نص خطبة: العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (39)

نص خطبة: العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (39)

عدد الزوار: 917

2018-02-18

الجمعة 1439/5/8

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

السفه والسفهاء:

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا قيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ‏ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾([2]).

السفه: هو كثرة الجهل كما عُرّف في محله، وهو ما لا يستدعي أن نقف عنده طويلاً، لكن السؤال المتولد عن ذلك: ماذا بعد هذ التعريف؟ الجواب: إنه التعصب الأعمى، الذي يفضي إلى الدمار. فما من حركة تغييرية في وسط الأمة إلا ويصاحبها الكثير من الزعازع والتقلبات، أولها التلاسن، ونهايتها قد تصل إلى الدم. وهذا واضح جلي بيّن في أزمنة الأنبياء، حتى نُشر النبي يحيى (يوحنا المعمدان) بالمناشير، ثم استمرت الحال مع الأنبياء، في حالة من الشدة والضعف، ولا أقل من التلاسن من الأقوام الذين بُعثوا في أوساطهم.

مئة أوربعة وعشرون ألف نبي، بعثوا لسائر الأمم والشعوب والأقوام على وجه الأرض، من آدم إلى أن بعث الله النبي الخاتم محمداً (ص) كلهم كانوا يدعون إلى الحق والصدق والكرامة والشرف والنبل والعدالة، فتثور الثائرة في وجوههم، ويقرضون بالمقارض، وينشرون بالمناشير، ويعلقون من رقابهم، ويُلقَون في الماء المغلي، ويصب الزيت المغلي في رؤوسهم، ويسحبون في الأسواق، كل ذلك كان يقع من أولئك الأقوام بحق أنبيائهم. أما الكلمات فحدّث ولا حرج، ودونك ما هو مسطور في كتب الأولين وحواشيها وشروحها.

ومن المعلوم أن نبينا (ص) بعث على فترة من الرسل، فقد مرت مئات السنين بين النبي عيسى (ع) والنبي الأعظم محمد (ص) كانت كفيلة بأن تغيب المعالم والأصول الأساسية في الديانة المسيحية. وفي تلك الفترة اتخذ الناس آلهة وانصرفوا إليها، والإله قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً، فالهوى إلهٌ يتربع في صدور الكثير من الناس وأذهانهم، فهو إله وإن لم يُر، يزين للإنسان فعله، ويجري وراءه. وذلك ما يسمى باتّباع الهوى. وهنالك آلهة نُحتت من الحجر والتمر وغيره، وكلٌّ بحسبه.

كان بعض رجالات قريش يذهبون إلى الشام، وهي بلد المسيحية آنذاك، ويأتون ببعض المجسمات، فيتخذونها أصناماً صغيرة في بيوتهم، فمنهم من يراها آلهة، ومنهم من يراها أنها تقربهم إلى الله زلفى بناءً على الديانات السابقة التي كان عليها آباؤهم، وهذه الصفحة مغلقة مع شديد الأسف، فلا تُقرأ ولا يعطى حقها ونصيبها من البحث، إنما يسلط الضوء عليها باختصار فيقال: إن من كانوا في الجاهلية كانوا وثنيين، ثم يغلق الباب، وهذا إجحاف في الحكم، ولا أقول: إن في هذا تبريراً لمن كانوا في تلك المرحلة إنما هي استثارة للأذهان من أجل البحث والمتابعة. وهدفنا الأول هو أن يوطن من يرغب في التغيير والإصلاح نفسه على أن يتحمل ما تحمله الأولون، من أي جهة صدر التحميل والتجاوز، حتى تستقر النفس، فإذا استقرت استطاع أن يبدع ويعطي ويتقدم، فلو كان نهج حركة الأنبياء أن يتوقف النبي عند أول عقبة لانتهت معطيات مدرسة الرسالة، لكن النبي الأول تجاوز، والثاني تحمل، ودفع الثالث نفسه فداءً للعدالة الإنسانية العامة المرادة من قبل السماء، فاستمرت المسيرة ودارت العجلة ووصلت إلى ما وصلت إليه.

العقل وتحمل المسؤولية:

والسؤال المشروع هنا: هل أن ما نعيشه اليوم وليد منطقة فراغ العقل؟ أو وليد منطقة فراغ الشرع، أم هما معاً، فهل أن العقل غير حاضر فيلبي الحاجيات والطلبات المطروحة بين أيدي الناس تبحث عن حلول؟ أم أن الشرع غير قادر على تلبية حاجيات الناس؟ أم هما معاً؟ فلا العقل قادر أن يتعاون مع الشرع، ولا الشرع قادر أن يصطف إلى جانب العقل لتتقدم الأمة خطوات إلى الأمام؟ فمال الآخرون إلى الرأي الأول، وغيرهم إلى الثاني، واختار آخرون الثالث.

