نص خطبة:العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (16)

نص خطبة:العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني (16)

عدد الزوار: 2256

2017-05-01

الجمعة 23 / 6 / 1438 هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

الفقهاء أمناء الرسل:

في الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى (ص) أنه قال: «سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا: مرحباً بوصية رسول الله (ص) وأفتوهم»([2]).

وفي حديث آخر عنه (ص) أنه قال: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»([3]).

الفقه لغةً هو الفهم، واصطلاحاً هو معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية وهي الأدلة الأربعة.

للفقه في حياة الإنسان أهمية كبرى، لذلك أولته الشرائع اهتماماً من نوع خاص. وللتشديد في مسألة التجاوز في هذا الباب جاء عنهم (ع): «من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض»([4]).

الأمة الإسلامية اليوم بجميع تشكلاتها المذهبية تعيش حالة من الانفتاح الكبير، الذي يجتاح الكثير من المسارات والمساحات أيضاً، والفقيه هو ذلك الذي يتلمس حدود هذه النقلة النوعية الكبرى ليتعاطى معها من خلال ما ينسجم مع روح الفقيه الواعي البصير بأحوال الزمان.

فهنالك قامات كبيرة في العصور المتأخرة تركت بصمتها من خلال التعاطي مع الوارد، واستطاعت أن تحدث إضافة، وإن كان للزمن قيمته في الحكم لها أو عليها إذا ما تحرك أرباب الفقاهة والفكر والمعرفة والثقافة على أساس من الوعي من جهة، والانفتاح من جهة أخرى، والمصلحة العامة ـ وهي الأساس ـ من جهة ثالثة، نائين بأنفسنا عما يتسبب في الإقصاء لأحد هنا أو هناك، فما عاد من المستطاع بيد أحد أن يقصي أحداً، ما دامت الآليات مبسوطة ومتاحة بيد الجميع يتعاطونها ويتداولونها ويحركونها بقدر ما أوتوا من قوة علمية وما لها من الروافد.

وقفة وفاء مع السيد فضل الله:  

في الأسبوع المنصرم كان الكلام عن واحد من أولئك الأعلام وهو الإمام الشهيد الصدر الأول، وهو الشهيد الرابع في سلسلة الأعلام من الشهداء الكبار.

واليوم نعيش ذكرى رحيل علمٍ آخر من الأعلام الذين أحدثوا إضافةً، ألا وهو العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فهو أيقونة نجفية ذات أبعاد متعددة، منها: أصالة البيت العلوي الذي ينتمي إليه، وأصالة الدرس والتحصيل حيث الحوزة الكبرى في النجف الأشرف، وأصالة الشخصية والثبات. كل ذلك شكل القاعدة الأولى لهذا الإنسان العلم.

أ ـ سيرته العلمية:

ولد العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رضوان الله تعالى عليه) في النجف الأشرف سنة 1935 م وتوفي في بيروت سنة 2010 م وبين التاريخين حياةٌ تعج بالعطاء على كافة الميادين.

بدأ دراسته الحوزوية في التاسعة من عمره المبارك، وحضر دروس البحوث العالية (الخارج) وهو في السادسة عشرة من عمره، مما يدل على حالة من الاستعداد والكفاءة المتوازية مع ما هو مطلوب داخل أروقة الحوزات العلمية.

أما أساتذته الذين غرسوا فيه مفردات الإبداع على أساس الميزان الحوزوي وأسرجوا الآفاق من حوله كي ينطلق ويبحر ويحلّق في أجوائها فكثيرون، منهم والده العلامة المقدس السيد عبد الرؤوف فضل الله، رجل على درجة عالية من السير والسلوك والهدى الذي يتماشى مع معطى مدرسة محمد وآل محمد (ع).      

ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي (رضوان الله تعالى عليه)، زعيم الحوزات العلمية وأستاذ الفقه الأول فيها. وكذلك الإمام السيد الحكيم (رضوان الله تعالى على روحه المقدسة) زعيم الطائفة الأكبر في عصره، وصاحب مستمسك العروة الوثقى، المدرسة القائمة بذاتها.

