نص خطبة : الشهيد المطهري رائد البناء الفكري الجديد

نص خطبة : الشهيد المطهري رائد البناء الفكري الجديد

عدد الزوار: 737

2012-03-20

وروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده أن النبي (ص) جمع فاطمة وعلياً والحسن والحسين وألقى عليهم الكساء، ثم وضع يده على الكساء، ثم قال: «اللهم إن هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد، إنك حميد مجيد» ([3]).

الطريق إلى أهل البيت (ع) لا ينحصر في مسار واحد، إنما هي طرق متعددة، كل منها يفضي إلى أهل البيت (ع) ، وهم الذين أرشدونا إلى ذلك، ولعل من أهم تلك الطرق هو السير وفق ما خطه ورسمه علماء مدرسة أهل البيت (ع)، لذلك انصبّت الروايات الكثيرة التي تعزُّ على الحصر، في بيان هذا الجانب، سواء في التأسيس له، أم التفريع عليه.

والحوزة العلمية هي المظهر الطبيعي لهذا المسار، فكلنا يعلم أن للزمان دورة كاملة على نفسه، وهذه الدورة تولد الكثير من مستوجبات البحث والوصول إلى النتائج المتوافقة مع ما تولده تلك الدورة على نفسها، والإنسان هو الموضوع، فيما يصدر عنه قولاً وعملاً. والمؤمّن للتعاطي مع هذا الأمر هو إما أن يكون الإنسان قادراً على استنباط الحكم من مظانه الأربعة، أو أن يرجع إلى من لديه القدرة على استنباط الأحكام من مظانها.

وعلى فرض أنه لم ينصرف إلى أحد هذين المسارين، فالمتعين عليه أن يكون محتاطاً في كل تصرفاته، قولاً وعملاً، بل إنه في عبائر بعض علمائنا حتى في المباحات أيضاً، لا بد أن يكون المكلف قد أمّن مظلة شرعية على أساس منها يتعاطى المباحات. 

    

وقفة مع حوزة قم:

لعبت الحوزة العلمية في قم المقدسة دوراً هاماً في إحداث النقلة النوعية في المسار الحوزوي، وقد أشرت في الأسبوع الماضي إلى أن حداثة التشكيل والتكوّن خلصتها من تبعة الموروث الذي يلقي بعبئه على كاهل من ينخرط في هذه المنظومة الحوزوية.

أما الأمر الثاني المهم أيضاً، فهو أن الذين يَمّمُوا شطر الحوزة العلمية في قم المقدسة، منذ نشأتها الأولى، كانت لديهم الالتفاتة التامة أن هذا المولود الجديد يحمل في كينونته الكثير من المفارقة مع شقائقه من حوله.

لقد قرأ المنتسب هذا الواقع من خلال قراءته لشخص المؤسس، المحقق الكبير، الشيخ عبد الكريم الحائري، إمام الفقهاء والمراجع الكبار. ثم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث كلنا يعلم أن الوضع في إيران، وإن كان محكوماً بقسر سلطوي، يتمثل في ملكها آنذاك، إلا أن الحراك الفكري والصراع والجدل كان يشغل مساحة كبيرة، مما يستوجب ورود الكثير من الأشخاص، ممن يحملون الذهنية الوقادة، إلى ساحة الصراع، وهذا ما سوف نضع اليد عليه من خلال تسليط الضوء على شخصية سماحة العلامة، آية الله، الفيلسوف الكبير، المحقق الباحث المتكلم، الجسر الجامع بين الحوزة والجامعة، الشهيد المطهري (رضوان الله على روحه المقدسة).

ومَن منّا لا يعرف الشهيد المطهري؟ ومن من شبابنا يجهل هذه الشخصية الفذة، أو على الأقل لم يطرق سمعه هذا الاسم النوراني في منظومة الحوزة العلمية؟

ولد الشهيد المطهري في قرية (فرامان) على مقربة من مشهد الإمام الرضا (ع) سنة 1920 م ، وهي السنة التي شهدت حراكاً سياسياً وجهادياً غير مسبوق، قامت به الحوزة العلمية الكبرى في النجف الأشرف.

