نص خطبة العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (2)

نص خطبة العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (2)

عدد الزوار: 784

2017-02-07

الجمعة 23 / 3 / 1438 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

عن الإمام الجواد (ع) أنه قال: «عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة، وهو صلة بين الإخوان، ودليل على المروءة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر، وأنيس في الغربة»([2]).

وفي الحديث الشريف عن الإمام العسكري (ع): «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»([3]).

المرجعية في مهدها الأول:

قبل الدخول في حيثيات هذا الحديث الشريف المروي تفسير الإمام العسكري (ع) سنداً ودلالة، لا بد من مسحٍ للحركة المرجعية في وسط الطائفة، وأحسب أن التوطئة لما بعد ذلك من المراد أمر لا بد منه، لأنني أعمل بما يراه الأستاذ المرجع الكبير الشيخ المكارم (حفظه الله تعالى)، من أن الوقوف على تأريخ المسألة والتحرك في جذورها يوصل إلى النتيجة الصحيحة، على العكس من ذلك إذا كان التعامل مع المسألة على أساس من النقليات المرسلة أو العشوائيات المبثوثة، خصوصاً في أوساط الدوائر العلمية كما تسمى.

فالمرجعية مرت بمراحل تنقلت من خلالها، كان فيها للزمن دور، وللسلطات دور وللاقتصاد دور وكذلك للمجتمع وللشخصنة أدوارهما. ومع تقدم الليالي والأيام وتَشكُّل القرون وتطور وسائل التواصل الاجتماعي بات للأمر الحزبي والتنظيمي أثره أيضاً وإسقاطه.

ولا أظن أحداً حكيماً أو يقارب هذه المساحة إلا وهو يسلم بتلك الحقيقة، وإلا فهو كمن يشاهد الشمس في رابعة النهار وينكرها. ومن يعيش هذه الدائرة الضيقة جداً عليه أن يقف مع نفسه وقفة مصارحة ومكاشفة أو يغلق الأبواب من أصلها على نفسه كي يستريح ويريح الآخرين منه.

والمرجعية واحدة من المفردات التي لها سرايتها، وليس من حق أحد أن يزايد علينا في هذه المفردة، إذ إنهم ليسوا أقرب لها ولا أكثر دفاعاً عنها ولا خوفاً عليها منا. وكما أننا لا نزايد عليهم ينبغي أن لا يزايدوا علينا، وتبقى المرجعية في مساحتها، ونحن من طلاب المرجعية الرشيدة التي تنهض بأعباء المسؤولية في وسط الأمة في دائرتها الواسعة، وفي وسط الحوزة في دائرتها الضيقة، وليس ثمة آية أو رواية تلزمنا أن نكون إمّعيين دون وعي أو إدراك، بل على العكس من ذلك تماماً، فالقرآن الكريم ينتدبنا أن نحرك عقولنا، وأئمتنا (ع) أخذوا بأيدينا أيضاً كي ننفتح على القرآن الكريم لننفتح من خلاله على الواقع من حولنا. هكذا أراد الله تعالى، وهكذا سار محمد وآل محمد والصحب الأطياب.

1 ـ مرحلة التأسيس:

فالمرحلة الأولى للمرجعية هي مرحلة التأسيس لمسار المرجعية في وسط الأمة، وهذه المرحلة ابتدأت مع الغيبة الصغرى حيث السفراء الأربعة، عثمان بن سعيد، ومحمد بن عثمان، والحسين بن روح، وعلي بن محمد السمري، فهؤلاء السفراء الأربعة كانوا أقطاباً ومرجعيات وأركاناً في وقتها حسب التسلسل، إذ افتتحت بعثمان بن سعيد، واختتمت بعلي بن محمد، ثم دخلت الأمة في مرحلة أخرى.

ومرحلة السفراء الأربعة رغم ما لها من القيمة والأثر، ولو في إشغال المساحة الزمنية الأكثر خطورة وصعوبة على أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، ألا وهي غياب الإمام المعصوم المفترض الطاعة من بين أوساط الناس والدخول في عالم الغيبة الصغرى، إلا أنها لم يسلط الضوء عليها بالشكل المطلوب.

