نص خطبة: العوامل  المقيدة لحركة العقل الفاعل (2)

نص خطبة: العوامل المقيدة لحركة العقل الفاعل (2)

عدد الزوار: 538

2012-10-31

الحمد لله الذي جعل هذا اليوم للمسلمين عيداً، ولمحمد وآل محمد (ص) ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً. بارك الله لنا ولكم العيد السعيد، وتقبل الله من حجاج بيته وزوار سبط نبيه الشهيد المظلوم (ع)، وتقبل الله منا ومنكم ومن عموم إخواننا المؤمنين والمسلمين، وأعاد الله علينا وعلى عموم الأمة العيد القادم ونحن وأنتم والأمة في أحسن حال نصبو إليه.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى([2]).

يُعدُّ العقل من الأمور المهمة التي ركزت عليها الشريعة المطهرة التي جاءت خاتمةً للرسالات، والتي جاء بها النبي الأعظم محمد (ص) لتعطي هذا المفهوم بعده وقيمته وأثره في وجدان الفرد والأمة معاً، لذلك لا تكاد تنفكُّ عبادة أو فرض من الفروض التي افترضها الله على عباده إلا ولهذا المفهوم محوريته.

العوامل المكبلة للعقل الإنساني:

أيها الأحبة: كان الحديث في ما تقدم، عن العوامل التي تُكبل عقل الإنسان إذا ما أراد انطلاقاً وتحرراً، وقد استعرضتُ مجموعةً من تلك العوائق التي لا بد من التَّفَلُّتِ منها على الإطلاق، حتى يسمو الفرد، وترشد الأمة، وتبنى الحضارة، ويُمهَّد للمهدي من آل محمد (ص) سلطانه.

التحرر من سطوة الآخر:

الأمر الرابع: محاولة الخروج من قيد سطوة الآخر على الإنسان، وهذه يمكن أن تُقرأ في محاور متعددة، فليس من حق أحد أن يختصر المساحات في عقول الآخرين، ناهيك عن أن يهمشها أو يقلل من قيمتها، أو يلغيها، سواء كان ذلك الفرد ممن لا يحظى بمساحة أكبر مما عليه صاحبه، أم كان ممن يفترض بنفسه نوعاً من التميُّز، سواء كان ذلك التميز في الصعيد العملي أم في الصعيد العلمي أم الجهوي أم السلطوي، ويبقى الإنسان مكرماً مقدراً محترماً بثوابت القرآن الكريم المنزَّل على قلب الحبيب محمد (ص) .

لذا علينا ـ أيها الأحبة ـ أن نعمل جاهدين لنصل بأنفسنا إلى حالة التجرد والابتعاد عن غوائل معطيات هذا البعد، وعندئذٍ نصير بمثابة درجة واحدة، نعم، نقبل من الآخر، ولا يجوز لنا أن نلغيه، ولكن ليس من حق الآخر أيضاً أن يمارس دور الإلغاء ضدنا.

كل إنسان أكرمه الله تعالى بهذه الخاصية ليتميز بها فيما بينه وبين الصنف والنوع من حوله على قدم وساق، فالممايزة بينه وبين الحيوان المطلق إنما تكون بالعقل، فإن هو خرج من هذا الأسر، فعليه أن يخرج من دائرة الأسر الصغرى، ألا وهي تَحولُقُ العقول من حوله، صحيح أننا نتلاقح في أفكارنا، ونقبل من الآخرين، ولكن هذا لا يعني أن نُساق كما يساق قطيع من الغنم، فهذا ما لا ترضاه لنا الأرض فضلاً عن السماء، وما لا يرضاه لنا أدنى الناس ناهيك عمن يرى لنفسه قيمة، وكل أبناء الأمة اليوم ـ بحمد الله تعالى ـ يمتلكون هذه الخاصية، وفيهم تستقر هذه القيمة.

إذن، خروج الإنسان من سطوة الآخر أمر مهم جداً، وعلى الإنسان أن يعد نفسه للتخلص منه.

تحطيم القيود الداخلية في النفس:

الأمر الخامس: تحطيم قيود النفس الداخلية، وهي إما أن تكون وليدة الغريزة التي لم تُقَنَّن، أو غيرها من العوامل، فمن النعم الكبيرة على الإنسان أن يحمل غرائز مولِّدة، لكن يفترض أن تكون في جانب إيجاب لا في جانب سلب.