ومنهم السيد محمود الشاهرودي الكبير، مفتاح مدرسة الميرزا النائيني ومسؤول الاجتهاد عن طريقها. والشيخ حسين الحلي، وهو قامة كبيرة أشرت إلى جانب منها في الأسبوع الماضي، أستاذ السيد المرجع (حفظه الله تعالى).

أما الفلسفة ـ وهي المهمة في فتح الآفاق أمام الفقيه ـ فقد أخذ أصولها على أستاذ الفلسفة الأول في النجف الأشرف الملا صدرا البادكوبي أستاذ الشهيد الصدر أيضاً في هذا العلم. درس على يديه الأسفار الأربعة، وما أدراكم ما الأسفار الأربعة!

أعلام كثر شهدوا بالاجتهاد والقدم الراسخة في ذلك، منهم المرجع في عصره الشيخ حسين المنتظري وهو شيخ مشيختنا (رضوان الله تعالى عليه) وكذلك المرجع الشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق، والمرجع السيد محمد مفتي الشيعة، وهو رجل فقيه ومقدس نأى بنفسه عن مساحات الصراع. والمرجع الشيخ إبراهيم الجناتي، وهو رمز من رموز الفكر الفقهي الإمامي المتماشي مع استنطاق النص في موروث أهل البيت (ع) وله آراء تؤمّن الكثير من مساحات الفراغ وتسد فراغها. وكذلك آية الله العظمى المرجع الأستاذ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (حفظه الله تعالى). والشيخ يوسف الصانعي أحد مراجع قم المقدسة، وهو من أصحاب التجديد في مسار المدرسة الفقهية، وآراؤه تملأ الكثير من المساحات التي يبحث عن سدها أصحاب الثقافات المتقدمة في أوساط الجامعات.

ومنهم المرجع السيد حسين الصدر في الكاظمية، وآية الله المغفور له الدكتور العلامة الشيخ عبد الهادي الفضلي (قدس سره الشريف) وهو أيقونة أحسائية بامتياز، لا ينبغي أن نغادر مساحتها، ولي معه وقفة إن شاء الله، أخصص جمعة للذب عنه وعن حياضه.

ومنهم العلامة المفسر والمفكر والمنظّر الكبير الشيخ محمد مهدي الآصفي (قدس سره الشريف) صاحب القراءات المتقدمة في تفسير القرآن، التي أرى أن شبابنا اليوم في مسيس الحاجة أن يلجأوا إليها.

وممن يذهبون لاجتهاده الشيخ محمد هادي معرفة، وهو طود من أطواد الحوزات العلمية، وركن من أركانها في علوم القرآن لا يُشق له غبار. والشيخ الدكتور المفسر الكبير صاحب تفسير الفرقان الشيخ صادق الطهراني، وهو علمٌ معروف. والقائمة تطول وتعرض، ولو أردت سردها لاستوفيت حقي من الوقت في هذه الخطبة.

بعد هذا، علينا إذا ما أردنا أن نناقش أو نقترب أو ننتقد أن نضع الرجل فيما وضعه الأعلام فيه، لا ما يريد أصحاب اتباع الهوى.

ب ـ صفاته الشخصية:

أما عن مقوماته الشخصية فتتلخص فيما يلي:

1 ـ نفوذ شخصيته عند جليسه: وهذه قيمة وميزة كبرى بأن يفرض المرء الكاريزما الخاصة به على المتلقي مما يشعر أن خلفه ثقافة كبيرة وأمامه انفتاح واستيعاب كبير، وآليات محركة غير مجمدة أو ملغاة.

2 ـ الجرأة في اتخاذ القرار وإصدار الفتوى: رغم وجود عقبة المشهور التي لا أساس لها في كثير من الأحايين إلا حسن الظن في من قال، لا فيما يرجع إلى دقة الدليل المنشأ لهذه الدعوى من الشهرة. ففي بحثه عن الشهرة والإجماع ما يكشف النقاب عن هذه المعضلة التي لا زلنا ندفع ضريبتها كمكلفين عندما نريد أن نقوم بتكليف ما ونصطدم بمثل هذه العقبة.

