نص خطبة: الرسالة بين التأصيل و التفريع - قراءة في ذكرى المولد النبوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
بلغ العلا بكماله كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلاَمُ﴾([2]).
أسعد الله أيامنا وأيامكم، وبارك الله لنا ولكم، الذكرى العظيمة لمنقذ البشرية الأعظم النبي محمد (ص) وحفيده الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع).
على فترة من الرسل:
الدين أيها الأحبة، هو الانقياد لله سبحانه وتعالى وحده بالطاعة، والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسول فيما بعثه الله به، في كل حين، حتى ختم مسار الأنبياء والرسل بالنبي الأعظم محمد (ص) وهو دينٌ لا يقبل الله سبحانه وتعالى غيره من أحد بعد أن بعث نبيه به.
إن مولد النبي (ص) هدية السماء لجميع أهل الأرض، وذكرى مولده واحدة من النعم التي تمتد بامتدادات الزمن. ومن الجميل بالمسلمين كافة، أن يجتمعوا تحت ظل هذه المناسبة ويستفيدوا من إشراقاتها النورانية المنبعثة من تلك السيرة العطرة للنبي الأعظم محمد (ص).
جاء النبي (ص) على فترة من الرسل، وبعد حقبة من انقطاع الوحي لعدم وجود عالم الاستقطاب في عالم الظاهر. وقد بعث في جزيرة العرب، في مكة المكرمة التي لها خصائصها التي شغلتها منذ اليوم الأول الذي رُفعت فيه القواعد من البيت على يد شيخ الموحدين إبراهيم (ع) جد النبي الأعظم محمد (ص).
وفي هذه الفترة كانت المسارات التي تواصلت فيما بينها كثيرة، وكثير منها أيضاً أخذ جانب التقاطع، فتفرع الكثير، واستقر ما استقر.
أبرز مميزات العصر الجاهلي:
والعصر الجاهلي قبل الإسلام كانت فترة مهمة غنية ثرية تحتاج للكثير من البحث، ولكي لا يسبق ما يسبق لذهن المتصيد أقول: إن هذا ليس مدحاً للمرحلة، بقدر ما هو استثارة للباحث الجاد الذي يعنيه الوصول إلى الحقيقة حتى يستكشف الأهمية القصوى في إرسال النبي (ص) للبشرية عامة من خلال هذا الموقع (مكة المكرمة) بأن يأتي إلى الصفا رافعاً يده أمام الجميع قائلاً: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا.
1 ـ تعدد الديانات:
كانت واحدة من مظاهر العصر الجاهلي تعدد الديانات. ومما نلاحظه هنا أن الكثير من الباحثين والدارسين والخطباء والمتابعين، في مجالس الحوار أو اللقاءات العابرة، يضعون خطين متقاطعين على جزيرة العرب، وكأنها إذا ما ذكرت لا تعني إلا ظاهرة الشرك والاستغراق فيه، وفي هذا الكثير من التجني. فالجزيرة العربية تعددت فيها الديانات بالشكل الذي لم تحظ به منطقة أخرى، وإنما تفردت الكثير من المناطق بديانة واحدة، وفي أحسن الأحوال برسالتين. فكان للمسيحية نصيبها في جنوب الجزيرة العربية، وكذلك لليهودية نصيبها، ولها أتباعها، وكان لها حضورها وموقعها، وكانت في المدينة والأطراف، بل وحتى الساحل الشرقي كان فيه لليهودية والمسيحية موطئ قدم. وهذا ما لا يمكن أن ينكر، سواء استعنّا بالدراسات التاريخية أم بالآثار الموجودة التي قد تفصح عنها الأيام القادمة، للعناية الفائقة في الفترة الأخيرة بالآثار وما تعنيه وما يترتب على دراستها.
والديانة الثالثة هي الزرادشتية، مع التحفظ على هذه الصفة، أي كونها ديناً، فهذا موضع خلاف بين عموم الباحثين في علوم الديانات والأنسنة من جميع أنحاء العالم، وهناك نقاش دائم وخلاف إلى اليوم، ولكل فريق أدلته. فهناك من يقول: إنها ديانة وله أدلته، وهناك من يقول: إنها ليست ديانة، وإن كان فيها شبهة الديانة، وله أدلته أيضاً. وكتب الفقه عند الإمامية تعنى بهذا الجانب، وترتب الآثار، كما في باب الطهارة وغيره.
