نص خطبة: المرأة الإنسانة في مدرسة الإسلام السيدة زينب (ع) نموذجاً

نص خطبة: المرأة الإنسانة في مدرسة الإسلام السيدة زينب (ع) نموذجاً

عدد الزوار: 3277

2019-03-29

الجمعة 1440/7/15هـ - 2019/3/22م

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

غفر الله لنا ولكم، وعظم الله أجورنا وأجوركم، في ذكرى شهادة عقيلة الطالبيين، الحوراء زينب، سلام الله عليها.

تكريم المرأة في الإسلام:

قال ابن الأثير، وهو قطب من أقطاب مدرسة التاريخ: وكانت زينب امرأةً عاقلة لبيبةً جزلة([2]).

اسمها زينب، وهي زينة النساء، وهو اسم علم مؤنث، والزينب: نوع من الشجر، حسن المنظر، طيب الرائحة، وبه سميت المرأة إذا كانت على حظ من الحسن والجمال.

المرأة شريكة الرجل في قضية التكريم من قبل الله سبحانه وتعالى، وليس من حق الرجل أن يبتزها هذا الحق، أو يصادرها هذه المكرمة من قبل الله سبحانه وتعالى، فكما كرم الله الرجل، كرم المرأة كذلك في بنائها المادي، وكذلك فيما أودع فيها من ملكات معنوية.

والأمم تختلف في قراءتها للمرأة بحسب ما تمتلك من رصيد ثقافي وحضاري، فالمرأة في الشرق لها حظها، وفي الغرب لها حظها، منذ قديم الأزمنة، فهي تتقدم أو تتأخر بقدر ما يمارس الرجل من السلطة والإلغاء تارة، أو التعزيز والتكريم تارةً أخرى. وقد يكون الرجل هو الرافع للمرأة أن تتبوأ موقعها في الخارطة العامة من بناء الكون، وقد يكون على العكس من ذلك، ساحقاً لكرامتها، منتهباً جميع الحقوق التي ثبتتها الشريعة لها.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيْرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً﴾([3]). فهم كمكوّن مشترك لهم الأفضلية على الكثير من مخلوقات الله سبحانه وتعالى في عوالم السماوات والأرض، ولم يكن التكريم للرجل حصراً، إنما كان للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.

لذلك نستغرب أن نجد البعض اليوم يحاول أن يتجاوز الحدود، ويسقط ما في ذهنه من قراءة سلبية، على المشهد الإسلامي في ثوابته الأصيلة، فالآية القرآنية قطعية الصدور، صريحة الدلالة لمن كان يمتلك الرؤية القرآنية متجرداً عن جميع الحسابات، أما من كان بخلاف ذلك فهو وما هو عليه، ولسنا عليهم بمسيطرين. يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾([4])، ويقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّيْنِ﴾([5]).

قد يتصور البعض، ويُصوّر، أن الغرب هو أول من يحارب الكراهية التي باتت تنتشر وتضرب في جميع المفاصل، وما حصل في نيوزلندا شاهد على ذلك، إلا أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، فالإسلام هو أول من نبذ الكراهية حتى في اختيار الدين والمعتقد، ومدّ البساط، وترك المساحة كافية لمن يريد أن يعتنق أو لا يعتنق. هذا هو الإسلام في مبدئه الأول، وعلى أساس ذلك حصلت المنطلقات في جميع الاتجاهات.

إن التوأمية بين الرجل المرأة هي أساس البناء الإنساني، فلا نتصور أن هذا الكون يعيش الاستقرار والسمو والارتقاء، ما لم نجمع بين هذين العنصرين: الرجل والمرأة. بل أكثر من ذلك، أن العرب في أدبهم يقولون: ما من رجل عظيم إلا وراءه امرأة. أي أن مظاهر العظمة التي يكتسبها الرجل أسندت إلى وقوف المرأة خلفه. ولا غرابة في ذلك، فالمرأة هي الأم، والزوجة، والبنت، وهذا المثلث من البناء، إذا عاشه الإنسان سليماً فلا يشك أنه يُنتج العظماء، أما إذا حصل الخلل في واحد من هذه الجوانب، ولم يقم واحد من الأضلاع الثلاثة بسدّ النقص الحاصل من غياب أحد الأضلاع، فهذا يعني ـ فيما يعنيه ـ أن لا ننتظر عظيماً، ودونك التاريخ، حتى في مساره النبوي، ولا يعني ذلك أن لا خصوصية خاصة بهم من الله تعالى، فإثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وهذه رسالتي لمن يتصيد ما بين الحروف والسطور.

