نص خطبة العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (20)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
في الحديث الشريف عنهم (ع): قال أبو الصلت الهروي: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) يقول: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا. فقلت له وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا»([2]).
وقفة مع الدولة القاجارية:
في العهد القاجاري توسعت حركة الطباعة مؤذنة بعهد جديد في عالم العلوم والمعارف والفنون، وعلى ذلك برزت مجموعة من المستجدات غير المألوفة قبل ذلك، فتحركت الأقلام الجادة ذات البعد العلمي والتحقيقي بعد ركود، حيث إن السِّمة البارزة لأقلام الكتّاب والباحثين والمتابعين في الدور الصفوي كانت للنقل أقرب منها للتحقيق، وإن برزت بعض القامات في أكثر من فنٍّ من فنون العلوم والمعارف وليس الفقه عنها والحديث ببعيد.
لكن هذه الأقلام الجادة كانت خجولة يكبّلها الكثير، حيث جاءت بعد أن عاشت المدرسة سباتاً ليس بالهيّن، فتحرك بعضهم وأحدث ما أحدث من ردود الأفعال، ولا يعني ذلك أن مدرسة العقل كانت في معزل، إنما كانت لها لمساتها وإشاراتها القريبة أو البعيدة.
ولكن مع الدولة القاجارية وجد أصحاب العقل مساحتهم فتحركوا وأبدوا الكثير مما كان يجيش في صدورهم، ووجد المقتدرون فرصتهم في ترويج ما يميلون إليه من أفكار وتوجهات، وهذه السمة من الأمور الطبيعية التي تصاحب جلّ الحكومات إن لم يكن جميعها، فما من حكومة أو دولة أو سلطة تصل إلى مقام القرار إلا وتأخذ الأقلام فرصتها محتمية بتلك المظلة، والتاريخ القريب والبعيد والمعاصر خير شاهد على ذلك.
هذا الحال الذي يكون قوامه الاقتدار المادي هو الدافع لحركة الطباعة أو لتحريك الأقلام عند نسّاخي الكتب إذ لاقت رواجها وأحدثت حالة من الصدمة لبعض أولئك الذين لا يرغبون لأنفسهم الخروج من دائرة السراديب المظلمة والأوراق الصفراء.
بدأ الصراع الفكري يفرض نفسه على الساحة في المدرسة بجميع مكوناتها، فحيثما وجدت المدرسة وأتباعها كان الصراع الفكري يحط رحاله، يشتد في منطقة وربما يخمد قليلاً في أخرى متوثباً لحالة قادمة.
لقد كان صراع مدرسة الحديث (الإخبارية) ومدرسة العقل (الأصولية) في أوجه في هذه الحقبة (القاجارية) بحيث بلغت الحالة ببعضهم أن لا يحمل كتاب الطرف الآخر إلا بعد أن يلفه بقطعة قماش، كي لا تسري النجاسة منه إليه!. ويؤلف أحدهم كتاباً تحت عنوان: فضائل العلماء، فيؤلف الآخر كتاباً على النقيض منه تحت عنوان: فضائح العلماء.
وأقول هنا لإخواني وأبنائي: اقرأوا كي لا تُصدموا بالواقع المرير، فإنك إن لم تربح في القراءة فلن تخسر. فلنعطِ القراءة من حياتنا نصيباً، فهي خير رافد للإنسان، تفتح الآفاق وتعلم الإنسان، وتقدم الحجة والبرهان، والقارئ يرفع رأسه شامخاً، ومن لا يقرأ يطأطئ رأسه عند أقل عاصفة من هنا أو هناك.
أما صراع مدرسة الفلسفة وتداعياتها في العصر القاجاري فقد ضربت بأطنابها وتكثرت فتاوى التكفير والتضليل والطرد من رحمة الله تعالى ومن مدرسة الإسلام عامة، ناهيك عن مذهب أهل البيت (ع).
