نص خطبة: المتأسلمون ليسو أفضل من أسوء العلمانيين

نص خطبة: المتأسلمون ليسو أفضل من أسوء العلمانيين

عدد الزوار: 770

2012-04-16

 

بالعودة للحديث عن حوزة قم المقدسة الكبرى، حفظها الله بلطفه وعنايته، نقول:

عندما انتقل آية الله العظمى، المرجع الأعلى للطائفة في عصره، السيد البروجردي إلى رحمة الله تعالى، تعددت مراكز القرار في المرجعية في أطراف إيران، وكان يقف في الطليعة كوكبة من هؤلاء، أبرزهم آية الله العظمى السيد الكلبايكاني رحمه الله، والميرزا هاشم الآملي رضوان الله عليه، والسيد المرعشي النجفي رحمه الله تعالى، والسيد شريعتمدار رحمه الله، وفي الطليعة من هؤلاء جميعاً والمقدم بينهم، السيد الإمام رضوان الله تعالى على روحه الطاهرة.

إن وجود العالم فيض وعطاء وبركة، فهو ـ كما في الحديث الشريف عنهم (ع) ـ أمين الله في الأرض ([3]) ، ويكون ذلك عندما ينهض بأعباء المسؤولية، ويجسد العلم عملاً في العالم الخارجي، أما إذا تخلى عن دوره، والقيام بمسؤولياته، وتجسيد العلم إلى عمل في الميدان، فإنه ينتظره مؤدى حديثٍ عنهم (ع): «إن شر الناس عند الله يوم القيامة عالمٌ لا يُنتفع بعلمه» ([4]) . ويترتب على هذه القضية «أنّ أهل النار ليتأذون من ريح العالم التارك لعلمه» ([5]) ،كما في الحديث الشريف عنهم (ع) أيضاً.

لقد حاولت الحوزة العلمية في قم أن تخرج عن المألوف، وأن تتمرد على مجموعة من المكتسبات التي حاول أكثر من طرف وطرف أن يُصيِّر منها ثابتاً لا يُمس ولا يُجَس، ومن ذلك النمطية المتوارثة في الشكل، والنمطية المتوارثة في البحث. وربما لا يعنيني الأمر الأول في البحث كثيراً، ولكن لوجود من يتعاطى هذه المفردة، أحببت أن أشير إليها بشيء من التفصيل.

فمثلاً، كان رجل الدين الذي يعتني بهندامه، ويغتسل بين الفينة والأخرى، ويستبدل ثيابه، ويعتني بانتقاء الألوان، ويهتم بأمور أخرى، من قبيل ترتيب اللحية، وإطالة الشعر بحدٍّ يتناسب ورجل الدين في دائرته، يعتبر ضرباً من الخروج عن الثوابت.

وهنا سؤال مشروع: أي ثابت هذا الذي يحاول أولئك السطحيون المحافظة عليه؟ هل أن ترك اللحية دون تشذيب وترتيب هو نتاج نصٍّ مقدسٍ واصل إلينا؟ وهل وصل إلينا نصٌّ أن الأئمة (ع) كانوا شُعثاً غبراً في كل حال من حالات حياتهم؟ كلا والله، لم يكن ذلك كله، فما شعثوا وما غبروا إلا في سوح الوغى أو طريق الجهاد، أما الشعث الغبر الذين يحاولون أن يجعلوها موروثاً لا يُمسّ لا يُحسّ ولا يُجسّ فما هو إلا وليد الاصطناع، والمصطنع لا بد أن تتكشف حيثياته، ولو بعد حين.

لقد حاول الشيخ محمد حسن الجواهري في النجف الأشرف قبل أكثر من قرنين من الزمن أن يحارب هذه الحالة من الموروث الذي لا يبتني على أساس ديني، لذلك اعتنى بهندامه إلى أبعد الحدود، وهو الجد الأكبر لأسرة آل الجواهري المعروفة بقدمها الراسخة الثابتة في باب العلم والأدب. فكان ينفق الأموال ليحدث حالة من التجديد تطال هذا الجانب، وهو الشكل الظاهري لرجل الدين.

وبالعودة إلى ترجمة هذا الرجل العظيم، نجد أنه رمي بكونه ليس لديه الحيطة والحذر في التعامل مع الحق الشرعي.

