نص خطبة:الصبر طريق الأولياء

نص خطبة:الصبر طريق الأولياء

عدد الزوار: 2611

2016-01-15

1437/3/27هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

سلاح الصبر:

الصبر لغةً: هو التجلد، أو حسن التحمّل. وفي القرآن الكريم: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ﴾([2]).  

والصبر من أهم الأسلحة وأمضاها في قلب المعادلات، وفي حياة الأنبياء والرسل دروس وعبر. والصبر جميل على كل حال، فما دخل في شيء إلا زانه، وما خرج من شيء إلا شانه. وبالصبر بلّغ الأنبياء والرسل والأولياء ما كان في عهدتهم من التكاليف. وبه يتجاوز الإنسان المصائب والمحن المتوقع منها وغير المتوقع.

ولا يُدرك قيمة الصبر إلا من شهره في وجه الآخر. وللصبر نماذج، ولنا في سير الأنبياء والأولياء والأوصياء والرسل قدوة وأسوة، فلو أننا تمثلنا طريقهم حققنا الأهداف المنشودة، ولو تخلينا عن ذلك، ولم نأخذ بالأسباب الطبيعية ربما جاءت النتائج سلبية على خلاف ما هو المبتغى والمرتجى.

في حياتنا العادية التي نعيشها أنا وأنت، إذا لم يتسلح رب الأسرة بالصبر، فربما ينهدّ كيان الأسرة، لأن الأسرة عبارة عن أب وأم وأبناء وبنات، فإن حصلت انتكاسة من أحد الأطراف، ثم لم يتحلّ زعيم الأسرة بالصبر، معنى ذلك أن الخسارة سوف تتحقق عاجلاً أم آجلاً. فلو سلك سبيل الطرد والإقصاء وما أشبه ذلك أو أكثر منه، فالخسران بالدرجة الأولى يلحق الأسرة، وأما الفرد فربما يتلمس طريقه في الحياة إن عاد إلى رشده، وإلا فهو الضياع الذي ليس بعده ضياع.

صبر الأنبياء:

إن صبر الأنبياء على أممهم وأقوامهم والمجتمعات التي بعثوا فيها فيه من الدروس والعبر كفاية وزيادة لمن اعتبر. وقد قدم لنا الإسلامُ القرآن، فلنرجع إليه في جميع أحوالنا، لا عند أضيق الدوائر وأكثرها ضعفاً، في مجالس فواتحنا أو المذاكرة في مدارسنا، وربما للاستعراض في بعض أنديتنا بجمال الصوت وحسن التجويد وغيره، فالقرآن الكريم أبعد من ذلك، لأنه يعطي الكثير من الدروس والإشارات في أكثر الجهات ضيقاً، ناهيك عن أوسعها، ولكن ما أكثر العبر وأقل المعتبر.

1 ـ نوح (ع):

لقد قدم لنا القرآن الكريم نموذجاً من ذلك في نبينا نوح (عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام) مع قومه، إذ لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى، فلا يزدادون إلا فراراً من دعوته، وتهرباً من المسؤوليات التي ربما تناط بهم. لذلك شكا ذلك إلى ربه، فجاءه الخطاب من السماء يدعوه للتسلح بسلاح الصبر، فصبر على قومه حتى حل بهم أمر الله وهو الطوفان.

لقد أمضى نوح ستين عاماً يصنع الفلك كي ينجي القلة المؤمنة التي ساعدها إيمانها في ركوب السفينة، لا لأنهم من قرابته أو أبناء قومه أو غير ذلك، إنما كان الملاك في الركوب في السفينة، والتذكرة التي تؤهل الراكب للركوب هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى. وقد كان المؤمنون به قلة، أقصى ما تذكره الروايات في عددهم ستون شخصاً، وهم حصيلة تسعمئة وخمسين عاماً، كانوا فيها يتلقون الدعوة من لسان نبي، لا من إنسان من سائر الناس.

لذا نجد من كرم الله تعالى لنبي هذه الرسالة أن ثواب هداية فرد واحد، أفضل مما طلعت عليه الشمس. يقول (ص): «لئن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً، خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ولك ولاؤه»([3]).

2 ـ يوسف (ع):    

وكذلك نبي الله يوسف (ع) الذي ابتلي بإخوته، وهم من صلب نبي واحد، إذ كان ينقل من سجن إلى سجن، ولم يقف الأمر عند إلقائه في غيابت الجب، حتى بلغ نهاية المسيرة. وقد تدرّع في مسيرته تلك بالصبر. ومن المعروف أن ظلم ذوي القرابة أشد من غيره، يقول الشاعر:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة    على المرء من وقع الحسام المهند

لقد تحمل يوسف وصبر، ولكن ماذا كانت نتيجة الصبر؟ كانت بسط العدالة، وإنقاذ المجتمع من الهلاك بالمجاعة، وكان يدير الأمور وهو في سجنه، ولكن بالحكمة. فتخطى القنطرة بجتمع مصر.

