نص خطبة العلم والإيمان أساس الأخلاق (24)

نص خطبة العلم والإيمان أساس الأخلاق (24)

عدد الزوار: 3469

2017-07-26

الجمعة 5 / 10 / 1438 هـ 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

في الرواية عن علي (ع): «خلق الله تعالى في الجنة شجرة ثمرها أكبر من التفاح، وأصغر من الرمان، ألين من الزبد، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك، وأغصانها من اللؤلؤ الرطب، وجذوعها من الذهب، وورقها من الزبرجد، لا يأكل منها إلا من أكثر من الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم»([2]).

وفي الحديث الشريف عنه (ص): «من أدخل على مؤمن فرحاً فقد أدخل عليّ فرحاً، ومن أدخل علي فرحاً فقد اتخذ عند الله عهداً، ومن اتخذ عند الله عهداً جاء من الآمنين يوم القيامة»([3]).

خبر الآحاد وأثره في التراث:

الخبر الواحد ترك أثره وبصمته في مربعات كثيرة من مكوّن الأمة في جانبها العلمي وجانبها العملي، حتى طُبعت تلك المربعات بما يمثل لوناً ثابتاً يصعب التغيير والمزج فيه، بدءاً من مساحة العقيدة، فأخبار الآحاد في العقيدة إذا ما قيست بالأخبار المتواترة، فإن النسبة بينهما ما يماثل ما بين السماء والأرض.

وإذا تقدمنا قليلاً مع مساحة الفقه في مربعه فإن الأمور ستكون أكثر وضوحاً وجلاءً ولا تحتاج إلى مزيد إمعان نظر، وما من أحد يستطيع أن يقلل من أهمية تلك الآثار التي ترتبت على ذلك المورد من الأدلة الشرعية، وهو خبر الآحاد.

ثم المربع التاريخي، فهو ليس بمنأى عن هذا الجانب، بل أُشبع وأتخم بأحاديث الآحاد  الملفقة والموضوعة والمزورة والمجراة على لسان الكثير من أصحاب الحراك أو التأثير باتجاه البوصلة عبر تلك المسافات. فالتاريخ هو البوابة التي من خلالها يمكن أن نستشرف ما هو الواقع لأنه الأقل دفعاً للضرائب والتكاليف، ولكن في زماننا هذا الذي لا تحكمه إلا لغة الدكتاتور في أكثر مناحي حياته، فإما أن تكون معي أو عليّ، وتكون الأمور محوّرة من عالم الفكر إلى عالم الشخصنة، يحجم العارفون والمفكرون والمثقفون والمتنورون والنقاد عن إبداء آرائهم.

ثم هنالك مربع رابع هو الأهم والأخطر، ألا وهو مربع المزج بين المربعات التي تم الإشارة إليها، ولو أردت التوقف عند كل واحد من تلك المربعات لكان ذلك حرياً أن يجتزئ جمعة خاصة قائمة به.

إن مزج المربعات الثلاثة ـ العقيدة والفقه والتاريخ ـ يأخذ بالإنسان في نهاية المطاف إلى عالم مجهول، فهل تنتظره فتوى تكفير وتضليل؟ أم طردٌ ومحاصرة من مجتمعات؟ أم خوف ملازم من جهات تأخذ لون الرسمية؟ وبالنتيجة ما لم تأخذ الأمة نصيبها في أن تتحدث عما يجيش بداخلها فإننا سوف ننتهي في نهاية المطاف إلى الضمور، والدخول في حالة الاحتضار الذي سوف ينتهي بنا في نهاية المطاف إلى مجاهل التاريخ، وربما لعنتنا الأجيال في القادم من الأيام.