في خراسان إذن كان مسقط الرأس، وخراسان هي المنطلق الأساس والكبير لجميع المذاهب والطوائف، في صناعة عمالقة الفكر والعلوم الإلهية والإنسانية. وعندما تُلفظ هذه المفردة فلا يقصد بها حدود المنطقة التي دفن فيها الإمام الرضا (ع) إنما لها امتداداتها الكبيرة التي تصل إلى أواسط ما كان يعبر عنه سابقاً بالاتحاد السوفيتي، وإلى مضارب أفغانستان، وتحدّ شمالاً ببحر الخزر.

لقد أنجبت هذه المنطقة الفحول من العلماء، وسلاطين الفكر والرأي، فهم الذين تعاملوا مع الفضاء من خلال المرصد الفلكي للخواجة نصير الدين الطوسي رضوان الله عليه، قبل أن تتهجى أوربا عالم النجوم، وهو خراساني المنشأ والثقافة. كما أن ثلاثة من أئمة المذاهب الإسلامية الشقيقة من أبناء تلك الديار، وكذلك الكثير من رموز التفسير واللغة العربية، كسيبويه وأضرابه، هم من تلك المناطق.

فأرض خراسان أرض ثرية معطاء، تُنجب أطيب نبت بشكله ورائحته وطعمه، وهو الزعفران، كما تنجب أعلاماً في الطليعة.

وقد شاء الله تعالى أن تنبت تلك الأرض المطهرة الشهيد المطهري، ويتكون منها، ويشرب ماءها، ويتنسم هواءها، ثم يصقل ما لديه على يد الأعلام فيها.

بدأ دراسته على يدي والده، وهو ينحدر من عائلة علمية عرفت بالعلم والورع، وبعد أن بلغ الثانية عشرة من عمره غادر قريته (فرامان) إلى مدينة مشهد، والتحق بصفوف حوزتها ([4]) مكبّاً على التحصيل، حتى أنهى شطراً كبيراً من العلوم في المقدمات والسطوح الأولى والثانية، ثم انتقل إلى مدينة قم.

وصل مدينة قم وهو في السادسة والعشرين من العمر، وحط رحاله في تلك المدينة، يوم كانت تتهجى المفردات الأولى من تكوّنها ونهضتها العلمية. واصطف إلى جانب رجالات العلم المتنورين الذين يبحثون عن نفض غبار الماضي، والتطلع إلى المستقبل المشرق، وكان يقرأ ذلك في عيون كبار العلماء من حوله، أمثال السيد البروجردي، والسيد الحجة الكوهكمري، والسيد محمد تقي الخوانساري وأشباههم من العمالقة.

والتحق ببحوث الخارج، وشخّص ضالته المنشودة، وتعامل معها بحكمة الكبار الذين أعدّوا أنفسهم إعداداً محكماً في سبيل أن يأخذوا بالبحث الخارج ومنه، ما يصل بهم إلى الهدف السامي.

وفي طليعة أولئك الأعلام السيد البروجردي (رحمة الله تعالى عليه)، الذي تقدم الكلام عن شخصيته، فهو عالمٌ عابدٌ منفتحٌ ملم، تجسدت فيه عناصر الإمامة والقيادة الروحية للمجتمع من حوله، من حكمةٍ وصبر وهدوء وسكون. كما التحق ببحث السيد الإمام رضوان الله تعالى على روحه المقدسة، ولعلي أقف على شخصية الإمام في مرحلة من المراحل، وأعطية ما يفترض أن يُعطى من تسليط الضوء.

كانت مدرسة الإمام الخميني (رحمه الله) متعددة الأبعاد، ولم تكن محصورة في الفقه والأصول كما هو الحال في الكثير من أعلام الحوزة العلمية الكبار. لذا فإن الذين تخرجوا على يديه تعددت اختصاصاتهم، فتجد في تلامذته العملاق في التفسير، كالسيد الشهيد مصطفى الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، والعملاق في الفلسفة، كمن نتحدث عن شخصيته في هذا اليوم، والشهيد البهشتي، رمز مدرسة القانون، وأسماء يطول المقام بسردها، ناهيك عن الدخول في مكوناتها.