الشيخ الأوحد الأحسائي:
وشاء الله تعالى أن يكون الشيخ الأوحد الأحسائي (رضوان الله تعالى عليه) من رجالات هذه المرحلة الصعبة الحساسة الحرجة، وهو ابن هذه البلاد، فما الذي نعرفه عنه، وهو القامة الشامخة؟ وما الذي قرأناه فيما يصب في صالحه؟ وما الذي قرأناه فيما يضع علامات الاستفهام على حياته ورشفات قلمه الشريف؟
هو شيخ المتألّهين أحمد بن زين الدين الأحسائي، موطنه الأصلي الأحساء، لا كما توهم بعض المتحاملين أنه لم يكن أحسائياً إنما هو من إحدى دول شرق آسيا، فهو من آل النويران، وهي قبيلة محترمة كبيرة معطاءة لها حضورها وبصمتها في المشهد الأحسائي منذ القديم، وإلى اليوم لا زال أهلها أعزاء في قومهم وبين أبناء بلدهم.
ولد الشيخ الأحسائي في قرية الشقيق، وتربى في المطيرفي. وكانت رعاية والديه له بالتربية الخاصة والعناية الموفقة قد غرست في نفسه محبة واضحة لطلب العلم والترقي في مراحله. كما أن الاستعداد الفطري والنبوغ المبكر كان يكتنف شخصيته ويفرض وجوده على المحيط من حوله. وقد بذّ أقرانه وهو في سنيه الأولى. وكان حاضر البديهية ذا فكر وقّاد متجدد، ولديه القدرة على الإبداع والخلاقية. ومن هنا دفعته رغبته في نيل الدرجات العلا في العلوم أن يركب الكثير من الصعاب متخطياً لها بكل ثقة واقتدار.
أيها الأعزاء: الثقة بالنفس هي أهم مادة أولية على أساس منها يستطيع الإنسان أن يثبت وجوده ويتخطى الحواجز، ومتى ما ضعفت ثقة الإنسان بنفسه فعليه أن يكبر عليها أربعاً، لأن من يقف من حوله لن يستطيع أن يقدم له شيئاً.
مسيرته العلمية:
أما المحطات الحوزوية في مسيرته فكانت كالتالي:
1 ـ المحطة الأولى: الأحساء، وهي حاضرة علمية كبرى، إلا أنها لم تحظَ بتسليط الضوء عليها كما ينبغي، لبعدها عن المراكز العلمية الكبرى المتعددة والمتنوعة ولما كانت المنطقة تمر به من تقلبات الأحوال.
فمن خصائص الأحساء الأولية والمهمة جداً هي روح التسامح والنسيج الواحد، ففي يوم من الأيام كان لكل المذاهب مدارسهم الخاصة بهم، يقرأون ويتعلمون ويعلّمون وينشرون معارفهم، وكان الحال يكشف عن وضع داخل النفوس فطروا عليه، وهو من جبلَّتهم الأولية، وقد استُثمر من أولئك الآباء والأجداد العظماء الذي مضوا من جميع ألوان الطيف الأحسائي ووجهوه بالاتجاه الصحيح، فالمكاتب الكبرى اليوم فيها الكثير من المخطوطات، فكم هو جميل أن يقوم البعض بمسؤولية البحث وكشف النقاب والسرد التوثيقي لها، فلعل الجيل القادم يحظى بأكثر مما عليه أبناء هذا الجيل فتخضع للتحقيق والنشر، وهي لجميع أبناء المذاهب، لأن العلم إذا ما أعطي عنوانه الحقيقي فلا يعرف معنى التمذهب، فالعلم وليد العقل، والعقل نعمة أنعم بها الله تعالى على الإنسان بما هو إنسان، فلم يأخذ الله تعالى في هذا الجانب أن يكون هذا مضافاً لهذا المذهب أو ذاك، أو لهذا الدين أو ذاك. لذلك تقدمت أممٌ وتأخرت أخرى، لأنها لم تشأ لنفسها إلا أن تكون حصراً في دائرة المضاف والمضاف إليه، مما أفقدها الكثير من القدرة على تخطي الكثير من الصعاب.
ففي الأحساء كانت الحوزة آنذاك في قرية القرين، وهذه القرية خرجت الكثير من الأعلام وتسيّدت الموقف، وكان لها علو شأن، وقد غادر منها رعيل كبير من العلماء عمّروا الديار في الضفة الشرقية من الخليج العربي امتداداً من جنوبه إلى شماله مروراً بالوسط، وكانت لهم إشراقاتهم الطيبة وانعكاساتهم على الحوزة الكبرى في النجف الأشرف آنذاك.