من هو الفقيه؟

وعوداً على بدء أيها الأحبة، من حقنا أن نسأل: من هو الفقيه الذي نبحث ونفتش عنه في زوايا حوزاتنا العلمية وإن تعددت مراكزها وقوى القرار فيها أو في أوساطنا؟ ونحن أبناء الدائرة الأضعف إذا ما قسنا بالآخرين. وبالنتيجة من حقنا أن نسأل سؤالاً مشروعاً: من هو الفقيه؟

الفقيه هو القادر على أن يضع بصمته على المرحلة التي يعيش فيها، على أن يكون لتلك البصمة الأثر الواضح على ما هو القادم من مسلسل الأحداث، وإلا فإن تلك البصمة سوف تتحول إلى قرار ربما استوجبه ما هو فرض على من أجرى ذلك القرار، عندئذٍ تكون الضريبة أقسى وأقسى.

الشيخ الأوحد نموذجاً:

كان الشيخ الأوحد الأحسائي (رضوان الله تعالى عن روحه المقدسة) رمزاً من رموز الفقاهة، فهو فقيه بلا شك ولا إشكال، ولا مجال للتوقف في ذلك، غاية ما في الأمر أننا ينبغي أن نتوقف عند الأمور التي تساعد على إطلاق هذا الحكم على مثل هذه الشخصية العملاقة.

فالشيخ الأوحد وضع حجر أساس لمرجعية محلية في هذا البلد المنسي إذا ما أريد أن يُدرج تحت العديد من العناوين، مهما تنوعت ومهما أضفي عليها من الزخرفة والهندسة فإننا نبقى خارج دائرة تاريخ يُكتب، وقدرنا أن يكتب بأيدي غيرنا لا بأيدينا، وقدرنا أن نكون على الهامش كبقرة حلوب، أما ما وراء ذلك فيحتاج منا أن نبيع الكرامة في الكثير من الحالات، وهذا ما لا يرضاه أحد لنفسه إذا ما كان يعيش عزةً وشرفاً واعتداداً بموقعه وموطنه.

فالشيخ الأوحد (رضوان الله تعالى عنه) فقيه حق، لأنه كان يعيش الشعور بالمسؤولية أمام الله تعالى، وهذه هي الركيزة والقاعدة الأساس التي بنى عليها إذا ما أريد للصرح أن يكون سليماً، ولديه القوة أن يعيش مجاهيل الزمن ويتخطى كل العقبات.

والأمر الثاني في شخصيته مما يجعله فقيهاً حقاً هو تحمل المسؤولية التامة أمام أبناء جلدته وأهله، وهذا ما يلمس من خلال رجوعه إلى الأحساء والتصدي لأبسط وأكبر الأمور التي كانت آنذاك تشغل ذهنية الإنسان الأحسائي.

الحاجة للمرجعية المحلية: 

من أهم الدلائل على شعوره بالمسؤولية وضرورة تحملها كون الأحساء كغيرها من المناطق، تحتاج إلى مرجعية منها وفيها، تعيش همها عن قرب، وذلك لعدة أسباب:

أ ـ التشابك الاجتماعي والتعقيد القبلي الذي لا يمكن أن يُقرأ من خارج الدائرة، إنما ينبغي أن يكون مقروءاً من الداخل، وربما كان هذا ما حتّم على شيخنا الأوحد الأحسائي (قدست نفسه) أن يتردد على الأحساء في أكثر من مرحلة من مراحل حياته، ليسهم مباشرة في فكّ الشفرات وحل الألغاز، وتقريب ما هو المتقاطَع فيه ليتحول إلى نقاط تواصل. وهذا الإنجاز الضخم الذي قام به الشيخ الأوحد، لا زلنا حتى يومنا القريب نعيش بعض عطاءاته وبركاته.

والتشابك القبلي أمر مهم في مكوّن المجتمع خصوصاً إذا كانت القبائل تحافظ على مكونها الأساس من الشرف والكرم والنخوة وحب الآخر، وهذا ما ينبغي أن نحافظ عليه، وهناك بعض الصيحات تنطلق اليوم من هنا أو هناك لتقلب الطاولة على رؤوس أناس بنوا لهذا المجتمع هويته، فباتوا يصادرون حتى المراسم والعادات التي ألفها أبناء هذا المجتمع بناء على ما كانوا عليه من الكرم والنخوة والشرف والإباء ومحبة الآخر.