درس الشهيد المطهري على يد هؤلاء، الحكمة المتعالية والعرفان والفقه والأصول خارجاً، وقد بذّ أقرانه، وامتدت الأيدي مشيرة إلى نبوغه المبكر، وعندما سئل السيد الإمام (قدس سره) عن الشهيد المطهري أجاب: مرتضى حصيلة عمري. كما أجاب في مقام آخر: الشهيد المطهري معلم الثورة. وهذه شهادة من الإمام لا يجاريها شيء من الشهادات.

ومن أساتذته أيضاً، العلامة الكبير، إمام التفسير الأول، الذي لم تعرف الطائفة، بل ولا الأمة الإسلامية له نظيراً في بحثه التفسيري، ألا وهو صاحب الميزان، الإمام السيد الطباطبائي، إمام الحكمة المتعالية بلا منازع.

والسيد الطباطبائي (رضوان الله عليه)، لو كان أراد المرجعية لجاءته منقادةً، لكنه شخّص أين يمكن أن يفرغ جهده؟ وفي أي موضع؟ وهذا مقتضى الحكمة النظرية عندما تسقط على الميدان العملي. وكم نحنُ بمسيس الحاجة أن نمارس هذا البعد في حياة عمالقتنا فيما نعيشه من واقع.

ومن أساتذته أيضاً المحقق الشيرازي الإصفهاني (رحمة الله تعالى عليه)، في باب الحكمة والسير والسلوك.

ومما يلفت الانتباه في معظم تلامذة السيد الإمام (قدس سره)، الذين قام على أيديهم هذا الصرح الشامخ، أنهم انخرطوا في تهذيب النفس إلى أبعد الحدود، حتى أن الشهيد المطهري، رغم أنه قارب الأربعين عاماً، إلا أنه كان يتردد على تحصيل بحث الأخلاق، بل نجد أن السيد الإمام يلزم نفسه ببحث الأخلاق لتلامذته الذين لا يختلف اثنان أنهم نالوا درجة الاجتهاد، وهم بالعشرات تحت منبره، فلم يتخلَّ عن بحث الأخلاق وتربية النفس، وكان السيد الإمام يقول: من السهل جداً أن يصبح الإنسان عالماً، ولكن من الصعب جداً أن يصبح إنساناً. وهي عبارة تستحق الكثير من التوقف، وهي من جوامع الكلم.

وفي بروجرد، التحق الشهيد المطري بالسيد البروجردي لسنتين، يتهذب على يديه، ويطرق أبواب الحكمة المتعالية، ثم جاء إلى قم، ومنها إلى طهران. وفي طهران فتح باباً جديداً، هو باب الجامعة، وهو ما يعبر عنه بالدراسات الأكاديمية، واختير أستاذاً لقسم الإلهيات في الجامعة.

وفي تلك الفترة انشغل أيضاً بالتأليف، وسوف أتعرض لمجموعة من الكتب التي سطرها، وهي من الكثرة بمكان.

ومن جهة أخرى انخرط في صفوف الحركة الإسلامية التي نهض بها السيد الإمام (رحمه الله تعالى) ضد طاغوت عصره الشاه المقبور، وكان للإمام كالظل.

خلف الشهيد المطهري وراءه مجموعة من الكتب والمؤلفات والرسائل، لها أهميتها الكبرى، وهي تنوف على العشرين عنواناً، أذكر بعضها فيما يلي:

1 ـ النظرة الواقعية لمتطلبات المكتبة الإسلامية: ويكفي هذا العنوان دلالة على ما ينطوي عليه.

2 ـ العدل الإلهي: وهو من الأهمية بمكان، حيث عالج فيه بعض الإشكاليات التي ربما تطرأ على ذهن العامة من الناس وحتى المحققين منهم.

3 ـ الدوافع نحو المادية: باعتبار أن الانخراط في الشيوعية والمادية كان على أوجه في تلك المرحلة، أي مرحلة الخمسينات الناصرية والستينات، فكبح بذلك جماح هذا التيار.