3 ـ العصرنة والتجدد: وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه فك الأسر من حوله واستطاع أن ينفتح على المشهد المحيط، فربما تفرض البيئة نفسها، إلا أن ذلك لا يُقلل من حالة الرغبة عند الإنسان إذا ما أراد أن ينطلق. فالنسيج الاجتماعي لا يشكل قيداً يلغي الرغبة في الحركة بالمطلق، خصوصاً في زمننا هذا الذي باتت الرغبة فيه ملحة عند شبابنا في أن يسمعوا الجديد.

4 ـ مرجعية القرآن: التي كانت تمثل له رافداً قوياً، فبقدر ما تقدم وتحرك إلا أنه كان يتحرك على أساس من منطق القرآن، في واقع من لا تأخذه في الله لومة لائم، وله في جده الرسول الأعظم (ص) أسوة حسنة.

5 ـ الفقه الشمولي: الذي لا يحصر نفسه في زاوية ضيقة إنما ينطلق لملامسة الحاجيات المستحدثة والمعترضة مسيرة الناس في هذه الأزمنة.

أما روافده التي شاركت في تشكيل رمزيته فمنها:

1 ـ الثقافة الواسعة: فقد كان في النجف في جمعية منتدى النشر، وانفتح على الآفاق والحركات والأحزاب من حوله، واقترب من المثقفين واقتربوا منه، سمع منهم وسمعوا منه، والأولى أهم من الثانية.

ونحن اليوم ـ كرجال دين ـ في مسيس الحاجة أن نسمع من شبابنا لأنهم تقدموا كثيراً، وباتوا يمثلون لنا روافد فكرية وثقافية ونقدية وأدبية وفنية وما إلى ذلك. فإذا أردنا أقصر الطرق، فهؤلاء الشباب الطيبيون من أساتذة ومهندسين وأطباء وغيرهم بيدهم من الآليات ما هو أسهل مما في أيدينا. فكان رضوان الله عليه متوجهاً إلى هذه الحيثيثة قبل أكثر من أربعين سنة، لذلك كان لها الانعكاس عليه أيام جامعة بغداد الكبرى.

2 ـ البحث المتواصل: فهو لم يسقط القلم من يده إلا عند أدائه لتكليف شرعي أو فكري أو سياسي أو اجتماعي أو تواصلي.

3 ـ بواعث النقد وجديته: فيمكن للإنسان أن ينتقد على غرار قول الشاعر:

وقصيدة تأتي الملوك عظيمة    قد قلتها ليقال: من ذا قالها

أو ينتقد الإنسان من أجل الشهرة لأنه ينتقد كبيراً، لكن أن يكون الانتقاد مبنياً على أسس الجدية فهذا ما تمتع به فقيدنا العظيم (رضوان الله تعالى عليه).

4 ـ الأدب الرفيع: نظماً وممارسة، فهو من الشعراء المعدودين، وله لمسة عرفانية خاصة تأثر بها من خلال انفتاحه أيضاً على الموروث الأدبي عند الأمم الأخرى، فجمع بين حيثيتين: حيثية الحوزة في بنائها النظمي، وحيثية النص في معناه في الآفاق من حوله. لذلك تجد اللمسة الخاصة في شاعريته المنعكسة على شعره المنظوم وخطابه المنثور.

 

ج ـ وإنجازاته العلمية:

أما عطاءاته (رضوان الله تعالى عليه) فتتسع دائرتها. ومن أبرز مجالاتها:

1 ـ الحوزة العلمية: فهو رمز من رموزها ومرجع من مراجعها الذين تخرجوا من رحمها الطبيعي أسوة بأقرانه الذي كانوا معه وشغلوا المساحة في التحصيل في وقت واحد.

