نص خطبة: القيم التربوية في مدرسة الإمام الحسين

نص خطبة: القيم التربوية في مدرسة الإمام الحسين

عدد الزوار: 3371

2015-11-30

14 / 2 / 1437 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته. وأشركنا الله وإياكم في صالح أعمال من وصل إليه، وكتب الله لهم السلامة في ذهابهم وإيابهم.

الآداب الحسينية:  

في الحديث الشريف عن يعلى بن مرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط». أورد هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل، والترمذي في صحيحه، والطبراني في المعجم الكبير، وابن ماجة في سننه، والمجلسي في بحار الأنوار، والمفيد في الإرشاد، وغيرهم. بمعنى أن هذا الحديث يشغل مساحة عند الفريقين حيث تصدى لها كبار حملة الحديث والرواية، وهم من الأعلام عند فرقهم، يحسب لكل منهم ألف حساب وحساب.

إن الإمام الحسين (ع) مدرسة مترامية الأطراف فيها منظومة كبرى من الآداب النفسية التي ينبغي أن يستفيدها الإنسان الحسيني في زيارته ومعتقده وتعاطيه مع الحدث.

فمن خلال مشهد كربلاء يأخذنا الإمام الحسين (ع) إلى مساحات متعددة ينبغي علينا أن نحط رحالنا فيها، وأن نتلفت ذات اليمين وذات الشمال لكي تكتمل الرؤية عندنا، ثم نستطيع جميعاً أن نستوحي من الحدث ما يمكن أن يشكل لنا نواةً لشجرة وارفة الظلال، فلا أن نتعاطى الحدث على سبيل مرور الكرام كما يحصل للبعض وإن تمظهر في أكثر من لون ولون.

1 ـ الإخلاص:   

فالأدب الأول هو النية والإخلاص القلبي حين أداء التكليف. والنية أن يتوجه الإنسان من خلال العمل الذي يرغب أن يقوم به إلى الله سبحانه وتعالى تقرباً، لتكون الركيزة الأساس فيه في ميزان القبول والرفض هو الإخلاص الذي يتماشى من حين انعقاد النية حتى يتقضى آخر فصل من فصول التكليف. وهذا الأمر إذا ما تأتّى للإنسان المكلف شعر عندها بما للتكليف من قيمة وأثر يتعاطاه، لا أنه مجرد طقس يمارسه في زمن معين، ومكان معين، وكيف معين، لأن هذه المرحلة يشترك فيها الجميع، لكن ما ينفرد به الإنسان الكامل هو عندما يستطيع أن يبني أسس التكليف على نية خالصة لله سبحانه وتعالى.

2 ـ اختيار القدوة الصالحة:

أما الأدب الثاني من الآداب التي نستوحيها من كربلاء، ومن خلال مدرسة الإمام الحسين (ع) فهو اختيار القدوة الصالحة كي يكون نموذجاً أكمل في الحياة ومساراتها. ففي واقعة الطف ثمة أناس انعقدت نياتهم على أمر في المدينة ولكن سرعان ما رفعو أيديهم عنه عندما حطوا رحالهم في مكة، حال أن هؤلاء كانوا محرمين، ويفترض أن يكونوا أقرب مساحة ومسافة مما ينبغي أن يكون العمل متوجهاً إليه، لكنها إخفاقة تخلّوا بموجبها عن الإمام الحسين (ع) لأن النية شابها ما شابها، فأدى ذلك إلى خلل كبير في تشخيص القدوة الصالحة.

وعندما حل الإمام إحرامه ويمم شطر العراق تخلت جماعة أخرى عنه أيضاً، والسر في ذلك أن القدوة الصالحة الكاملة لم تكن مستقرة في وجدانهم، إنما كانوا يتعاطون التعامل معها على أساس قوالب التمظهر التي تحكم الكثير من المساحات اليوم.

وبمثال بسيط جداً ما يتعاطاه معظم الناس مع رجالات العلم بتقبيل الأيدي والخضوع، في حين أن الله تعالى كرمنا ولا يرضى لنا نخضع أو نسجد إلا له. وكذلك تقبيل الرؤوس التي تستحق أحياناً أن تُقبّل، لكن النتيجة أن من يقوم بهذا الفعل جعل ممن يقبله قدوة، فإن لم يكن كذلك فعليه أن يراجع الحسابات في مستوجبات تقبيل الرأس.