لقد كانت الأمة عندما ترى رجال الدين في حالة يرثى لها، وأن أحدهم يبدو في حال لو مد يده فيها لما امتنع الناس أن يضعوا فيها ريالاً ليرتب وضعه، في حين أن الأمر ينطوي على الشيء الكثير.

وإني أعتقد أن الرسالة قد وصلت ووضحت، فالقداسة ليست في الشكل، من حيث إهمال الجسم وما يتعلق به، أو الشكل المضاف إلى الجسم، وهو اللباس والعطر، فإن تلك الأمور لا تقدم ولا تؤخر من حيث القداسة.

لقد كان النبي (ص) يعتني بهذا الجانب كثيراً، فكان يرجّل شعره، وكان له ذؤابتان على كتفيه، وكان يعنى بالخضاب، وهو نبي الإنسانية، ومهما بلغ العالِم فإنه يبقى دون مرحلة الإمامة والنبوة بمراحل لا تقاس بحساب البشر الطبيعي.

أليس لنا في رسول الله قدوة وأسوة؟ ثم، ألم يعبر الزمن ويمر؟ فإن كان الناس فيما مضى من الزمن في حالة يرثى لها من حيث اللباس، فلم يعودو اليوم كما كانوا عليه سابقاً، حتى أن أقل الناس شأناً في المجتمعات، كالمجنون مثلاً، أصبح كالأمير في لباسه، فلا يعقل أن يكون المجنون مميزاً في لباسه، ورجل الدين في حالة يرثى لها.

وقد سئل أحد علماء الإمامية عما كان عليه الشيخ الجواهري، إمام الطائفة في وقته، وأستاذ المجتهدين والمراجع، من إنفاقه على لباسه والاعتناء به فقال: أراد الشيخ الجواهري أن يبرز عِزّ الإسلام.

أما الانطباع السائد لدينا فهو أن يعيش رجل الدين في أسوأ الحالات وأقل التقادير، ولا ندري أين نلقي بالمسؤولية عن ذلك؟ هل على المؤسسة الدينية المتمثلة في الحوزة العلمية والوكالة والمرجعية؟ أو على المجتمع الذي لم يلتفت لبعض رجال الدين الذين يقدمون الخدمات الجليلة في سبيل النهوض بهم من واقع إلى آخر؟ ولا أعتقد أن عاقلاً ومنصفاً ينكر ما لرجال الدين من دور في النقلة الكبرى التي حصلت في المجتمع طيلة العقود الثلاثة المتصرمة. ولنا أن نقايس بين ما نحن عليه اليوم وما كان عليه الحال قبل ذلك، فهل كانت المساجد عامرة بالخطب والفعاليات للأخذ بأيدي الناس، أو كانت مجمّدة، بل تحت درجة التجميد؟ وهل كان بمقدور العامي ـ وهو غير رجل الدين في التصنيف، وأنا أتحفظ على ذلك كثيراً ـ أن يجالس رجل الدين على درجة من الأريحية والبساطة من التعاطي في الحديث كما عليه الحال اليوم؟ وهل كانت حالة القداسة والتقديس من قبل العامة من الناس، والجمهور الواسع العريض، أكثر منها اليوم؟ بظني أنها من حيث الكم كانت كذلك، أما من حيث الكيف فلا، فكان التقديس يومذاك لا عن علم ووعي ودرك للمصلحة والعطاء، أما اليوم، فرجل الدين محترم لأنه فرض احترامه.

وفي حديثي عن الإمام الشهيد الصدر الذي مرت بنا ذكرى شهادته، ذكرت أنه ما كان يستجدي من أحدٍ قبلة رأس، ناهيك عن قبلة يد، في الوقت الذي تجد البعض لا تدري أيهما أسبق إليك، رأسه أم يده.

لقد كان الإمام الصدر نجفياً حتى النخاع، إلا أنه كان المظهر الأجلى والأنقى الذي يفترض أن تُقرأ النجف على أساسه، إذا كنا نريد الإنصاف. فلو أراد الباحث والكاتب والمحقق أن يكون منصفاً، فإن الإمام الشهيد الصدر هو الذي يمثل الشمس في أبهى جلالها.  

وقد كان السيد الإمام (رحمه الله تعالى) ممن أحدثوا نقلة في هذا الاتجاه، من حيث اللباس والمظهر.

