نص خطبة: القانون وواقع الأمة

نص خطبة: القانون وواقع الأمة

عدد الزوار: 1917

2015-11-07

16/ 1 / 1437 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

 السلام على الحسين ... وعلى علي بن الحسين ... وعلى أولاد الحسين ... وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته.

القانون في مسيرة الإنسان:

قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيْمٌ خَبِيرٌ﴾([2]). وقال عزّ من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُوْنُوْا قَوَّامِيْنَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوْا اعْدِلُوْا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوْا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيْرٌ بِمَا تَعْمَلُوْنَ﴾([3]).  

الإنسان في هذه الدنيا تتصارع فيه قوتان: قوة الخير وقوة الشر، ولكل منهما أجندته، لذا جاء المصلحون عبر التاريخ من أجل أن يضعوا أمام الأمة ميزاناً على أساسه تحفظ حالة التوازن.

وبناءً على هذا تولد القانون، والقانون المشرَّع أيضاً يبرزه لنا عنوانان: الأول سماويّ صرف جاء به الأنبياء والرسل من عند ربهم، ثم استتبع المسيرة بعدهم أولياء صالحون اصطفاهم الله من البشر كآل محمد (ص). وقد ضحى الأنبياء والرسل بالكثير، فمنهم من قرض بالمقاريض، ومنهم من نشر بالمناشير، ومنهم من صلب، ومنهم من أحرق بالنار، وعلى ذلك فقس ما سواه. وكذلك الأئمة والأوصياء والحواريون الذين التفُّوا حول الأنبياء، وحملوا الراية واللواء من بعدهم، نالهم الكثير من العذاب الذي صبه طواغيت أزمنتهم، ولو لم يكن شاهداً إلا ما جرى على السبط الثاني، الشهيد الخالد، الإمام الحسين (ع) لكفى دلالة على ما مر به الأنبياء والأوصياء من مشقة وعنت، إلا أنها كانت سهلة عليهم، لأنهم لم يبتغوا من وراء ذلك إلا وجه المطلق، وهو الله سبحانه وتعالى.

وثمة مسارٌ آخر ألا وهو ما يعزى إلى البشر، بمعنى أنه نتاج بشري في وضع قوانينه وقواعده وأصوله، والعالم اليوم ـ مع شديد الأسف ـ أدار بظهره عن المسار الأول ليتمسك بالمسار الثاني، بمعنى أنه قطّع حبال الوصل مع السماء في تشريعاته في الكثير من الموارد ليتمسك بمجموعة من النظم التي اختطّها الإنسان لنفسه. ومن المعلوم أن المشرّع ما لم يكن ذلك الذي أوجد العصمة ومنحها من يستحقها، يبقى إنساناً، والإنسان في مثل هذه الموارد يسيطر عليه جانب حب الأنا. لذا فإن التشاريع الوضعية في الشرق أو الغرب، إنما هي صنع بشر من أجل مصالح معلومة ومحسوبة.

فالعالم يسير وفق المسار الثاني، وهذا أمر واضح بيّن، وخسائره لا تكاد تعد وتحصى، ففي كل مكان أثرٌ للتنكر لقانون السماء، وللتمسك بالقانون الوضعي أثر، وكذا في كل زمان من الأزمنة. وكذلك إذا تمازج الزمان والمكان والرغبة الشخصية عند من يتحرك هنا وهناك، حيث تكون الإشكالية أشد وقعاً على الجميع. والسر في ذلك أن مسار حب الذات هو المسيطر، وإذا رفع الإنسان يده عن هذا فهي حالة من حالتين: إما الانسحاب من الميدان والقبول بموقف من وقف بين علي ومعاوية بما يعرف بمقولة (الوقوف على التل أسلم) التي أصبحت مقولة يمتطيها الكثير من الناس، لأنهم لا يصانعون وجهاً يكفيهم سائر الوجوه، فقد أداروا وجوههم عن المطلق واستحبوا لأنفسهم أن يتعاملوا مع وجوه متعددة الأشكال، متقلبة الألوان في أكثر من موطن وموطن.

