نص خطبة العلم والإيمان أساس الأخلاق (25)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
في الحديث الشريف المروي عنه (ص): «أكثروا من الصلاة عليّ ليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ»([2]).
وبسند معتبر عن بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما أدنى ما يصير به العبد كافراً؟ قال: فأخذ حصاة من الأرض، فقال (ع): أن يقول لهذه الحصاة إنها نواة، ويبرأ ممن خالفه على ذلك، ويدين الله بالبراءة ممن قال بغير قوله. فهذا ناصبٌ قد أشرك بالله وكفر من حيث لا يعلم»([3]).
الاجتهاد والتقليد:
الاجتهاد لغةً هو بذل الجهد، وهو افتعال من الثلاثي (جهد) وفي القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِيْنَ لا يَجِدُوْنَ إِلا جَهْدَهُمْ﴾([4]). أما في اصطلاح الأصوليين فهو: بذل المجهود في العلم بأحكام الشريعة من أدلتها التفصيلية، وبين التعريفين في اللغة والاصطلاح نسبة منطقية، هي نسبة العموم والخصوص من وجه، أي الالتقاء في نقطة والافتراق في نقطتين.
وأما التقليد فهو في اللغة وضع القلادة في العنق، ومنه قول الإمام الحسين (ع): «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة». وأما اصطلاحاً فهو قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد([5]). وفي القرآن الكريم: ﴿فَاسْأَلُوْا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُوْنَ﴾([6]).
ورب سائل يسأل: وماذا بعد هذا؟ نقول: كنا منذ شهر صفر في وجهة واحدة، وهي البحث عن الفقيه من هو؟ أي من هو الفقيه الذي نُلزم بقوله ونتعبد في ما يربطنا بالله من خلاله؟ وأمامنا الكثير من الوقت لنصل إلى ذلك الهدف.
ولكن لا بد من تسليط الضوء على المجتهد المقلَّد، وعلى المقلِّد، وما يؤمّن لنا الإمساك بما أشرت إليه من ملتقى التعريفين ونقاط الافتراق لأهمية ما لذلك من ترتيب الآثار في القادم من الأيام.
أثر خبر الآحاد:
إن خبر الآحاد الذي انفرد بروايته شخص أو أشخاص لا يصلون إلى حد التواتر المولد للعلم، المكتنز للحجية في ذاته، والذي يحتاج إلى جعل من جاعل حتى يضفى عليه ملاك الشرعية في استنباط الحكم الشرعي، يشغل المساحة الكبرى من موروثنا، ويترتب عليه الكثير من الآثار، سواء كانت المستصحَبة أم غيرها. ففي المساحة الفقهية للخبر الآحادي أثر، ويمكن أن يأخذ البوصلة إلى مدىً بعيد.
وكمثال للتقريب يروى أن الخليفة الأول بعد وفاة النبي (ص) جاءته السيدة الزهراء (ع) بإرثها من أبيها فقال: إنه سمع النبي (ص) يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»، فهذا خبر آحاد انفرد به، ولم يقف إلى جانبه أو يشهد له أحد من صحابة النبي (ص) ولكن رُتبت عليه الآثار ومنعت الزهراء (ع) فدكاً.
وأما في المشهد الاجتماعي فلا إشكال أن الخبر الآحادي يعصف بالمجتمعات، وشواهده في حياتنا اليومية أكثر من أن تعدّ، فيكفي أن يقول لك زيدٌ من الناس: إن فلاناً قد قال، لتحدث صدىً وتوجد إرباكاً، وشواهده في وسائل التواصل الاجتماعي كثيرة، فهؤلاء اليوم هم الجنود المجندة بيد من هم أكبر منا بكثير، فيأخذون بالمجتمعات ذات اليمين وذات الشمال، ومن خلالها يبدأون الحروب وينهونها، ويحدثون السكون والاستقرار، وكذلك الإرباك والاضطراب. وهذا هو العالم الذي نعيشه وينبغي أن نرتقي فيه، ونحدّث الكثير من الآليات كي نفقه ما يجري من حولنا، ونأخذ بأنفسنا إلى مساحات النأي أو المشاركة، أو المشاركة الفاعلة، فهذه الأبعاد الثلاثة لا تتأتى لي ولك، حتى نكون على درجة عالية من الوعي والثقافة والمتابعة اللصيقة لما يجري من حولنا، وفلسفة: ما لي والناس، أكل الدهر عليها وشرب، حتى من يتصور أنه بنأيه بنفسه عن الأحداث يوجِد حالة من القدسية لنفسه فهو واهم. فليس هناك سوى ما يقدمه الإنسان لنفسه ومجتمعه محتسباً عند الله، انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.