4 ـ نهضة الإمام المهدي (ع) في ضوء فلسفة التاريخ: ومما يشار إليه أن الإمام (رحمة الله تعالى عليه) في هذا الجانب، غرس في تلامذته ـ ومنهم الشهيد المطهري ـ أن المعلومة مفتوحة، وقد اقتبسها من كلام أهل البيت (ع) في قولهم: «الحكمة ضالّة المؤمن، فحيثما وجد أحدُكم ضالّته فليأخذْها» ([5]). وفي نص آخر عن أمير المؤمنين (ع): «فاطلبوها ولو عند المشرك، تكونوا أحق بها وأهلها» ([6]). ونص آخر عنه (ع): «فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق» ([7]).

ثم ركز الشهيد المطهري على كشف النقاب عما تنطوي عليه المفردة، وهذا أمر مهم، وسمة واضحة في الشيخ الشهيد المطهري.

لقد ضُرّج الشهيد المطهري بدمه الطاهر على يد المنافقين عندما كان خارجاً لأداء صلاة الفجر، وضُرب غدراً من الخلف، وسقط شهيداً على باب داره. وهذا هو دأب خفافيش الليل، في كل زمان ومكان، فهم لا يرضون لكلمة الحق والحقيقة أن تأخذ مسارها في الوجود.

أما أهم السمات التي اتسم بها في نهجه فهو أنه كان يحمل الجرأة الأدبية في خلخلة ما يراد أن يقال عنه إنه الثابت في فكر الأمة، لذا كتب ملحمته الحسينية، واستطاع أن يحرك مجموعة من القضايا التي تعاطاها أبناء الأمة تلقيناً من خطباء وكتاب غير مؤهلين، وأصحاب ولايات على أوقاف، غير مهيئين ولا مؤهلين أيضاً.

كان الشهيد المطهري جريئاً إلى أبعد حد، في نقد الكثير من المشاهد التي كتبت سيناريوهاتها بأيدٍ، إما أنها تغترف من مياه ضحلة، أو أن الدسيس والدخيل كان قد تدخّل في صياغة بعض السيناريوهات، في وقت لم تكن الأمية في الأمة في ذلك الزمن قد كُبح جماحها، وكانت سيدة الموقف في كثير من المواطن ([8]).

كان الشهيد المطهري ـ كما قلنا ـ جريئاً في طرحه، لكن لا عن هوىً وشهية، إنما كان ذلك عن وعي وإدراك وتحمل للمسؤولية، وقراءة جادة للمستقبل، بأن الأمة إذا بقيت تراوح في مكانها فلن تستطيع أن تتعاطى القادم إليها.

وبناء على ذلك، فإن من تعاطوا المشهد على أساس من التحديث والتغيير والتجديد والتأسيس للمرحلة، وصلوا بمشاريعهم النهضوية إلى مساحات كبرى، والذين أبوا إلا أن يكونوا من المعرقَبين في أماكنهم، فها هم يراوحون السير في ما هم فيه، متشبثين بطحالب، إن قاومت لفترة من الزمن، فسوف تنحلّ في لحظة من اللحظات، في وقت لا ينفع فيه الندمُ نادماً.

إن الدقة في التحقيق، والنظرة الواقعية للأشياء، والمرونة الفائقة في الطرح، تعد أهم السمات والخصائص التي طرق بابها الشهيد المطهري.

ثم إنه مجاهد من الطراز الأول، والجهاد على ضروب عدة:

الأول: جهاد العدو، وقد يكون هذا الضرب من الجهاد ابتدائياً، وقد يكون دفاعياً، أي أنه ينحلّ بدوره إلى قسمين.

الثاني: جهاد الإنسان لنفسه التي بين جنبيه، وهو الأهم من هذا وذاك، وقد استطاع الشهيد المطهري أن يثبت له في كلا الضربين من الجهاد قدماً، وأن يكرس له وجوداً.

