نص خطبة: المدرسة الفيضية كوكبٌ مزهرٌ في سماء المعرفة

نص خطبة: المدرسة الفيضية كوكبٌ مزهرٌ في سماء المعرفة

عدد الزوار: 742

2012-03-12

 

مساران اعتاد العلماء وطلاب العلم والمعرفة أن ينفذوا من خلالهما نحو الغاية، وهي استنباط الحكم الشرعي من مظانه الأربعة، هما الرواية والدراية، وكلنا يعلم أن رصيد الطائفة من الروايات يشكل أكبر رصيد حديثي بين المدارس الإسلامية، والسر في ذلك أن ما روي عن النبي الأعظم (ص) انقطع بعد وفاته، حيث لا باب يوصل إلا ما أراده باباً موصلاً، وقد أغلقه الكثير من المسلمين على أنفسهم، بيد أن مدرسة أهل البيت (ع) أبقت الباب مفتوحاً على مصراعيه، لذلك امتدت مدرسة الحديث من النبي محمد (ص) حتى القائم من آل محمد (عج). فهناك أحاديث ابتدأ بها الأئمة (ع) وأخرى وقعت جواباً وتوقيعاتٍ وبياناتٍ ووصايا، وهي كلها عبارة عن عناوين لموروثٍ واحد هو الحديث الشريف أو السنة المطهرة، وهذا هو الكنز، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الكنز يعني الغنى، وإنما لا بد من امتلاك المفاتيح التي على أساس منها تفتح مغاليق الأبواب المفضية إلى ذلك الكنز.

والحوزة العلمية هي المصنع الأصيل لتلك المفاتيح التي تفتح بها مغاليق الروايات، كما عبر الإمام الباقر (ع) في حديثه حيث قال: بالدرايات للروايات يعلو المؤمن.

وبالعودة إلى الحديث عن الحوزة العلمية في قم المقدسة نقول: إن هذه الحوزة أحدثت نقلة نوعيةً في الجانب الدرائي والتعاطي مع المرويات الواصلة عن أهل البيت (ع) وكانت الأسباب مهيئة لتلك الحوزة أكثر مما هي مهيئة لغيرها من الحوزات العلمية، إذ إنها حوزة فتية، تتطلع للمستقبل أكثر مما هي عليه في موروثها، وإن كان ما لها من الموروث ما لها، كما أصّلتُ للحديث في أول يوم عنها.

فالموروث، والتركة، والماضي التاريخي، ليس بالضرورة أن يعطي دفعة للأمام، إنما قد يشكل عائقاً إذا تحول إلى مقدس، يكبل العقول، ويلغي وجهات النظر. وحوزة قم، باعتبارها الحوزة الفتية كانت لها تركة وماضٍ، لكن هذا الموروث، لم يشكل عامل ضغط عليها كما شكل على غيرها. وبطبيعة الحال فإن ذلك الموروث كان ممثلاً برجالات العلم وطلاب المعرفة فيها.

إن الدراية للنص أمر مهم، لو أن العلماء والخطباء والكتاب تعاطوا هذا الجانب كما ينبغي، بعد أن يؤسَّس له من أسباب القدرة على التعاطي، بناء على البعد الدرائي، لرشدت المجتمعات، ولكان موقع أتباع مدرسة أهل البيت (ع) أفضل مما هو عليه اليوم، وإن كان فيما هو عليه اليوم من الفضل يحفل بالكثير مما يحسدون عليه.

كانت المدرسة الفيضية كوكباً زاهراً في سماء المعرفة، مشعاً على الأطراف مهما امتدَّ بعدها، وقد وعدتكم أن يكون الحديث عن ثلاثة من أعلامها، ممن أنجبتهم تلك المدرسة العظيمة. لكن عند مراجعتي لسيرة هؤلاء الأقطاب والأركان والأعلام الثلاثة، وجدت أن من الظلم والجناية أن أجمع بينهم في خطبة واحدة، وإنما يفترض أن يعطى لكل منهم ما يستحق، لما تعنيه حياتهم من نورانية وقدس وطهارة، وحركة وعمل.