وإما أن يجنح الإنسان لجلد الذات، وهذا إنما يأتي وليد حالة من التقصير، والتقصير لا يُصحَّح من خلال جلد الذات، إنما بالاعتراف أن ثمة شيئاً من التقصير قد وقع، ثم يعمد الإنسان لجمع الأجندة في سبيل أن يتجاوز ذلك الخلل، بدل أن يركن إلى جلد الذات، فيرواح مكانه، ولا يخطو خطوةً للأمام.

ضرورة القانون:

لذلك ـ أيها الأحبة ـ ونحن في هذا الزمن الصعب الذي لم يمر على منطقتها مثله، علينا الكثير من المسؤوليات التي ينبغي أن نلتفت إليها، وعلينا أن نعد لها أيضاً ما استطعنا من الأمور التي نتخطى على أساسها الإشكالية التي تفرض نفسها، وربما تكون اليوم في خطواتها الأولى، ونتهجى المفردات الأولى منها، لكن القادم من الأيام يبقى في علم الله سبحانه وتعالى، فربما ننتهي إلى سلام وأمن وسعادة ودعة، وربما نعود القهقرى، ونصبح في موضع لا نحسد عليه، وشواهد التاريخ كثيرة، وهذا اليوم ما هو إلا كشف قناع عن وجه كان مغطىً على قبحه، أما اليوم فقد أسفر عن تلك المعالم القبيحة التي لا ترضى ولا يحصل لها حالة من الارتياح إلا أن ترى الأجساد المقطعة والدماء المسالة، وحالة من الإرباك وعدم الاطمئنان بين الناس عامة.

وأنا أصر كثيراً على أن القضية ليست في حدود الطائفية الضيقة، إنما هناك مؤامرة على الإسلام بما هو إسلام، فالآخرون يدركون أن زمن الإسلام الأصيل الذي يرفع رايته الخلف الباقي من آل محمد (عج)، بات على خطوات منا، ونسأل الله تعالى أن تتهيأ الأسباب له، كي يأذن تعالى له أن يرفع راية الحق خفاقة، ويمحق أولئك الذين يحاولون بالإسلام وأهله سوءاً في كل موطنٍ من المواطن.

أيها الأحبة: قضايانا تحتاج إلى متابعة، ولا يكفي أن تقام مراسم الفاتحة ونقرأ ما تيسر من القرآن ثم نشكر  فلاناً من الناس أنه شرّف حفلاً من الاحتفالات. ولكي لا نعيش حالة من المجاملة المفطرة علينا أن نقول: إن الذين يذهبون إلى التعزية إما أنهم ينطلقون على أساس الواجبات، فهذا واجبهم، ولا محل للشكر فيه، وإن كانوا يحاولون استعراض قواهم هنا أو هناك، فميادين الاستعراض خارج هذه الدائرة، وتبقى هذه الدائرة لأهلها، في حالة من الحزن تسود الجميع، وليس حالة من الاستعراض هنا أو هناك.

علينا أن نرجع إلى أنفسنا قليلاً، ونضع النقاط على الحروف ونقرأ الأمور والأوضاع كما هي كي نستشرف القادم، فالقادم مخيف، وعلينا أن نلتفت إلى ما ينبغي أن نقوم به، فما من قضية إلاويؤمنها القانون، فلنسأل أنفسنا: ما هي الأرقام التي بأيدينا في هذا المسار لكي نستطيع القول: إننا أردنا أن نصل فرسمنا ثم وصلنا، وإذ كانت الأرقام ساقطة، أو أنها لا تتجاوز حدود الأصفار على اليسار، فعلينا أن نعيد القراءة، فلا زال في الأمر متسع وفي الوقت فسحة، وبمقدورنا جميعاً أن نراجع ونصل.