أيها الشباب: نحن اليوم تقدمنا كثيراً، وهذا ما لا يمكن أن ينكره أحد إلا مكابر، فنحن نعيش نقلة نوعية جداً، بما تحمل الكلمة من معنى، وهذا يحتم علينا أن نحمل شيئاً من الماضي لنقرأه ونبعثر أوراقه ثم نقف على الصحيح السليم منه لنندفع في الاتجاه المقابل.

من هنا، ولكي أضع الشيء في موضعه لا بد أن أشخص من أرغب أن أطبع قبلتي على رأسه، وهذا مطلب أساس نادى به الأنبياء والأولياء والمصلحون عبر التاريخ. فلا بد إذن أن أسأل: ما الذي أضافه لي هذا الشخص؟ وما الذي يمثله ويشغله في مسيرة حياته؟ وبعبارة أخرى ما الذي أستفيده بعد ذلك حتى أصل إلى النتيجة والهدف؟

فالقدوة الصالحة مهمة جداً. ولأن البعض ممن كان حول الإمام الحسن (ع) لم يقرأ فيه القدوة الصالحة، فقد تركوه رهين ظرف يفرض عليه التخلي عن الخلافة الظاهرية، والدخول في مساحة الهدنة التي لا ينطبق عليها عنوان الصلح إلا في مساحات معينة عليها الكثير من الملاحظات. وعلى كل حال أن الإمام الحسن (ع) بقي رهين وضع معين كان لا بد من خلاله الدخول في ما دخل فيه.

أما الإمام الحسين (ع) فرغم أنه ضرب الرقم الأعلى في مقاييس التضحية إلا أنه أجبر أيضاً  على واقع من هذا القبيل، وإن كان (ع) يصرح قائلاً: لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إلا أن مسار النص التاريخي من المدينة إلى الكوفة ينبئ عن أن مجموعة من الفرضيات كانت تطرح نفسها، إلا أن الإمام الحسين (ع) كان يحيد عنها، لأنه كان يعرف مع من يتعامل. إنه لا يتعامل مع الذوات من حوله، إنما يتعامل مع الذات المطلقة، وهو الله سبحانه وتعالى، لذلك يُقدم على التضحية بهذا الكيف الذي لم يكن مسبوقاً، من أجل قضية كبرى، إلا أن الجماعة الذين من حوله لم يكونوا بمستوى الحدث، سوى النخبة التي استطاعت أن تقف في كربلاء ذلكم الموقف الخالد، وتقدم أرواحها قرابين في سبيل الهدف، لأن القدوة لا زال شاخصاً أمام عيونهم، وآثاره المعنوية مستقرة في نفوسهم، لذلك لم يحيدوا عنه قيد أنملة واحدة، وواكبوا المسيرة.

فما أحوجنا اليوم أن نبحث عن القدوة، فعندما نصل إلى تشخيص القدوة في المجتمع ونسير وفق معطياتها، نستطيع أن نحقق الكثير من المكاسب وإلا ستبقى الأمور في محلها.

3 ـ التوكل على الله:

من الآداب المعنوية التي حاول الإمام الحسين (ع) أن يغرسها في وسط الأمة التوكل على الله في جميع الأمور ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾([2]) فالإنسان بطبعه طموح، والإنسان الناضج الواعي المدرك هو من ينظر إلى الأمام ولا يلتفت إلى الوراء إلا بقدر ما يستفيد ويستجلي من الدروس، وإلا يفترض أن تكون النظرة التي من خلالها يبصر ما حوله بعيدة المدى، وهذا هو المطلوب.

لقد تحرك الإمام الحسين (ع) وفق مبدأ التوكل على الله تعالى الذي هو كافيه، لذلك وصلت هذه النهضة والحركة المباركة إلى ما وصلت إليه كما سوف أشير.

4 ـ التحلي بحلية الصالحين:

وهذه الحلية واضحة بينة تُسمع من خلال منطقهم وما يتفوهون به من الحكم والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والنصوص التي تطفح أدباً وتتفرع في أكثر من اتجاه واتجاه.

إن القوالب اللفظية ظروف لمعانٍ، فعندما يطرق أسماعنا شيء من النصوص القرآنية أو السنة المطهرة أو الأدب العربي الذي فيه الكثير من المعاني السامية فعلينا أن لا نقف عند القشور، وهي الألفاظ المركبة المترادفة أو المشتركة أو ما إلى ذلك، إنما علينا أن نسبر غورها ونغوص في أعماقها، لنجد فيها الجواهر واللآلئ المكتنزة التي يفترض أن نستنبطها نحن، فأولئك لم يتكفلوا ببسط المقال بعيداً، لأنه خلاف مقتضى الحال، فعلينا نحن أن نشعل في داخلنا جذوة العلم والثقافة والفكر التي نستطيع على أساسها أن نقتنص ما يمكن اقتناصه.

