نص خطبة: التفقه في الدين من أهم ما دعا إليه الإمام الكاظم عليه السلام

نص خطبة: التفقه في الدين من أهم ما دعا إليه الإمام الكاظم عليه السلام

عدد الزوار: 1581

2015-05-24

العبد الصالح:

قال الإمام الكاظم (ع): «تفقهوا في دين الله، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المراتب الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا»([2]).

الإمام الكاظم (ع) هو الكوكب السابع من كوكبة الإمامة، عاش نيفاً وخمسين سنة، قضى معظمها في موقع الإمامة، وعاصر من خلالها جمعاً من سلاطين بني العباس.

ومن طبع النظم والحكومات عبر التاريخ الشدة واللين، والمدّ والجزر، مع أبناء الأمة. ولم تكن تلك الفترة الزمنية التي عاشها الإمام الكاظم (ع) استثناءً، إنما كانت ضمن هذا السياق، وفي حدود هذا الأرخبيل الذي رسم معالمه سلاطين يخلف الواحد منهم من تقدمه حاملاً تركةً بين يديه، يرفع ويضع، ويقدم ويؤخر، بناءً على ما تمليه عليه ظروف المرحلة.

والإمام الكاظم (ع) عاش فترة عصيبة وقسى عليه بنو العمومة، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، فقد كان الأمويون أشد عدواة ومضاضة، إلا أن المفارقة هناك أن الأمويين عندما قاموا بما قاموا به لم يكونوا ينهضون من أجل الرضا من آل محمد (ع)، إنما نهضوا من أجل الإطاحة بما كان يفترض أن يكون ثابتاً لهم، أما العباسيون فكان شعارهم الأول طلب الرضا من آل محمد (ع) ولو لم يكونوا يرفعون هذا الشعار لما تمكنوا أن يطيحوا بالسلطة الأموية. ولكن تقلبت الأوضاع وتغيرت، ومن طبيعة الإنسان أن لا يستقر على حال.

بين الجمود والتطوير: 

وهذه الحالة من عدم الاستقرار يمكن أن تقرأ بقراءتين: إيجابية وسلبية، فإن حملت معنى التقدم والتطور فهي إيجابية، أما إذا اتصفت بصفة الانحطاط والانحدار فهي سلبية، لذلك أننا في النمط الأول نمجِّدُ أولئك الذين تتجدد آراؤهم بين الفينة والأخرى فيغادرون مساحة الجمود في شتى العلوم والفنون والأغراض المباحة والمشاعة بين أبناء البشر، وتدخل ضمن منظومة الإنتاج البشري، على العكس من ذلك ما يسود المدرسة أو المنتَج لأحد الأعلام من حالة واحدة لا يغادر مساحتها قيد أنملة، رغم ما يمد له من الأجل، وما يمكن أن ينفتح أمامه من الأبواب، ولا بد إذن من مساحة هنا للمراجعة.

ومن الشواهد على ذلك شيخ الطائفة الطوسي (رضوان الله عليه) وهو شيخها في علومها وزعامتها وآدابها وتفسيرها وغير ذلك، وهذا اللقب يليق به وينطبق عليه انطباقاً تاماً. فعندما نرجع إلى سيرته الذاتية، لا سيما في جانبها العلمي، نجد أنه لم يقبل لنفسه الجمود على رأي، وإن بذل في سبيل الوصول إليه أوقاتاً كثيرة من الليل والنهار، إنما كان رهينة الدليل، فمتى ما برقت بارقة شخّصها واستضاء بنورها، حتى ينتهي إلى رأي، فإن استقرّ على الأول كان مؤكِّداً، وإن استوجب أن يرفع يده عن الأول ليعتمد الثاني فهو التقدم والرشد والتطور.   