ففي الحوزة كان أستاذاً في النجف، وعندما انتقل إلى ميدان العمل الاجتماعي والجهاد لم يقلص مساحة التدريس إنما كان أستاذاً حاضراً فيها، درّس البحث الخارج، وقررت له بعض الأبحاث في ذلك من خلال ما انتهى إليه من دليل، وعند مطالعتي الليلة الماضية بعض البحوث التي استعرضها من خلال نقاشه للأدلة التي أشبه ما تكون بالمتسالم عليها وجدت أننا لو انفتحنا عليها لتقدمنا كثيراً،  فمتى ما ألغينا العصبية والتحجر والانطواء فسوف نتقدم كثيراً، ومتى ما عشنا حالة من الإصرار على المحافظة على ما هو الوضع ليبقى كما هو من أجل ما لا يكون بلغة كافية فسوف نبقى نراوح مكاننا كمع شديد الأسف.

ففي التدريس درّس البحث الخارج لما ينوف على العشرين سنة، واعتنى بتربية مجموعة من تلامذته الذين تأثروا به فكراً وبناءً، وهي قائمة تطول أيضاً في هذا الجانب.

وأما التأليف فكانت له فيه اليد الطولى، وبعض العلماء يقول: إن الأعلم هو الأكثر تأليفاً، فكيف لا تجري الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز؟ وإن كان لديّ التحفظ على أصل المبنى في كون الأعلم هو الأكثر تأليفاً.

فمصنفاته تدل على أنه يملك قلماً فياضاً دقيقاً، فمصنفاته في باب الفقه على نحو الرسالة العملية وتكليف المقلدين له كانت تحت تسعة عناوين، يأخذ فيها كل عنوان أسلوباً خاصاً بالاقتراب من المكلف وتأمين دائرة التأليف.

أما المكتبة الإسلامية فيما تشتمل عليه من عناوين متداخلة مندمجة احتوت ستة عشر عنواناً. أما الندوات والمحاضرات فكانت الندوة في عشرة مجلدات، وفي خمسة من العناوين الكبرى.

وكذلك علوم القرآن في خمسة مجلدات، وتفسير القرآن تحت عنوان: من وحي القرآن، وهو تفسير مهم أدى دوراً كبيراً في نهايات السبعينات والثمانينات حتى التسعينات إلى أن وقعت الفتنة الكبرى.

وله في الدعاء خمسة من المصنفات، إذ قدم دعاء كميل ودعاء الصباح ودعاء السحر ودعاء عرفة بلغة سهلة تتماشى مع حاجة الناس.

أما في أهل البيت (ع) فقدم عشرة مجلدات هي رد على من يضع علامة استفهام هما أو هناك. وكذلك أربع مجلدات في الأمور الاجتماعية.

د ـ حركته الاجتماعية:

أما البعد الاجتماعي على نحو الصعيد العملي فهو ما قد لا تجد له نظيراً، وتمثل فيما يلي:

1 ـ العلاقات: فكانت يعيش حالة من العلاقات الخاصة مع جميع آحاد الناس، وكان ينحني للصغير ويمنع الكبير أن ينحني على رأسه أو يده احتراماً وتقديراً، وفي ذلك درس سلوكي في أعلى المستويات.

2 ـ البيت الشيعي: كان متفانياً في هذا البيت مندكّاً في جميع مفرداته، يطفح ذلك على لسانه ويترسخ في وجدانه العميق، تستطيع أن تستنطقه عن قرب بل حتى عن بعد من خلال الوسائط الموجودة.

3 ـ علاقاته العامة مع المذاهب الأخرى: فهي ركن من أركان التقارب ورمز من رموز الوحدة الإسلامية الكبرى. ألغى في داخله الأنا فانفتح على بيته ومجتمعه وأمته ثم راح إلى ما هو الأبعد، ألا وهو البعد الإنساني لذلك عاش فضاء الديانات من حوله، أحبه الشيعة والسنة والمسيحيون وأحبه كل إنسان يعيش إنسانيته بغض النظر عن أي دين أو نحلة أو ملة ينتمي إليها.

4 ـ المبرات:

وبهذا فرض نفسه على جميع مفردات التكوين الاجتماعي من حوله يشهد له في ذلك ما خلفه من مبرات الميزان فيها والمعيار هو الحاجة.