إن الحوزة العلمية في قم أرادت أن تخرج من هذا الإطار الضيق، حتى في ملامسة البحوث، وهو الجانب الأهم عندي. فهناك العرفان بنوعيه: العبادي، والعملي (السلوكي) والمدرسة الكبرى لهذا الاتجاه في قم، إلا أنها لم تكن تقرأ من خلال (الدَّرْوَشَة) إنما تقرأ من خلال التعمق في الأذكار التي كانوا يتلونها، والممارسة في الخارج مع الناس، والأهم من هذا وذاك، مع الله سبحانه وتعالى، لذلك كانوا يمثلون مظاهر الكمال.

يريد بعض رجال الدين أن يقترب من مساحة العرفان، ولكن في قالب تمظهري صرف، ولا صلة لذلك فيما يعنيه العرفان. فما يتعاطاه بعض رجال الدين في الخارج ليس له أي علاقة بالعرفان الذي يتعاطاه أرباب العرفان في الحوزات العلمية.

إن الحوزة العلمية وجدت نفسها أمام اللابُدّية من التعاطي مع المشهد من حولها، والأسباب الدافعة نحو هذا الاتجاه كثيرة، أقف على مجموعة منها:

1 ـ التوجه العالمي للتجديد الفكري الذي بات يشمل جميع نواحي أوربا. وقد التفت الواعون من رجالات العلم في حوزة النجف وقم، إلى أن القادم شبح مخيف. فاختارت حوزة النجف التكتل على نفسها، حتى جاء الإمام الشهيد الصدر، بيد أن حوزة قم انطلقت في ميدان السباق على أشده، لا في سبيل وضع الكوابح، إنما على سبيل الرغبة في البلوغ إلى هدف ([6]) .

2 ـ الثورة الصناعية العالمية المبتنية على دراسات مادية مركزة لم تكن مألوفة في الوسط الإسلامي، ومن باب أولى أن لا تكون كذلك في أروقة الحوزات العلمية، لأنها الأكثر انطواءً على النفس.

إن من يتصور أن ما نراه من نقلة نوعية في تعدد مسارات الفكر في إيران الإسلام اليوم، هو وليد ساعة، فهو واهم، فلذلك الأمر أصوله وجذوره، وخير دليل على أن للأمر ثوابت وأسساً هو انفتاح الحوزة على الجامعة انفتاحاً كبيراً، وقد أشرت في الحديث عن الشهيد البهشتي والشهيد المطهري والشهيد السعيدي إلى كيفية إحداث حالة الربط بين هذه القلعة الكبرى (الحوزة) والقلعة الأخرى الكبرى (الجامعة) فهم اليوم يحصدون ويتقدمون.

3 ـ الشعور بالمسؤولية أمام الأمة، مع وعي القيادة الروحية، وهذا أمر مهم، بأن يكون رجل الدين واعياً، فأن يكون عالماً أمر ممكن، أما أن يكون واعياً مدركاً، فإنه يحتاج إلى مجموعة من الأمور تشترك فيما بينها لكي يصل إلى حالة من الإقناع للأمة أنه على درجة من الوعي.

إن الحوزة الفتية في قم آنذاك كانت ملتفتة إلى تلك الأمور، لذا تعاطتها بقدر ما أمّن لها الوصول إلى مسافات كبرى، ونسأل الله سبحانه وتعالى لها التقدم.

وقد ترتب على هذه النقلة النوعية أمور يمكن أن نحصرها في أمرين أساسيين:

1 ـ المسار المعروف بتحديث الإسلام، فكأنما الإسلام في ذهنية هؤلاء قد خلُق، وأسدل الستار على نظريته، فهي تحتاج إلى إنعاشٍ وضخ دماء جديدة فيها، على أساس تحريك الأصول والثوابت. وهذا مسار خطر، لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة. فلا يمكن أن نتصور أن يأتي يوم من الأيام يكون فيه الخمر أو الزنا أو قطيعة الرحم حلالاً.

2 ـ أسلمة الحداثة، ففي المسار الأول وقع العلمانيون ومن تأثر بفكرهم من رجالات الحوزة، في الكثير من الإشكاليات.

فمن الشواهد البسيطة على ذلك أن الكثير منكم سمع بالسيد أحمد القبانجي، صاحب الفكر (المتنور) فهذا الرجل معمم، وطالب حوزة، ومصاب في الحرب، ومن أسرة كريمة جداً، إلا أنه وقع في هذه الإشكالية (تحديث الإسلام) فكأن الإسلام تعطل، ويحتاج إلى قوى دافعة جديدة، ولكن على حساب الثوابت، لذا لا داعي إلى حجاب المرأة، ولا داعي لتحريم مصافحتها للرجل، بل ـ على رأي هؤلاء ـ لا يوجد لدينا شيء اسمه ثابت، حتى في أصول المعتقد، وهذه كارثة.