فأصحاب الحلية من الصالحين هم أناس أجهدوا أنفسهم بالعبادة والطاعة. يقول أحد المؤرخين لواقعة الطف وهو يصف أنصار الحسين (ع): باتوا تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، بين قائم وقاعد، وراكع وساجد، وتالٍ للقرآن. هذه هي حلية الصالحين. لذا علينا أن نسأل أنفسنا: ما هي علاقاتنا بكتاب الله الذي كان واحداً من مظاهر حلية الصالحين في كربلاء، ليكون الواحد منا حسينياً عاشورائياً؟

5 ـ عزة النفس وعلوّ الهمة:

فحيث إن الله تعالى كرّمنا وقلدنا وساماً رفيعاً، وهو العقل، فعلينا أن نستنطقه ونستحثه ونستنهضه إذا ما تسلل إليه شيء من الركود. فالعقل سيد الجوارح، ولا بد أن نجعل الجوارح مسودة له، فلماذا هذه الانتكاسة الخطيرة في التعامل مع سيد الأعضاء؟ لقد كُرّمنا بالعقل، وبه تعرفنا ربنا ونبينا الأعظم محمد (ص).

إن في الحياة طرقاً ومناهج تتقاطع وتتواصل، لكن سيد الموقف فيها هو العقل الذي يتحرك من خلال ما زُوِّد به، فعلينا أن نعمد إلى إثرائه من خلال ما نقرأ. وإذا أردنا أن نقرأ فعلينا أن نقرأ بعناية.

6 ـ الحفاظ الواعي على التكاليف الدينية:

وهذا أيضاً من الأمور التي أراد الإمام الحسين (ع) للأمة أن تنهض به. فالكثير من الناس يأتي بمجموعة من الطقوس، لكنه لا يقرأ مردودها على نفسه، بل إن البعض من الناس لا يتحرك في أداء الشعيرة والتكليف الديني إلا بما يتحرك به من خلال الجمع، وإلا لو خلي ونفسه لما نهض للقيام بأبسط شيء. وكمثال بسيط على ذلك حال المؤمن مع صلاة الليل، فإنه إذا كان في جماعة كان من أكثرهم حرصاً على أدائها، أما إذا كان في بيته وبمنأىً عن الآخر تكون تلك الشعيرة المقدسة التي لها الكثير من الآثار في الرزق وطول العمر ونور الوجه وصفاء الذهن وما إلى ذلك، بمنأىً عنه وهو بمنأىً عنها، لأن الحركة لم تتم على أساس الوعي في أداء التكليف. فسيدة النوافل صلاة الليل، وكلنا بمسيس الحاجة لها، لأن صلواتنا في الفجر والظهرين والعشاءين وإن كانت مفروضة ولا بد من أدائها، إلا أنها قد لا يكون لها من الأثر الإيجابي فينا كما لصلاة الليل في الكثير من الجوانب، وإن كانت الصلاة عموماً معراجاً للمؤمن كما في بعض النصوص. فتعاطي المستحبات التي لا يترتب على عدم إتيانها إثم قد يكون له من الأثر ما ليس للتكاليف الأخرى الواجبة. فثمة أمر مهم في هذا الصدد، وهو التحلي بحلية الصالحين التي ذكرناها آنفاً.

من هنا أستحث الشباب فأقول: إن واحدة من مكامن القرب الأقرب من دائرة القرب هي صلاة الليل. يقول أحد أساتذتنا، وهو آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (حفظه الله): ربما قام أحدنا لأداء صلاة الليل وكان السقف مكشوفاً، ورمى بطرفه السماء، وتبصر في النجوم ثم عاد إلى نفسه ليعيش ملكوتاً خاصاً، إذ كانت أبوابه مغلقة وفتحتها عليه صلاة الليل.

فعلى أساس هذه الأسس والمبادئ إن اجتمعت تصان القيم في وسط الأمة التي من ضحى من أجلها الإمام الحسين (ع) بنفسه الطاهرة والكوكبة النيرة من أهل بيته والأشراف من أصحابه.