 كانت خمس مبرات كبرى لكل واحدة منها إسهامها الكبير وهو ما لا ينكره إلا مكابر:

ـ مبرة السيد الخوئي (رضوان الله تعالى عليه) تلك المبرة الكبرى التي غرس بذرتها السيد المرجع فضل الله ليمثل بذلك نقلة نوعية في عالم الوكالات. وأنت عندما تفتش هنا أو هناك عن وكيل أعتقد أن القدوة التي ينبغي أن يسير الوكيل وفق معطياتها هي هذه الأيقونة. فوكالته عندما كان وكيلاً لمرجع الطائفة وزعيم الحوزة في وقته السيد الخوئي (قدس سره)الذي منحه الوكالة المطلقة التي لم تكن مسبوقة، بعد تعريف له من الإمام الشهيد الصدر الأول عندما قدمه للسيد الخوئي وقال له: هذا سيدٌ يحمل صفات التميز.

ـ مبرة السيدة خديجة (ع).

ـ مبرة الإمام علي (ع).

ـ مبرة السيدة مريم (ع): وهذا الاسم له دلالته، فإذا حضر اسم مريم حضرت المسيحية بكل مكونها.

ـ مبرة الإمام زين العابدين (ع).

كما كانت هناك مكاتب رعوية لا تحمل صفة المبرة إنما هي دون ذلك، منها:

ـ مكاتب الرعاية للأيتام والفقراء، وهي مكاتب عديدة.

ـ مراكز الاحتياجات الخاصة: وأنتم تعرفون أن الكثيرين اليوم يعانون من العاهات، وقد التفت إلى هذه الحيثية وأقام لهم موقعاً خاصاً يعنى بحالتهم، أما في البعد الرسالي فالخطاب التجديدي لا تكاد تجد له نظيراً يجاريه ويساوقه. فالكتاب له بصمته الواضحة البينة، والخطاب لا يشق له غبار.

وهنالك الكثير الكثير من الفعاليات والنشاطات، كاللقاءات مع الشخصيات، ويكفي اللقاء مع تويني الذي كان يعتبر قامة من قامات الفكر والثقافة، فكان يحركه كما يحرك المسبحة في يده. فهو فقيه مثقف حكيم مجاهد تحنى له القامة.

وأما في البعد الروحي فمنبر الجمعة كان محور المناجاة. وفي البعد الإنساني وهموم الساحة المحلية كانت في مقدمة الركب، وكذلك الساحة الإقليمية والدولية التي كان له فيها بصمته.

هذا هو المرحوم المرجع السيد فضل الله (رضوان الله تعالى عليه) بذرة زرعت في النجف وفروعها ملأت الدنيا، مرجعية اقتربت من الناس فاقترب الناس منها.

ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (ع):

تحل علينا في ليلة الأحد القائمة ذكرى شهادة الإمام المسجون المسموم المظلوم الكاظم (ع) هذا الإمام الذي قد لا نعرف عنه سوى أنه سجن ومات في سجن السندي بن شاهك ثم أُخرج إلى الجسر ببغداد. وليس الإمام الكاظم (ع) فحسب، إنما جميع أئمتنا (ع) لا زالوا يعيشون الغربة في أوساط مريديهم، لأننا انغمسنا في جانب واحد هو جانب العزاء والبكاء والرثاء، وهذا حسن، وفيه أجر عظيم، لكن علينا أن لا نختصرهم في هذه الزاوية لأنهم أكبر، فلو سلطنا الضوء على إشراقة واحدة من إشراقاتهم بحثاً وطرحاً، وسافرنا بها إلى الدنيا لأغنت الدنيا ومن فيها، فكيف إذا كانوا كلهم إشراقات لمحمد وآل محمد؟

نسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم وعموم المسلمين آمنين مستقرين، وكتب الله لنا ولكم شرف الوصول للعتبات الطاهرة وضريح الإمام الكاظم (ع).

نسأله تعالى لنا ولكم التوفيق والحمد لله رب العالمين.