لذلك نجد أن البعض في حياتنا اليومية يقف أمام نزعة التطوير والتغيير، فيرى مثلاً أن زيداً من الناس كان له موقف ما، وسرعان ما غيّره، فلا يتفاعل مع ذلك، ولا يتقبله، في حين أن هذه الحالة طبيعية. فالحر بن يزيد الرياحي كان له موقف مع الإمام الحسين (ع) بل ربما لو لم يقم بما قام به لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه، بغض النظر عن الحسابات الغيبية.

تصوروا افتراضاً أن الحر عندما طلب له الإمام الحسين (ع) أن يدعه وشأنه لم يقل له: لن أدعك، وترك الإمام الحسين (ع) يختار طريقاً بين العرب لا يوصله إلى ما انتهى المطاف إليه، فلا شك أن الأمور تتبدل، والنتائج سوف تتغير ـ بالحساب الطبيعي ـ فأنت لا تستطيع أن تمسك بيدَي أحد عن البحث في القضية باعتبار أن الإمام الحسين (ع) معصوم، لأن الطرف الآخر في القضية غير معصوم.

فالحر بن يزيد الرياحي لا يتمتع بعصمة، بل إنه عندما كان في صف الأمويين لم يكن يتمتع حتى بالعدالة، فكان يناكف الإمام ويعارضه، ولكن أدركته السعادة في التوبة بلطف إلهي، ولطف من أهل بيت النبوة (ع) تجسد في الإمام الحسين (ع) وأفاضه عليه. أما قبل الحادثة فكان قائد جيش، ولا يمكن أن يكون قائداً ويحمل الحب في قلبه، حال أنه يريد أن ينازل الإمام الحسين (ع) ولو أن الأمور انتهت إلى قرع الأسنة بينه وبين الحسين (ع) في (شراف) لقتل الحرُّ الحسين هناك، لكن الأمور أخذت مسارها باتجاه آخر وأدركت الحر السعادة الأبدية.

التوبة والإنابة:

وهذا يعطينا بارقة أمل، إذ ليس هناك من هو خالٍ من الذنوب، طاهر من الخطايا، خالص من السقطات، ومن يدعي هذا خارج منظومة العصمة وحدودها، فعلينا أن نضع عليه علامة استفهام، لأن هذه حالة من الغرور والرضا عن النفس والعياذ بالله، وإلا فإن الأصل في الإنسان أن يرتكب الخطيئة، لأن فيه قوتين متعاكستين متجاذبتين، خير وشر، فإن تغلّب هذا الجانب على ذاك كانت السعادة، وإلا فالشقاء.

إذن علينا ـ أيها الشباب ـ أن لا نقنط من رحمة الله تعالى، فقد نضعف في لحظة من اللحظات أمام المغريات، وقد نسلم قيادنا لإبليس أحياناً أخرى يأخذنا فيها باتجاه أو آخر، ولا أقلِّل هنا من خطورة الوضع وصعوبته، وما يترتب عليه من الآثار في الدنيا والآخرة، ولكن ليس ذلك منتهى المطاف، فعلى المرء أن يرجع إلى ربِّه، ويستعين به في تجاوز تلك المحطات والتوقفات، وإلا فإن الأمر طبيعي جداً.

إن بعض الأنبياء صدر منهم ترك الأولى، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بالمعصية، وكان الجزاء أن ينزل آدم (ع) مثلاً من العالم العلوي إلى العالم السفلي، وهذا معناه أن ملاك الإنسان عرضة لارتكاب المعصية، وإن لم تكن في حق النبي معصية بالمعنى الخاص باعتبار أنه معصوم.

من هنا علينا أن نعود إلى الله، ولا نقطع الطريق بيننا وبين الله تعالى، فهو غفور رحيم، يحب التوابين الأوابين، فلا معنى للقنوط وسوء الظن برحمة الله.

