نص خطبة الفكر المهدوي بين القراءة والهدفية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على اشرف انبيائه ورسله محمد وآله الطاهرين ثم اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
غفر الله لنا ولكم جميعا، تقبل الله منا ومنكم، وبارك الله علينا وعليكم ذكرى ميلاد الخلف الباقي من آل محمد (ص).
ورد في الحديث الشريف عن الامام الحسين بن علي (ع) انه قال: «قالت لي أمي فاطمة: لما ولدتك دخل إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فناولتك إياه في خرقة صفراء فرمى بها وأخذ خرقة بيضاء لفك فيها وأذن في أذنك الأيمن وأقام في أذنك الأيسر ثم قال: يا فاطمة خذيه فإنه أبو الأئمة، تسعة من ولده أئمة أبرار والتاسع مهديهم»[2].
القضية المهدوية؛ قضية إلهية حقيقية وجدانية
الحديث عن الامام المهدي (ع) بقدر ما فيه من الجمال وبقدر ما فيه من القوة وبقدر ما فيه من الاشراق والاستشراق، بنفس الوقت يبقى هو العقيدة في زمن الغيبة التي ان تمسكنا بها اخذتنا الى الاصول السابقة، فولايته وامامته المفترضة ليس تأسيساً وانما تأكيدا فعقيدتنا؛ ان الكوكبة النيرة للإمامة، للوصاية، للخلافة على البشرية هي وليدة نص؛ إما في عمومه؛ وتكفل به القرآن الكريم بصريح هذه الآية: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ...﴾؛ او من خلال السنة المطهرة؛ حيث الروايات التي رويت عن النبي (ص) والتي تؤكد على ان الخلفاء من بعده هم هؤلاء الائمة، وفي نصوص أخرى يسميهم بأسمائهم، وأسماء محمد وآل محمد اجمل الاسماء واكملها. فكرة الامام المهدي (ع)، قضية الامام المهدي (ع)، حقيقة الامام المهدي (ع)، ما من ديانة من الديانات السماوية إلا واشارت اليها، وما من فكرة ارضية سواءٌ اضفي عليها عنوان دين كما هو واضح وبين، او نظم وضعية تباناها الناس فيما بينهم، إلا واشارت لهذه الحقيقة؛ إما بالاسم ومباشرةً أو بالكناية أو التلويح، ومن المعلوم الواضح البين ان قضية الامام المهدي (ع) قضية متفقٌ عليها بين المسلمين، غاية ما في الأمر هم يختلفون في مجموعة من المفردات، انفرد بها هؤلاء تارة، وانفرد بها الآخرون تارةً أخرى، لكن النتيجة واحدة، الكلام بهذا المسار قد لا يقدم لنا كثيرا بقدر ما يعنينا الفائدة المترتبة على هذه الحالة المهدوية، سواءٌ في ولادته الاعجازية أو في مسيرة الغيبة وما اكتنفها من أحداث، أو فيما يرتبط بالغيبة الكبرى التي تعنينا نحن وبالذات والأجيال القادمة الى ان يؤذن للمهدي (ع) فرجا عاجلا فسوف تبقى القضية عالقة في الذهن وسوف تبقى تفرض نفسها على المشهد البحثي في المسار العقدي والكلامي هذه امور ثابتة ومسلمة، يعنينا ما يعنينا من الامر كلنا نتوجه الى القبلة ولا اقل في ليالي الجمعة او في صباح كل يوم جمعة ندعوا للمهدي بالفرج، نضع ايدينا على رؤوسنا، نتمتم ونرفع الاصوات أحيانا أخرى ونقول اللهم عجل لوليك الفرج.