فالسيد محمد حسين الحسيني الإصفهاني البهشتي، رضوان الله على روحه الطاهرة، يعتبر علماً متفرداً بامتياز، وقد أتحدث عنه كثيراً ولا أوفي، لذلك أكتفي بكلمة لسيد الأمة، رضوان الله تعالى عليه في حقه، وهي كلمة فيها تشخيص دقيق وإعطاء ذي الحق حقه، حيث يقول: عاش البهشتي مظلوماً، ومات مظلوماً، كان شوكة في عين أعداء الإسلام. وقال أيضاً: كان البهشتي أمةً. وبهذا المختصر يمكن أن نطوي صفحة حياة هذا العملاق، لكن لا بد من فك شفراتها، والتدليل على مصداقية هذه العبارة التي هي من جوامع الكلم.

بدأ السيد البهشتي دراسته العصرية في إصفهان، لكن الرغبة الجامحة دفعت به إلى حياض الحوزة العلمية، ولا غرابة في ذلك، فهو من سلالة بيتٍ عرف بالعلم. وهكذا توجه للحوزة العلمية في إصفهان، وطوى مراحل معينة منها، ثم انتقل إلى قم المقدسة، وفيها حضر بحوث الخارج. وانتقى في حوزة قم الأساتذة الذين قرأ في كل واحد منهم ما يمكن أن يأخذ بيده إلى الهدف والغاية، ألا وهي تغيير الذات والمجتمع من حوله.

فمن أساتذته مرجع الطائفة في عصره السيد البروجردي، رضوان الله تعالى عليه، الذي تقدم الكلام عن شخصيته. وكان السيد البروجردي مميزاً في طهارة نفسه وغزارة علمه وانفتاحه، وفي أكثر من جانب. ومنهم المحقق الداماد، إمام السير والسلوك والفلسفة والعرفان، واختص بالسيد الإمام الخميني، رضوان الله على روحه الطاهرة، وعلى يديه أخذ أصول الاستنباط، حتى تخرج مجتهداً من نوع خاص، وانعكس ذلك على معطياته الفكرية والفقهية.

ولم يتخل الشهيد البهشتي عن الدراسة الأكاديمية، وإنما وصلها بالدراسة الحوزوية، فحصل على شهادة الليسانس، ثم الدكتوراه في المعارف الإسلامية، وعلى أساس من هذا فتحت أبواب الجامعة بين يديه، واستطاع أن يتغلغل في الأوساط المتنورة التي تحمل الشهادات أو الانفتاح الفكري والثقافي على المحيط العلمي والثقافي من حولها، وبالمناسبة فإن تلك الفترة كانت من أكثر الفترات حراكاً فكرياً، وإن كان لا يصب في صالح الإسلام والمسلمين، إنما كان أصحاب المد الشيوعي والاشتراكي والرأسمالي قد قامت قيامتهم، ولم يدّخروا جهداً في سبيل أن يضللوا المسلمين عن إسلامهم، ويصدوهم عنه، مع التأسيس لمعالم مدرسة فكر حديث، افترضوا أن يكون على أنقاض مبادئ الإسلام وفكره، ولكن: ﴿وَيَمْكُرُوْنَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِيْنَ([3]).

حاز الشهيد البهشتي على إجازة الاجتهاد مبكراً، فكان من الأفراد الذين استطاعوا أن ينالوا هذا الوسام الشريف المقدس في فترة زمنية قصيرة، إذا ما قيست بمن يقضي من عمره ردحاً طويلاً، ثم لا يخرج إلا خالي الوفاض. وكان ذلك الاجتهاد يحمل نظرة تجديدية في مسار الاستنباط، وقد ظهرت نتائجه في كتابته لدستور الجمهورية الإسلامية في إيران، فمن المعلوم أن الدساتير الوضعية لا علاقة لها بالدين بدءاً وانطلاقاً، ولأول مرة يكتب دستور مدني يستمد قواه من خلال الكتاب والسنة المطهرة، الواصلة عن طريق مدرسة محمد وآل محمد (ص). وهذه العملية تستدعي الاقتدار العلمي والاطلاع على مجريات الأحداث، وقراءة القوانين في الدول المتقدمة، كالقانون الفرنسي والبريطاني والجيكي والهولندي، وهي التي كانت تسوس المنظومة الفكرية، مع تطلع للفكر الشيوعي في روسيا، إلا أن الفكر الشيوعي لم يكن يحمل من الاستحكام ما يؤمّن له طول الأمد، لذا مات شاباً، ولم يبلغ مرحلة الهرم، وربما انتحر انتحاراً.