فالتوأمية بين الرجل والمرأة إذن هي أساس البناء الإنساني، وقد حارب الإسلام فكرة التقليل من شأن المرأة. قال تعالى في وصف الفرد الجاهلي قبل الإسلام: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيْمٌ﴾([6]). أما ما بعد الإسلام، فكانت المرأة معززة مكرمة، حتى لدى أشدّ الناس صلافةً، إلا ما خرج بالدليل، والتجاوزات التاريخية واضحة معدودة، ولكن لا ينبغي أن نصبغ بها جميع جنبات المشهد في القديم والحاضر وما يأتي مستقبلاً.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ‏ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾([7]). فالمسألة ليست مجرد عبادة، إنما العبادة عبارة عن جسر ينقل الإنسان إلى الهدف المقصود، والنهاية المطلوبة. فبقدر ما تتزود من العبادة بقدر ما تحمل معك وقوداً للوصول إلى الهدف. قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوْا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾([8]). ومن أبرز دعائم التقوى التي تدفع عجلتها هي العبادة.

فحقيقة الشراكة بين الرجل والمرأة يعكسها القرآن الكريم بشكل صريح، والخلافة على الأرض للرجل والمرأة، لا كما يستوحيه البعض من خلال بعض الروايات الإسرائيلية أو الموضوعة، التي لا يخلو منها موروثنا الروائي الإسلامي لدى الطرفين، فالروايات الإسرائيلية أو المنحولة الموضوعة، أو المدسوسة، مبثوثة في الموروث الروائي لدى جميع المسلمين، وسوف أضع يدي في يوم ما على بعض المصادر، لأبين ما فيها من ذلك، بالأرقام والحسابات. ومن يرجع لتفسير الميزان، يجد الكثير من الإسرائيليات التي وضع العلامة، المفسر الكبير، محمد حسين الطبطبائي، يده عليها، ووقف على الكثير من مفترقات الطرق، وفتح الكثير من المسارات التي ينتهي من خلالها القارئ والمتتبع إلى آفاق وعوالم جديدة. وكذلك الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله، وأستاذنا الكبير، آية الله العظمى مكارم الشيرازي في تفسيره. فهؤلاء وضعوا النقاط على الحروف بعيداً عن الحساسيات.

إذن، حقيقة الشراكة بين الرجل والمرأة في الخلافة على الأرض، من الأمور المسلّمة التي لا نقاش فيها. فقوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةً﴾([9])، لا يحصر الخلافة بالرجل، إنما هي خلافة الرجل والمرأة، ولو بقي آدم لوحده على وجه الأرض، لما تأتّى للعنصر البشري أن يستمر. كما أن الله تعالى، الذي خلق آدم من تراب، لا يُعجزه أن يخلق له أنثى من جنسه، وليس بحاجة أن يخلقها من ضلعه الأعوج كما تروي الإسرائيليات. فالله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، ولم يخلق الرجل وحده في أحسن تقويم.

فخَلْقُها من ضلع أعوج لا ينسجم مع القرآن الكريم، ولا يتناسب مع قدرة الله تعالى، فلا معنى بعدُ للإصرار من بعضهم على روايات هنا أو هناك لدى الفريقين في أنه خلقها من ضلع أعوج. حيث يُنسب بعضها للنبي (ص) وبعضها لعلي (ع) وهما من ذلك براء.

يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ‏ اللهُ‏ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾([10]). فكل من الرجل والمرأة أولياء بعض، وكل منهما مكلف بالتكاليف الشرعية دون فرق ولا اختلاف. وهذا هو كلام الله الذي يمكن للمرأة أن تحاجج به كل من يحاول التقليل من شأنها، وليس فوق كلام الله تعالى كلام.