كانت أبرز ملامح المشهد في جزيرة العرب آنئذٍ وجود الديانات المتعددة، ولكل ديانة أنصارها وأتباعها، وهنالك أيضاً جاهلية جهلاء تعبد الأصنام والأوثان، وربما في حدود مكة كانت الصورة أكثر وضوحاً، وأنها في جانب الوثنية أكثر منها في جانب التوحيد، وإن كان التوحيد يشغل مساحة ليست بالهينة في المجتمع المكي كما ستأتي الإشارة إليه.
2 ـ حركة التجارة:
ومن أبرز الملامح الاقتصادية في المشهد آنذاك، حركة التجارة مع الأقطار من حول الجزيرة العربية، وكلنا يعلم أن الأسفار تنمّي في داخل الإنسان الكثير من الأمور، كالثقافة المستجدة، والانفتاح على الآخر، وفتح طرق الحوار، وأخذ ما هو الأفضل، وغير ذلك من الأمور. فمن يضرب في الأرض يجد الكثير، وهي دعوة قرآنية صريحة واضحة وفيها مغانم كثيرة: ﴿وَآخَرُوْنَ يَضْرِبُوْنَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُوْنَ مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾([3]).
وكان هذا البعد يشغل جانباً كبيراً في ذهنية الإنسان العربي في جزيرة العرب آنذاك، لذلك كان يضرب في الأرض شمالاً وجنوباً. والبعض يتصور أن رحلة الشتاء والصيف كانت فقط من أجل التجارة ونقل المؤن، وفي هذا الكثير من الخطأ، بل فيه الكثير من الربط الديني والأدبي ونقل المعلومة، وغير ذلك. فينبغي أن نلتفت أكثر لذلك.
3 ـ والأدب والفن:
والأمر الآخر هو الأسواق المنتشرة في جزيرة العرب، التي ترعرع في أحضانها الحراك الأدبي والخطابي، كسوق عكاظ الذي كان يحظى بقيمة تجارية عالية بحيث ينعكس إذا ما حقق أرباحاً على المكون في جزيرة العرب والدول المجاورة. ويقع هذا السوق في الطائف، وهو اليوم يدخل في عهد جديد.
لقد كان الأدباء يقصدون هذا السوق من جميع أنحاء جزيرة العرب لإنشاد ما لديهم من نتاج أدبي، وكل أمة ليس لها أدب لا قيمة لها، فالأمم تقاس بآدابها وفنونها.
وفي قراءاتنا وبحوثنا الدينية نقف على أمر جدُّ خطير، ألا وهو كون الفتوى أحياناً تكون مسبوقة بأمر استصحابي، وهذا المستصحب غير بين الصورة ولا واضح المعالم، فينعكس سلباً على الفتوى، ثم تدفع ضرائبه.
فهناك من يفتي مثلاً بحرمة موارد الفن الإنساني، كالنحت على الخشب أو على الحجر أو غيره، وهذه عندما تُفصل عن بعدها التاريخي تعطي معنىً، وعندما توصل بالبعد التاريخي يكون لها معنىً آخر. فنحن لا نستطيع أن نقرأ الكثير من الأمم التي سادت ثم بادت إلا من خلال ما خلفته وراءها من الرسومات والمنحوتات. إلا أن الكثير من الفتاوى في السابق وبعضها في اللاحق أيضاً تأخذ بهذا المسار لمسافات بعيدة، والضريبة خطيرة جداً.
فلو كان للفنّ دور في تلك المرحلة لوصلت إلينا كربلاء واضحة بينة من خلال النقوش، ولقدّم رجالات الفن الجميل الصورة الواضحة لكربلاء وغزوات النبي (ص) قبل أن تشوه من قبل الكثير من المستشرقين، وبعض الإسرائيليين في بحوثهم، ممن لا ينتزعون سوى الروايات الالتقاطية أو الموضوعة.
4 ـ الفروسية:
والأمر الآخر: ما كانت تتحلى به تلك المنطقة من الفروسية، فالغزو والفروسية من صفات العرب آنذاك. والغزو يجب أن يُقرأ من زوايا عديدة، فتارةً نقرأه من زاوية القتل والسلب والنهب والاستحواذ، وتارةً من زاوية بسط العدل والسلام والمحبة والحكمة والوعي والجانب الاقتصادي والارتقاء به، والفكر السياسي والارتقاء به. فللأسف الشديد يُتغاضى عن الكثير من ذلك عند ذكر الغزو.