ب ـ الوضع الاقتصادي: فعندما عادَ الشيخ الأوحد إلى بلده الأحساء بعد سفره الثاني، وجد أن المشهد الاقتصادي يعصف بالمجتمع ويتلف الأرواح والمحاصيل في آنٍ واحد، ولا فائدة ولا تقدماً، فحاول أن يرفع شيئاً من الكلفة التي كانت على عاتق أبناء مجتمعه في ذلك الوقت. وحرص أن يكون للحق الشرعي حركته وانسيابيته بين المكلفين من أبناء المجتمع، وسار على نهجه وهديه من تعقبه إلى عهد قريب.

فعندما اقترب الشيخ الأوحد من هذا المشهد ولامسه وضع مجموعة من الحلول، وقد كان بنفسه يستكشف حالة الضعف في المكون الاجتماعي في القرية (أ) ليسد خللها من خلال المكوّن في المدينة (أ) وهكذا.

العامل السياسي:

 كان الملف السياسي العاصف القاهر في تلك المرحلة التي عاشها هذا الشيخ الجليل، قد تسبب في الكثير من الأمور وتداعت الكثير من القضايا، وحصلت هجرة وغربة وجوع قاهر بعد خطة عمل، لكنه استطاع أيضاً بهدوئه وسكينته ووقاره واتكاله على الله والتزامه نهج محمد وآل محمد (ص) أن ينجو بسفينته.

الحاجة للمشروع العلمي:

ثم وجد الشيخ الأحسائي نفسه أمام منطقة تحتاج للنهوض بها علمياً وأدبياً وفكرياً، وهكذا كانت الأمور. ملفاتٌ رتبها، قدم فيها الأهم على المهم، حتى خلص إلى نتيجة. فأوجد حراكاً علمياً يمكن أن يُتلمس من خلال بعض الآثار. ونحن أبناء منطقة موروثها العلمي والفكري والأدبي كبير، لكنها تحتاج إلى من يزيح عنها التراب والغبار المتراكم عبر الزمن وعادية الأيام وضغط الظروف. فلسنا أقل من غيرنا إذا ما التفتنا لأنفسنا وتحملنا المسؤولية وقمنا بها نحن، فمن يتكل على الآخر لا يصل، لأن مشروعك يختلف عن مشروعه، ومشروعه يختلف عن مشروعك، وهذا لا يعني ـ بطبيعة الحال ـ الدعوة إلى القطيعة. وقد ذكرت في أكثر من مناسبة أن من مقومات المجتمع الأحسائي في مكوناته حبّ الآخر والانفتاح عليه، وهذا يكفينا في الرد على من يحاول أن يجعل من هذا الطرح رغبة في الانفصال، فنحن ضد الانفصال ومع التواصل، لكنه التواصل المقنن الذي يحفظ للأحساء هويتها ولعلمائها كرامتهم، وللمجتمع حقه.

فالحراك العلمي والأدبي كان متوثباً آنذاك من كل طرف، ففي زمن الشيخ الأوحد كانت المذاهب الأربعة تدور عجلتها، وكانت في سباق مع الزمن، يتصدرها أعلامها في الفقه والتاريخ والأدب والترجمة والقراءات التي يستلزمها الواقع آنذاك. فالشيخ الأوحد كان منارةً شامخة مضيئة.    

ثم حصل صراع عقدي أثقل كاهل الجميع حتى وصلت الحال إلى التصفية في بعض الموارد، والتخلص من بعض الذوات، وهذا ما نحذِّرُ منه اليوم، ونحذر مما هو أكثر وأكثر في القادم من الأيام.

أيها الأحبة: إذا شهر المسلم العقيدة في وجه أخيه فسوف يقتله بدمٍ بارد، أما إذا جعل العقيدة برداً وسلاماً وصراطاً مستقيماً بينه وبين الآخر، فهي أشبه ما تكون بكساء الرحمة.