مساحات القيم الحسينية:

في الحياة الكثير من القضايا التي ربما وصلت إلى مرتبة القيمة، حال أن بعضها لا يصل إلى مثل هذا المقام، ولكن تبقى لها قيمتها في حدود النسبية:

1 ـ الموروث الإنساني بكل تطوراته: فنحن نعلم، منذ أن وطأ آدم هذا الكوكب بقدميه بدا الكوكب يتلمس آثار الإنسان عليه، إلى أن حصلت واحدة من الجرائم وهي قتل الأخ لأخيه، فأخذت الحياة مسارها في أكثر من اتجاه واتجاه. لقد عمّر آدم في هذه الأرض، لأنه وجد من أجل عمارة هذا الكوكب، ولكن تساير معه في الجانب الآخر أبناؤه الذين تحدروا من صلب بعد صلب، ثم تقاطعوا معه.

وبالنتيجة كان ثمة أمر اسمه الموروث الإنساني، وهناك ما يدلل عليه في حضارة الفرس والرومان وحضارات الشرق كالصين والهند وغيرهما، مما يدل على أن الإنسان كان يعطي الإضافة بعد الإضافة، لذلك كمل الإنسان في الكثير من أدواره وإن انقلب على نفسه وأبى إلا أن يسقي الأرض بدمائه بدلاً من مداده، وبدل أن يسطر العلم ويجعل منه مناراً اختار لنفسه مسار القتل والقتال، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، وربما يكون القادم أخطر.

2 ـ الرافد الديني بكل معطياته: وهنا تأتي مسيرة الأنبياء، وعلى رأسهم أولو العزم الخمسة: نوح، إبراهيم، عيسى، موسى، ومحمد، وهو أشرفهم وأفضلهم وأكملهم. فهؤلاء أعطوا دورة تكاملية في وضع أسس القيام والنهوض بالإنسان في مساحاته القيمية.

وهنا يستجد أمر مهم يطرح نفسه، هو أنه بعد أن انتهت مرحلة المعصوم، المتمثلة بأنبياء وأوصياء، وجاءت مرحلة الإنسان غير المعصوم، فكل من تجاوز من البشر حدود الأربعة عشر معصوماً فهو في دائرة من يكون قد وفّق لدائرة الصواب، أو وقع في دائرة الخطأ، فمهما بلغ العالم من الكمال والرشد والنضج، إلا أنه يبقى في دائرة من وفق أو أخفق.

لذا فإن موروثنا يغربل بناء على هذه الحقيقة، فليس لدينا مقدس من كلام العلماء، بمعنى أنه لا يناقش ولا يردّ، بل على العكس من ذلك أن طالب العلم في الحوزات العلمية عندما يصل إلى مرحلة البحث الخارج، وهي الدروس التي يتلقاها طلبة العلم على أيادي المجتهدين، وحتى المراجع في الكثير من الأحيان، فإن هؤلاء يغرسون في نفسية طلبتهم عدم التسليم والقبول المطلق بما يطرح من أساتذتهم، لأننا إذا ما عشنا حالة التسليم فهذا يعني التقليد، وبالنتيجة سوف لن يكون لدينا مجتهد في يوم من الأيام إنما تكون لدينا نظريات تدور في مساحة محددة، وهذا غير صحيح.

ومع شديد الأسف أننا في السابق كنا نقول: إن أتباع المدارس الشقيقة أغلقوا باب الاجتهاد وباتوا يجترون الماضي، لذلك أوصدت الكثير من الأبواب أمامهم. ولكن ما هو حالنا اليوم في القضية ذاتها؟

إننا إذا بقينا في هذا المنحى وهذا المسار، من إلغاء من يتمتعون بحالة من القدرة على التجديد، فهذا يعني أننا سوف نقع في ما كنا نعاتب الآخر عليه، ونعده مأخذاً من المآخذ عليه. فالاجتهاد مطلب أساس ولا بد من استكمال دورته.

إن القيم ليس ثابتة بالمطلق ولا متغيرة بالمطلق، إنما فيها ما يمكن أن يرفع الإنسان فيه ويضع. لذلك جاءت حركة الإمام الحسين (ع) وهو المصداق الأجلى والأكمل في حاكمية القيم العظمى. فهنالك الكثير مما كان يتعاطاه الناس على أنه من القيم، لكن الإمام الحسين (ع) أثبت بطلانه، من قبيل الطاعة العمياء، إذ كانت الطاعة العمياء هي سيدة الموقف.