كان الشهيد البهشتي في دائرة البحث التي على أساس منها يعرض القانون الوضعي المستنتج على ثوابت الدين، وكانت هناك كوكبة من العلماء المجتهدين ـ ومنهم من هو في سطح المرجعية ـ يتحركون في فلكه، وكانت الكلمة الفصل بيده، لا لأنه رئيس المجلس التأسيسي لصياغة الدستور، وإنما لما كان يتمتع به من نظرة خاصة.

ولم يغمض الشهيد البهشتي طرفه عن جانب العطاء في الساحة الخارجية والميدان العملي للناس، وبطيبيعة الحال فإن محيط الحوزة هو المحيط الأقرب، والأكثر إلحاحاً عليه ([4]).

ومما قام به الشهيد البهشتي أنه أسس إعدادية الدين والعلم في الحوزة العلمية، فأحدثت طفرة نوعية في مسار التحصيل وأسس الاستنباط، وهذه حركة تصحيحية من الخارج، فلم يكن البهشتي ليقوض أركان الحوزة بهذه الخطوة، إنما حاول أن يصنع لها الروافد الخارجية، ويفترض بالحوزة أن تحافظ على نمطيتها وهيكلتها على أن تُشَقَّ الروافد من حولها، لتتقوى الحوزة وتتطور، أما أن نجهز عليها من الداخل، فهذا ما لا يحمل من أسس الصحة والصلاح شيئاً.

ثم لم يكتف بهذا، فعندما وُجِدتْ نخبة من طلاب العلم، يرغبون في القراءة العلمية والدينية على نحو فيه شيء من التطوير، اندفع السيد البهشتي إلى مساحة أفضل، حيث أسس المركز الإسلامي لطلاب المدارس العاملين في الحقل الثقافي، فقد التفت السيد رحمه الله تعالى إلى دعوة قرآنية تمثل الرغبة الملحة من السماء في أن يهاجر الناس من الأرض التي هم فيها إلى مواضع أخرى لم يصل إليها إشعاع المعرفة والأحكام، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِي الدِّيْنِ([5]). فقد وضع السيد البهشتي يده على هذه الحالة، وشخص الحاجة الملحة، لذا أسس هذا المركز ودعمه باللغات الأجنبية، حيث انخرط جمع من رجالات العلم وحصلوا اللغات العالمية على نحو التخصص، وهي الإنكليزية والفرنسية والألمانية، وكان السيد نفسه يجيد أربع لغات غير العربية والفارسية، فيكون المجموع ست لغات، يستطيع من خلالها أن يخاطب ستاً من الأمم الكبرى في العالم. ولا زالت الحوزة في قم على هذا المنهج، فهناك المعاهد المتخصصة في اللغات والتخصص فيها. وهذا الأمر أعطى زخماً ودفعاً، بحيث هاجر الكثير من علماء الطائفة إلى شرق الأرض وغربها، وأسسوا المراكز الإسلامية، كما في همبورغ ونيويورك ولندن وأكثر المناطق ذات الحراك والتجمع الطلابي المبتعث من الدول الإسلامية إلى هناك.

