نص خطبة:الزهراء قدوة المرأة المسلمة: نورانية الوحي وقدسية المسيرة

نص خطبة:الزهراء قدوة المرأة المسلمة: نورانية الوحي وقدسية المسيرة

عدد الزوار: 3213

2019-03-11

الجمعة 2 / 6 / 1440 هـ  8 / 2 / 2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ~ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾([1]).

 صيانة الفرد في الشريعة والقانون: 

نتساءل في أيام الزهراء (ع): هل أن من هجم على دارها لم يقرأ هذه الآية؟ أم أنها لم تطرق مسامعه؟ فهذا نص قرآني محكم صريح واضح بيّن الدلالة، وما جرى كان على خلاف مؤداه.

وفي السنة المطهرة عن النبي (ص): «جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي. قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني. قال: قاتلهُ. قال: أرأيت إن قتلني. قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته. قال: هو في النار»([2]). 

هذه هي السنة المطهرة. وكذلك في القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يستهوي اسمه الكثيرين، في حين أن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الأسبق في ذلك، لكن القرآن الكريم ـ للأسف ـ أصبح وراء ظهورنا، والسنة المطهرة أصبحت مخططاً وبيعت قطعاً وأجزاءً. فالسنة والشيعة على حدّ سواء أصبحوا يتفنّنون في ذلك.

يقول القانون الدولي لحقوق الإنسان، في المادية الثانية عشرة منه: لا يجوز أن يتعرض أحدٌ لدخول تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو الحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحالات.

فمن الناحية القانونية الدولية يكون الفرد محصناً في بيته وعرضه وماله. بل حتى في المراسلات، فلا يجوز فتح الرسائل البريدية وقراءتها، ولا يجوز فتح الرسائل المحمولة التي يبعث بها شخص لآخر أو جهة لأخرى.

أما القانون في المملكة فيقول: انتهاك حرمة المنازل بالدخول فيها بقصد الاعتداء على النفس أو العرض أو المال من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف. وهو القرار رقم 2000 لسنة 1435 هـ.

ومن القانون السابق يتضح أن انتهاك حرمة البيت ليس بالضرورة أن يكون بالتسلق والدخول، إنما هو أوسع من ذلك. فقيمة الإنسان وحرمته وشخصيته أكبر من أن تحصر في دائرة بيت، وإن كان البيت هو المصداق الأهم والأبرز، وعليه مدار رحى الكتاب والسنة كما مرّ.

صيانة البيت من أخطار الفساد:

وأهمية البيت تنبع من أهمية أهله، ومن أهله يكتسب البيت القيمة والاعتبار. لذا يكون من مسؤولية الإنسان أن يحصّن بيته من جميع الأمراض الجسدية والروحية وغيرها، كي لا يتعرض للاختراق. فهنالك فيروسات تدخل البيوت ولها تأثير أكبر من تأثير الفيروسات المرضية المجهرية، فهذه الأخيرة يمكن معالجتها في المستشفيات. لكن هنالك فيروسات غير مجهرية، أكبر بكثير من حجم صاحب البيت. والمسؤول الأول عن ذلك هو صاحب البيت نفسه، لأنه لم يعمل على تحصين بيته. فبعضهم يحرص على ماله أكثر من حرصه على ما سواه، حتى على نفسه، ولا تسأل بعد ذلك عما يحصل لمثل هذا في بيته.

لقد أصبحنا اليوم نعيش التقلبات الإنسانية الشبيهة بالتقلبات المناخية. فترى الإنسان في حالة من التقلب والتغير الدائم بين لحظة وأخرى.

وهنالكم أخطار محدقة نقرّبها نحن في الكثير من الأحيان، فهي لا تطرق أبوابنا، ولا تتسلق جُدُرنا، إنما نفتح الأبواب لها على مصاريعها نحن بأنفسنا. وهذا الكلام يعني العموم وليس الجميع، وما من عام إلا وقد خُصّص. فوجود حالة مرضية في جهة من الجهات لا يعني عدم لزوم أخذ الحيطة في الجهة الأخرى، فمثل هذه الحالة سرعان ما تنتقل، لا سيما في مجتمعاتنا اليوم. فهنالك حمى الأخذ من الآخر والسير على منواله والتأثر به. فتنتشر الحالة المرضية من المحيط الخاص إلى المحيط العام، وسبب هذا الانتشار عدم وضع حدّ لدائرة الخاص.

فمن تلك الوسائل المساعدة على نشر الحالات غير المقبولة: العامل الأجنبي الخادم في البيت، فهو صديق وعدوّ في الوقت نفسه، فهذا رجل أجنبي، وكونه سائقاً أو خادماً أو عاملاً في مزرعة لا يعطيه الحق في تجاوز الخطوط والحدود الشرعية، بحيث تُرفع القيود بينه وبين سائر أفراد الأسرة، بحيث يصبح الرجل كأنه أحد أفراد الأسرة، ويتحرك فيها كأصغرهم، فيما يغض صاحب البيت الطرف عن ذلك.