ولست بصدد الإيغال في البحث، وغربلة الأدلة لدى كل فريق، لكن الذي يعنيني أولاً وبالذات، أننا متى ما تركنا لأنفسنا مساحة أن نفكر فسوف نصل وإن طال بنا الزمن وتباعدت المسافات وحُمّلنا ما لا نتحمل، لكن ما سقط لواء علم ومعرفة وإصلاح وتنوير إذا كان من يحملون هذا الشعار في مستوى تحمل المسؤولية.

إن العقل إذا فُرغ من محتواه، أو حافظ على محتواه وأُطّر، فمما لا شك فيه أنه سوف يحدث خللاً في نمو وتقدم المجتمعات. فأوربا عندما ألغت العقل، وتركت الحبل على الغارب للمؤسسة الدينية، انغمست في الظلمات لقرون طويلة، حتى كان بعضهم لا يستحم في السنة إلا أربع مرات، عند كل فصل من الفصول الأربعة، وكان من المعيب عند الإنسان الأوربي آنذاك أن يميط الأذى عن نفسه. فلما تحرك العقل جُنّ جنون الكنيسة، لأن الكنيسة آنذاك تمارس عملية الاسترقاق لمتبعيها من خلال إلغاء العقل أو ضرب إطار حول حركة العقل، فثارت ثائرة أتباع الكنيسة على ما كان يُتخذ من أحكام جائرة بحق أتباعها، وجاءت مسألة صكوك الغفران، لتأتي على حاصل نتاج أبناء تلك الطبقة، أو تلك المجتمعات من الطبقات الكادحة، ويطلق العنان للإنسان يفعل ما يشاء، فإذا ما أراد أن تفتح أبواب الجنان بين يديه، فما عليه إلا أن يفزع للكنيسة ويقدم شيئاً من المال يشتري به صكاً للغفران من الكنيسة، فينتهي كل شيء، ويعود خالياً من الذنب كأنه لم يرتكب شيئاً!.

كان الجهل متقدماً، والعلم متأخراً، والسبب هو غياب العقل، فبعد أن حدثت الثورة العظمى في أوربا، وانقلب الشارع على الكنيسة، وتبدل المسار الديني المظلم المعتم المشوَّه بنور العلم والمعرفة، دارت عجلة التصنيع، وتقدم المجتمع الأوربي، بحيث أصبح اليوم هو الأيقونة التي تنظر إليها باقي شعوب العالم، فغالبية شعوب العالم بالحسابات والقياسات المادية كانت متخلفة، لأنها ألغت عقولها لقرون. نعم، هنالك مناطق حصل فيها شيء من التطور والتقدم، إلا أنها محدودة، تُحفظ ولا يقاس عليها، وأنتم ترون أنه عندما يحصل حراكٌ لتحريك العقل، وفك قيود الأسر عنه في منطقة أو مكان أو جهة أو تجمّع، تثور الثائرة من طرفين:

الأول ـ أصحاب المصالح: وتحت هذا العنوان تندرج طوائف طويلة عريضة.

الثاني ـ أولئك الذين يتحركون تحت كساء الدين، أعم من أن يكون إسلامياً أو مسيحياً أو غيره. وبالنتيجة لا يقبل للعقل أن يتحرك.

إن الشعور بالمسؤولية أيها الأحبة هو طوق النجاة لمن أراد أن يعبر من الضفة إلى الأخرى. والمسؤولية كبيرة وخطيرة من جهة، ومتشعبة الأدوار من جهة أخرى، ولا يمكن لشخص واحد أن ينوء بأعباء واحدة منها، ناهيك عن أن ينهض بالجميع، ولكن بمقدور الجميع أن ينهض بجميع أعبائها إذا شعر الجميع بالمسؤولية، لا أن يكون الثقل على طرف ويبقى الطرف الآخر متفرجاً، بل عليه أن يمد يد العون قدر المستطاع، ولا أقل من دفع ظلامة المظلوم والانتصار له.

إننا في الأمور الحسبية قد نستنكر ونشجب بعض المواقف، أما في الجهات المعنوية فنُحجم، وإحجامنا يكون وفق مصالح معينة. فنحن مثلاً إذا عرفنا أن فلاناً تجاوز وطلق فلانة ظلماً وعدواناً، فسوف نستنكر ذلك، أما إذا كان التجاوز معنوياً، فإن الأمور تقف عندنا في حدود هي دون ذلك بكثير، وها أنتم ترون ما يحصل في الساحة ولا موجب لذكر الأسماء. لكن هذا هو ما يحصل اليوم. وأنا أختصر عليكم المسافة أيها الشباب الطيبون فأقول: لا إشكال أن هناك حراكاً في الساحة، ولا بد أن يحدث هذا الحراك ردود أفعال، وليست لدينا مشكلة مع ردة الفعل، إنما المشكلة في أن لا يكون المرء حيادياً في قراءة ردة الفعل.