كما سعى الشهيد البهشتي في بناء وتأسيس مدرسة حقاني في قم، وهي مدرسة مميزة، لا في بنائها، فإنه في منتهى التواضع، إنما في النخبة المنخرطة في صفوفها. فمن المعلوم لديكم أن الحوزة العلمية تمنح عنواناً كبيراً، وهو (الشيخ)، وهذا لقب اجتماعي مهم، قد يمنح للحاكم أو شيخ القبيلة أو صاحب المال والثراء، أما في الحوزة العلمية فيكفي الفرد أن يدخل في الحوزة ليمنح هذا اللقب والعنوان الكبير. وهنا تكمن المصيبة والكارثة. وقد التفت الشهيد البهشتي لهذه الثغرة، فحاول أن يسدها بما أوتي من قوة، وترك المساحة للحوزة في عنوانها العام تفعل ما تشاء، دون أن يلتفت للوراء. وهذا هو المفترض في نهج من يرغب في الإصلاح، بأن لا يلتفت إلى ما يقال، فالكلام كثير، ومن يتقدم في مشروع ما، أو يسعى للإصلاح فلا بد أن يقدم جراء ذلك الكثير، ولا أقل من أن يسمع من الآخر، وأن يكون صدره واسعاً.

لقد هاجر الشهيد البهشتي إلى ألمانيا، وهو العالم المجتهد، المفكر المبدع، صاحب السلطنة في الأدب العربي والفارسي، ولما وصل إلى تلك المناطق، رأى أن هناك خليطاً من الطلبة، لكن من يتكلمون الفارسية هم الأكثر، والمعروف أن الفرس ينحدرون من العنصر الآري، ومن الطبيعي أن يميلوا لبعضهم، وكان أولئك الطلبة مشتتين يعمهم الضياع، كما هو حال الكثير من الطلبة في ذلك الوقت، ممن لا يرجع منهم مستقيماً إلى بلده إلا النزر اليسير. فلما رأى السيد البهشتي أن الوضع بهذا الشكل، من معاقرة الخمرة ورواج الفحشاء ([6])،  قام بتأسيس مركز لهؤلاء، ومسجد، وراح يؤصّل للفكر الإسلامي في ذلك الوسط، ثم لم يكتف بذلك المسجد الذي تحرك من خلاله، إنما اندفع في مسارات ثلاثة: فقد انفتح على الجوامع من حوله، ولم يجعل من التشيع أو التسنن قيوداً، فكان شخصية محبوبة لدى الفريقين من السنة والشيعة، وكان وعيه ودرايته في منتهى الدقة والسمو، سواء للنصوص الشرعية أم للواقع من حوله. كما تحرك على الجامعات في ألمانيا، واستطاع أن ينفذ في الوسط المثقف ([7])، كما دخل أيضاً في أروقة المجامع الكنسية، واستطاع أن يطرح الفكر الإسلامي الأصيل الناصع الذي ليس فيه شائبة، وأن يفرض عليهم نظرية الوجود، بناءً على معطيات القرآن الكريم الذي جاء به النبي الأعظم محمد (ص) ([8]).

ولما هُجّر من هناك، وعاد إلى طهران، شرع في دروس التفسير، والتف حوله كوكبة، هم اليوم رواد الفكر الحداثي في وسط الشباب في إيران. ومن هنا ندرك الدقة الكبيرة في عبارة السيد الإمام وهو يصفه بأنه أمة في رجل واحد.

وفي طهران أيضاً أسس جماعة العلماء المجاهدين، وهي التي وضعت الخطوط العامة لحراك الشارع أيام التغيير ضد الشاه، وممن تحرك معه في تأسيس تلك الجماعة الشهيد المطهري، والشهيد محمد مفتح، والشيخ  إمامي كاشاني، وهو لا زال حياً يرزق. وبعد فترة من تشكيل هذا المجلس انظم إليهم نخبة من العلماء، منهم السيد القائد حفظه الله تعالى، والمرحوم المشكيني، والشيخ الأملشي. وقد شكلت هذه الجماعة نواة لمجلس قيادة الثورة عندما كان السيد الإمام في فرنسا. كما ولّدت هذه الجماعة مشروعاً جديداً هو الحزب الجمهوري الإسلامي الذي ترأسه واستشهد داخل أروقته مع 72 شخصاً.