كانت مقارعة الفكر المادي الماركسي الشيوعي، المتمثل بحزب تودة، تشكل واحدة من أهم الانعطافات في مساره الجهادي ([9]) ، فقد قارعهم بالحجة والبرهان، لا بالتهريج والتسقيط الشخصي كما يحصل اليوم في صفوف أبناء التوجه والمسار الواحد والطائفة الواحدة. فلم يتوجه لأحد من داخل النسيج، إنما توجه للشيوعية فكراً، على أنها تشكل خطراً داهماً، لا على التشيع فحسب، إنما على الإسلام كله. وقد قارعها في أهم معاقلها، وهي جامعة طهران، التي كانت تعج بالشيوعيين يومئذٍ، وما إن أشرقت شمس هذا الشيخ الشهيد، ومعه الشيخ باهنر، والسيد الشهيد هاشمي نجاد، حتى كانت الحال بصورة أخرى. ومن اللافت للنظر أن يختم لهؤلاء جميعاً بخير خاتمة، وهي الحسنة التي لا تضر معها سيئة، أعني بذلك الشهادة، وأن يموت المرء على حب علي وآل علي.

وقد التفت الشهيد مطهري إلى أن الحوزة تحتاج إلى تشديد الربط بين قوائمها، فعمل من الداخل، ومدّ الجسور إلى الأطراف في الجامعات، فكان يعتبر حلقة الوصل، والجسر الممتد بين الحوزة والجامعة ([10]) .

وكما قارع الشهيد المطهري الفكر المنحرف، قارع الظلم أيضاً، عندما رأى أنه يفتك بأوصال الأمة، ويمزق المجتمعات، ونحن اليوم أيضاً بمسيس الحاجة أن نتحرك في هذا المسار، على أن نبدأ من الذات.

رحم الله الشهيد المطهري، الذي لو كان له نظائر في هذه الأمة لما كان الأمر على ما هو عليه، ولما كان الواقع الفكري على هذه الحالة، من المصادرة والتوجيه القسري، وممارسة الدور الكنسي مع شديد الأسف، والمقاصل التي تنصب في أكثر من مفرقٍ ومنعطفِ انكسارٍ في وسط الأمة، لرجال لم يقوموا بشيء سوى أنهم قالوا: إن للمجتمع قيمة ينبغي أن تحترم في أفراده جميعاً، ومن لا يرضون أن يعطوا المجتمع تلك القيمة، فسوف يعبر عليهم المجتمع، ولا أقول أكثر من ذلك. فلنا في المجتمع الثقة الكافية أنه بات على درجة من الوعي أن يشخص الصالح من الطالح، فيأخذ بأسباب الصالح وينبذ ما سواه.

 

في الختام أود الإشارة إلى رحيل فضيلة الشيخ علي المسبّح (رضوان الله تعالى عليه)، فهو رجل دين من أبناء هذه المنطقة، وشاهد حيّ ـ رغم وفاته ـ على أن المجتمع لا زال مقصراً في جانب تكريم العظماء، والرجال الذين بذلوا الكثير من وجودهم ووجدانهم في سبيله.

انخرط الشيخ المرحوم في الحوزة العلمية، وحضر بحوث الخارج لسبع سنوات، فهو بالاعتبارات الحوزوية من الفضلاء . 

ومن حقنا أن نسأل: كم استفاد منه مجتمعه الصغير (البطالية) ؟ وكم استفاد منه المجتمع الكبير (الأحساء) ؟ نعم ، شيعناه، ولكن هل يكفي أن نشارك في مراسم التشييع والعزاء؟ وهل هذا هو حق العلماء علينا؟

لألفينك بعد الموت تندبني    وفي حياتي ما زودتني زادا

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدي جميع أبناء هذا المجتمع أن يتعرفوا رموزهم، وأن يقفوا من حولهم ووراءهم وما بين أيديهم، فلا مجال أن يتخلى طرف عن طرف، فلا رجل الدين يستطيع أن يلغي غيره، ولا المجتمع يستطيع أن يلغي رجل الدين، فهما وجهان لعملة واحدة، ولا قيمة للعملة إذا ما أسقط أحد وجهيها.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، ولروح الشهيد المطهري، والشيخ المسبح، وأرواح من مضى من العلماء والشهداء، لا سيما من أفدنا منهم، رحم الله من يقرأ الفاتحة مع الصلوات.