3 ـ أيوب (ع):  

وكذلك أيوب (ع) الذي يضرب المثل بصبره. ولكن ما صبر أيوب إلى صبر علي إلا كالقطرة في مياه البحار.

فقد ابتلي أيوب (ع) بأشد البتلاء، حتى صار المجتمع يهرب من حوله، حتى زوجته التي هي أقرب إليه من غيرها. إلا أنه مع ذلك اختار زاوية صغيرة في جبل، وراح يتعبد مكتفياً بما قل وندر من الطعام الذي يحفظه من الموت فقط. أما الروايات التي تذكر مرضه وتعفن أطرافه، وأن الدود كان يأكل من أطرافه، وما إلى ذلك، فكلها روايات إسرائيلية موضوعة وأسانيد ساقطة، فمناسبة الحكم للموضوع لا تتحقق خارجاً، فهذا نبيٌّ كرّمه الله تعالى، ولا يمكن أن يُهان بهذه الطريقة، ولكن يسوَّق لنا من خلال كتب القصص مثل هذه البضاعة الرخيصة، وهو كلام لا أساس له بالمرة.

ثم منّ الله تعالى عليه بالفرج بعد صبر طويل ومرير. قال تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ~ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾([4]).

5 ـ عيسى (ع):

أما السيد المسيح (ع) فهو منذ اليوم الأول لرسالته وحتى اليوم مظلوم، لأن رسالته تمّ التلاعب بها على كافة الأصعدة، وخلال الأيام القليلة التي غبتُ فيها قرأت بعض جوانب الديانة المسيحية والثغرات التي فيها، وتلاعب القسيسين والرهبان من خلال نسخ الأحكام في شريعته، حال أنهم لا يرضون أن تنسخ الرسالة من قبل نبي مرسل من السماء هو النبي الأعظم محمد (ص).

لقد غير الرهبان الكثير من الأحكام في رسالة عيسى (ع) فالخمر مثلاً كان محرماً فيها، إلا أنهم يعمّدون به في كنائسهم بفتوى من راهب. وكذلك لحم الخنزير، فهو محرم في النصوص الأصلية، ولكن بفعل الفاعلين من أرباب الكنائس حصل العكس.

فالنبي عيسى (ع) ابتلي بهؤلاء، وزُج به في السجن، وامتحن باليهود، وتعرض إلى أبشع صور التنكيل من قبلهم هو والحواريون من حوله. وهنالك أكثر من نبي وولي نشر بالمناشير، وهذه صفحة مغيبة.

ومع شديد الأسف، ترى اليوم بعضاً ممن يدعون أنهم على مسار الهدى، يفاضلون ـ لجهل أو عدم التفاتة أو لأنهم وقعوا تحت تأثير الآخر ـ بين المسيحية والإسلام! أليست هذه من نكسات الدهر، ومن مآسي الثقافة العوجاء؟

فتّش عن أي دين أو معتقد أو منهج أو طريق، إذا كان يحمل من الدعوة للعدالة والاستقامة والمحبة والسلام، فأنت في حلّ مما أنت فيه، ولكن لا وجود لذلك إلا فيما جاء به النبي الأعظم محمد (ص).

وفي نهاية المطاف رفع السيد المسيح (ع)، وبدأت نكبة الصليب التي لا علاقة لها بالمسيح، إنما هي من ابتكارات الرهبان، فالمسيح (ع) لم يحمل صليباً على ظهره كما يتوهم المتوهمون، إنما استحدثت من بعده بثلاثمئة وخمسين سنة! فالسيد المسيح لم يكن دواراً بصليب، إنما كان دواراً بطبّه، قد أحكم مراهمه كالنبي (ص) فكان يعالج المصابين بالأمراض النفسية والعقد والكراهية للإنسان والمجتمع والحياة والمحبة والسلام. وهذا أصل رسالته في العلاج، أما إبراء الأكمه والأبرص وغيرها فهي مرحلة مختلفة وحسابات مادية إعجازية على الأرض، حيث أجريت ببركته، وفتحت مغاليق الطب بعد ذلك، وساروا على معطياته.

وكان الخاصة ممن حوله هم الحواريون، وقد انقلب أحدهم عليه فقلب المعادلة. فكان أول من حرف النص المنزل على عيسى (ع) من أهم الجماعة المحيطة به.

6 ـ النبي الأعظم محمد (ص):

ثم جاء الدور إلى النبي محمد (ص) وهنا الطامة الكبرى، فقد تحمل الظلم من القرابة القريبة، فأبو لهب كان عمه، وهو نموذج لمن آذى النبي (ع). ولكن في الجانب الآخر من قرابته يقف أبو طالب (ع) مؤمن قريش، وكافل النبي (ص).