فيقال مثلاً: غزا النبي (ص) إحدى القبائل العربية وأوغل فيهم، إلا أنهم لا يذكرون أنه نهض بهم علمياً، ولا أنه حقق لهم الأمن والأمان، ولا يقال: إن تلك القبيلة وجدت نفسها في ظل الإسلام محمية آمنة. وهذه مسؤولية المسجد والحسينية في التعريف بالجوانب الإيجابية للغزو. ولكن للأسف، أننا نغلق أعيننا عن هذا المشهد المهم، ونركز على الجانب السلبي. وللأسف أيضاً أن البعض ممن يحسب على هذه المدرسة يتغنى بهذا الجانب.
لقد كان للمثلث التجاري في جزيرة العرب أثره في النهوض بالمجتمع العربي قبل الإسلام.
كانت مدينة الجوف في الشمال مدينة محورية في صنع تاريخ جزيرة العرب. فمن منا نحن أبناء هذه البلاد سافر إلى الجوف واستنطق تاريخها ما قبل الإسلام وفي صدر الإسلام الأول وبعد الفتوحات الواسعة؟ وكذلك مدينة نجران في الجنوب، فمن منا لم يقرأ سورة البروج؟ فهل حركت في داخله الرغبة أن يقف على الأخدود؟ وهي على مرمى الحجر منا وليست بعيدة.
وكذلك الأحساء، فنحن نعيش في الأحساء، ولكن بالجسد لا بالروح، وبالعاطفة لا بالعقل، وبالسماع لا بالقراءة، فلماذا؟
الأحساء، وما أدراك ما الأحساء! إنها المثلث الكبير الذي كان بوابة الشرق في يوم من الأيام، من خلال مينائها. فنحن نذهب إلى العجير، ولا ندري ماذا كان هناك في العجير؟ ففي العجير أقدم رصيف لرسو السفن عرفه العالم القديم. والأحساء تعني المنطقة من شمال الجزيرة إلى جنوبها، من الكويت إلى عمان.
أما المعتقدات الوثنية فكانت موجودة لا ينكرها أحد، وكانت تعتمد تعدد الآلهة، وكانت بعض الآلهة قد بلغت مرحلة من التقدم حتى نصبت فوق الكعبة، وهناك آلهة لقبائل، وآلهة لأُسر محدودة. وقسم من أهل الجزيرة العربية كانوا يعبدون الأجرام السماوية من النجوم الكواكب. كما كانت هناك الديانة الحنفية، الذين كانوا يتعبدون وفق ما جاء به إبراهيم الخليل (ع) وكان ذلك في قريش، وفي مقدمة هؤلاء بنو هاشم، الذين حملوا لواء الحنفية.
أما البدو فكانوا على قسمين، فبعض القبائل كانت تنقل الآلهة معها حيثما حلت وارتحلت، وبعضهم كان يشارك غيره في الإله، فيشاركون بعض القبائل والأسر الجارة في ذلك.
شمس النبوة:
في خضم هذه الأجواء، وهذا التخبط العجيب الغريب المعقد، وذهنية الفرد العربي التي لا تتنازل عن شيء في الكثير من الأحيان، أشرقت شمس النبوة على جزيرة العرب الكبرى، وهي شمس الحقيقة المحمدية، فتغيرت ملامح المشهد بأكمله، وتبدلت الصورة بإشراقة وجه النبي (ص).
لقد تحرك النبي (ص) على محورين: الأول وضع الأسس لهذه الديانة التي يراد لها أن تكون الرسالة الخاتمة، وأن تكون للناس كافة. فعمل على تأصيل الأصول، إلا أن المجتمع المكي لم يتحمل حتى هذه الخطوة التي تُظهر أهل مكة بأنهم يدعون إلى توحيد الآلهة في إله واحد، وأنهم يسيرون على السيرة الحنفية.
ورب سائل يسأل: هل كان مجتمع مكة وثنياً وحنفياً فقط؟ أو أن المسيحية كان لها قدم في مكة؟ الجواب: ان المسيحية كانت في مكة أيضاً، وإن شئت فراجع خطبة النبي (ص) لخديجة (ع) وانظر الخبط العشوائي لدى المؤرخين، بحيث يجد المستشرق المادة الخام متيسرة بين يديه.
إننا نرفض أن ينقدنا أحد، ولذلك نتخلف للوراء كثيراً، فمتى ما تركنا مساحة لنقد أنفسنا قبل أن ينقدنا الآخر فسوف نتقدم. فالمواد الخام التي خلفها محمد وآل محمد كافية لأن تشعل الكون كله بالأنوار، شريطة أن ترجع الأمة لواقعها قليلاً، وتميز بين الأصيل والوارد.