لقد لعب الشهيد البهشتي دوراً هاماً في مقارعة الفكر الشيوعي يوم كان هذا الفكر يتسلل للكثير من المنافذ، وقد أشرت في مناسبات ماضية أن من العلماء الذين شخصوا الداء، ووضعوا الدواء، ونطقوا بالفتوى صريحة مدوية، هو الإمام السيد محسن الحكيم، يوم أفتى أن الشيوعية كفرٌ وإلحاد. ولولا أن هذا المرجع العظيم قام بمسؤولياته وأعطى الفتوى دون اكتراث للطرف المقابل، لانحرف جيلٌ من شباب الأمة إلى الشيوعية. ومن هنا نرى أن الشيوعية نفذت بشكل كبير خارج حدود مدرسة أهل البيت (ع) متمثلة بصور مختلفة، بالإضافة إلى صورتها هي، كالمد القومي والعروبي والناصري وغير ذلك، فهذه كلها نتاج الفكر الشيوعي.

ثم تشكل في إيران مجلس القضاء الأعلى، وترأسه الشهيد البهشتي، واستشهد في تلك المرحلة.

وقد خلف هذا الرجل العظيم كتباً لم تكن كسائر الكتب المألوفة في زماننا، فالتأليف على نحوين:

الأول: ما يعتمد النقل والجمع والتصنيف، وهو أمر متعارف، ويكاد يكون سهلاً ميسراً لا سيما في هذه الأيام، حيث الكومبيوتر والمكتبات الإلكترونية، لذا ترى أن الغث والسمين يزداد اليوم في عالم الكتب.

الثاني: التأليف المستند إلى فكرة مبتكرة.

وبالعودة إلى ما كتبه الشهيد البهشتي نجد أن كتبه لم تكن من النحو الأول، فمن كتبه التي خلفها: الله في منظار القرآن، معرفة الدين ([9])، ما هي الصلاة، دور الإسلام في الحياة ([10])، الملكية، الثائر المنتصر: قراءة لحراك الإمام الحسين في كربلاء ([11])،دور الإيمان في الحياة([12])، البنك والقوانين المالية في الإسلام، العلماء في الإسلام بين المسلمين.

وخلاصة الأمر:

1 ـ أن الدمج بين الدراسة الحوزوية والأكاديمية أمر مهم جداً، وقد حان الوقت أن يلتفت رجال الدين لهذا الجانب، فمن كان في الثانوية فلا بد أن يكملها، وكذا من كان في الجامعة، فالمنطق الذي سوف يسود بعد عشرين سنة مثلاً، أن رجل الدين الفلاني ما هي شهادته؟ صحيح أنه عالم فاضل، لكن شهادته الأكاديمية مهمة ومؤثرة جداً، لأنه سوف يكون لديه تلاقح وسعة أفق. 

2 ـ أهمية وعي الفقيه بقضايا الأمة من حوله، لكي يقدم النتاج الذي تحتاجه الأمة، لا أن نقضي أعمارنا في استنباط الأحكام التي تكرَّر استنباطها، فمن أسهل الموارد في الاستنباط تلك التي تمت قراءتها كثيراً، أما المسائل الحساسة ذات المساس بالواقع، فربما ترى أن البعض قد حذفها من الرسالة العملية بشكل كامل، كما في باب الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3 ـ تجسيد النظرية في عالم الواقع.

وأختم كلامي هذا بحديث عن النبي الأعظم محمد (ص)، فقد خرج يوماً وإذا بالمسجد مجلسان، مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال (ص): «كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقِّهون الجاهل، هؤلاء أفضل، بالتعليم أرسلت»([13])، ثم قعد معهم، أي أصحاب المعرفة والتفقه. ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى ذلك.

 

وفي الختام أود أن أشير إلى أننا في ليلة الخميس القادمة بعد صلاتي المغرب والعشاء سوف نكون في خدمة الإخوة للاستماع إلى ما يريدون قوله.

 

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.