فالمطلوب أن يكون الإنسان حيادياً، يتأمل فيما قيل، ويقرأ ردة الفعل بشكلها الصحيح، ثم ينظر في النسبة والتناسب بينهما وإلى أين تنتهي به، حتى يصل إلى قطع ويقين، ليقدم برهانه بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وليس هنالك أكثر من هذا، فلا شكاوى ولا دعاوى، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾([3]). فاليوم يمكن أن نتنازل عن حقوق لها مساس ونتاج أخروي، ولكن يوم القيامة ربما نعض أصابع الندم أننا فرطنا في حقٍّ لنا. من هنا فإننا من اليوم فصاعداً لسنا على استعداد للتنازل عن شيء، كما أننا لا نمنع أحداً حقاً هو له عندنا. أما التسامح والعفو فلا مكان له بعد اليوم.

إن الشعور بالمسؤولية نم أهم الطرق الموصلة إلى الهدف، ويمكن لنا أن نحقق ما نطمح بالوصول إليه وهو المجتمع الفاضل من خلال قيامنا بأعبائها.

المسؤولية العامة والمسؤولية الخاصة:

والمسؤولية تارةً تكون فردية قائمة على جناح واحد، وأخرى تكون عامة، فيمكن أن يتنازل الفرد، إلا أنه ليس من حقه التخلي عن مسؤولياته، فيمكن التجاوز فيما له وما عليه في الجانب الشخصي، ولكن في تحمل ما يتعلق به من المسؤولية في قضية ما، سواء كانت شخصية أم عائلية أم قبلية أم إقليمية أم وطنية أم دينية أم أممية، فهذه لا بد أن يقوم بها من باب أداء التكليف، فليس التكليف منحصراً بالصلاة والصيام وأمثالهما، فهذا تكليف، لكنه ليس التكليف كله، فالدين معاملة، وكما علينا أن نصلي علينا أن نؤدي الأمانات وأن نصوم وأن نكف عن أذى الآخرين، وعلى هذا فقس ما سواه.

إن ما يعود إلينا في باب الالتزام الشخصي هو أداء التكاليف، فما وصلنا من خلال الكتاب الكريم، والسنة الصحيحة الصريحة، فهو من الضروريات، وكذلك ما سطره أعلامنا البررة من الماضين والحاضرين الذين يُركَن إلى قولهم، وكان سيد مسيرتهم الورع والتقوى، وليس العلم فحسب، وإلا فإبليس عالم أيضاً، وبلعم بن باعوراء. فلا بد أن يكون عامل الدين والورع هو الحاكم قبل كل شيء.

فما نلتزمه مع الطرف الآخر وهو جميع مكون المجتمع أو الوطن أو الأمة، أهم مما ينبغي أن نلتزمه مع أنفسنا، لأنني إذا ما فرطت فيما يتعلق بالنفس فهو شأن شخصي، يمكن فيه التقديم والتأخير، والسعة والضيق. ولكن مع الناس أمر الآخر، بسبب ما يترتب عليه من الخلل العام، والضرر بالمجتمع في بعده النفسي.

والأمانة الأخلاقية واحدة من المسؤوليات التي ينبغي أن ننهض بها جميعاً، فمسؤوليتي أن أكون خلوقاً معك، كما أنه من اللازم أن تكون خلوقاً معي، أما أن تطلب أن أكون خلوقاً معك، وأنت تجور وتظلم وتتجاوز وتسب وتلعن وتشتم، فهذا لا يتم: ﴿تِلْكَ إِذَنْ قِسْمَةٌ ضِيْزَى﴾([4]). فمتى ما أنصف الإنسان الآخرين من نفسه أعطوه النصف من أنفسهم، ولا عكس في البين.

الحراك الفكري والعلمي:

مما نراه اليوم في الساحة، مما يتصوره البعض أنه انقلاب على الدين وردّة، هو عدم قبول بعض الفقهاء والعلماء والمراجع بعض الآراء التي كانت مألوفة ومسلماً بها ومقطوعاً بظاهرها. فبمجرد أن يذهب بعض المفكرين من هؤلاء يميناً أو شمالاً أقيمت الدنيا ولم تقعد. وقد يتصور البعض أن هذا قد حصل بمجيء طلبة العلم من قم، وهو ليس كذلك، فهذا الأمر قديم بقدم الحوزة العلمية.