فالخبر الآحادي منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا يغير الكثير من الأمور التي ربما أُسس لها، ولكنه في الوقت نفسه استطاع أن يأخذ بالمشهد إلى خلاف المراد منه.
أما مدرسة علم الرجال وأثرها في بناء مدرسة الحديث فهي من الأمور التي لا يمكن أن يقلَّل من أهميتها وخطورتها في الوقت نفسه، فما من فضيلة ولا منتَج إلا ويكتنفه الكثير، ولكن يُعمَّى علينا أحياناً من خلال العنوان الكبير، عما يرافق ذلك العنوان وما ينحلّ عنه. لذلك تدفع الضرائب باهضة ومكلفة، حتى لو كان المؤسس قبل قرون من الزمن.
إن أثر مدرسة علم الرجال كبير في بناء مدرسة الحديث، ولا زال إلى اليوم يرتَّب عليه الآثار، وأقطاب هذه المدرسة هم عبارة عن الشيخ الكَشي والنجاشي والطوسي والحلي. فنلاحظ أن هؤلاء الأربعة أوجدوا مجموعة من القواعد صُحّح على أساس منها حال رجالٍ، ورفعت اليد عن آخرين. وهؤلاء الذين صُحِّح حالهم صحّت أحاديثهم، أما الذين رُفعت الوثاقة عنهم والتصحيح رفعت اليد عن أحاديثهم.
أما ما هي القواعد والأصول والملاكات والقرائن الدخيلة باتصالها وانفصالها؟ فهذا ما يغض عنه الطرف ولا يحمَّل الشارع العام ما يكون لذلك.
وعلماء اليوم في طابعهم العام والأعم الأغلب مقلِّدون، شئنا أم أبينا، لأنهم لا يستطيعون رفع اليد عما أُسس قبل ذلك، رغم أنه موروث لا يعني في تأصيله كعلم وفنّ أنه مستند للمعصوم، وإنما هم كما طرحت من الأسماء. فالشيخ الطوسي على عظمته وعلو شأنه لا يتمتع بعصمة، ومنتوجه بشري، كالفقيه والعالم الكبير الموجود اليوم. وكذلك النجاشي والكشي والحلي وغيرهم ممن له إسهاماته التي لا تنكر، فهم لا يتمتعون بعصمة كي تحكم المشهد في أن لا يتحرك المرء في ما أصّلوه وقعّدوا له. وسعيهم في هذا العلم مشكور، ولا بد أن نذكر أيضاً أنه لا بد أن يكون شيء من الخصوصية قد تدخّل بدليل أن المفارقة قد وقعت بين الأقطاب حتى بين التلميذ وشيخه، وفي الحوزات العلمية يقرأون ذلك ويضعون يدهم على نقطة الضعف، ولكن حين التطبيق للمباني ومجريات القواعد يتم رفع اليد عن ذلك، كما هو ملاحَظ ومشاهَد عند أهل الاختصاص.