الشيخ الأحسائي (رضوان الله تعالى عنه) سبر أغوار الأمور اللاهوتية وأعطاها الكثير.

نجاحه في تحركه:

ورب سائل يسأل: هل نجح الشيخ في حركته؟ وهل استطاع أن يؤصّل لواقع ليس من السهل أن يُتخطى ويُتجاوز؟ الجواب وبكل ثقة وبكلمة واحدة: نعم. فقد استطاع أن يحقق ذلك. ولكن من حقك أن تسأل: هل أن هذا النجاح كتب له البقاء؟ الجواب: كتب له من جهة، ولم يكتب من جهة أخرى.

ورب سائل يسأل أيضاً: من يقف وراء ذلك؟ أقول: ما كل ما يعلم يقال، لأنني لو قلت ما أردت قوله، وهو يجيش في صدري، لما حظي برضا الكثيرين.

الشيخ الأوحد (رضوان الله تعالى عنه) رمز نفتخر ونعتز به، ووسام شرف نعلقه على صدورنا شاء من شاء وأبى من أبى.

إن ملامح المرحلة آنذاك هي رواج العلم بين جميع الطبقات الاجتماعية، فما من مجتمع من مكونات الأحساء آنذاك إلا ويطرح مسائل العلم والمعارف، حتى أن رجل الدين لا يُدعى لوليمة من أجل أن يكرَّم فقط، إنما كي يستفاد من نمير علمه، فكيف يصح ذلك في مجتمع قبل مئتي سنة بينما يتعثر مجتمع اليوم في ذلك؟ لا تسأل عن السبب.

لقد كان انتشار الكتاب آنذاك بصورة غير مسبوقة، ففي العهد القاجاري كانت البوابة واسعة للطباعة الحجرية، ومن الطبيعي أن يكون للجار أثر بمن جاور،  حيث أفاد الكثيرون من هذا الجانب، وكان للكتاب حضور، مخطوطاً باليد أو مطبوعاً بالطباعة الحجرية.

صفحات أخرى من تحركه:

ومن تلك العوامل أيضاً بروز العوائل العلمية آنذاك، فكان الشيخ (رضوان الله عنه) يساعد الأسر في تبني أبنائها والدفع بهم إلى الأمام للوصول إلى مسافات كبيرة تُضارَع بها بقية المواطن. بل الأكثر من ذلك تشكلت وراء ذلك أكثر من حوزة وحوزة في أكثر من بلد وبلد، ولم تكن هنالك حساسية  ولا مناكفة ولا مقاطعة ولا صراع على شيء ربما لا يتجاوز كثيراً أكثر من مساحته.

لقد أحدث (رضوان الله تعالى عنه) بنداً جديداً هو عبارة عن تنقل العلماء بين المناطق من القرى والمدن والأرياف لتسيير الوجوهات الشرعية بوجهها الذي ينبغي أن تكون متجهة إليه مما جعل الحقوق الشرعية من أخماس وزكوات وأثلاث وأوقاف وغيرها في مواطنها، فحافظت القرى على مكوناتها ومبادئها وقيمها، وكذلك الحاضرة في الهفوف والمبرَّز آنذاك.

وقد كانت سيرة العلماء في التنقل إلى عهد قريب قبل أن تضيق النفوس بالبعض هي المساحة التي على أساسها يوجد الربط للأطراف بالمركز، فكانت الحوزة وكانت المركزية في مسمى مرجعيات قد انفرد بها الشيخ (رضوان الله تعالى عنه)، ثم تفرعت في أكثر من واحد بعد وفاته.