أما ما نحن فيه من أسلمة الحداثة، فنعني به أن العالم يشهد تغييراً، وهذا التغيير إذا ما ترك دون قيد فسوف يأخذ بالإنسان إلى الهاوية. لذا حاول الإسلاميون المتدينون الواعون أن يضعوا القيود لتثبيت الانطلاقة في أسلمة الحداثة، بحيث لا يقع الاصطدام بين المسارين. فالشباب عندما يخرجون من مجتمع مغلق في سلوكياته الاجتماعية، إلى مجتمعات مفتوحة، أو من مجتمع منغلق في مرتكزاته العلمية إلى مجتمعات منفتحة، فلا شك أنهم يدخلون في حالة من الأخذ والرد. ومن يضبط هذه الحالة هو الإسلام والثوابت الدينية، لذا فإن الإسلام لا يعرقل الحداثة، ولا يقف في وجه القراءات المتقدمة حتى عند العلمانيين الذين لا يلغون الثابت. وما نشعر به أحياناً، بين الفينة والأخرى، من صراع فكري، إنما هو ناتج من أحد أساسين:

الأول: الابتعاد عن نقطة المحور من كلا الطرفين.

الثاني: عدم الشعور بالمسؤولية وتغليب جانب الأنا عند الطرفين أيضاً. فالحوزوي يرى الثبات على ما هو عليه، فلا يعنيه الحداثي، وهكذا الحداثي يرى أن الحوزوي لا يعنيه. وهذا نهج مستورد، وليس مولوداً شرعياً في رحم الإسلام، إنما هي حالة مولود غير شرعي، أريد له أن يترعرع في الوسط الديني الإسلامي. ولكن في الفترة المتأخرة ـ والحمد لله ـ أصبح من الواضح أن بساط العلمانيين ـ شاؤوا ذلك أم أبوا ـ بات يُطوى، إما بسبب الدافع للوسط في أوساط الأمة، وهي أيادي الاستعمار، أو شعور هؤلاء بالإحباط، أن مشروعهم لم يصل إلى نتيجة. فعندما تهاوت بعض العروش والأنظمة في الوطن العربي في خريفها، هل تسيّدَ العلمانيون والحداثيون الموقف؟ أو أن مصير الأمة بات في يد طبقة يقدمها نحو الاتجاه العنوان لا غير.

إنني لا أعتقد أن المسارات التي حسمت مجموعة من المواقع لصالحها تعني الإسلام، بل بالعكس، سوف يدفع الإسلام والإسلاميون ضريبة ثقيلة جراء ممارساتهم، إذا ما بقيت الأمور في أيديهم إلى نهاية المطاف، والحر تكفيه الإشارة. فهؤلاء المتأسلمون سوف لن يكونوا أرحم بالأمة من العلمانيين في أسوأ حالاتهم.

إن أتباع مدرسة أهل البيت (ع) رأوا أن الاصطدام بين هذين المسارين حتمية، والنتيجة المترتبة على هذا الاصطدام ستكون بمنتهى الخطورة. وعندما نهض السيد الإمام بمشروعه التصحيحي والنقلة في مسار الأمة قاطبة، بل الإنسانية عامة، شخّص أن هذه الأمور تأخذ مساربها في أوساط الأمة، فأراد أن يجتثها من أصلها ([7]) .

دخل السيد الإمام ذات يوم إلى حرم السيدة المعصومة (ع) للسلام عليها، فاستوقفه أحد رجال الدين الذين يعبر هو عنهم بالمتقدسين ([8])، فقال له: دونك تلك المرأة التي تتوضأ والناس ينظرون إلى يديها([9]). فقال له السيد الإمام: وكأن المنكر اختُصر في هذه المرأة، دونك من هو السبب في ذلك ([10]).

أقول: إن هناك مسالك ثلاثة ترتبت على المجابهة بين التيارين الإسلامي والحداثي:

1 ـ المسلك النفعي في التعامل مع الإسلام كمعتقد ديني يستفاد منه عند الصراع مع الطرف الآخر، وقد اتضح هذا الأمر في أفغانستان عندما حورب الروس على أساس الدين، وقد لبس المحاربون هناك عباءة الدين، وإلا فإنهم والدين على طرفي نقيض. وقد رأيتم ما حصل فيما بعد من محاربة للدين في العمق.