فهذه المرحلة بمنتهى الحساسية، ورغم ذلك لم يسلط عليها الضوء كما ينبغي، ولم يبيَّن حال السفراء وما لهم وما عليهم، وما الذي قدموه؟ وما الذي أحجموا أن يتقدموا في ملفاته؟ وما هي الأسباب الضاغطة هنا أو هناك؟ وهذه عناوين وإشارات أُرسلها حتى لا يطول المقام عليكم بالبحث. وبالنتيجة أن هذه المرحلة لها ما لها وعليها ما عليها.

ونحن ـ أيها الأحبة ـ أتباع مدرسة لا تقدس على عمى، إنما تحترم على هدى ووعي ووفق نظر ودراسة وتتبع، فنحترم من يستحق، وهناك من يستحق ونسير في مساره.

فالسفراء الأربعة عظماء شغلوا مرحلة مهمة وقدموا الكثير، ولكن ذلك لا يعني أنه ليس من حقنا أن نقلب الصفحات ونقرأ ما كتب حول هؤلاء الأعلام الأربعة، لأنهم يشكلون الحجر الأساس في الانطلاقة الكبرى للمرجعية في وسط الأمة في فترة غياب الخلف الباقي من آل محمد (عج).

والشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره)، في موسوعته المهدوية، الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى، وما بعد الظهور، قدم مجموعة من الدراسات والقراءات والاستنتاجات التي لها نصيب كبير في غربلة الكثير من الأوراق، ولكن رغم ما كان يمتلكه (قدس سره) من قلم شفاف واضح البيان، إلا أنه أبقى قلمه أسير مفردة معينة عندما اقترب من هذا الملف، ومن خلال هذا نستشعر ما للشارع العام من أثر وضغط على كبار الأمة وقادتها ومفكريها. وهذه الحالة ربما تواكب مسيرتهم حتى خروج الإمام المهدي (عج) بل الأكثر من ذلك ـ كما هو معطى بعض الروايات ـ أن يخرج له جماعة من ظهر الكوفة يقولون له: «يا ابن فاطمة ارجع، لا حاجة لنا فيك»([4]). فلولا الجهل والتخلف وعدم الوعي والتدين المبني على الأسس الصحيحة لما آلت النوبة بأولئك الذين سيعيشون دور المهدي (عج) في حالة الظهور أن يتفوهوا بمثل هذا.

إذن علينا نحن أن نعد أنفسنا الإعداد الصحيح أن لا نكون ضمن حدود هذه الفرقة التي تصل في نهاية المطاف إلى التخلص من شخص المهدي (عج). فمعطى بعض الروايات أنه يقتل في نهاية المطاف. فهل هذا يدل ويكشف عن واقع سليم؟ أم أن الموروث يبقى يطارد حتى مع المصلح والمنقذ الأعظم؟.

فعلى الذين يعيشون حالة من الرغبة الجادة في التغيير وتقليب الأوراق أن يعدوا أنفسهم للأسوأ من الشارع العام الغائب أو المغيَّب عن حالة التنوير والتقدم والانفتاح على الواقع من حولنا.

أيها الشباب الطيب: إن العالم يتقدم، فلماذا نتقهقر نحن؟ ومن يقف وراء تقدم أولئك، ومن يقف وراء تقهقرنا؟

لنجلس مع أنفسنا جلسة مكاشفة ومصارحة، ولا يمكن أن ننتظر سنين طويلة لنقترب من بعض المفردات، فقد طالت الفترة كثيراً.

2 ـ مرحلة التأصيل:

وهي مرحلة مهمة جداً، لأن هذه المرحلة لم يعد فيها مجال للتماسّ المباشر بين الناس وبين المعصوم كما حصل مع السفراء الأربعة، فالإمام المهدي (عج) كان محجوباً عن عموم الأمة في الغيبة الصغرى، ولكن له لقاءاته الخاصة مع السفراء الأربعة، أما في هذه المرحلة فدخلت الأمة في حالة من الانفصال الظاهري التام عن الإمام المهدي (عج)، والتعلق ببعد الجوهر والمعنى والارتباط الديني والمذهبي الوثيق من خلال ما وصلنا من الروايات والنصوص، والنص عليه من خلال أبيه عن جده حتى تنتهي السلسلة إلى رسول الله (ص).