إننا نجد اليوم أن هنالك نبرة بدأت تعلو في أوساط المجتمعات، يغذيها بعض الأشخاص، وكأن الدنيا أضحت فساداً في فساد، وكأن الآخرة ليس فيها إلا جهنم، ولا ينتظر الإنسان إلا النار، في حين أن أبواب الجنة ثمانية، فمن لا يسعه الباب الأول يسعه الثاني، وإلا فالثالث، وهكذا. ووراء ذلك كله الكثير من المساعدات، ومنها كرم أهل البيت (ع) وشفاعتهم ولطفهم.

يقول النبي الأعظم (ص): «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»([3]). فعلىينا جميعاً أن نعود إلى الله، أما الجنة والنار فإن الله تعالى لم يعط مفاتيحهما لأحد من الناس. ولا أحد يستطيع أن يُدخل الآخر الجنة أو يدخله النار، إنما هو العمل، من الإيمان والصدق وأعمال الخير.

مرتكزات النجاح في مسيرة الإنسان:

وهناك مسلّمات تقود مسيرة الإنسان في الحياة، دفعنا أئمتنا (ع) باتجاهها، ولأننا ابتعدنا عن موروثنا في بعض المراحل الزمنية، فقد نهضت مدارس حديثة استطاعت أن تستفيد منها، في الوقت الذي ينبغي أن يكون من في السفينة هو الأولى بالاستفادة من غيره.

وكمثال بسيط على ذلك، أن سفينة تخرج من هذه الضفة إلى الضفة الأخرى، مزودةً بالماء والطعام، فيعترض طريقها القراصنة، فأيهما أولى بالتنعم بما فيها؟ من كان فيها من أهلها وملاكها ومستأجروها أو قطاع الطرق؟ لا شك أنهم أهلها، وليس لعاقل أن يكون غير ذلك.

إن قطاع الطرق اليوم أَنزلوا من كان في السفينة، وقطعوا رؤوس البعض من أهلها، وذبحوهم كما تذبح الخراف، بل ذُبحوا قربةً إلى الله تعالى.

فحالنا مع موروثنا هكذا، إذ يستفيد قطاع الطرق اليوم، ونحن في أحسن الحالات نتفرج، وكل ما لدينا من حسينيات ومساجد ومنابر وفضائيات لا تشكل إلا اليسير جداً في المعادلة. فمن الناحية العملية لا بد أن نلحظ الانعكاس من تلك الموروثات على سلوكياتنا الخارجية، فعندما نجد في موروثنا أن الكذب حرام مثلاً، أو الغيبة حرام، ونحن لا نتورع عنهما، فما هي جدوى الموروث؟ وكذا التفقه في الدين الوارد في الحديث السابق، فذلك لا يكون في جلسات واسترخاء، إنما يكون في قراءة وروافد متعددة، فالنهر لا يكون نهراً إلا إذا سالت الشعاب والأودية، وتفرعت إلى روافد، ثم اجتمعت في مصب واحد.

1 ـ البعد الإنساني: فالبعض يتمتع بنظرة تشاؤمية سوداء، يجترّ باستمرار بعض الأفكار والعبارات، من قبيل أن الناس اليوم أقل تديناً من ذي قبل، وأن السابقين أكثر تديُّناً مما نحن عليه اليوم، ولكن، من قال ذلك؟ وهل صحيح أن أهل تلك الأزمنة أكثر تديناً؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل أن البعض ممن كانوا يقادون كالخراف أفضل؟ أو عندما كان الإقطاعيون يمتصون دماءهم، وكانت طاحونة الدَّين تأكل حاصل أتعابهم؟ أو عندما كان الضعيف يُستغل من القوي؟ أو كان الإنسان يُهدَّد في كيانه؟

إن من يدّعي الأفضلية إنما هم الطبقة المخملية التي كانت تنتزع وتمتص، لأنهم كانوا يتحكمون بمصائر الناس انطلاقاً من اعتقادهم أنهم لا يفهمون، أما اليوم فصار الناس يقرأون ويفهمون، وأصبح من المتعذر عليهم التحكم فيهم، وصار من الصعب استغلالهم.