إن الرغبات الجامحة تسوقنا في الكثير من الأحيان إلى المساقط والمهاوي، وربما المهالك، وكم نقرأ، وكم قرأنا قبل ذلك من قصص ترتبط بأشخاص لهم قيمتهم، ولكن مع شديد الأسف، عندما لم يستطع أحدهم أن يحطم قيد النفس على النفس، انتهى به المطاف إلى واحدة من المرديات. فاتّباع الهوى وطول الأمل من العوامل التي كثيراً ما تعترض طريق المرء، وتشكل عقبة كأداء أمام طبقة من الناس.

سبيل الله والدَّعَوات المناهضة: 

أيها الأحبة: هناك دعوتان، الأولى هي دعوة الأولياء، والثانية في العِدل من ذلك، وقد تعنون بعنوان العلمنة أو الحداثة أو المعاصرة أو التنوير أو ما إلى ذلك من المسميات التي وإن تغيرت في تركيبها البنائي مادةً وهيئة، إلا أنها تشترك في نهاية المطاف في مصب واحد، وتفضي إلى نتيجة واحدة، ألا وهي النيل من الثوابت، وهذا ما ينبغي أن نلتفت إليه ونحذر منه. نعم، علينا أن نقرأ النص بناءً على الحداثة والتنوير والمعطيات العلمية من حولنا ـ كما سوف أشير ـ لكن ذلك لا يعني أننا نرفع أيدينا عن الثوابت في ديننا الثابت بحكم الله تعالى، كما جاء به نبينا محمد (ص) بناء على هذا النحو من القراءة.

إن المفارقة بين المسارين تعتمد مجاهدة النفس، فالنبي الأعظم (ص) عندما قفل من إحدى معاركه بعد جهد جهيد، وقد حسمها المسلمون لصالحهم، قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر، قالوا: يا رسول الله، أوَجهادٌ بعد جهاد السيف؟ قال: بلى، جهاد المرء نفسه([3]).  

لذا ينبغي الالتفات إلى أن الصراع الذي يدخله الإنسان مع نفسه، يُعدُّ واحدة من أشد المعارك التي يخوضها، فالتقاء جيش بجيش في معركة، يمكن أن يحسم على الأرض، لكن أن تبقى هذه النفس الأسيرة في الداخل تطارد كينونة تعبر عني وعنك وعن فلان وفلان، فهذا ما يحتاج إلى الشيء الكثير.

فالمفارقة إذن بين المسار الأول والمسار الثاني تتركز في هذه النقطة فقط، وهي مجاهدة النفس، فأصحاب المسار الولائي يرجون من وراء حركتهم أن يحققوا رضوان الله تعالى، وأن ينجوا بأنفسهم والمجتمع من حولهم، أما أصحاب التيارات الأخرى فمن حقنا أن نسأل منهم ونسأل، لعلنا نسمع جواباً شافياً مقنعاً: ما عسى أن يقدم لنا هؤلاء من أدعياء الثقافة الحديثة التي لم تُبنَ على شيء من أصل الانسجام بينها وبين أصول الفكر الثابت؟ وهل بعد ما قدّمه لنا محمد وآل محمد (ص) فكر يمكن أن نراهن عليه أو نقرأ مستقبلاً بناءً عليه؟

ربما تكون العبارة مغلقة، إلا أنني سوف أقف على أبعادها في الخطبة التالية في الأسبوع القادم أو الذي يليه إن أبقانا الله أحياءً.

إن من أراد أن يقرأ الفكر الإسلامي قراءة صحيحة فعليه أن يتعمق في علوم القرآن، وأن يقترب من مساحة النصوص الصادرة عن محمد وآل محمد (ص) كي يقرأ بصورة كاملة الأطراف والجوانب، ومن أراد أن يقرأ ذلك الفكر ـ ناهيك عن محاكمته ـ عليه أن يتعمق في نصوص سطرها علماؤنا منذ الغيبة إلى يومنا هذا، ما جفّت محابرهم، فهم الذين حفظوا المحابر بدماء النحور، وهم العلماء الذين لا نستطيع أن نرفع أيدينا عن اسم واحد منهم مهما كلفنا الثمن، فكل شيء يرخص في سبيل الحفاظ على أسماء ذوات مقدسة، قدمت الكثير، لا لشيء، ولا ليقال إنها قدمت وأعطت، إنما رغبة منها أن تكون أكثر قرباً وإخلاصاً وصفاءً وإضافة لمحمد وآل محمد (ص).