والغيبة الكبرى هي منذ غيابه بعد الغيبة الصغرى، إلى أن يأذن الله تعالى له بالظهور، ولا ندري متى يكون ذلك، ولا أحد يستطيع أن يجزم بظهوره في وقت معين، أو يدّعي اكتمال العلامات، أو يوقّت لظهوره، فمعظم الروايات التي جاءت في مسار الملاحم والفتن هي من الروايات المرسلة الضعيفة المهلهلة الموضوعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. نعم، هنالك روايات غربل الأعلام الثقات مضامينها ونخلوا رجالها، وهي روايات محسوبة ومعلومة ومحدودة، وهذه هي التي يبنى عليها معالم الظهور، وأفضل العبادة انتظار الفرج، ولكن الانتظار يجب أن يكون على نحو الوعي للقضية المهدوية والإدراك للحركة المهدوية، والانفتاح على مسار التوطئة للمهدي سلطانه في عالم غيبته، بمعنى أن أعمد إلى بناء الذات أولاً، فالمهدي يعنيني ويعنيك، وعليّ وعليك أن نتوجه لبناء ذواتنا. فلو أذن الله تعالى للمهدي من آل محمد (عج) أن يخرج في هذه الساعة، فهل أنا وأنت وفلان مهيَّأون كما ينبغي لامتثال أوامره؟ وأنا وأنت عندما نقرأ: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً. ثم نقول بعد ذلك: اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابّين عنه بين يديه، والمستشهدين تحت لوائه، فهل حقاً أننا كذلك؟ وهل أن تلك المقامات الأربع السامية لها واقع في الداخل أو أنها لقلقة لسان نلوكها في صلواتنا عند القنوت، ونرددها في مجالس العزاء عندنا؟  على كل منا أن يسأل نفسه هذا السؤال.

عندما يؤذن للإمام المهدي بالفرج، وترتفع الرايات من حوله، والحشود من خلفها، فإنها تحمل من الصفاء والنقاء والإخلاص والكمال الشيء الكثير، ولا يلتحق بها كل من ادّعى، ولنا في حركة الإمام الحسين (ع) درس وعبرة، فقد خرج الحسين (ع) من المدينة المنورة وكانت الناس تزدحم بين يديه، كلهم يريدون الحج بحج رسول الله (ص) وعندما وصل إلى مكة وأراد الحج أحرموا معه كما أحرم، ولكن عندما جاءه النداء والخطاب وحلّ إحرامه وأوضح المقاصد والأهداف التي يتجه إليها اليوم وهي الحج الحقيقي، كان ما كان من الضعف والوهن الكبير في الاستجابة.

فطلب الإصلاح في أمة جده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الحج الواقعي، وما نقوم به من دور هو أداء تكليف ووظيفة تؤدى وتسقط بأدائها لمرة واحدة في العمر، أما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في الأمة فهو مفتوح.

فالمرحلة الثانية من أدوار المرجعية بدأت مع بداية الغيبة الكبرى، ومما لا شك فيه أن لكل مرحلة من المراحل أعلامها، وهذه المرحلة تميزت بالانفصال عن الإمام المهدي (عج) كما أسلفنا، ولا شك أن تتحرك في هذا المجال بعض النفوس المريضة، فكانت دعاوى اللقاء بالمهدي التي صدرت من البعض، فجمعوا أمولاً وانتهكوا أعراضاً بحجة أنهم يلتقون به، ولا زالت هذه الدعاوى إلى اليوم.

مراتب المرحلة الثانية:  

وهذه المرحلة يمكن أن نقسمها من حيث الأعلام إلى ما يلي:

أ ـ عصر الأعلام الثلاثة: وهم أعلام كبار أصّلوا لنظرية المرجعية في وسط الأمة، أي أنهم من يُرجع إليهم ويحملون الراية للدفاع عن المسار، وهم:

1 ـ الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (رضوان الله عليه): فهذا الشيخ الجليل عاش في بغداد وتوفي في الكاظمية، وتتلمذ على يديه أعلام من الفريقين، بل حتى من أتباع الديانات الأخرى. وهذه الحالة تكشف لنا أن العلماء الذين يتميزون برشد ووعي كانت مسيرة الأئمة (ع) هي الشاهد الحاضر المتحرك بين أيديهم، لذلك خلدوا وتقدموا بالمسيرة خطوات للأمام.

والشيخ المفيد علامة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فهو يتميز بالعمق والسعة، وهذه لا تتفق إلا للأوحديّ من الناس، فقد يكون أحدهم أعلم في الفقه، إلا أنه يجهل المسارات الأخرى، أو أنه لا يفتقر لملكة العمق، وهو ما سوف نتناوله في تعريفنا للفقيه إن شاء الله.