وقد تلقى الشيخ في هذه الحوزة مجموعة من معارفه العلمية الأولية على يد كبار الأساتذة فيها، ومنهم من أجازه بعد فترة، إلا أن الشيخ (رضوان الله تعالى عليه) لم يجد ضالته التي تشبع نهمه في طلب العلم والمعرفة، فشدّ حيازيمه وأحضر متاعه وتوجه صوب البحرين التي كانت آنذاك تعيش حركة علمية واسعة، فأفاد من أعلامها عند توقفه فيها إلا أنه أيضاً لم يجد ما يشبع نهمه ويسد الفراغ في المساحة التي كان يرجو أن يملأها بالعلم والمعرفة، لذلك يَمَّم شطر العراق، فوضع رحله في كربلاء، وكانت آنذاك هي الحوزة المنافسة للحوزة الكبرى في النجف الأشرف.
وفي كربلاء عمد للتأصيل والتوسع والانفتاح في بحثه وعلاقاته مما أكسبه حضوراً كبيراً في الأوساط العلمية وطار صيته قبل أن يصل إلى المواطن التي تنقل فيما بينها.
ثم توجه للنجف الأشرف، وللوهلة الأولى اكتشف الرعيل الأول والطليعة الأولى من علماء النجف الأشرف أن من حل بين ظهرانيهم يحمل من خصائص الكمال ما ينبغي أن يعطى من الاحترام ما يتوازى معه.
كان أعلام الطائفة آنذاك أسياد الموقف، وكان الشيخ الأوحد يمثل شذرة مميزة في تلك الحاضرة. فأجيز هناك وطُلب منه الإجازة من بعض الأعلام فيها، بل قال بعضهم عندما التمس منه الإجازة أنه بإعطاء الإجازة حري، لا بأخذها من غيره، فأن ينتقل العالم في جلسة واحدة من مجاز إلى مجيز يكشف عما كان عليه الشيخ الأوحد من علم جم وتحقيق راق.
ثم انتقل إلى إصفهان وهناك أخذت شخصيته أبعاداً أخرى، وكان يفرض وجوده في المجلس إذا حضر، وفي المحفل العلمي إذا تكلم، بل والأكثر من ذلك أنه كان إذا أمّ الجماعة تسارع أرباب العلم والمعرفة للاقتداء به، حتى مُلئت النفوس غيظاً، وتحركت فيها حسيكة النفاق، وهكذا يواجه العظماء عبر التاريخ من يعترض طريقهم، لا لشيء إلا لأن شيئاً من المصالح بات مهدداً.
إن مسألة سحب البساط من تحت الأرجل بات يشغل بال البعض من رجالات العلم، وليس هذا بالجديد ولا بالمستحدث، إذ له في الماضي الكثير من النظائر، وما واجهه شيخنا الجليل (رضوان الله تعالى عليه) خير دليل وبرهان. وبظني، وحسب قراءتي الناقصة، أنه لم يواجه علمٌ من أعلام الطائفة على درجة عالية من العلم في المعقول والمنقول، من الإقصاء والمحاربة والتكفير كما واجه هذا الشيخ الجليل. ولكن أكرر كلمة طالما كررتها فأقول: هل بقي منهم إلا القبور وأطلالها؟ وها هو الشيخ الأوحد يقطع المسافات الزمانية والمكانية ليتربع في المحافل فارضاً نفسه من خلال فكر نقي سأشير إلى دعائمه.
لذلك لا غرابة أن يقول فيه من قال:
لزين الدين أحمد نور علم تضاء به القلوب المدلهمه
يريد الحاسدون ليطفئوه ويأبى الله إلا أن يتمّه
ففي إصفهان تفتحت معالم الشخصية العلمية عنده، والتفّ طلاب المعرفة من حوله، واصطفت الصفوف اقتداءً به. وفي كرمنشاه (باختران) تفتقت هنالك ينابيع الحكمة وقبسات الإشراق، تنتشر في الآفاق من حوله، وفي صدور الطالبين، كانتشار النار في الهشيم سرعةً، إذ كانت آراؤه تُنتظر وتُحتضن.