كان المرء في الزمن السابق يعيش من البداية حتى النهاية رقّاً غير معلن عند صاحب الدينار، يهدده في أي لحظة أن يقذفه على قارعة الطريق ومعه متاعه. وكم بُنيت من الأمجاد الأسرية على حساب أسر فقيرة معدومة مسحوقة.

يقول أحدهم: كان جدي ثم أبي ثم أنا رقاً في يد فلان بن فلان؛ لأننا نعيش في حال من الدَّين الدائم، فقد كان الجد مديناً ولم يفِ بدينه حتى جاء الابن، ولم يستطع التسديد أيضاً، وهكذا حتى جاء الابن!.

أما اليوم فإننا نرى أن أبناءنا في عمر السبع سنوات يزاحمون الكبار في حسن وضوئهم وطهارتهم وحرصهم على حضور المجالس وإحياء الشعائر، فأين كان هذا في السابق؟ ونرى الكثير من شبابنا وكهولنا، ما إن يحل شهر رجب إلا وهم يسارعون إلى مكة المكرمة للزيارة الرجبية، فهل كانت هذه الظاهرة في السابق؟

إذن ليس من الصحيح أن نظلم الجيل الحالي، وإن كنت لا أزكي عمل أحد مطلقاً، ابتداءً من نفسي فصاعداً، فالله تعالى يقول: ﴿فَلَا تُزَكُّوْا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى([4]). إلا أنه ليس من الصحيح أن يقال: إن الأوضاع في الزمن السابق كانت خالية من المشاكل، ولا نريد أن نفتح ملفات مغلقة، فقد كان بعض الفضلاء البارزين لا يسلِّم على أخيه حتى في المقبرة. فليس من الغريب أن نرى بعض رجال الدين اليوم لا يسلم بعضهم على بعض، فقد كان ذلك في السابق أيضاً.  

    ينبغي أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، ولا نعمم الحكم على الجميع، وينبغي أن يقال عن المخطئ إنه مخطئ، طالما كان يثير المشاكل والفتن بين أبناء الفصيل الواحد، والمجتمع الواحد، ويوقد النار في كل مكان، فلا محذور أن يُذكر اسمه.

إذن لا بد من تغليب البعد الإنساني، وجعل جانب الخير هو الأصل في التعامل، حتى في حال وصول البعض إلى النتائج غير الإيجابية، فلا ينبغي أن نتهم أحداً في نيته، وأن نحسن الظن به، وأنه أراد بفعله الخير. فالله تعالى يقول: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيْفَةًأي أنه لم يجعل فيها مفسداً، إنما الغاية عمارة الأرض، ومن يعمر الأرض هو الصالح وليس الطالح، أي أن الأساس هو الصلاح.  

وقفات مع المسيرة الدراسية:

إن أهمية العلم في حياة الإنسان والأمة لا يختلف فيها اثنان، فلا أحد يدعي أن الجاهل أفضل من العالم والمتعلم، فالفرق بينهما كالفرق بين النور والظلمة، والخير والشر.

ولا بد هنا أن نذكّر ببعض الأمور.

1 ـ أقول قبل كل شيء: أيها الأحبة من الأبناء والبنات، والإخوة والأخوات، يا من نعلق عليكم أملاً كبيراً، في أن نقرأ في كل واحد منكم مشروعاً حضارياً كبيراً، أهمس في آذانكم فأقول: لا تستصغروا أنفسكم، فإن كنتم اليوم صغاراً من حيث العمر فأنتم كبارٌ في المستقبل، وما عليكم إلا أن تربطوا بين الأجندة والطاقات الكامنة في داخلكم لتسعدوا وتُسعدوا، ليكون الغد أفضل من اليوم.

فالجد والمثابرة طوال مدة الدراسة مطلب أساس، إلا أننا نشاهد حالة من الاستنفار في البيوت أيام الامتحانات فقط، والسبب في ذلك أننا نسينا سنة تحصيلية كاملة، ورحنا نتعامل مع الامتحان لا مع الدراسة. حال أن التفوق إنما هو حصيلة جهود لسنة كاملة، لا جهد أسبوع أو أسبوعين، فالأسبوع والأسبوعان لا تُثمر متفوقاً. فعليكم بالجد والمثابرة.