إن من أجلى مصاديق التقدم العلمي في وسط الأمة الذي انتهجه من تقدم من علمائها هو التركيز على القرآن وما له من أهمية، فما من كتاب فلسفي دقيق، إلا وللقرآن إسهام مباشر في بنائه، إذا ما توخى ذلك الفيلسوف الوصول إلى النتيجة الصحيحة، وما من فكر اجتماعي إلا وأصل له الإسلام بما لا مزيد عليه، إلا من باب الشرح والتوضيح، وما من إضافة في علم نفس، إلا وللقرآن ولمحمد وآل محمد (ص) إسهام فيه، فنفس محمد (ص) وعطاؤه وفكره هي التي انتشلت الأمة من الحضيض حتى أوصلتها إلى ما وصلت إليه، فراحت تقود العالم من حولها، ولكن عندما كانت الأمة الإسلامية تعرف قيمتها، وعلى أي أساس تُكَرَّمُ وَتُقَدَّم؟ وعلى أي أساس توضع في ميزان الأمة الوسط؟ كانت كذلك عندما كان القرآن هو المحور، وكانت الأمة تدور حول هذا المحور، فاستطاعت أن تتربع في الغرب، وأن ترمي بطرفها إلى الشرق، قدمٌ في الصين يحركها عقل نيِّر، وأخرى في أسبانيا اليوم، أندلس الماضي، حاضرة العلم والأدب والفكر والعطاء والنماء والتنوير، وكان العقل هو الذي يحركها.

نحن لا نستطيع أن نقرأ مجتمعاً راشداً، ولا أمة واعية، ولا حضارة تحنى لها الرؤوس إجلالاً وإكباراً إلا إذا رجعت الأمة إلى ثوابتها، ومن أهم الثوابت، بل أهمها، وهي الأسس الثابتة التي لا مزيد عليها، الكتاب المنزل والسنة المطهرة كما هي عن محمد وآل بيت محمد (ص).

القراءة الجديدة في حوزة قم:

وبالعودة في الحديث إلى حوزة قم، نرى أنها تهجّت كما ينبغي أن تتهجى، وجاءت القراءة صحيحة لذلك النتاج الذي يصدر منها فيعانق السماء سموّاً وارتفاعاً.

لقد وجدت الخوزة في قم أن خللاً كبيراً وقعت فيه الحوزات أو محطات الثقل الحوزوي في بعض مراحل المسيرة الحوزوية، ألا وهو تقليل أو إقصاء مدرسة القرآن الكريم أن تأخذ نصيبها كما ينبغي من بين العلوم، ولكي لا نكابر ولا ندخل في صراع جدلي لا محصلة من ورائه، نقول: هناك حوزة كبرى، لو حاكمناها على قرنٍ مضى من الزمان عما قدمته في علم التفسير لما وجدنا شيئاً ذا بال، ولو حاكمنا حوزة أخرى نظيرة لها عما قدمته خلال قرن كذلك، لكانت النتيجة واحدة، ولكن في فترة لا تتجاوز العقود الخمسة فقط، استطاعت حوزة قم، بعد أن وضعت حجر أساس ثابت محكم متماسك، أن تبرز للأمة وتنتج وتقدم مجموعة من الموسوعات المتعددة الغرض، والمرتبطة بالقرآن الكريم المنزل على قلب الرسول الأكرم محمد (ص).

لذا فإننا لا نستغرب اليوم أن تكون جماعة قد شكلت لأمرها وضعاً خاصاً، وأحدثت لنفسها تموضعاً جديداً، بحيث صيرت من نفسها رقماً لا يمكن أن يُقصى، فضلاً عن أن يُسقَط ويُمحى، فالبناء على القرآن، سواء كان للفرد أم الأسرة أم المجتمع أم الدولة والأمة فسيكون بناءً راسخاً وقوياً ومتماسكاً ومستحكماً، ولو لم يُبنَ الإسلام على القرآن لما ثبت إلى يومنا هذا، لأن حجر الأساس قوي لا يضاهيه حجر من حيث القيمة والقوة والحركة والقدرة على التجديد.

من هنا جاءت حوزة قم المقدسة لتعيد المشهد، وتتحرك مع التاريخ في دورة تراجعية من أجل أن تتقدم خطوات بعيدة.