المرأة ركن الأسرة ودعامتها:

ثم إن المرأة من حيث الواقع تمثل الحجر الأساس في بناء الإنسان، فهي الوعاء الذي يحتضن الرجل والمرأة معاً، ومهما تحمَّل الأب من المسؤوليات فإنه يبقى في تلك الحدود المحسوبة زماناً وقوة وضعفاً، أما الأم فمنذ أن تُستودع تلك النطفة في قرارها المكين، تبدأ معها الحسابات، فيظهر عليها الحمل منذ الأيام الأولى، فتبدأ الإرهاصات ومعركة الصبر والتحمل، حتى يستهل الحمل فيرى النور باكياً، حيث خرج من عالم الاستقرار والهدوء والسلام، إلى عالم مليء بالخراب والتخريب، والتفجيرات العمياء، وتسقيط الشخصيات، والقتل بدم بارد بالرشاشات، وهتك الحرمات، ومحاربة المجتمعات، وصراع هنا وهناك.

نعم، يخرج الطفل إلى هذا العالم، فتبدأ مرحلة الرعاية الفائقة من الأم، لتسهر الليالي من أجله، وتجوع، وتمرض، فإن خرج من البيت خرج قلبها من مستقره، فلا يقر لها قرار حتى يعود.

ومن هنا أهمس في آذان أحبتي فأقول: أيها الشباب الطيب، لا تتأخروا ليلاً عن منازلكم، فإن ذلك يزعج الآباء والأمهات، ويسلبهم لذة النوم والراحة بعد نهار طويل مليء بالعناء، فالرجل في عمله كادح، والأم في بيتها كادحة. فالسهر خارج البيت ليس فيه سوى الإزعاج للأبوين، والتأخر علمياً وصحياً، فمن يعمل لن يستطيع أن يكون منتجاً متقدماً إذا أتبع عمله بالسهر الليلي، بل إن استقرار الأسرة في البيت لا يتم وأنت خارج دائرة البيت. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ‏ نَفْسٍ‏ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً﴾([11]).

فالله الله في النساء، وأنتِ أيتها المرأة أيضاً: لا تكوني حنّانة منّانة طنّانة، يأتيك الزوج متعباً مرهقاً فتستقبلينه بالطلبات التي تنوء بها العُصبة أولو القوة، وليس الرجل الواحد، ولا تكن الابتسامة آخر ما ينتظره الزوج من زوجته، ولا تنتظري من الزوج أن يبادر في طلب الأشياء بل عليك أن تقرئي ذلك في عينيه، فموقع الزوجة في رعاية بيت الزوجية مهم وخطير جداً. وصياغة الأسرة وترتيبها يبدأ منذ اليوم الأول، يوم كانت البنت في بيت الأبوين.

فالعلم هدف، وسلاح في الوقت نفسه، وهو مطلب الشريعة الإسلامية، ولكن لا ينبغي أن تذهب البنت إلى بيت زوجها وهي لا تحسن صناعة قدح من الشاي، ناهيك عما هو أكثر من ذلك. فلقمة واحدة يأكلها الزوج من إعداد زوجته، تعني له الكثير من الحب، وماذا بعد الحب؟! قال تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في‏ ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾([12]).

فللمرأة دور كبير في الحياة، حتى في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالقرآن الكريم يعطيها الحق أن تكون في مجالس الأعيان، والشورى، والنواب، ومجالس الشيوخ، وأمثالها. والإسلام لم يلغ دورها منذ اليوم الأول، فكانت تُستشار ويؤخذ رأيها، ومن يقرأ سيرة النبي (ص) قراءة صحيحة يجد ذلك واضحاً جلياً.

وبظني أن هؤلاء الذين ينتقدون الإسلام ويحاولون النيل منه وانتقاصه في تشريعاته بخصوص المرأة، لو قرأوا الإسلام بعينين مفتوحتين وقلب مشرق نوراني، لما اتهموا الإسلام تلك التهم الباطلة الجائرة الحاقدة.