2 ـ إن التربية أساس التعليم السليم النافع، وهي على بُعدين: البيت والمدرسة. وقد كانت وزارة التعليم في السابق تسمى وزارة التربية والتعليم، إذ لم يكن التعليم على حساب التربية، ولا التربية على حساب التعليم، أما اليوم فاختلف الوضع عن السابق، إذ كان أحدنا يشعر أن المعلم في المدارس أب، يحمل قلباً رحيماً، صحيح أنه يضرب، إلا أنها ضربة التأديب وليس التشفي. وكان التفتيش في المدارس عن الأظافر والشعر من السمات البارزة آنذاك، أما اليوم فدونكم المدارس لتقيموا هذا الجانب.

فالتعليم والتربية صنوان، ولا بد من التربية في مساحة التعليم.

وروافد التربية كثيرة، منها زيارة أولياء الأمور للمدارس، وبُعدها المؤثر في مسيرة التحصيل العلمي والسلوكي عند الطالب. فالمجتمعات الشرقية كالصين واليابان وسنغافورة وماليزيا وغيرها من الدول المتقدمة في الشرق، فضلاً عن الغربية المتقدمة، لا ينتظرون دعوة أولياء الأمور للاجتماع، إنما يتواصلون مع المدرسة عبر مختلف الوسائل الحديثة في التواصل، إلى الحد الذي يثقلون كاهل المدرسة في الاتصالات. أما نحن فنجد في مدرسة من مجموع ثمانمئة طالب، لا يحضر إلا خمسة عشر من أولياء الأمور!.     

3 ـ اكتشاف القدرات والمواهب لدى الطالب بسبب التواصل بين المدرسة والأسرة، فعندما يجتاز الطالب إلى المرحلة الثانوية فهذا يعني أنه وقف في مفترق طرق، ومنها ما كان عليه الأمر في السابق من الفرعين العلمي والأدبي، وما هو عليه اليوم من تقسيمات مختلفة. فهل ذهب ولي الأمر للمدرسة ليستكشف حال ولده وما هو عليه من الميول لهذه الأقسام، وما لديه من قدرات ومواهب وقابليات؟ فهل هو من صنف الحفاظ مثلاً، أو ممن يميلون للتحليل الذهني؟ أو غير ذلك؟ لذا تجد أن الطالب كثيراً ما يذهب إلى فرع من فروع التعليم وهو غير مهيأ له. كل ذلك وليد القطيعة بيننا وبين المدرسة.

العطلة الصيفية:

إن البنين والبنات طاقة هائلة، ويبدأ التفجر في طاقاتهم من مرحلة البلوغ، وتنعكس تلك الطاقة على روحيته، وهي ما تسمى بفترة المراهقة، وتمتد إلى فترة طويلة، وهي تتزامن مع مرحلتي المتوسطة والثانوية، وهما أصعب المراحل التي يجتازها الإنسان في حياته، فتجد فيها أوج القوة الجسدية، مع تحفُّز لبناء قوة ذهنية في داخله، ومحاولة للموازنة بين القوتين، وهو عمل كبير جداً. لذلك يحتاج الولد أمه وأباه في هذه المرحلة في الوقوف إلى جانبه.

لذا يجب أن يسأل ولي الأمر نفسه عن تلك الطاقات الشبابية، وأين تصرف؟ فالولد بعد نهاية فترة الدراسة يصبح لديه فراغ أكثر من ست إلى سبع ساعات يومياً، فهل سأل ولي الأمر نفسه: أين يمضي ولده هذا الفراغ؟

ففي الجانب الروحي يفترض أن تكون هناك دورات عامة ودورات خاصة. فهل هناك مثل هذه الدورات؟ الجواب: نعم، هناك الكثير من الدور لتنمية القدرات الروحية والمعارف الدينية، وتعليم الأحكام والعقائد.