إن الوضع في الحوزة العلمية مَطَمْئِنٌ إلى أبعد الحدود، والثقة في علمائنا الأتقياء البررة الذين نذروا أنفسهم لخدمة الخلف الباقي من آل محمد (ص) ثقة كبيرة. ولا يضر أن يخرج صوتٌ نشازٌ هنا، أو آخر هناك، فهذا مما ألفناه وسمعنا وقرأنا عنه الكثير، فمن يحصل لديهم شيء من الإرباك والتوقف والتردد، هم أولئك الذين نأوا بأنفسهم، واختاروا لها أن تكون في منأى عن الحدث، لذا فإنهم يُصدَمون ويفاجأون، ويقعون في حالة من الإرباك والشتات، بل من الضياع والتضييع أحياناً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياهم من الملتفتين المتنبهين اليقظين الحذرين لما يجري من حولنا في القريب والبعيد زماناً ومكاناً.

لقد وجدوا في قم المقدسة أن الرجوع إلى القرآن الكريم أساس لا بد منه، وأن فترة من الجفاف قد مرت، لا ينبغي لها أن تطول أكثر مما كانت عليه، فعمدوا إلى إحداث مدارس القرآن، وهي مدارس ذات أغراض متعددة، فبدأوا من الخطوة الأولى، وهي مدرسة التفسير، والخطوة الأخيرة كذلك، وبين هذه وتلك مجموعة من الحلقات، بعضها يشكّل مجموعة من المقدمات، وبعضها يشكل عوامل ربط، وأخرى تشكل نتاجاً بين الأول والثاني والثالث، وهذه المنظومة الواحدة يُنتزع منها شيء واحد اسمه: (تفسير القرآن الحركي) الذي يتماشى مع واقع الأمة وحاضرها، لذلك وجدوا أن دروس التجويد وحفظ القرآن لا بد منها، وأن التقليل من شأنها خسارة كبرى، ففي يوم من الأيام كنا نبحث عن المجوِّد للقرآن الكريم لنستفيد منه، فلا نجد له عيناً ولا أثراً، وإن كان فهو حبيس سرداب في واحدة من الحوزات العلمية، أو أخذ لنفسه حجرة أشبه بصومعةٍ ليتخلص من المسؤوليات من حوله، وثالث رأى أن الاستعداد أو التقدم أو طرح الدروس في هذا الجانب لا يؤمِّن له موقعاً مع بقية الرموز التي تتسيد المشهد، حتى أنّ بعضهم عندما قيل له: هلا حضرت دروس التفسير؟ قال: هو من الكماليات التي يمكن أن يستغني الطالب عنها!.

لقد جاءت مدارس التجويد والحفظ، ومن الحوزة العلمية في قم المقدسة الكبرى([4])، وخرج أشخاص أجبروا كثيراً من القراء الذين ثبتت لهم أسماء لعقود في مدارس أخرى، أن تتبوأ مقاعد متأخرة عما حققته.

إن الإنسان إذا كان يعي ما بداخله من قوة كامنة، وأعطى لها مساحة أن تتحرك وتنمو وترشد، فلا إشكال أنه سوف يصل إلى مساحات بعيدة جداً.

ثم جاءت المسابقات الكبرى لحفظ القرآن والتجويد وحسن القراءة، وهذه الفعاليات أثْرَت وحركت وقدمت، ولكم أن تتصوروا ـ أيها الأحبة ـ أن ببركة هذه الحوزة العلمية تخرّج في سنة واحدة 45000 حافظ للقرآن، وتم تكريمهم في هذه الحوزة.

أيها الأحبة: مدارس التدبر والاستنطاق للنص القرآني من المدارس المهمة، وأنا أحث الشباب الطيب المبارك المؤمن الملتزم، الذي يعطي للقرآن قيمته، أن يولوا هذا الأمر أهمية خاصة، فالمجالس والأماكن التي نجتمع فيها، حريّةٌ بأن نملأها بمدارسة القرآن، فما ضرنا لو أننا خصصنا في كل أسبوع ليلة واحدة فقط ـ ولا أقول في كل ليلة كي لا نُثقل على البعض ـ تجتمع فيها جماعة من الشباب، وتنتظم لتقرأ واحدة من السور القصار، أو آية من آيات القرآن الكريم، ثم تتدبر فيها، ويتأملون في معانيها ومعطياتها، ويحاول البعض منهم أن يلتصق بالمفاهيم التي يمكن أن تُنتزع منها؟