ثم عمارة المساجد وبث الروح فيها من جديد، فلم تكن المساجد بمثابة الجدران المسقوفة بالجذوع والمطوية بالطين، ثم يعشعش بها الغبار ويعج شمالاً وجنوباً، ولا يوجد فيها إلا حطام من دنيا نبذه أناس، بل كان رجال الدين فيها يمثلون شعلة منار من التوجيه، والتف حولهم الكثير من الناس وأخذوا منهم، بل الأكثر من ذلك أن المساجد كانت تعقد فيها الدروس، كما ينبئ التاريخ ويكشف عن بعض خفاياه، ومن يحملها سماعاً عن أبيه عن جده، فقد تحولت المساجد إلى ما يمثل مدارس صغيرة تحمل طابع الدين في توجهها العام، بل الأكثر من ذلك أن بعض المساجد أخذت منحىً آخر فأدخلت الفلك والرياضيات وتحسين الخط ونسخ الكتب في بنودها. فانظروا كيف كانوا؟ وكيف نحن عليه اليوم بعد ما يقرب من مئتي سنة من الزمن.

لقد أرادوا أن يوقفوا عجلة هذا الرجل العظيم، وأن يفشلوا مشروعه، وأن يفقدوا المجتمع خاصية من خصائصه التي أكرم بها من السماء وتمثلت بالشيخ الأوحد، فأثاروا عجاجها.

الشيخ الأوحد  في خضم المواجهة:

ولم يكن الحسد بعيداً عن المشهد، بل كان سيد الموقف الأول، والحسد طبيعة مستوطنة في بعض النفوس، كالمرض الوبائي المستوطن عندما يجد مستنقعاً، فالملاريا إذا ما وجدت مستوطنها كمنت، حتى تعلن ثورتها على بني البشر. وكذلك الكوليرا في فيروسها السريع الانتشار تفتش عن مستنقع. وهذا في الأمور المادية، أما في المعنويات فإن فيروس الحسد هو الأخطر والأشد فتكاً، ولكن في المستنقع المعنوي. فإذا اظلمت روح الإنسان واسودّ قلبه كان بمثابة المستنقع الحاضن لهذا الفيروس، ومَن من البشر على وجه الأرض لم يحسد؟ حتى النبي (ص) حُسد.

والأمر الثاني هو محاولة الحدّ من توسع مدرسته من خلال أكثر من لون ولون، ومن ذلك دعوى أن مدرسة الشيخ الأوحد تحمل بعداً يلامس شيئاً من الغلو، وليت شعري! أي غلو يتحدث عنه هؤلاء؟ هل في ما نص عليه القرآن الكريم في الكثير من آياته غلو؟ أو في ما ذكرته الروايات الصحيحة العالية الأسانيد عن محمد وآل محمد (ع) ؟ أو أن ضعف المعلومة عندنا هو ما جعلنا نرمي الآخر بهذا ؟ أو هو الغرور المستوطن في عقل البعض عندما تزداد قراءته وأمكنه أن يمسك ببعض مفاتيح الثقافة من هنا وهناك خصوصاً المستورد منها.

والأمر الثالث هو الصراعات الجانبية بين مراكز القوى في وسط المكون الخاص (الشيعي الإمامي) والعام أيضاً، من أهل السنة وغيرهم. فالشيخ الأوحد جاهد على جبهتين، واستطاع أن يخرج منتصراً، لأنهم أرادوا طمس ذكر هذا الرجل العظيم، لكنه بقي يعبر الزمن ويفرض نفسه على الباحث والمتحدث والأديب والناقد والسالك إلى الله في مسار العرفان، والمتبحر في ميدان الفلسفة والمحلِّق في استنطاق النص القرآني تفسيراً.

لقد قرأت واحداً من آثاره في أوائل شهر رمضان واستبشرت خيراً، ثم أصبت بالخيبة في آخره، وشتان بين هلالين: هلالٌ يُزفُّ وهلال يُقبَر!

وكم كنا نتمنى أن يكون لساداتنا ومشايخنا وكبارنا وقفة صادقة مع أنفسهم كما وقفوها في أول الشهر، وابتعدوا عن النأي بالنفس، والهروب من الواقع، ومقابلة الناس بما ينبغي.

نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.