فالشيخ المفيد كتب في التاريخ والفقه والأصول وتعمق في علم الكلام يوم كانت المعركة الكلامية على أشدها بين الشيعة وخصومهم من أهل الخلاف، وهم أوسع في المفهوم من العامة، فيدخل في ذلك حتى من كان من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) إلا أنه لم يفهم نهج أهل البيت (ع) بشكله الصحيح، فقد يخالفك من يشترك معك في جعفر بن محمد الصادق (ع) وتتحد معه في التقليد، فيكون مخالفاً بالمعنى الأعم لا المعنى الأخص.

وبطبيعة الحال أن علم الكلام يعني علم العقيدة، وهو موضوع حساس في وقته، وكانت مدرسة الخلاف ـ وهي أعم عندي من المذاهب السنية كما أسلفت، فيدخل فيها الزيدية والأشاعرة والمعتزلة والكيسانية والواقفة وغيرهم ـ في مقابل مدرسة أهل البيت (ع) بزعامة الشيخ المفيد في وقته.

ولقوة الحجة التي كان يتمتع بها الشيخ المفيد على أساس حركة العقل في الدليل اللفظي استطاع أن يحافظ على مكوّن هذا المذهب، فكان مذهباً في رجل. إلا أنه رغم ذلك لا يتمتع بالعصمة ويمكن مناقشته في بعض المواطن، ولذلك استمرت حركة الاجتهاد وإعطاء النظر وبذل الجهد.

2 ـ السيد الشريف المرتضى (علم الهدى): الذي جاء بعد أستاذه الشيخ المفيد، وكان نقيب الطالبيين وصاحب قدرة مادية هائلة، وقدرة علمية متميزة، من العلم والأدب والتاريخ والعقيدة والتفسير وغيرها. ومن هنا أخذ الطائفة إلى مسافات ومسافات، ولا زال إلى اليوم تحنى الهامات أمام إبداعاته وإشراقاته.

3 ـ الشيخ الطوسي (محمد بن الحسن): وهو العلم الثالث في تلك المرحلة، وقد انتقل من بغداد إلى النجف، فوضع حجر الأساس للحوزة العلمية في النجف الأشرف.

وهنا يتساءل كتّاب التاريخ عن حقيقة وجود حوزة سابقة في النجف قبل مجيئه، أو أنه بدأ الانطلاقة؟ ثم يقفون على مفترق طرق، فمنهم من يذهب إلى أنه تمت مراسلته من قبل بعض الأعلام في النجف آنذاك فانتقل إليها، فهي إذن حاضرة علمية قائمة قبل مجيئه. ومنهم من يذهب إلى خلاف ذلك، فيرى عدم وجودها من الأساس، وإن كانت هنالك حلقات درس في مسجد الكوفة، إلا أنها لم ترقَ إلى مسمى الحوزة، فلما جاء الشيخ وضع حجر الأساس فأصبحت النجف هي القلب النابض، والمدرسة القادرة على الإنتاج. وبطبيعة الحال أن كل جامعة أو أكاديمية أو معهد يخرج منه الأفذاذ، ومن هم دون ذلك، ويعود بخفي حنين من يعود، وبعضهم يبقى بخفيه ليحمل الأمة الأوزار والأخطاء. فكان الشيخ الطوسي قلعة ضخمة جبارة جداً.

وقبل أن أنتقل للمرحلة الثالثة أود أن أشير إلى مسألة مهمة، وهي أن الشيخ المفيد كان عربياً، والسيد المرتضى كذلك، أما الشيخ الطوسي فلم يكن عربياً، فدخل في مدرسته عنصر الصناعة في التعامل مع النصوص بناء على ترتيب أوراق المدرسة في علوم اللغة العربية التي هي العصب الأساس في حركة الاستنباط، فلما شط المسار بالفقهاء تقلص هذا الجانب وفتح على الجانب الآخر.

فالشيخ المفيد والشريف المرتضى كانوا عرباً أقحاح، وعمدة اللغة السليقة والذوق والقواعد القريبة، لذا أنك عندما تقرأ لهم تجد ضالتك، حيث يأخذون بيدك إلى أعقد المسائل من خلال أسهل الطرق، وهذه ميزة الفقيه العربي والمفسر والمؤرخ العربي، إذا تخلص من أمر مهم، وهو أن يكون مسيراً لا مخيراً.