لقد تأذى النبي من هؤلاء كثيراً، ثم اتسعت الدائرة إلى قومه فكانت الأمور أسوأ، حتى بلغ به الحال للإقامة الجبرية في الشعب، والجوع، والحصار المطبق، والمقاطعة التامة للنبي (ص) وبني هاشم ومن آمن به مبكراً، وهم قلة.

ولنسأل التاريخ: من كان مع النبي (ص) في الشعب؟ فيجيب: كان معه أول القوم إسلاماً. فلا ينبغي أن نسير مع التاريخ بسذاجة، ولا أن نكون في قراءته إمّعات، ولا أن نسلّم عقولنا للآخرين يحلّقون بنا حيث يشاؤون، ويغوصون أنى شاؤوا. فالله أكرمنا بنعمة العقل، ولا بد أن نفسح له المجال في أخذ دوره كما ينبغي. ولا يمكن أن يأخذ دوره إلا إذا كان همّ الإنسان هو العقل، أما إذا كان الهم هو الدنيا، والمسابقة لجمع حطامها فإن العقل يتبلّد، ويصاب بالانتكاسة.

وما على الإنسان كي يتحقق من ذلك إلا أن ينأى بنفسه أياماً معدودة عن الناس، فسوف يجد الصفاء ينعكس في نفسه، ولكنه إذا ولج في الأمور المادية فإن المعادلة تختلف تماماً.

لقد صبر النبي (ص) على أشد الأذى من قومه، وكان بمقدوره أن يدعو عليهم فينهي الأمور منذ اليوم الأول، ولكن الحجة لم تكن تبلغ لآخر المدى، ولا بد أن تستمر مسيرة الحياة التي قدم لها النبي (ص) النموذج الأكمل، فتصل إلى نهايتها.

صبر أمير المؤمنين (ع):

أما صبر الأولياء، فما من رسول إلا كان له أوصياء من بعده، فنبينا نوح كان له أوصياء، وكذلك إبراهيم وعيسى وموسى، ولكن أشرف الأوصياء هم أوصياء النبي (ص) من علي (ع) إلى الخلف الباقي من آل محمد (عج).

فالإمام أمير المؤمنين (ع) لم يكن صبوراً في الجانب المادي فحسب، إنما في الجانب المعنوي أيضاً، لأن الأمة وصلت إلى مفترق طرق؛ طريق يأخذها للنجاة والنجاح والفلاح، وطريق ينحدر بها إلى الهاوية، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ﴾([5]).

إن الأمة التي لا تعي اليوم ما لها وما عليها، لا بد أن يأتي اليوم الذي تعي فيه ذلك، لأن الله تعالى هو الذي ينتدبنا لذلك. يقول تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لَا يُرِيْدُوْنَ عُلُوَّاً فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادَاً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ﴾([6]).

فالإمام علي (ع) كان له حق من الله تعالى على الأمة أن يكون إماماً لها، فالنبي (ص) قدم الأنموذج للأمة في مرحلة من المراحل في دائرة ضيقة في أهل بيته، وهو ما جرى في حادثة الإنذار حيث قال: من يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي؟ وهذا النص لا يتفرد به الشيعة كما هو معروف، غاية ما في الأمر أن توضع القرائن الصارفة عما يتناسب بين الحكم وموضوعه، أما أصل القضية فلا يناقش فيها أحد، ودونك الكتب والمصادر.

لقد قدم النبي (ص) علياً في حادثة الدار بهذه الطريقة، ولكن في الغدير اتضحت المعالم، فلا أحد يمكنه أن ينكر قول من قال: بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذه من أدبيات جميع المسلمين. وقد كان حسان بن ثابت حاضراً، وهو شاعر الرسول، أي أنه وزير الإعلام، أو مدير الصحيفة الرسمية أو القناة الفضائية الرسمية، وقد نطق بتلك الأبيات في ذلك الموقف. وما من مصدر مهم إلا تعرض لتلك البصمة والوثيقة التاريخية التي يقول في مطلعها:

يناديهم يوم الغدير نبيهم    بخمٍّ وأسمع بالنبي مناديا

ولكن لم تمر على حادثة الغدير سوى خمسة وسبعين يوماً حتى وضعت العمامة في رقبة علي (ع) وغطي بها وجهه، وربط بحمائل سيفه، لكنه مع ذلك يقول: «والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جَور إلا عليّ خاصة»([7]). وهكذا تعامل مع تلك الحالة بالصبر.