لقد كان هذا النشاط ملحوظاً قبل عقد من الزمن، إلا أننا اليوم نشهد الكثير من التراجع في هذا المجال.

أما الجانب الجسدي، فيحتاج أيضاً إلى تفريغ الطاقة وتوجيهها، فينبغي مثلاً الانخراط في الأنشطة الرياضية، وينهض بها فصيلان: الجهات الرسمية، والجهات غير الرسمية. أما الجهات الرسمية فتتمثل في الأندية، وهذه لديها برامج مع بداية العطل الصيفية، فهل إن قراءتنا لما تحمله تلك الأندية من ثقافات، واضحة بينة؟ أو أنها ذات النظرة السلبية السوداوية عنها؟

كم نخسر من إبعاد أبنائنا عن الأندية! ففي الأندية اليوم رجال أكفاء محترمون، وليس هنالك مانع من الارتباط بها، مع المتابعة أيضاً.

فالأندية تدرج الكثير من البرامج الرياضية المكثفة في جميع مناطق المحافظة، وهناك الكثير من النوادي القريبة منا، ومنها أحد النوادي في جوارنا، وهو من النوادي الممتازة، والحمد لله أنه خليط من شبابنا الطيب من الطرفين، ولم يعد الأمر كما كان عليه في يوم من الأيام.

ولا بد هنا أن أشير إلى أمر مهم فأقول: لن يستطيع أحدٌ، مهما أوتي من قوة، أن يمزق نسيجنا الاجتماعي تحت العنوان الشيعي والسني، لأن الامتزاج بيننا ليس حالة طارئة، إنما هو أمر متوارث من الآباء والأجداد على مدى قرون، وهذه النتيجة لا يمكن تغييرها بنزوة أو رغبة من أحد هنا أو آخر هناك، فهذا أمر مستحيل.

وكما طلب من الطرف الآخر أن يكون ذا صدر رحب يتحمل الكثير من الأمور، أطلب من إخوتنا وشبابنا أن يكونوا حذرين أيضاً، وأن يحتاطوا ويضعوا أيديهم في الأماكن التي ينبغي أن يضعوها فيها. فهناك بعض الأمور البسيطة التي لا أصل لها ولا منشأ، نلبسها لباساً معيناً، ونزرع بسببها الطائفية من حيث نشعر أو لا نشعر. فلا داعي لمثل هذا أبداً. ولا ينبغي أن ننظر للآخر فقط أنه ربما يزرع الطائفية وننسى أنفسنا. وأقسم بالله، أن شرارة الطائفية إذا قدحت في أي مكان من هذا البلد الطيب ـ لا سمح الله ـ فإن نارها وخطرها لن يقتصر على من قدحها، إنما ستلتهم الأخضر واليابس.

فلا بد أن نكون حذرين ونحن نكتب في الوتسب، أو نتكلم في المجالس، فالكلمة الواحدة التي يمكن أن تثير الفتنة لا بد أن نحذر منها ونحاسب عليها.

فينبغي أن نفسح المجال أمام شبابنا للانخراط في الأندية ليكونوا إيجابيين في مجتمعهم، وتتفرغ بعض الشحنات في نفوسهم. فإذا اجتمعنا وانسجمنا في الأندية والمدارس والأنشطة الصيفية والمحافل العامة، فسوف نصل إلى أهدافنا.

وهنالك أيضاً الفرق الكروية الخاصة التي تقيم الدورات بين فترة وأخرى، وجزى الله خيراً أولئك الشباب الذين يقومون بهذه الأعمال.

أيها الشباب: إن العطلة الصيفية طويلة جداً، تستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، فلا بد من استثمارها في أي من المجالات المهمة، كما في تطوير اللغات، أو تنمية المواهب، أو فتح الأبواب الأخرى ذات الفائدة والنفع.

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.