ما هو القانون؟

إن مفردة القانون أصلها يوناني، وهذا يشعرنا بأمر مهم، فاليونان تمثل الغرب القديم، وهي في أوربا في الضفة الثانية للبحر الأبيض المتوسط، وقد وضعوا قواعد القانون التي على أساسها يصل الإنسان إلى حقه، فيقتص الضعيف من القوي بإرادة القانون وأسبابه الموجودة. أما الأمة العربية فقد احتاجت الكثير من القرون كي تصل إلى ما يقرب من مساحة القانون تعريفاً.

وقد مر القانون عبر منطقة وسطية، أي أنه انتقل من اليونان إلى الفرس، واستبدلوا الكلمة في شكلها من (قانون) إلى (كانون) ثم انتقلت إلى العرب بعد إرجاعها إلى أصلها، أي إلى (القانون)، ليصلوا من خلال ذلك إلى الفائدة المرجوة.

إن القانون حاجة ماسة ملحة هذا اليوم، وإن كنا أغمضنا الطرف عنها سابقاً، فعلينا أن لا نطيل إغماض الطرف على ذلك، لأننا سوف نخسر الكثير.

أما في الاصطلاح فإن القانون عبارة عن القواعد التي تحكم أو تنظم سلوك الأفراد في الجماعات وتوفق بين مصالحهم، فهل لدينا هذا الأمر الذي من خلاله نقرأ ما لنا وما علينا، في ضمن دائرة المجموع من حولنا؟ أو أننا لا زلنا ننام على جانبنا الأيسر لأننا نحقق من خلاله استحباباً معيناً؟

إن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بالعقل، فعلينا أن نطلق له العنان، فلا نسمع أولئك الذين يرغبون أن نلغي عقولنا أو نسلمهم إياها ليفكروا عنا أو يأخذوا بأيدينا كالجمل المخشوش الذي يقاد إلى الذبح فلا يدري أين يتجه.

التشكل الاجتماعي والمعرفة:

أيها الأحبة: إن التشكل البشري كما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبَاً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا﴾([4])، فالمعرفة هي الأساس، ولا معرفة إلا بالانفتاح على الآخر، وإبراز حالة الحب بين أبناء المجتمع الواحد، سواء كان في حدود الوطن أم في حدود الأمة أم في المجتمع البشري بشكل عام.

وآيات القرآن الكريم التي تخاطب الناس عموماً هي من الكثرة بمكان، لكنها لا تستوقفنا ولا نتوقف عندها، ولا نصر إلا على مفردة تقابلها مفردة، فالإيمان مقابل الشرك. لذا أخذ الواحد منا يقصي الآخر من مساحة الإيمان، وكأن الله تعالى منحه مفاتيح هذا ومفاتيح ذاك. لكن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يصنف الناس ويضعهم في مربعاتهم، بعد أن يجتازوا تلك القنطرة، ألا وهي قنطرة الدنيا عندما نقف بين يدي رب الأرباب جلت قدرته، عندئذٍ نعرف من هو المؤمن، وإن وصف بالكفر في حياته، ومن هو الكافر وإن أُلبس لباس الإيمان في حياته. هنالك يجتمع الناس في المحشر ليرى كل منهم ما قدّم ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه﴾([5]).

هذا في التشكل البشري. وبطبيعة الحال سوف ينتج عن هذا التشكل تضارب في المصالح وهذا واضح بين، فحتى أبناء الأسرة الواحدة عندما تكون محدودة الأفراد يكون الصراع في إطار ضيق، ولكن عندما يتعدد الأبناء، ويغيب الأب ولو في سفر تبدأ واحدة من المشاكل، أو يغيب من الوجود فتكون المشاكل أكبر وأكثر، وكم من المشاكل في المحاكم تنتظر الفصل فيها.

إن تضارب المصالح استوجب ولادة القانون، فهو حاجة اجتماعية ماسة، لذلك تقدمت الأمم عندما أخذ القانون مساحته الطبيعية في وسطها. وعندما تخلت عنه الأمة، إما بإرادة الحكام، أو بإرادة الطبقات العليا من المجتمع كالنبلاء وغيرهم، أو لغلبة جناح عسكري على آخر كما في الستينات والسبعينات الميلادية المنصرمة، كان نصيبها التخلف والتأخر، وأما اليوم فالشاهد أمامنا في أمة لو ندبتها وبكيتها لا تجد فيها حراكاً، لأن الضمير مات، والعقل عُطل، والأسماع منحت للآخر يأخذ بنا ذات اليمين وذات الشمال، ولم يعد بأيدينا إلا أن نتفرج على مشهد لا نستطيع أن نقدم فيه شيئاً ولا نؤخر.