بل إن النبي (ص) أدناه منه قبل وفاته، وأخبره بما يجري عليه وعلى ابنته الزهراء (ع) ثم قال له: أوتصبر؟ قال: أصبر ما دام في ذلك لله ولك رضا. وقد صبر على ما لا يمكن لغيره أن يصبر عليه. فمن يستطيع أن يرى غيره يهاجم داره فيسكت؟ والهجوم على الدار أيضاً لا يمكن لأحد إنكاره، لأنه أمر ثابت بالأدلة والوقائع. أما التفاصيل فلا شك أن فيها زيادةً أو نقصاً، وهذا ما نعيشه في حياتنا اليومية في نقل أخبار الحوادث، فهناك من يزيد على الأصل وهناك من ينقص.

الخطبة الشقشقية:

إن صبر علي (ع) لا يمكن أن يبلغه أحد، حتى من الأنبياء والرسل ـ باستثناء النبي محمد (ص) ـ لأنه لم يصب على رؤوسهم ما صب على رأس علي. لكن هذا لا يعني أنه لا يفصح عن حالة الظلم التي تعرض لها، فمن حق أي إنسان في هذه الدنيا أن يبين ظلامته. يقول (ع) في خطبته المعروفة بالشقشقية: «أما والله لقد تقمصها فلان، وإنه يعلم أن محلي منها محلُّ القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلتُ دونها ثوباً، وطويت عنها كَشحاً، وطفِقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جَذّاء، أو أصبرَ على طَخية عمياء، يهرَم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذا وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً»([8]). والتراث المنهوب ليس الخلافة فحسب، إنما تعني ما جرى في بيت علي وفاطمة، ولكن بلغة الإنسان البليغ.   

ثم يقول (ع): «حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده» ثم تمثل بقول الأعشى:

شتان ما يومي على كورها      ويوم حيان أخي جابرِ

فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّما تشطَّرا ضَرعيها، فصيَّرها في حَوزة خشناء يَغلُظ كَلْمُها، ويخشُن مَسُّها، ويكثُر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خَرَم، وإن أسلس لها تقحَّمَ. فَمُنيَ الناسُ لَعمرُ الله بخَبطٍ وشِماس، وتلوُّنٍ واعتراض، فصبرتُ على طول المدة، وشدة المحنة. حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم. فيا لَلّهِ وللشورى! متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر. لكني أسفَفْتُ إذ أسَفّوا، وطرتُ إذ طاروا...»([9]).    

الصبر في حياتنا اليوم:

إن الصبر يفترض أن يكون القاعدة الأولى التي ننطلق على أساسها، ولكنه ليس سهل المنال، إنما له روافده العديدة، فمن روافده القرآن الكريم، ومن مدده التعمق بسيرة أهل البيت (ع) والتمثل بنهجهم.

والأمر الآخر إلى جانب الصبر هو الحكمة وحسن الإدارة للأمور والأوضاع، فالدنيا اليوم عبارة عن أمواج متلاطمة من اليمين إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، والعكس بالعكس، فلا بد من العقل والحكمة والتروي والوعي، فهنالك من يرصد الأقوال، ويقيد الأفعال ويقومها.

ثم إن لدينا رافداً عظيماً في ذلك، وهو صبر الخلف الباقي من آل محمد (عج) فكل مجريات الأحداث بين يدي المهدي (عج) وله فينا عينٌ ناظرة ترقب الوضع. وسوف يأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس الحقيقة على المؤمنين، وتهب ريح الجنة وعبق الولاء، هنالكم العدالة الكبرى التي لم تتحقق إلى اليوم، من آدم إلى يومنا هذا، ولا يدعي تحقيقها إلا من يناقض نفسه، فالظلم يسود الأرض منذ آدم وحتى يومنا هذا.

فالإمام المهدي (عج) يضمّد الجراح ويبلسمها ببركة لطف وجوده، فأئمتنا تعددت أدوارهم، لكن الهدف الأسمى هو العدالة العامة، وهي الموعودة المنتظرة، وهي هبة الله لأهل الأرض على يد الخلف الباقي (ع).

فالمهم هنا أن لا يشكك أحد في عمل أحد أو طريقته، فأنت إن ركبت سفينة الصبر فهو ضرب من ضروب المسار الذي سلكه أهل البيت (ع) وإن اختار غيرك طريقاً ومنحىً آخر فهو يلتمس ما يؤمّن العذر، فالحسين (ع) وقف بسبعين شخصاً مقابل أربعين ألف.

فليس من حقك أن تُخرج أحداً من جادة الدين والإيمان لعدم الاعتقاد بمنهجك وطريقتك، أو العكس، لأننا متى ما وصلنا إلى هذه المرحلة أعطينا الآخر ما كان يتمناه. ﴿فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُوْنَ﴾([10]).

والحمد لله رب العالمين.