فماذا يعني التسليم لآراء من تقدم في الموروث؟ فلو أننا أحسنّا الظن وقلنا: إن ما قاله أولئك (رضوان الله تعالى عنهم) لا يمكن أن يُمسّ أو يقترب منه، فماذا يعني ذلك؟ هل يعني حالة من الإيجابية أو السلبية؟ وإلى أي مدىً يكون ذلك من حيث السعة والضيق؟
لو أننا سلمنا بالمطلق فمعنى ذلك أننا أغلقنا أبواب الاجتهاد أمام كل عالم، وهذا هو المدعى من طلاب العلم والمعرفة. أما إذا قلنا: إن المترتِّب هو السلبية، لما يترتب على إغلاق باب الاجتهاد من الأثر، فهذا واضح بين. وفي المروي لا يمكن أن تختزل العقول، ولا يمكن أن نجبر عقولنا على منتج عقلي اليوم ناهيك عن أن يكون من السابق السحيق، وليس لنا إلا نتحرك بحركة العقل التي لا تعرف إلا معنى التقدم والثبات والاستقرار، على أنها تتطلع إلى ما هو القادم.
ففي مباحث الحوزات العلمية الحرة الأصيلة غير المجيرة، يحافظ هذا المشهد على خصوصيته، أما عندما ندخل إلى أروقة الحوزات العملية في بعض جوانبها التي أبت إلا أن تحكم الأبواب موصدةً على نفسها، نجد أنها تدور في نفس الدائرة، فلا تخرج من دائرة ذلك الخط المنحني المقفل. ولا إشكال أن الآثار واضحة وبينة، وبمقدوري ومقدورك أن نقترب من مدرسة الإخباريين وبعض الأصوليين التقليديين (المقلدين أيضاً لأساتذتهم ومن تقدمهم) وبمقدورنا أيضاً أن نستشرف المشهد في الاتجاه الثاني لدى الأصوليين الذين تقدموا في طرحهم وكسروا الكثير من الحواجز، وفكّوا الكثير من الأقفال، كما هو الحال في الفقيه العلامة المرجع الذي مرّ ذكرى رحيله علينا قبل أيام، وهو السيد فضل الله.
فالإيجابية والسلبية متى ما وُضعت نصب أعيننا استطعنا أن نشخص الأمور، وأن ننفتح وننطلق بما أسسه المعصومون ذاتهم، وإلا فإن من جاءه بعدهم فقد أعمل نظره، ومن حق أيٍّ كان من أبناء الحوزة العلمية ممن أمسك بعناصر الاستنباط واقترب من حركة الأدلة أن يحركها في مواضيعها لأننا لا يمكننا أن نقرأ مشهداً متحركاً في عالم الخارج مع نص واقف، أو مع قاعدة تحتضر، بل علينا أن نوازن بين الاثنين، وأن نحدث حالة من المقاربة.
ومن هنا يأتي التميز لمثل سماحة الشهيد الصدر الأول (قدس سره) في حركة الاستنباط، ولو فسح له في الأجل لأحدث تغييراً كبيراً ولأخذ بعجلة التقدم الفكري الحوزوي إلى مسافات. وعلى هذا فقس من سواه.
نبذ الوصاية على الموروث:
إن أهل البيت (ع) لم يعطوا وصاية لأحد على موروثهم، إنما فتحوا باب الاجتهاد، وتركوا له المساحة الكافية أن يتحرك في دائرة موروثهم، وهذا ما نطالب به. فنحن لا نبحث في انقلاب على الموروث ولا على إغلاق الأبواب أمام مدرسة أهل البيت (ع) فهذا خروج عن مدرستهم، ونحن منهم وإليهم وفيهم، ولن نتخلى عنهم مهما كان الثمن، ولكن كمدرسة ينبغي أن نقرأها وفقاً للعناصر التي توفرت عنهم (ع) وعلى أساس من تلك العناصر نتحرك في دائرة موروثهم، لذلك كان الاجتهاد وتعددت الآراء. فعلماؤنا وساداتنا ومشايخنا ومراجعنا وأساتذتنا في الحوزات العلمية يغرسون في أذهان تلاميذهم هذه الحقيقة، وهي إعمال الفكر وإطلاق العنان له، وعدم الاستسلام والخضوع للمفردة العلمية، وإنما الحراك من داخلها إلى ما حولها وبالعكس، حتى تغربل وينتهى إلى ما هو أفضل.
وأقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة أن نعمل على نقد كل ما تقدم دون تحفظ، على أن نتمسك بحدود الاحترام للرأي والرأي الآخر، فكما نريد من الآخر أن يحترم عقولنا وآراءنا وأفكارنا، علينا أيضاً أن نمنحه المساحة أن ينتقد المنتَج الذي تصل إليه عقول أبناء اليوم من رجالات العلم في أوساط الحوزات العلمية. فعلى أساس الاحترام المتبادل بين الطرفين نستطيع أن نتقدم وأن تأخذ الحوزة العلمية مساحتها التي يفترض أن تكون لها دون مصادرة من أحد. فالذين مضوا قدموا الكثير، وجهودهم محفوظة ولا يمكن التخلي عنها، ولكن ما قدموه قد يكتنفه شيء من التأثر بالعوامل، إما الدخيلة أو الخارجية.
فمنها الصحبة، فالصحبة تؤثر بالصغير كما تؤثر في الكبير، وكما تؤثر بالجاهل على فرض وجوده تؤثر في العالم، لأن الجميع لا يحظى بعصمة تصونه من تلك الحالة من الأثر والتأثر.
ومنها التلمذة، وكم للتلمذة من أثر متبادل بين الأستاذ وتلميذه. فليس الأثر مقتصراً على أثر الأستاذ في تلميذه، إنما يكون للطالب الأثر في أستاذه أيضاً، وفي نظري أن واحدة من عناصر التألق في شخصية ومدرسة مرجع الطائفة في زمانه الإمام الخوئي (قدس سره) وجود تلامذة من أمثال الشهيد الصدر الأول. فالتلميذ يحرك الأستاذ كما أن الأستاذ يؤثر في تلميذه.
لقد كان الرواة في زمن أئمة أهل البيت (ع) إلى زمن الغيبة التي كان فيها رجالات علم الرجال، ومن الطبيعي أن يكون لمن روى عن الإمام بسند قريب الأثر المباشر كما هو الحال في مدرسة الإخوة السنة من أبناء العامة، فهم يرجعون للصحابي ثم التابعي، ونحن نرجع للصحابة وأهل البيت (ع) أما مفردة التابعين فنرفع اليد عنها حال أنها موجودة كواقع، فمن يروي عمن رأى المعصوم موجود، وبقي إلى زمن الغيبة الصغرى والكبرى، وهذا أيضاً له أثر وقيمة.
عوامل دخيلة في الجرح والتعديل:
إن قبول بعض الأشخاص عند البعض، أو رفضهم، قد يكون مبنياً على دوافع نفسية خاصة، لعامل خفي عنا وظهر لهم، وقد يكون من منطلق الإيجاب أو على العكس من ذلك، لأنهم بشر لا يتمتعون بعصمة.
وقد يكون من منطلق الانتماء الجهوي، فكما أنه اليوم مؤثر في حركة الأحزاب والتنظيمات والحكومات والتكتلات والمجاميع الإقليمية والدولية، فهو مؤثر في مدرسة الحديث أيضاً، لأن من يشترك معك في مذهب وتوجُّه معين لا إشكال أنك تقربه وتأخذ بروايته، على العكس مما لو كان من فريق أو توجه آخر.
وكذلك الشعوبية، وهي من الأبواب المغلقة في مدرسة الرجال مع شديد الأسف، حال أن لها فعل السحر وسرايته. فكم من الرواة أُسقطوا لأنهم من الإقليم الفلاني أو القومية الفلانية، من الفريقين، ومع جميع الأقطاب.
إن باب الجرح والتعديل في علم الرجال من أهم الأبواب وأكثرها حساسية. ولا بد من الوقوف على بعض الجوانب في هذا الباب. وبعض أساتذة الحوزة العلمية عندما يصلون إلى هذا الباب يبذلون غاية الجهد كما هو الحال مع سيدنا المرجع الأعلى حفظه الله تعالى، الذي أعطى لهذا الجانب أهمية كبرى، وكان للإمام الشهيد الصدر الأول (قدس سره) قبل ذلك قلم مؤثر.