يقول تعالى: ﴿وَالَّذينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ‏ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾([13]). ونحن اليوم دخلنا في مرحلة الرزق المشترك بين الرجل والمرأة، فإن احتاج الزوج إلى زوجته فلتكن هي السند، والعكس بالعكس. فلا داعي للذهاب إلى المحاكم وإثارة الخصومات في هذا الشأن. ومن المعلوم أن الزوج تجب عليه النفقة لزوجته، وأن يكرمها، وإكرامُها ليس في لقمة العيش وقطعة القماش فقط، بل على الأقل أن لا تكون أقل مما كانت عليه في بيت أهلها وعشيرتها. أما الأكل والشرب والملبس فهو مظهر من مظاهر الإكرام، وليس هو الإكرام كله. فمتى ما سما الزوج وارتفع بمستواها وشأنها المادي والمعنوي ارتفع هو أيضاً وسما، والعكس صحيح.

زينب (ع) مثال المرأة القدوة:  

من هنا نجد أن زينب (ع) صاحبة هذه الذكرى، لها صفات عظيمة جليلة سامية راقية، وهذه الصفات لم تحصل عليها بين ليلة وضحاها، إنما حصلت عليها بجهد ومواظبة وترويض وتربية.

فالسيدة الحوراء زينب (ع) لها صفات عديدة بعدد المعصومين الأربعة عشر (ع)، فهي: الحوراء، والعقيلة، وزينب الكبرى، والطاهرة، وصاحبة الديوان، والغريبة، والمسبية، وأم المصائب، والعالمة، والمحدَّثة، والعليمة، والمحدِّثة، والصابرة، والسيدة. فهذه أربع عشرة صفة، كلها تبين سموها ورفعتها ومقامها الكبير.

فهي العالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة، والمحدِّثة والمحدَّثة في الوقت نفسه، وكان الإمام علي (ع) يخصها بوقت يستقطعه من وقته، وهذا مظهر من مظاهر تكريم المرأة في الإسلام.

فيا أصحاب الأقلام الملتوية، والنوايا السيئة، يا من تسيئون لزينب والزهراء وخديجة وأمهات المؤمنين، وتسيئون للإسلام أولاً وبالذات: التفتوا وانتبهوا، فلستم أحرص على المرأة من الله تعالى، ولا من رسوله، مهما كنتم.

فهذه المرأة العليمة، العالمة غير المعلمة، كان يروي عنها ابن عباس، وبعض الأقطاب من الصحابة، وكانت تجلس للتفسير في بيتها، وكانت تلقب بصاحبة الديوان، وكان يقصدها من أراد فهم بعض آيات القرآن الكريم.

أما عبادتها فحدّث عنها ولا حرج، يشهد لها ما كانت عليه في أشد الظروف، فقد عاشت محنة كربلاء فلم تترك صلاة الليل، تلك الصلاة المظلومة المضيَّعة عندنا، مع أنها تفتح أبواب الأرزاق، وتعبّد الطرق.

يقول الإمام الحسين (ع) لزينب (ع) ليلة العاشر من المحرم: يا أختاه، لا تنسيني من نافلة الليل. أما نحن فقد لا نوفق لصلاة الفجر، فضلاً عن صلاة الليل.

أما فصاحتها فحدث ولا حرج. يقول أحدهم ممن كان في مجلس ابن زياد: ورأيت زينب بنت علي (ع) ولم أر خفرة قط أنطق منها، كأنها تُفرغ عن لسان أمير المؤمنين([14]).

أما صبرها، فلا يحتاج إلى برهان ودليل، إلا أنه الصبر المحفوف بالتسليم بقضاء الله وقدره، لا كما يصوره بعضهم، من عدم القبول بالأمر الواقع.

كما أنها قدمت مثالاً رائعاً في العناية بإمام زمانها الإمام زين العابدين (ع)، وتدخلت في إنقاذ حياته مرتين، إحداهما في كربلاء، عندما همّ شمر بقتله، فتدخّلت ودفعت عنه الموت. والأخرى في الكوفة عندما همّ ابن زياد بضرب عنقه.

فهل تنبئ هذه المواقف عن امرأة منكسرة أو امرأة شجاعة، تصارع الصعاب من حولها؟

هذه هي زينب الكبرى التي إذا أردنا قراءتها فلا بد أن نقرأها بشكل صحيح، فهي قدوة المرأة المسلمة المؤمنة، بعد أمها الزهراء (ع).

وأما عن بركتها فلا زلنا نراها بأعيننا حتى هذا اليوم، إذ لم يُدفع البلاء عن أطرافها إلا ببركتها، فهي بحقّ كاسحة الإرهاب.

نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.