كانت مسيرة طويلة في إيران، ما حط فيها رحله في باب من أبواب العلم إلا وازدحم الخاصة من العلماء على بابه، فكانوا يتلقفون الكلمة والجملة الصادرة منه ويضعونها في ميزانها وحسابها ويرتبون الآثار عليها.
وعاد إلى كربلاء بعد جهد طويل وعناء شديد تحمل فيه ما لا يتحمله إلا الأولياء والأوصياء والذين امتحن الله قلوبهم للإيمان، وعاشوا التوكل، ولم يتعاملوا إلا مع جهة واحدة هي التي أخذت عمقها من خلال ما بنت عليه من التوكل على الله: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([3]).
آثاره العلمية، تلامذته، مشايخه:
في كربلاء وضع حجر الأساس المتين للمدرسة الأوحدية، وهذه المدرسة إلى اليوم لها أتباعها، وحق لهم أن يعضّوا عليها بالنواجذ ويذبّوا عنها، وهذه مسؤولية الجميع. وأنا لست مع من يريد أن يجعل الشيخ الأوحد (رضوان الله عليه) حكراً على جماعة بعينها، فالأوحد ابن الأحساء، وابن الإيمان والإسلام وهو الإنسان ابن الإنسانية الكبرى، فعلام يهاجم ويضيَّق عليه؟
لنعطِ الشيخ الأوحد مساحته الكافية حتى نستفيد منه قدر الإمكان، فمن خلف وراءه علماً وفكراً لا يموت، ومن خلف وراءه عملاً صالحاً لا يموت، وهذه حقائق واقعة نعيشها ونلمسها وإن لم ترشد إليها الأديان وتنص عليها الأحاديث، فكلٌّ بعمله وعطائه ونتاجه وتضحياته وصبره وتحمله ولنا في رسول الله محمد أسوة.
وذلك البناء تشير إليه مجموعة من الروافد. ففي عالم الكتاب والقلم هنالك:
1 ـ شرح الزيارة الجامعة: الذي بناه على أساس من الذوبان المطلق في محمد وآل محمد (ص) فأكسبه تلك الروح السيالة مع قطرات الحبر التي كان يدوّن بها ما كان يمليه.
2 ـ شرح العرشية: وهو يضعك على أعتاب مدرسة فلسفية نوعية، وإن أطبق على الصراع معها أتباع المدرستين الكبريين: صاحبة البعد الوجودي في أصالة الوجود، وصاحبة البعد الماهوي التي ترى الأصالة للماهية وليس للوجود. فقد استطاع الشيخ الأوحد أن يفتح لنفسه نفقاً، يختط طريقاً ن المدرستين وكان زاده المنبع الأصيل.
3 ـ شرح الفوائد: وفيه تتجلى معالم مدرسته.
ثم إن العالم إذا لم يكن له طلبة وتلامذة يحملون رسالته وعلمه وفكره، تغيب الكثير من عوالم شخصيته، لذلك نجد أن الكثير ممن بلغوا المراتب العليا في العلم والاجتهاد لكنهم لم يكتبوا الكثير من علومهم، ولم يخلفوا وراءهم تلامذة يحملون تلك الأمانة عنهم، لذلك ماتت جهودهم بموتهم، والموت حتمٌ على جميع العباد. فلينظر الإنسان ماذا يعمل هو.
فمن تلامذة الشيخ الأوحد:
1 ـ السيد الأمجد كاظم الرشتي (رضون الله تعالى عليه) السيد المظلوم، الذي لا تقل الظلامة التي وقعت عليه عن الظلامة التي وقعت على شيخه وأستاذه، ولا أريد أن أتوغل في هذا الجانب.
2 ـ الميرزا محمود التبريزي (المعروف بنظام العلماء).
3 ـ أحمد آل طوق القطيفي.
وغيرهم كثير.
والقائمة تطول، وقد أودعت ذلك في أرجوزة نظمتها فيه تنوف عن 300 بيت من الشعر، دوّنت فيها سيرة حياته من موطنه وولادته إلى وفاته ودفنه عند أئمة البقيع من آل محمد (ص).
