم واستقر كنا في مساره ونلوذ به.

ب ـ الرصيد التاريخي: فليس بمقدورنا أيضاً أن نرفع اليد عن جهود الصحابة البررة، والأولياء الأتقياء الذين ضحوا بالكثير، سواء بأرواحهم ودمائهم، أم من خلال ما سطروه من علم ومعرفة وثقافة. فرصيدنا التاريخي يمكن أن نفاخر به، ولكن على أن يشكل لنا دافعاً، لا أن نجعل منه حالة من الغرور الذي يعرقل مسيرتنا عن الاندفاع إلى الأفضل.

ج ـ البناء الفكري: وهذا لا يأتي من خلال المجالس العشوائية والقراءات غير المبنية على أسس محكمة، إنما يأتي وليد القراءة، ومتابعة البحوث والتحقيقات والرسائل التي تصدر في كل يوم، وفي الكثير من الأغراض والمعاني، وأنتم أهل لذلك بما منّ الله عليكم من سلاح العلم، فأكثر الشباب اليوم ـ والحمد لله ـ تخرّج من الجامعة وحصل على الشهادات العليا، وبإمكانه أن يقرأ ويغربل. فالإنسان في الزمن السابق كان يستقي ثقافته من خلال خطيب في أبسط مصاديق هذا العنوان. بدليل أن عجلة النقد باتت وتيرتها في حالة من السرعة والتقدم.

يضاف إلى ذلك الحس الفني والأدبي، فالأمة إذا عاشت فنّها وأدبها رقّت نفسها، وإذا رقّت النفس استطاعت أن تقف على أقدامها.

أيها الأحبة: لاحظوا أن الإسلام ينهى عن المثلة ولو بالكلب العقور، أليس هذا هو منتهى الرحمة والشفقة؟ ولكن عندما تتخلى الأمة عن جانب الذوق الأدبي والفني تدخل في مساحة الجفاف والغلظة، فلا يشفي غليلها إلا الدم، ولا يحقق رغبتها إلا انتهاك الأعراض.

واليوم أيها الأحبة، هنالك عزف على وتر الطائفية وهو وتر بغيض مقيت قاتل مخيف، وعلينا أن لا ننساق وراءه، وأن نكون على قدر المسؤولية وفي منتهى الوعي، بأن ما يجري هو مؤامرة على الإسلام بما هو إسلام.

فالنزق الطائفي سواء صدر من جهة شيعية أو سنية فهو بغيض، وهؤلاء مطايا لا يدركون ما يراد بهم وما يراد بالأمة من وراء فعلهم. فالمرحلة خطيرة ولا بد أن نلتفت وننتبه إليها.

فالإمام المهدي (ع) يخرج بعد أن تملأ الأرض ظلماً وجوراً، لا من خلال فعل البسطاء من الناس، إنما من خلال فعل الدوائر العالمية التي تبعثر الأوراق بين أبناء المجتمعات، وما على أبناء المجتمعات سوى دفع الضرائب، فهنالك مجازر في كل مكان، ودمار للبناء، وقتل للحياة في كل مكان. فما هو المبرر لذلك؟ فمن أجل صنم هنا وصنم هناك، تزهق الأرواح، وتنتهك الأعراض، وتدمر البلاد والعباد. ورحم الله عمرو أبو ريشة إذ يقول:

أمتي كم صنماً قدسته    لم يكن يحمل طهر الصنمِ

فالصنم لا ذنب له، لأنه من خشب أو حجر أو غيره، نحته الناحتون ليعبدوه، فإن كان من ذنب فهو ذنب الصانع والعابد له، لا ذنبه هو.     

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينير دروبنا بشروق أنوار الخلف الباقي من آل محمد. والحمد لله رب العالمين.