وقفة مع ميزانية الجامع:

يقول الشاعر الصوفي:

كل القلوب إلى الحبيب تميلُ   ومعي بهذا شاهد ودليلُ

أما الدليل إذا ذكرتُ محمداً    صارت عيونُ العارفين تسيلُ

لقد وعدناكم ليلة المولد أن نقدم لكم ميزانية الجامع خلال عشر سنوات، وجاء الوقت المناسب لنطرحها أمامكم، وهي أمولكم منكم وإليكم، والريال الواحد في ميزان أعمالكم جميعاً، سواء من ساهم وهو حاضر أو غائب أو انتقل إلى عالم الآخرة. والميزانية كما يلي:

إجمالي الصدقات في الجامع خلال السنوات العشر هي ثلاثة ملايين ومئتان وتسعون ألفاً وثلاثمئة وستة وثمانون ريالاً (3,290,386) ريالاً.

أقول:هذا منكم وبجهودكم والواجب علينا أن نكون صريحين معكم. 

هذه الأموال كلها حُوِّلت للجمعيات الخيرية، وفي المقدمة جمعية المبرز التي كان لها الحصة الأكبر. ومن شاء أن يتأكد فله ذلك، لأن كل شيء مثبت في مستندات ووثائق والحمد لله.

وللعلم أقول: إننا لا نأخذ من تلك الصدقات لخدمات الجامع شيئاً.

أما مراسم أهل البيت (ع) في هذه السنة 1438 فبلغت مئة 166,529 كلها قُدمت على نحو (البركة) في مواليد أهل البيت (ع) ووفياتهم.

أما مساعدات الزواج فلا بد أن أقول أولاً: إن طريقتي في الخمس هي أن ما كنت مأذوناً فيه أُسلِّمُه للمكلف فيعود به إلى أهله أو قبيلته أو مدينته فينفقه حيث يرى في الموضع الذي يصرف فيه. وهو مسارٌ اختططته وهو ممضى، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيبني عليه، لأنني استطعت من خلال ذلك أن أربط الفقير في العائلة بالمخمس الغني منها، وكذلك الفقير من القرية أو المدينة بأغنيائهما، وأعتبر ذلك إنجازاً كبيراً أجيب به عن سؤال من يسأل: ما الذي قدمتموه من خلال جامع الإمام الحسين (ع)؟ والسائل هو أحد المشايخ!.

هذه هي طريقتي في التعاطي مع الخمس، إلا أن البعض من المخمسين لا يرضى أن يتحمل المسؤولية في ما أنا مجاز فيه، ويصر على أن أستلم الخمس منه لإبراء ذمته، وبعضهم يتذرع بأن ذلك سوف يفتح عليه باباً لا يريد أن يفتح، فالبعض عندما تعطيه مرة يرجع إليك كل يوم لتعطيه.

فهذا الصنف من المخمسين بلغ مجموع ما تسلمته منهم: مليوناً وستمئة وعشرة آلاف ريال (1,610,000) ريال، دفعناها مساعدات زواج لعوائل فقيرة. وهذا فقط ما تسلمناه ممن رفضوا التصرف في الخمس في حدود ما أنا مأذون فيه، أما الذين تصرفوا فيها طبقاً للإذن الشرعي فيبلغ أرقاماً أكبر من ذلك، قد لا تروق لبعض المشايخ أو السادة، بل قد تصيبهم بصدمة قاتلة.

ومن هنا أقول: إن ما حصل في شهر محرم هو بسبب هذه الملفات.

أما مساعدات إفطار الصائم للعوائل الفقيرة من هذا المورد أيضاً خلال خمس سنوات فكانت بمعدل كل سنة مئة ألف ريال (100,000) ريال، وهذه خارج حدود الجمعية. وكان يشرف عليها أحد الأعلام المقدسين، الذي أشك في نفسي ولا أشك في نزاهته.

وأنهي كلامي بهذه الكلمة: أيها الفقراء، أنا في حلٍّ من الأمر بشكل كامل، فلن أجمع صدقات ولن أقبض وجوهات، واذهبوا إلى من عمل عليها ورغب فيها. ونسأل الله تعالى أن يسدد خطاه ويأخذ بيده وأن يجعل ذلك في ميزان أعماله.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.