التوطئة للإمام المهدي (ع) والانتظار الحركي
هناك روايات تمدح الذين يوطئون للمهدي سلطانه[3]، اليوم توجد نظرية مطروحة تتقاطع مع هذه النظرية (التوطئة للحكومة المهدوية) في مجموعة موارد وتفترق عنها في موارد أخرى، لكن الصيحة الكبرى عندهم انه أصلاً لا موضوعية للتوطئة! ويطلقون نارهم على كل من لا يقبل بهذا الطرح، طرح التوطئة للمهدي سلطانه، حال ان الروايات في هذا الباب كثيرة، الشيخ الفتلاوي له كتاب كتبه في الثمانينات الميلادية، طرحه يتعرض لفكرة التوطئة ويسوق الادلة التي لا مجال لان يرفع الانسان يده عنها، لكن اليوم ونحن نعيش هذا الهرج والمرج والضياع والشتات والتشرذم والتناحر والتدابر والتكفير والتضليل وصلنا الى حالة بحيث لم نعد نسلّم للمسلّم على انه مسلّم! والمقطوع على انه مقطوع وانما نحاول ونناور على ان نسرق الحقائق وان نلبسها لباسا على الخلاف من ذلك وهذا اعتقد انه واضحٌ وبيّن، خصوصا عند هذه الطليعة من الشباب الذين يتابعون ويرصدون ويتحركون في اكثر من موقع وموقع ويجدون الكثير من المتناقضات المطروحة في الساحة التي تستهلك الكثير من جهودنا واعمارنا واموالنا دون طائل، بل على العكس من ذلك لا تخلّف وراءها إلا النار المسعورة التي لا تفرّق بين كبير وصغير ولا رجل ولا امرأة، حتى امتدت اليوم الى الخروج من الدين! كنا في السابق نناور عن المذهب وندافع عنه، اليوم اصبح الدين يحتاج الى الدفاع في سبيل ان تثبت الامة على معتقدها الحق الذي جاء به نبي البشرية الاعظم محمد (ص)، اذن هنالك هدف، هنالك غاية سامية، الاسلام جاء من اجلها، افتتحها بالنبي محمد (ص) واختتمها بالخلف الباقي من آل محمد (ص)، مروراً بهذه السلسلة النورانية من علي الى الحسن ثم الى الحسين وحتى ينتهي الى الامام المفترض الطاعة علينا صلوات الله عليهم أجمعين، هذه الكوكبة والاساس هو النبي محمد (ص) تريد أن تضع ايدينا في يد الخلف المهدي وان كان في عالم غيبته، لان وضع اليد إما ان يكون ماديا مباشرا، وهذا ما يحصل بيننا، إذا ما كان هذا الطرف والطرف الآخر له وجود وحيز خارجي، وإما اذا كان احد الطرفين غير موجود، فيكون ثمة وضع معنوي، ان نضع ايدينا في يد الامام المهدي (ع)، امام الغيبة، امام المسلمين، امام البشرية عامة، وضعاً معنوياً بمعنى: يابن رسول الله، يابن علي وفاطمة، يابن الحسن؛ ايها الخلف الحجة؛ نحن ننتظرك، لكن انتظارنا هو انتظارٌ واقعيٌ ايجابي، لا سلبية فيه، ولا نكوص عنه، اذا كنا بهذه المثابة نضع ايدينا في يد الغيب للمهدي (ع) في عوالمه وخصوصياته، حينها سوف نسموا ونرتفع ونرتقي، لأننا عندما نتحرك في فعل، أو نتفوه بقول، إنما يكون ذلك في ضمن الدائرة المحاطة بأنوار الخلف الباقي من آل محمد، وإلا الامور تأخذ مسارها البعيد.
النتائج المترتبة للحركة المهدوية
ما هي الفائدة من الحركة المهدوية؟ هناك فائدتان عظيمتان قريبتان ايضا وهما في منتهى السهولة كي نتعاطاهما وان نقف على خصائصهما:
1ـ رفع الظلم
الامر الاول: رفع الظلم وبسط العدل بكل اشكاله، ونحن لا نتصور ان هناك مساحة استفرغ فيها العدل، يعني فرغت من العدل إلا والامام المهدي (ع) يملأ هذه الفراغات، فأي تخلي وتخلف عن اقامة عدل في أي قضية ما سواء كانت قضية عائلية أو مالية أو اجتماعية أو حكومية أو أممية إلا والامام المهدي (ع) يضع النصاب لها، فتسير الامة وفق ذلك.