وقد يقول قائل: كيف نصل؟ ونحن لا نمتلك العدة والسلاح اللازم لنخوض به في هذا المجال؟ الجواب: علينا أن نعاتب أنفسنا: لماذا لا نقرأ؟ لماذا لا نسأل ونستفيد من أهل النظر الذين سبقونا في هذا المسار؟ هل من الصحيح أن نقضي ليالي الشتاء الطويلة في قال وقيل، وذهب وجاء، وبعُد وقرب؟ يؤذن أذان الفجر ونحن لم نضع مفردة على مفردة تشكل لنا جملة مفيدة نستفيد من خلالها في أيام حياتنا القادمة!

إن مجالس التدبر ومدارس الاستنطاق للنص، تحقق ـ على أقل تقدير ـ الاقتراب من القرآن الكريم. ولنسأل أنفسنا بصراحة: ما حال جلساتنا ـ وهي محترمة ومقدرة ـ وما هي ثمراتها؟

لنُجرِ تجربةً بسيطة لنصل إلى المطلوب: لو أن أحداً ما في ليلة من الليالي، طلب إلى جماعته أن يقرؤوا سورة ياسين لأرواح موتاهم، قائلاً لهم: إن سورة ياسين عروس القرآن، وأرواح المؤمنين في ليلة الجمعة تتحلق على بيوت أهلها، وهي تنتظر منكم كما ينتظر السائل المحتاج في أبواب الناس أو المساجد، فهم ينتظرون زاداً معنوياً يثقلون به موازينهم ويضيئون الطريق أمامهم في عالم أنتم أعلم به، فلنقرأ لهم سورة ياسين. فما عسى أن تكون ردة فعل تلك الجماعة حيال هذا الطلب؟  إن كان ردهم إيجابياً وترحموا للقائل لأنه ذكّرهم بذلك، فالجلسة صحية وطيبة ومباركة من قبل الخلف الباقي من آل محمد (ص) . وإن كان غير ذلك، وقيل لصاحب الطلب: إننا لسنا في حسينية أو مسجد([5])، فهي ليست كذلك.

من هنا ندرك أن من النعم الكبيرة على الإنسان أن يجد صديقاً يدله على طريق الخير، ولا نستصعب هذا الأمر ولا غيره، فمدارس التدبر، سواء كانت على شكل جلسات خاصة، وهي متوفرة وحاصلة، أم جلسات عامة أيضاً، على نحو الدروس والبحوث حول الآيات القرآنية الشريفة، ونحن في مسيس الحاجة للكثير من معطيات تلك الآيات، وكذلك المحاضرات التي يمكن أن تعطينا شيئاً من الإضافة.

وليس بالضرورة أن يكون المدعو للمحاضرة من رجالات العلم والدين بالمعنى الخاص، فاليوم ـ بحمد الله ـ أصبح لدينا الكثير ممن يمتلك المعلومة النافعة. فمن خلال مشاهدتي لقناة (الولاية) للمرجع الكبير الشيخ مكارم الشيرازي، أرى الكثير من رجال العلم المتخصصين في التفسير، وهم من غير المعممين. وقد يصل مستوى هؤلاء إلى ما هو أفضل وأرفع من الكثير من أهل العمائم. فالمسألة ليست متعلقة بنوع اللباس، إنما تتعلق بالمضمون والمستوى.

ومما يجدر بالذكر هنا أن هنالك الكثير من مدارس التفسير، منها الاتجاه التقليدي والاتجاه العلمي والاتجاه الاجتماعي والاتجاه المذهبي التعصبي والاتجاه الأحادي، وسوف نحاول في القادم الأيام أن نضع أيدينا على الجوانب التي استطاعت حوزة قم أن تقدم فيها حتى باتت تشغل هذا الموقع.

أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يعيد علينا وعليكم وعلى عموم المسلمين فرحة العيد إن شاء الله تعالى، تلك الفرحة التي اجتمع عليها الجميع بعد فترات طويلة، حتى بين أبناء البيت الواحد، وأن يعيد الحجاج إلى أهلهم سالمين، وأن يشركنا في الصالح من عباداتهم وطاعاتهم وأعمالهم وتضرعهم، وأن يجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين آمناً مستقراً بعيداً عن كل أذى مما يخطط له أعداء الإسلام شرقاً وغرباً، إنه ولي ذلك.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.