فعلى أساس علم الجرح والتعديل يمايز بين رجال الرواية قبولاً أو ردّاً، والذين أصدروا الأحكام والآراء جرحاً وتعديلاً هم أولئك الأعلام الذين ذكرناهم، فأصل المنتج هو ذلك المنتج الذي يأخذنا يميناً أو شمالاً.
والملاحظ أن معظم الفقهاء يركنون لقول أولئك من باب التسليم والتقدير والاحترام وحفظ الحيثيات، أما البعض الآخر فيذهب إلى مسافات أبعد، لذلك يحصل الاختلاف في الفتيا بين هؤلاء وأولئك.
وقفات مع الجرح والتعديل:
ونحن ينبغي أن نتعرف على أولئك الأعلام كي نعطي قيمة للجرح والتعديل بما ينبغي أن يعطى. ولا بد أن نلاحظ هنا ما يلي:
1 ـ أن أولئك الأعلام الذين أصّلوا لعلم الرجال لا يتمتعون بعصمة، فما قالوه قد يكون هو الحق وقد لا يكون. وعليه نخرج من دائرة التقليد إلى دائرة البحث والتتبع، فقد عرف الرجالي شيئاً وغابت عنه أشياءُ.
2 ـ قد يغيب عن أولئك الأقطاب ـ وغاب عنهم بالفعل ـ الكثير من القرائن التي ربما تتبدل فيها المربعات من مساحة التعديل إلى التجريح وبالعكس.
ففي المعالجات الرجالية لمن أمسك بأصول علم الرجال، وأسقط ذلك على المربعات تجد المفارقة واضحة والفتوى أكثر رشداً.
وهنا وقفة لا بد منها، وهي أن العالم الرجالي قد يكون على درجة عالية من العلم والمتابعة والبحث في جميع أبواب هذا الفن، ومن أسس هذا الفن حل المشتركات بين رجال الرواية، فكثيراً ما تجد اسماً واحداً مشتركاً بين العديد من الأشخاص، فبعض علماء الرجال لديه القدرة على الممايزة والتفريق، إلا أنه لا يذهب إلى أبعد من ذلك، فينص على من هو المراد في طريق الرواية المعينة، فهو يبين حال الثلاثي أو الرباعي المشترك، لكنه لا ينص على أن هذا الرجل بعينه هو المراد في طريق الرواية المعينة. ومن هنا، وبمرور القرون من الزمن، يأتي الفقيه في هذا العصر فيجد نفسه في أمسّ الحاجة لالتماس قرينة كانت مساعدة وحاضرة في يد الرجالي ذلك اليوم، وتسامح بها، فأدخلتنا في معترك طويل عريض.
3 ـ إن ترتيب طبقات الرواة يختلف فيها أيضاً رجالات هذا الفن من جماعة إلى أخرى، رغم أن في ذلك أثراً. فأنت تنظر إلى بعض علماء رجال الحديث ممن وضعوا المعاجم في تراجم رجال الحديث أجادوا في السرد والعرض، لكنهم خلطوا خلطاً كبيراً في مسألة ترتيب الطبقات. أما البعض الآخر فأحكم القواعد، وفصل بين الطبقات، ورتب الآثار كالسيد الخوئي (رحمه الله).
4 ـ الوقوف على حال المشيخة: وهو أمر مهم، حال أننا نتسامح كثيراً في الحوزات العلمية مع رجالات المشيخة، بل الأكثر من ذلك أن هناك شيئاً من المسامحة حتى في حق أصحاب الإجماعات.
فرغم أن هؤلاء أمسكوا بهذه المفردات وفصلوا بين المربعات إلا أنهم في معظم الأحوال لم يخرجوا من دائرة التقليد لمن تقدمهم، بل الأمر أكثر خطورة وأنكى عندما تجد أن البعض يجزم قاطعاً أن ما انتهى إليه هو الحق الحقيقي، ومع ذلك يوافق ما اجتمع عليه من تقدمه ولا تعرف ما هي العلة.
إن للخبر الآحادي دوره في عقائدنا، وله دوره في تركيباتنا ونظم أمورنا، وفي خلخلة أوضاعنا، وفي إسقاط الأعلام، وغير ذلك.
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.