لقد وضع النبي (ص) أسس الدين، ورتب الآثار عليها، والأصل الأصيل هو قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. فلا مناة ولا اللات ولا العزى ولا هبل ولا غيرها من سائر الأصنام.
وهنا لا بد أن نلاحظ أن الإنسان تصل فيه الحال أن يتمسك بصنم من حجر أو وثن، ولا يتقبل أن يسمع للآخر. وهذا ما اصطدم به النبي (ص) مع المجتمع المكي.
لقد ترتب على الدعوة الإسلامية توحيد الجزيرة العربية من جديد، ولكن بصياغة النبي (ص) ونهج السماء. وقد حاول النبي (ص) جاهداً صياغة المجتمع من حوله كما أراد الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا لا يعني أن كل من دخل الإسلام انصهر في الإسلام كما أريد له. كما هو الحال اليوم في المذاهب، فليس كل من تبع مذهب أهل البيت (ع) أصبح شيعياً كما أريد له أن يكون، بأن يكون تابعاً لأوامر أهل البيت (ع) وما ورد عنهم، ويفترض أن يكون هذا واقع الشيعي، ولكن هل أن التصرفات الخارجية اليوم تدل على أنه الواقع؟ فأهل البيت (ع) ابتداء بجدهم الأعظم (ص) حتى الخلف الباقي من آل محمد (عج) مروراً بالسلسلة النيرة (ع) هل يرضون بما نحن عليه اليوم؟ سؤال بحاجة إلى تأمل طويل وإجابة.
يقول تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ الله وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾([4]).
ويأخذنا القرآن الكريم إلى مساحة أكثر مساساً والتصاقاً بالمشهد خارجاً فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾([5]). وهذا يؤكد أن هناك من كان يرفع صوته فوق صوت النبي (ص) ليحدث ضجيجاً، بحيث تدخل الحق سبحانه وتعالى لتهدئة الأوضاع.
وما يجري اليوم هو استصحاب للماضي، لا من حيث دعوى النبوة أو الإمامة هنا أو هناك، ولكن بصور أخرى، فالقرآن الكريم دعانا أن نتمثل خطاه وأن نتأسى بالنبي (ص): ﴿لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثِيراً﴾([6]). فلسنا بمستوى محمد (ص) ولا أحد الأئمة (ع) إلا أننا مأمورون بالتأسّي بهم، ويفترض أن نكون زيناً لهم لا شيناً عليهم.
فما يجري اليوم هو ضرب من ضروب رفع الصوت فوق صوت النبي (ص) فنحن نحيي الليل، ونمحو ذلك بكلمة، ونحج إلى البيت ونجهز على الحج بكلمة، ونقصد العتبات الطاهرة، ونمحو آثار الزيارة بكلمة.
ثم يذهب القرآن بعيداً فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَکْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾([7]). فهؤلاء صحابة عاشوا مع النبي (ص) وجاهدوا بين يديه، إلا أن ذلك لم يمنع من وصف الله تعالى لهم بأنهم لا يعقلون، وأنهم يتحركون بعاطفتهم لا بعقولهم، فيتعاملون مع النبي (ص) كما يتعاملون مع أيٍّ من الصحابة.
ويقول تعالى في من هم بمستوى أرقى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولٰئِك الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾([8]).
لقد كانت هناك محطات أربع لها الأثر الكبير في دفع حركة الإسلام لجميع الأقطار، وهي: المدينة والكوفة ودمشق وبغداد، وسوف نقف عليها ونتفحص بعض معالمها.
والخلاصة التي نريدها من خلال ما ذكرنا واستعرضنا من آيات قرآنية، أن نجسد هذه الآيات في الواقع الخارجي، فهل أن هذه الآيات لها مصاديقها أو لا؟ الجواب: لا شك أن لها مصاديق، ومن قل غير ذلك فلا بد أن يراجع الحسابات، ويقلب بعض الوريقات ويدخل بعض الصفحات، وينظر في مسيرتنا إلى أين وصلت. ولا أحب أن أدافع عن أحد أكثر مما دافعت، ولا أريد من أحد أن يدافع عني قريباً كان أو بعيداً: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾([9]). بل لا أجيز ولا أبيح لأحد أن يدافع عني بكلمة واحدة، ومن أحبني فلا ينقل لي كلاماً عن أحد، بأنه فعل أو قال، فالقيامة أمامنا تنتظر الجميع، وحساب الله تعالى هو الفيصل.
وفقنا الله وإياكم لك خير، والحمد لله رب العالمين.