الظلم؛ مصاديقه وأشكاله
أـ الظلم الفردي
اشكال الظلم ايها الاحبة متعددة؛ منها الظلم الفردي او الشخصي، أي ظلم الانسان لنفسه، أحيانا تفتح المسارات أمام الانسان ولكنه يأبى الا ان يأخذ الطريق الملتوي ليصل الى هدفه وغايته، سواءٌ كانت دنيوية او أخروية، بالنسبة للدنيوية فهي واضحة كأن يرتشي من أجل ان يصل الى هدفه، أو يقترض من فلان على ان لا يؤدي له الحق! ويذهب للحج ويذهب للعمرة ويذهب للزيارة! فهذا طريق معوج ولا يوصله الى هدف، اصلا بخصوص هذه الآية: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾[4]، هذه القنطرة توضع يوم القيامة من اجل هذا وذاك، ولا يوهمنك قول البعض بأن «ولاية علي حسنةٌ لا تضر معها شيء»! لان الامام علي (ع) يقول: «... ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد»[5] لذلك لم يجعلها مطلقة، نعم هي حسنة وتنفع ولكن لا على الاطلاق وانما مقيدة بهذا القيد «أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد»، الامام يطلب العون منك، بماذا تعينه؟ بأن تكون مستقيما في علاقاتك مع الله، في علاقاتك مع نفسك، في علاقاتك مع اهلك في علاقاتك مع المجتمع من حولك، بعد ذلك تأتي الشفاعة وتأخذ المؤمن، هذه الكرامة من النبي ومن اهل البيت عليهم السلام تأتي حينما تكون الارض مستوية والارضية صالحة، اعني الروح، أما اذا كانت الروح ملوثة بالكذب والغيبة والنميمة والحسد والحقد والتجاوز على الاعراض وانتهاك الاموال و... فهل تعمل الشفاعة؟ أو يأتي شخص ويقول ورد أن النبي (ص) يقول: «وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر»[6] فشخص واحد من قبيلتي سوف يشفع لي يوم القيامة! وأنا سوف اعمل ما اعمل! هل ان هذا الكلام يستقيم؟ لا يمكن لأي عاقل ان يقول هذا الكلام، ولكن مع شديد الاسف نسمع هذا الكلام من خلال بعض بعض بعض الخطباء! الذين يبسطون المساحة امام الشباب في انكم اذا عرفتم ولاية الامام علي (ع) فلا تخافوا، اعملوا ما شئتم! هذا فكر الباطنية، هذا ليس فكر محمد وآل محمد، فكر محمد وآل محمد هو «أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد»، في يوم القيامة لما تأتي الزهراء سلام الله عليها لتنتقي شيعتها في المحشر، ما المقصود من ذلك ومن هم اولئك؟ يعني لابد وان تكون لكل شخص خاصية تساعده على ان يكون هنالك قصد من الزهراء لهذا المؤمن ولذاك المؤمن، اذا كان لنا شخوص، إذا كان لنا حضور، أما إذا كنت وبسبب عملي لا يسمح لي بالوقوف في المحشر لدقائق اصلا فكيف يمكن الانتقاء؟! فيجب أن نلتفت إلى هذه الحقيقة.
ب ـ عدم الاستفادة من نعم الله
من المصاديق الأخرى لظلم الانسان هي أن الله تعالى يفتح أمام الإنسان ابواب النعم، لكن هذا الإنسان يعيش البؤس والفقر والذلة والمهانة، هذا ظلم للنفس، يعني الله اعطاه أبناء على أدب، على علم، على جد واجتهاد في حياتهم، لكن هو دائم الالحاح، دائم التشكي، لا يشكر لله صنيعاً، يبقى ظالم لعائلته وللناس من حوله، الحديث الشريف يقول: «فان الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب ان ترى عليه»[7]، حتى الناس يرون نعم الله لهذا الانسان، يعني يرون الله منعم عليه بسيارة فارهة أو بيت كبير أو أبناء أو ... وان له قوة وقدرة بفضل نعم الله، حتى الناس يقصدونه في المهمات ويقوم هو بالواجب لهم، هذا شكر عملي، اما اذا أنعم الله سبحانه وتعالى واغدق عليه النعم، لكن هذه النعم لا هو مستفيد منها ولا زوجته تستفيد منها ولا اهله مستفيدون منها ولا مجتمعه مستفيدين منها النتيجة ماذا ستكون؟ الحديث الشريف الذي يقول: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»[8] ما المقصود منه؟ معناه ان يكون لتلك القوة المستقرة في داخله آثار واضحة بيّنة على الناس على المجتمع، فرفع الظلم وبسط العدالة شيء مهم وأنتم تشاهدون اليوم التجاوزات من بعض اولياء الامور على ابنائهم وزوجاتهم وكأننا نعيش قبل الصحوة التي عشناها قبل اربعين سنة جاهلية من جديد، الرجل يده اسبق من لسانه كأنه لم يتعطر بالصلاة على محمد وآل محمد ولو مرة واحدة فهذه مشكلة وكارثة لابد أن نتوجه اليها، فهذا الأمر الأول.