أما مشيخته فمنهم الشيخ محمد الأحسائي القريني من أعلام الحوزة في القرين. والشيخ عبد الله بن دندن الأحسائي، أحد الأعمدة العلمية القوية جداً، والسيد صاحب الرياض، والسيد بحر العلوم، وغيرهم ممن لا يحتاج إلى تعريف.
أما عن أهم ملامح مدرسة الشيخ الأوحد (رضوان الله تعالى عليه) فهي:
1 ـ قربه من النص القرآني: فقد كان يعيش القرآن، والقرآن يتربع في صدره، فلا تكاد تقلب صفحة من مؤلفاته إلا وتجد للقرآن فيها نصيباً.
2 ـ الأنس بأحاديث أهل البيت (ع): فما من مطلب علمي عنده يُجرَّد عن روايات أهل البيت (ع) بل تحظى الرواية فيه بالصدارة فيما يكتب.
3 ـ سعة اطلاعه على آراء الآخرين: والوقوف عليها وقفة المتأمل المدقق الباحث الفاحص الناقد.
4 ـ قدرته على الهدم والبناء في الوقت نفسه: وهذه ميزة لا تتأتى إلا للأوحدي من أهل العلوم الراقية في جانبها العقلي والنقلي.
5 ـ جرأته على مناقشة الآراء عند الأعلام: من أصحاب الحظوة في مجالاتهم، فلم يعمد للصغار منهم، بل عمد إلى آراء الفحول من أصحاب الصدارة، فناقشها وهدم ما استطاع وبنى وأيّد واختار ما استطاع.
6 ـ الدعم المادي والمعنوي: الذي قدمه له الظرف الزماني والمكاني طوال مسيرته، مما هيأ الأسباب لترى مؤلفاته طريقها، فلا يمكن أن نرفع يدنا عن المادة أيها الأحبة، فهي عنصر ومكوِّن مهم حتى في رسالة النبي (ص) فلو نأينا بأموال خديجة عن الرسالة، ولو لم يتيسر للنبي (ص) مال خديجة لتعثرت الرسالة ووئدت في أول أيامها. فمن الأركان المهمة والعوامل الأساسية في دفع حركة الإسلام في أيامه الأولى أموال خديجة (ع).
7 ـ البعد العقدي: وهذا من أبرز معالم مدرسته، لذلك تجد الإنسان الأحسائي لا يحتاج إلى مزيد دراسة وبحث في هذا الجانب، فهو يرضعها من صدر أمه، وهي دخيلة في تكوينه من صلب أبيه، مع احتضان طيب من نسيج اجتماعي يعيش الحب والولاء. لذلك تستغرب من يأتي اليوم ليزايد على عقائد الناس وارتباطهم بأهل البيت (ع) واحتفائهم بشعائرهم، وكأنه لا يعرف هذا الطريق إلا هو، حال أنه حدث سنّ في هذا المسار.
8 ـ البعد الشمولي في المعرفة عند الشيخ الأوحد: وهذه ميزة كبرى، واليوم لو كان الشيخ الأوحد موجوداً لسافر بالمدرسة إلى آفاق أبعد، لما كان يتمتع به من شمولية.
9 ـ العمق في التحقيق: ونحن في مسيس الحاجة اليوم لذلك، فلسنا بحاجة للسب والشتم ولا الحرب والتسقيط، فكلنا إخوة وأحبة، وكلنا من أيتام آل محمد (ص) فلا مبرر لكل هذا.
كان الشيخ عميقاً في بحثه، فلا يطرح رأياً إلا والآية القرآنية تدعمه، أو تأخذ بيده الرواية الصادرة عن محمد وآل محمد (ص).
10 ـ لغته وقلمه: فلا يتحرك قلمه إلا على أساس من قوة الأديب العارف بمفردات اللغة ومكوناتها.
والحديث عنه يطول. فحريّ بعلماء المنطقة والمتنورين من أبنائها، بل والنسيج العام بجميع ألوان طيفه أن يحتضن هذه الشخصية ويرفع رأسه بها شامخاً.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.