القانون الدولي والداخلي:

ثم إن في القانون شعبتين: القانون الدولي، وهو ما ينظم العلاقات بين الدول في أوقات الحرب والسلم، وقد تم تغطية هذه الشعبة وختمها بالشمع الأحمر، ووسمها بخطين متقاطعين، فما عاد في القانون الدولي حياة ينبض على أساسها ويتحرك وينطلق بناء عليها، إنما هو قانون محنط كالمومياء التي نتفرج عليها في متحف القاهرة. فما من قانون عربي ولا إسلامي ولا أممي إلا وتعرض للختم بالشمع (التشميع) ومن يدعي غير ذلك فهو يغالط نفسه ويغالب حالة في داخله مع شديد الأسف.

والنوع الآخر من القانون هو القانون العام الداخلي الذي يضبط العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد داخل دائرة الدولة الواحدة. وهذا هو الذي يعنينا، لأننا نتعامل معه بشكل مباشر، أما الأول فهو من شأن الدول والحكومات ولا نستطيع أن نقدم فيه أو نؤخر. فالقانون الداخلي يستطيع أبناء المجتمعات أن يتعاملوا معه وفق القواعد والضوابط والشعور والإحساس بالمسؤولية.

أقسام القانون الداخلي:

وللقانون الداخلي أيضاً مشارب ووجوه متعددة، أبرزها:

1 ـ القانون الدستوري: وهو ما تشرعه الدولة في سبيل حفظ المصلحة العامة لجميع أبنائها، وتجعل بينهم وبينها عقد التزام لا يتقدمونها فيه ولا يتأخرون عنها، مادام هناك ما يستوجب.

2 ـ القانون الإداري: ومع الأسف الشديد كم من الأساتذة لا يعرفون ما لهم وما عليهم، وكم من الأطباء والمهندسين والموظفين وغيرهم لا يعرفون ما لهم من الحقوق على الجهة التي ينتمون إليها، وما لها من حق عليهم، لا لشيء إلا لأننا نعيش فقراً في ثقافة القانون وما ينبغي أن يقدم للإنسان الذي يرى أمامه أحياناً ظلماً فلا يعرف كيف يتجاوزه بشمعة يحملها لتضيء أمامه الطريق.

3 ـ القانون المالي: ونحن ندرك أن الإنسان قد يصل يوماً إلى حالة من الغنى والثراء، وبين عشية وضحاها إذا به في الدرك الأسفل من الفقر، لا لشيء أيضاً إلا لأنه يجهل أبسط القواعد في التعامل في مساحة التدوير المالي بين الناس، سواء عن طريق الأسهم العقارية أو البنكية أو غيرها. فنحن نخفق لا لشيء سوى أننا نستجدي ثقافتنا من جليس في استراحة لا يملك من أصول إدارة المال في وسط الأمة شيئاً، لذلك نغرق ونُغرق الآخرين من ورائنا.

4 ـ القانون الجزائي: فالأمة التي تطالب بحقها، وتصر على استحضار روح المطالبة لا يضيع حقها، أما الأمة التي تنسى لأبسط أمر يحصل، أو لأبسط مفردة تساق وتصاغ في مجال من المجالات، ثم يضيع كل شيء، فلا شك أن حقها يضيع.

فالحقوق تؤخذ وفق القانون، لا بالفوضى، ولا بالصراع والجدل، إنما بالقانون وحده يمكن للإنسان أن يصل إلى مبتغاه وهو طريق تؤمنه الدول لأبنائها، وهو حق عليها ولا بد من إجرائه. وكم من القضايا مرت بنا ونحن لا نملك فيها إلا أن نندب الحظ، وسوف يدون التاريخ تبعات ذلك وتداعياته، إما لنا وإما علينا.