ولست هنا في صدد النهي عن توظيف الخادم، فهذه ضرورة حياتية في هذه الأيام، ولكن أقول: أحسنوا التعامل في هذه الجزئية.

ومن ذلك أيضاً الصديق، فليس كل صديق يوثق به ليدخل البيت، فالكثير من الدواهي والمصائب والمصاعب سببها الصديق، إما صديق رب الأسرة، أو صديق أحد أولاده. ولا أتحدث هنا عن تخمينات وظنون إنما عن وقائع، ولكُم أن تراجعوا مراكز الشرطة، أو المحاكم، أو الجهات المعنية بذلك، لتطّلعوا على الكثير.

أقول ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خشية أن نؤخذ جميعاً بتبعات المنكر، كما أُخذ الذين من قبلنا. قال تعالى: ﴿كَانُوْا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوْهُ﴾([3]). 

ومن تلك الوسائل أيضاً ما هو عامل داخلي في داخل البيت، يكون لك عدواً دون أن تشعر به. فهؤلاء من الأقارب، لكنهم عدوٌّ لك، ينصبون لك الشراك كما كانت تُنصب لاصطياد الطيور.

ومن تلك الوسائل أيضاً: أصحاب السوء، الذين تجمعك معهم مصلحة مادية تجعلك تقرب صاحب السوء إلى بيتك، كالمشاركة في مخطط معين أو معاملة تجارية أو غيرها. وهؤلاء كثيراً ما ينقلبون بمجرد انتهاء المصلحة، وعندها يكون أحدهم أشدّ عليك من العدو. قال الشاعر:

احذر عدوك مرةً       واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصديق     فكان أعلم بالمضرة

فالعبث الشيطاني اليوم على أشده والعياذ بالله، ومنه الطبّ والسحر، الذي أصبح اليوم في حالة من الازدياد والتوسع، فتجد بيوتاً تنهار، وأسراً تُهدم، وأزواجاً تطلق، وأولاداً تضيع.

ولست هنا إلا في موقف المحذِّر، ومسؤوليتي أن أنبّه وأحذّر، قبل أن يفوت الأوان ويبلغ السيل الزبى.

لقد ذكرت في خطبة سابقة ما يسمى بالطلاق الصامت، وهو حصول الافتراق الواقعي بين الزوجين دون الفراق الشرعي أو الرسمي، وهذا ما يحصل بسبب الرجل أو بسبب المرأة، أو كليهما. ولهذا النوع من الطلاق أسباب كثيرة ومخيفة إلى أبعد حدّ.

والمرحلة الخطيرة هي ما يُتوقع حصوله فيما بعد الطلاق الصامت، فهذا الطلاق يؤسس فيما بعد للخيانة الزوجية من أحد الطرفين أو من كليهما، ومع الأسف أن مجتمعاتنا الشرقية لا ترى الخيانة الزوجية إلا من طرف الزوجة فقط، أما الرجل فلا، وكأنه عفيف شريف معصوم، لا يتحرك طرفه على امرأة في الخارج، ولا يُنشئ علاقة من وراء الكواليس، ولا يسترق النواميس ولا يتخطى الأعراض. هذه هي ثقافتنا الشرقية التي تنظر للرجل بمنظار يختلف عما هو عليه مع المرأة. فمع الأسف الشديد لمجرد أن يعثر الزوج على رسالة وردت بالخطأ في الهاتف الجوال لزوجته، تجده يُلحقها ببيت أهلها، وكأنه ينحدر من أسرة أكثر شرفاً من أسرتها، وأكثر تربية وحرصاً على التربية من أهلها. والحال أننا ليس لدينا ما يؤكد أن الرجل أفضل من المرأة، لا من القرآن ولا من السنة، ولا من القانون، ولا من الواقع، فكم من الرجال من يعيش على جهد بناتٍ من أُسرٍ رفيعة تعلّمنَ وعملن في شتى المجالات، وأنقذن حياته وحياة أمثاله.

إن المرأة كائن ضعيف، ولا بد من قراءتها بما يتناسب مع واقعها، ولأن المجتمع العربي لا يقرأ المرأة بما يتناسب مع تكوينها، تجد أن الزهراء (ع) تعرضت فيه للظلم. فلو كان يحسن قراءة المرأة كما هي، وكما كرمها وحصنها الإسلام لما حصل الهجوم على بيتها، ولما كسر ضلعها، ولا أسقط جنينها، ولا حصل معها ما حصل.

إنه ناقوس خطر أدقه أمامكم أيها الأحبة، وعليكم ان تتنبهوا لما حولكم من الأخطار.

وللأسف الشديد نجد أن البعض يلوم المحاكم إذا أجّلت مواعيد المرافعات، ويتصور أنها لا تعبأ به، والحال أن العكس هو الصحيح، فالمحكمة تخشى عليك وعلى أسرتك، وتسعى أن تراجع حساباتك بنفسك، وتمنحك الفرصة لذلك.

وهنالك أسباب كثيرة في هذا الصدد. وقد كان بودي إغلاق هذا الموضوع، لكنني أرى أن هنالك أولاداً يضيعون وأسراً تتفكك، وسوف أتعرض لبعض تلك الأمور إن شاء الله.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.