يقول البعض: اتركوا هذه الأمور في داخل الحوزة، فنقول: العكس هو الصحيح، فلماذا تحتقرون عقول الناس؟ الناس اليوم يقرأون ويتابعون ويرصدون، ويقدمون أسئلة محرجة لأكبر رجال الدين، ولم يعد اليوم أي مساحة في واقعنا لجعل التعامل مع الناس كتعامل الكنيسة، فربما يأتيني ولدي ذات يوم فيسألني سؤالاً، فهل أضع على سؤاله خطين متقاطعين؟ أم أترك له المساحة في السؤال؟ الصحيح أنني لا بد أن أفسح له المساحة في السؤال.

فعلى سبيل المثال: ليس هناك ما هو أخطر من القول بشريك للباري، لكنها مع ذلك من المسائل المدرجة على طاولة البحث، لا في الحوزات العلمية فحسب، بل في جميع المحافل العلمية الأكاديمية التي تعنى بما يتجاوز حدود اللغة، من علم الإلهيات والتاريخ والحديث والاجتماع وغيرها. فوحدة الصانع أو تعدده من المسائل التي سارت في ركاب المعرفة البشرية منذ اليوم الأول.

دور الضمير والنية الحسنة:

إن مصدر الالتزام الأخلاقي، كي ألتزم معك أخلاقياً وتلتزم معي هو في الأساس ضمير الإنسان، فهل هذا الضمير لا زال حياً ينبض بالحياة؟ ويضخ المعاني بقدر ما يضخ من قطرات الدم في أجزاء الجسم ويغذي العقل؟ أو ران عليه ما كان يكسب صاحبه؟

الأصل هو الضمير، فإن صفا الضمير رشد العقل وبرزت حالة الإبداع، ويبقى المقتضي والمانع، فالمقتضي موجود أما المانع فمحل تأمل، لأنه من صنع أفراد يمكن أن يتم تجاوزهم.

وهنالك روافد تساعد على استنهاض الضمير، وهي عبارة عن المبادئ والقيم السلوكية في عالمنا الخارجي، فمتى ما قدرنا لأهل الأخلاق والتوازن قيمة ما يضخّونه في وسط المجتمع من قيم ومبادئ، بقدر ما نتقدم.

وأهمس هنا همسةً في سمع كل من يرغب في التغيير، وأنصح بذلك نفسي، وهي أن لا نعير الآخر الذي يحاول أن يجر السفينة إلى قاع البحر اهتماماً أكثر مما أعطينا، وأن نعيش مرحلتنا ونتخطى، فالرغبة في التنوير اليوم وحداثية الشيء وتحصيل العلم والمعرفة والثقافة والأدب والفن، تشغل من المساحة في النِّسَب أكبر مما كانت عليه قبل أشهر، ناهيك عن سنين، وهذا لم يأت اعتباطاً إنما جاء وليد ما قدمه بعض الأعلام والمفكرين والمتحدثين والخطباء ممن يحملون الشعور بالمسؤولية.

فيا أيها الشباب، أهمس وأكرر القول: المستقبل لكم، فلا تسلموا عقولكم للآخر، لأنه لا يرغب لكم أن ترسموا معالم طريق توصلكم إلى ما هو الأفضل، فكل من ينبذ العلم والمعرفة فهو يدعو إلى الظلام والجهل والضلال، ومن يدعو إلى العلم والمعرفة يريد السعادة والعدالة والكمال الإنساني في أرقى صوره، فلا بد أن ننتبه إلى أن ما نقدمه هو أقل بكثير مما ينبغي، ونسأل الله تعالى أن يجعل القادم من أيامنا أفضل.

وأختم الكلام بهذا القول، وأرجو أن يتخذ منه شبابنا عنوان مدخل للانتقال إلى مرحلة أخرى: كن كما تكون، وعش أنت وطور من ذاتك، وكثر من ملكاتك، وعدّد المواقع والمحاور والأوتار التي تلامسها، ولا تكن كما يريد لك الآخرون أن تكون، فلا تسعَ أن تكون نسخةً من فلان مهما كان.

فالمحقق الحلي في شبابه يقول له أبوه ماذا ترغب أن تكون. قال: أرغب أن أكون كما أنت، فقال له: لن تكون، فسأله عن السبب فقال: قل: أتمنى أن أكون كما كان الصادق (ع) من آل محمد (ص). أما إذا أردت أن تكون كما أنا، فسوف تبقى دون ما أنا عليه. وقد صار المحقق كما كان عليه.

ولا تقل ما تسمع، فلا تكن إمعة وناقلاً مذياعاً، ولا تسمع ما يقولون، فالناس يتكلمون، فليقولوا ما يقولون. فمن ذمك لا يؤخر، ومن مدحك لا يقدم. ولكن السيء لا يصدر إلا من السيئ. وكما ولدت باكياً فمت ضاحكاً، والناس حولك يبكون.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.