من هنا ندرك أن القانون يعنينا بشكل مباشر، ولكن كم محترفاً لقواعد القانون في أوساط مجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة؟ في أحسن الحالات يذهب الإنسان للتخصص في هذا الجانب ليحل خصومة في جدال بين جار وجاره، أو في هرب عامل هنا أو هناك، أو في إشكالية بين مؤسسة وجهة رسمية أو غير رسمية، حال أن المشاكل وصلت إلى حد الدماء، ولا يوجد من يحمل لواء القانون، ليصل من خلاله إلى الهدف، وإذا استمر هذا الوضع فلا أقول: لنقرأ الفاتحة على أنفسنا، فربما لا يمهلنا الوقت أن نقرأها.

إن القادم من الأيام يحتم علينا أن نأخذ الأمر بكل جدية حتى لا تذهب الحقوق العامة أو الحقوق الخاصة أدراج الرياح، فالقادم عسير جداً لا تؤمنه العواطف ولا أصول المجاملة التي أحسن إتقانها أبسط الناس من أبناء المجتمع. فالمرحلة مرحلة جد وقراءة ووعي، ونهوض بالمسؤولية، فلا بد من التواصل والاتصال.

شكر وامتنان:

لقد انتهت الأيام العشرة من المحرم، وحفظ الله المؤمنين في مجالسهم الدينية في المساجد والحسينيات، وهذا لم يتأتَّ بشكل عابر، إنما كان نتيجة جهود كبيرة مضنية متواصلة بين أناس حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل أن نكون في حالة من الاطمئنان والاستقرار.

فلكل أجهزة الأمن في محافظتنا الحبيبة الشكر والتقدير والعرفان بالجميل، وأخص بالذكر منهم مدير الشرطة ومدير البحث وغيرهم من الذين بذلوا جهوداً متواصلة ليلاً نهاراً، وكانت آثارها واضحة، وهي أن تخرج المحافظة دون أدنى اختراق أمني، والكثير مما يدعى عبر (الوتسب) هو من الأمور التي تثار ولا أساس لها من الصحة.

ومن هنا أقول: إن المئات، بل الآلاف من الحسابات مخترقة ليروَّج من خلالها للإشاعات كالذين يرجفون في المدينة، من أجل أن لا تبقى حالة الاستقرار والمحبة والسلام والتعاون والأخوة بين أبناء هذا المجتمع، ولكن خاب رجاؤهم وظنوهم، وضاعت جهودهم ولم يبق إلا الأصح، وهو أن أبناء هذا المجتمع على مستوى المسؤولية. فالشكر للجميع، ولا شكر على واجب، ولكن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.  

وأما أنتم يا حماة الصلاة، وحماة الشعائر في هذا الجامع، فأقبل رأس ويد كل واحد منكم، وهو أقل ما أتشرف به، لأن الناس عاشوا فيكم أنفسهم، وعاشوا تلبية نداء الإمام الحسين (ع) في كل مفاصل العشرة. فحفظكم الله تعالى وجعل ثواب أعمالكم بين يدي سيد الشهداء ابن بنت النبي محمد (ص).

وأما أنتم أيها المؤمنون الذين رسمتموها لوحة وقدمتموها رسالة واضحة بينة أن مجالس الحسين أمانة في أعناقنا، فإن الشكر يعجز أن يوفيكم حقكم. ووالله ثلاثاً أيها الدواعش، يا شذاذ الآفاق، ويا أبناء من تضافون إليه كما تستحقون: لَرقابنا أهون من أن نتخلى عن شعائرنا، وأرواحنا رخيصة إذا ما أريد لها أن تزهق في سبيل الحفاظ على شعيرة من شعائر أهل بيت النبوة.

فلشهدائنا الأبرار في جميع أرجاء الوطن الرحمة الغفران، ونسأل الله تعالى أن يرفع منازلهم عنده، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين، وأن يدفع البلاء عنا وعنهم.

والحمد لله رب العالمين.