2 ـ المسلك العقدي، الذي يتخذ من الإسلام عقيدة نظرية في سبيل الإصلاح السياسي والاجتماعي، وهؤلاء يتفاوتون فيما بينهم شدة وضعفاً.

3 ـ المسلك الفقهي التقليدي، وهو وإن كان صاحب نزعة سياسية في الداخل، إلا أنه يحاول أن ينأى بنفسه، لما ذكرناه أولاً من منشأ القداسة. فهؤلاء يرتكزون في حراكهم ومشروعهم على السلوكيات العامة، وأخلاقيات الدين، والمحافظة عليها قدر الإمكان، ولكن في حدودها الضيقة. وكم دفعت الأمة بسبب هذا المسلك من الضرائب.

أما السيد الإمام رضوان الله عليه فكان يرى أن التغيير والتصحيح في الحركة الأولى صدر من عاشوراء، بيد الإمام الحسين (ع) وأن الشجرة لا تورق حتى تسقى، وأن الحركة التالية لا بد أن تكون من ذلك الطراز، فأعلنها وبدأها في عاشوراء، صريحة أمام الخاص والعام، بأن الأمة وصلت إلى حالة لا بد فيها من إحداث حركة تغييرية، وأن الإسلام بلا تلك الحركة سوف يقبر وينتهي.

أقول: طوبى لمن كانت أعمارهم اليوم في الخمسين، لأنهم كانوا يعون ويدركون تلك النهضة والحركة التغييرية، أما من كانوا فوق الخمسين فلا شك أن الرؤية لديهم كانت أكثر وضوحاً، لما كان عليه الناس من قبل، وما هم عليه اليوم من الدين.

إن الإسلام لا يعني الصلاة والثوب القصير والسروال الطويل، وما إلى ذلك من المظاهر، إنما هو سلوك وطهر ونقاء وذوبان في الله وفي محمد وآل محمد (ص).

تنبيهات:

في ختام حديثي أود أنبه إلى بعض الأمور:

1 ـ ذكرت فيما مضى ـ ولا أريد أن أكرر كثيراً ـ أنني من دعاة الاحتياط كثيراً في التعاطي مع بعض وسائل التكنلوجيا الحديثة التي صارت في متناول أيدينا هذه الأيام، فهذه نعمة، ونرجو أن لا تكون نقمة علينا وعلى شبابنا ومجتمعاتنا، فأرجو أن لا ندخل في مداخل نحن في غنىً عنها، فلا بد إذن من الحذر، والذكرى تنفع المؤمنين.

2 ـ ينبغي الانتباه إلى خطورة الإشاعات، فما حورب الإسلاميون في تاريخهم بسلاح أبدى مفعوله في أوساطهم أبلغ من الإشاعات، وما الإشاعة إلا كذبة، إلا أنها كذبة مدروسة.

ومما ينبغي أن أذكره أنني أتابع إذاعة  BBC بلغتين، فألاحظ أن ما يريدون قوله للعرب يقرأون فيه ذهنية العربي، وما يريدون قوله للفرس يلاحظون فيه ذهنية الفرس، فلم لا نكون أكثر وعياً منهم؟

هنالك إشاعات حول الأشخاص والبيوت والجهات، ولا بد أن نحتاط منها غاية المستطاع. من قبيل أن فلاناً يعمل للجهة الفلانية، أو أنه من التيار الفلاني، فإن ذلك سوف يؤدي إلى الشك في أقرب الناس من الإخوان وغيرهم. فالقاعدة التي أؤمن بها أنك لا تفعلْ خطأً، ولا تخف من أحد.

3 ـ أذكّر أيضاً بصدقة الشهر، وأن الصدقة تدفع البلاء، وتطيل العمر وفيها ما فيها من الخير. 

4 ـ في ليلة الجمعة القادمة تحل علينا ذكرى أربعينية العلامة المقدس الشيخ علي المسبّح، وهو رجل دين عاش لنفسه ولمجتمعه ويستحق وقفة تقدير. وسيكون ذلك في الحسينية العباسية في البطالية. 

نسأله سبحانه تعالى أن يأخذ بأيدينا وأيديكم، وأن يوفقنا وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.