وكمثال على ذلك أن أحد الصحابة في زمن النبي (ص)كان له ولد لم يمتثل أمره في قضية محددة، فشكاه للنبي (ص) فقال النبي (ص) للولد: اسمع أباك وأطعه. أي في تلك القضية المحددة المعينة، إلا أنه فهم أنه أمره بالطاعة المطلقة حقاً كان أو باطلاً. فلما حصلت واقعة الطف تخلى عن الإمام الحسين لأنه أباه منعه من نصرة الإمام الحسين (ع) وكانت حجته أن رسول الله (ص) أمره أن يسمع لأبيه ويطيعه.

إن كربلاء بكل معطياتها هي الدافع الأكبر لكل حراك يحمل شعار الإصلاح والتغيير وفق منهج الدين الجامع بين اللاهوت والناسوت. لذا فإن كل من قرأ الإمام الحسين (ع) إما أن يكون وسطياً في قراءته أو مستغرقاً في لاهوتيته، أو متنزلاً لأدنى مراتب إنسانيته، وعلى ذلك تترتب النتائج، فهذا يرى أن الإمام الحسين لم يقتل، ولكن شُبّه لهم، والآخر يرى أن الحسين خرج لطلب الملك فلم يدركه فقتل من أجل ذلك. أما الاتجاه الوسطي فهم الذين قرأوا الإمام الحسين (ع) قراءة صحيحة دقيقة محكمة.

أقول: إننا في قراءتنا للإمام الحسين (ع) لا نحتاج إلى روافد، ويكفينا ما ورد عنه من خطابات ونداءات وأحاديث، لأنه الأذن الواعية الأقرب إلى أبيه الإمام أمير المؤمنين (ع) وأخيه الحسن (ع). ولكن تصوروا أن أحاديث هذا الإمام العظيم تعدّ على أصابع اليدين، وهذه مصيبة على الأمة.

لننظر إلى أنفسنا نحن عندما نعيش العشرة الأولى من شهر محرم، ولنسأل: كم حديثاً نسمع عن الإمام الحسين (ع) مما ورد عنه أو كان طريقاً في روايته؟ حال أن الإمام الحسين من شأنه أن يكون له كتاب مستقل مسند، فهو ثورة متكاملة في التربية والعطاء.

3 ـ دور العنصر النسوي: فقد أخرج الإمام الحسين (ع) زينب (ع) وهي عند زوجها، حال أن الحاكمية للزوج، مع أن الولاية للولي وهو الإمام الحسين (ع) لأن زينب هي العالمة غير المعلمة وعليها أن تركب هذا المسير، كما أن زوجها عبد الله بن جعفر كان يعي ويدرك القيمة التي أمامه وهو الحسين بن علي.

لقد خرجت زينب (ع) مع الحسين (ع) لتمثل المرأة. وهي عصارة المكون النسوي على وجه الأرض بعد أمها فاطمة بنت النبي محمد (ص). فقد عركتها الأحداث، وروضتها المصائب، وكانت قد تقلبت على أكف الأعاظم، ابتداء من جدها رسول الله محمد (ص) وشملتها العناية العلوية، واكتنفتها المحبة الحسنية والحسينية، بالإضافة إلى حضن البضعة الطاهرة الزهراء، وهو الحضن الذي لم يعرف التاريخ له مثيلاً. فلأنها أكملت دورة الإعداد والاستعداد اصطفاها الإمام الحسين (ع) وقربها وولاها المسؤولية فنهضت بالأعباء، فلو لم تكن زينب في كربلاء لما وصلتنا كربلاء، ولو لم تكن إلى جانب الحسين بن علي (ع) لما بقي اسم الحسين إلى اليوم، وإن كانت التضحية جليلة وخطيرة والجرم في منتهى البشاعة، لكن القضية كانت تحتاج إلى صوت هادر قوي لا يخشى الظالم ليحمل المعطيات والنتائج، ولم يكن إلا صوت زينب، وإلا لطمست الكثير من المعالم وذهبت أدراج الرياح.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتبنا وإياكم ممن يقرأ الإمام الحسين (ع) قراءة صحيحة، ويعيشه في جميع أدوار حياته، ولا يكون مجزوء القراءة. وأن يحفظ الزائرين ويعيدهم إلى أهليهم سالمين غانمين ويشركنا في صالح أعمالهم، فمن أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم. اللهم اجعلنا في بلادنا هذه وسائر بلاد المسلمين آمنين مطمئنين مستقرين وادفع عنا شر الأعداء أينما كانوا بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين. والحمد لله رب العالمين.