2ـ بسط العدل
الامر الثاني اعادة نشر مبادئ الشريعة كما كانت عليه في ايامها الأولى؛ يعني شريعة الوحي التي جاء بها النبي (ص)، لا شريعة الرعي، لأننا نحن عندنا اليوم شريعة تسمى الرعي وهي التي تسير الامور، وليس شريعة الوحي، لذلك عندما يخرج الامام المهدي (ع) وكما جاء في بعض النصوص يأتي بدين جديد.
أ ـ إعادة نشر الإسلام من خلال القراءة الصحيحة للدين
وهذا لا يعني أنه يأتي بدين غير الاسلام، لان الدين عند الله وبصريح القرآن الكريم هو الاسلام: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾[9] يعني من زمن آدم والى اليوم والى المستقبل والى قيام الساعة؛ لكن مبادئ الدين وقيمه الأصيلة، هذه المبادئ والقيم والاصول والقواعد التي اسسها الشارع المقدس أصابها شيء من الخلل وذلك بفعل التعرية الزمانية والتلويث البشري من خلال العبث في قراءة النص الديني سواء كان الكتاب او كانت السنة المطهرة، اوصلنا الى ما اوصلنا اليه بحيث صرنا نبرر جميع الامور وان كانت واضحة القبح ومنبوذة من قبل الشارع والمتوعد عليها يوم القيامة الشيء الكثير، لكن نحن نبررها ونسلك الطريق لارتكابها! وهذا هو الذي يحدث الآن والذي نشاهده اليوم، والمعروف في قضية قوم موسى (ع) أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، نفس الأمر موجود اليوم، الكثير من الناس عندما يرون منكر يقولون أنا لا يعنيني هذا الأمر لان كل شخص ينام في قبره! هذا الكلام أكل عليه الزمن وشرب، لأنك أنت معني عن جارك ومعني عن أخيك وابناء اخيك ومعني عن المجتمع الذي انت فيه والذي من حولك، لان الناس مسيرتهم انما تتكامل اذا تلاقحت فيما بينها ووصلت الى مرحلة بحيث تستحق هذه الامة وهذه الجماعة وهذه المجتمعات ان تشمل بعين اللطف المهدوي، اذن عندما يؤذن للمهدي (ع) بالظهور ونشر راية العدل تتسابق الناس من كل حدب وصوب من اجل تحقيق ذلك، لكن ما الذي يباشره الامام المهدي (ع)؟ هل يعمل سيفه في الناس وينفرهم بدل ان يحبب لهم الدين؟ هناك قراءة خاطئة تقول بان الامام المهدي يعمل سيفه في الناس ويقتل الكثير منهم عند ظهوره! في حين ان الامام المهدي (ع) يحمل راية العدل، والعدل ليس هو القتل والصلب، وإنما العدل هو نشر المحبة والسلام والحنان والمودة والاحسان، هذا هو العدل، كيف يمكن الجمع بين هذا وبين الضرب بالسيف وسفك الدماء هنا وهناك، اراقة الدماء على الارض مستقبح الا في سبيل الله، لذلك كم هناك دم اريق في هذه الدنيا، ولكن ليس له أثر يذكر، لكن قطرات دم الامام الحسين وآل بيت الحسين واصحاب الحسين بعد الف واربعمائة سنة من الزمن تقريبا هي تحرك العالم ولا يشع نور فضيلة الا من خلال ما سطرته تلك الدماء من النحور الخالدة هو هذا المطلب، فعندما نقول يأتي بدين جديد لا يعني ذلك بان هناك رسالة خاصة يأتي بها جبرئيل مرة ثانية ينزل بها على محمد بن الحسن المهدي (ع)! هذا كلام خاطئ وإنما هو عين هذا الدين، فمثلا يقرأ القرآن وكأنه انزل لأول مرة على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص)، من الواضح ايها الاحبة ايها المؤمنون ان الناس في قراءتهم للقرآن يختلفون، فكلٌ يقرأ بحسبه فزيد من الناس قد يقرأ القرآن ويكون حسن الصوت ويتلوه في منتهى الجودة في باب التجويد، لكن استنطاقه للنص وتحريك المفردة و... كيف يكون؟ في المقابل هناك رجل مثل العلامة المفسر خاتمة المفسرين السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه أيضا يقرأ القرآن، لكن يقرأ القرآن بحيث يأتي العظماء من علماء الطائفة ليتعلموا على يديه حتى وان كان قد التحق بالرفيق الاعلى، فالناس يختلفون فيما بينهم، فيأتي هذا الامام العظيم شرفنا الله واياكم بالنظر الى اشراقة وجهه ليفصل بين المحكم والمتشابه من آيات القرآن والتي ارهق العلماء من الفريقين انفسهم ولم يصلوا الى اليوم الى ساحل نجاة ولا زال المشتبه يحكم الوضع والمحكم لا يلاذ به الا في النادر وهذا الموجود.
ب ـ تقويم السنة المطهرة
الامر الآخر وهو مهم أيضا وبه اختم حديثي، هو تقويم السنة المطهرة، نحن عندنا مجموعة كبيرة من الاحاديث تصل الى الآلاف بل مئات الآلاف رويت سواء عن النبي او عن المعصومين عليهم السلام، فأصحاب النبي واصحاب الائمة عليهم السلام ليس كلهم بمثابة عمار أو ابي ذر أو مقداد أو سلمان أو حبيب بن مظاهر للائمة ولكن يتفاوتون بما بينهم، فمثلا الصحابة الابرار الذين ضحوا بين يدي النبي (ص) واستشهد بعض منهم في معاركه الفاصلة مع المشركين هؤلاء ايضا لهم خاصيتهم، لكن هل الكل بهذه المثابة؟ طبعاً لا؟ والقرآن صريح وواضح في هذا الأمر حيث يبين جانب من هذا في سورة الجمعة: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا...﴾ هؤلاء لم يتركوني أنا في خطبتي او الشيخ الفلاني أو آية الله الفلاني أو المرجع الفلاني وانما تركوا النبي (ص) وانفضوا من حوله وذلك من أجل شخص رفع صوته خارج المسجد يبيع البصل ينادي من اكل بصل عكة فكأنما زار مكة! من أجل هذا تركوا النبي وذهبوا كي يشتروا البصل! هذا الأمر كان مع الائمة أيضاٰ حيث كان للإمام الكاظم (ع) اصحاب يعيشون حالة القرب من مجلسه ـ طبعا المجلس المادي وليس المعنوي ـ وأنت لا يغرك شخص يلازم رجل الدين ولا يتركه، أو شخص ممسك بمسبحته طوال النهار ويتمتم مع نفسه، عليك ان تحتك معه قليلا وتحرك وريقاته الزرق وانظر ماذا سيكون الأمر، وإلا مسالة ركعتين هذا لا يعجز عنها شخص، أو التصدق ببعض المال فهذا أيضا لا يفقر الشخص، فأصحاب الامام الكاظم (ع) عندما استشهد الامام مسموما، خرجت جماعة خاصة مخصصة على درجة عالية من الوعي والفقه لكن عندهم مجموعة من الوريقات، وقالوا بان الامام الكاظم (ع) لم يمت والامام الكاظم هو المهدي الموعود وان الله رفعه الى السماء! هذا ليس عمل ناس فلاحين بسطاء مساكين، وإنما هذا عمل ابالسة عنونوا بعنوان العلم والصحبة، فيجب ان نكون حذرين منتبهين.
أسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتب لنا ولكم التوفيق، ان يسدد خطانا وخطاكم، أن يأخذ بأيدينا وايديكم، وانا اشكر الاحبة جميعاً، سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يحميهم ويدفع عنهم شر الاشرار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.