نص خطبة التعليم والمجلس البلدي وسيلة لا هدف

نص خطبة التعليم والمجلس البلدي وسيلة لا هدف

عدد الزوار: 572

2011-09-24

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له أركان أربعة، متى ما توفرت توجه التكليف للإنسان المسلم بصفة عامة، والمؤمن بصفة خاصة، والرسالي بصفة أخص:

1 ـ أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عارفاً بموارد المعروف والمنكر: وهذه ـ كما أشرت في الأسبوع الماضي ـ ربما تُدخل الآمر والناهي في شيء من اللبس، جراء عدم وضوح الرؤية أمامه عندما يريد أن ينهض بالتكليف في هذا الجانب، فيخفق بسبب عدم وضوح موردٍ ما، يفترض أن يكون متعلَّقاً للأمر والنهي.

لذا على المرء أن يتبين الأمور والأحوال قبل أن يلجها أو يخوض في غمراتها.

ومن باب التبسيط والتقريب ليس إلا، أن البعض منا يرى في بعض المصاديق الخارجية ما يتصف بالمنكر، ولكن عندما يسأل عن حيثيات وقوع الفعل من الطرف الذي قام به، ومبررات القيام به، وتنكشف الرؤية أمامه، فربما ينعكس الموقف تماماً، كما هو الحال في (حلق اللحية)، الذي تختلف فيه آراء الفقهاء، بين من يحرم مطلقاً، وهو المشهور عند القدماء، وبين من يبني على عدم جواز الحلق على نحو الفتوى، ومنهم من يبني على الاحتياط الوجوبي في عدم جواز الحلق، وهناك جماعة من الفقهاء ـ وإن لم تكن تشكل جبهة كافية ـ يرون أن الأدلة ليست ناهضة على الحرمة، لذا بنوا فتواهم على ما جرت عليه السيرة.

2 ـ أن يكون محتمِلاً للتأثير: فربما تتضح الصورة لدى المكلف، إلا أنه لا يحتمل تأثيراً في الطرف المقابل. وعدم تحصيل الاحتمال المبني على المنشأ العقلي ليس واجباً على المكلف. كما هو الحال مع المتجاهر بالفسق الذي لا يعنيه لوم الناس أو عقاب الآخرة.

وقد ذكرت يوماً ما، وأذكر هنا مرة أخرى، أن الأحكام الشرعية منها ما هو أولي، ومنها ما هو ثانوي، والحاكمية دائماً، إذا ما استجدّ المستوجب للحكم الثانوي، تكون هي الحاكمة على الأحكام الأولية.

وأعود للمثال الذي ضربته في حلق اللحية، فأقول: حتى لو رجع المكلف إلى من يحرّم حلق اللحية، ثم حلق لحيته، فالحكم الأولي هو حرمة الحلق، ولكن قد يكون حلق اللحية هنا هو الواجب عليه، كما لو كان يعاني من مرض، أو في موقع يستوجب أن ينهج سلوكاً معيناً. فعلينا أن نكون على دراية كافية، وعناية وافية عندما نريد أن نشخص لنندفع ونتحرك في مساحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا نجابه بما نحن في دائرة الجهل فيه، فنكون موضوعاً للأمر بالمعروف ممن تصورنا فيه الأمر بالمعروف.

3 ـ كون العاصي مصراً على الفعل: وهذه أيضاً تحتاج في تشخيصها إلى دقة وإمعان نظر، فكون المرء سمع (أغنية) مثلاً لمرة واحدة لا يعني أنه مصر على السماع تكراراً. فارتكاب الفعل لا يعني بالضرورة إصراراً عليه، إنما الإصرار يعني الإتيان بالفعل في أكثر من مورد وفي أزمنة مختلفة. فإن لم يكن الفاعل مصراً تخلّف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما لو لاحظ الأب على ابنه سلوكاً معيناً، وتكرر ذلك السلوك السيئ منه فعليه أن يأمر أو ينهاه، كما لو كان مفرطاً في الصلوات أو مقصراً في صلة الأرحام، أو لا يقوم بعهدة التكليف في قبال المجتمع من حوله.

4 ـ أن يكون الآمر أو الناهي بمنأىً من الضرر المتوجه إلى أحد الأطراف الثلاثة: ماله أو عرضه أو نفسه، أما إذا احتمل الضرر فإن الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يكون ساقطاً عنه.

إن البعض يتصور أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط وفقط في حدود ما يكون من الأمور الظاهرة البينة، كشرب الخمر وترك الصلاة مثلاً، ولكن هناك الكثير من الموضوعات التي تحتاج أن يدخل فيها المكلف.

والسؤال الذي يُطرح هنا: أيهما هو المقدم، هل الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر؟ الجواب: الأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، لأنه لا مساحة للمنكر أصلاً لو لم يتخلَّ الآمر بالمعروف عن دوره. فإذا تآمرت الأمة فيما بينها بالمعروف، حصل الانتهاء عن المنكر، فإذا أمرنا بالصلاة وامتثلنا الأمر بها، فلا مستوجب أن نشجب موقفاً ممن لم يصلِّ.

ثم إن الأمر بالمعروف لا يجعلنا ندفع شيئاً من الضرائب، أما النهي عن المنكر فيجعلنا ندفع ذلك، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، كما يقال.

ومصيبة الأمة أنها تتخلى عن وظيفة الأمر بالمعروف فيما بينها، بل الأسوأ من ذلك أن تأتي محطات في مسيرة الإنسان، فيها من لا رغبة له أن يستمع الأمر بالمعروف، ونحن نعلم أن أحد الأنبياء عندما بُعث لأمة من الأمم، ولبث في أوساطهم أربعين سنة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وهم لا يستجيبون، صاروا يدعون فلا يستجاب لهم، فخاطب اللهَ سبحانه وتعالى: أي رب، بعثتني لهؤلاء القوم أربعين سنة أدعوهم فلا يستجيبون، وهم اليوم يدعون فلا يستجاب لهم، فما الأمر؟ فأتاه الجواب عن طريق الوحي: ﴿كَانُوْا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوْهُ ([5]). فقد أُغلقت عندهم مساحة الأمر بالمعروف، لأن المنكر ساد وشاع فيما بينهم.

كما يستفاد ذلك من قول أمير المؤمنين (ع) الذي استفتحنا به، وهو قوله: «إنما هلك من كان قبلكم حيثُما عملوا بالمعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك، فنزلت بهم العقوبات».  ففي الأمس كان الربانيون والأحبار والأولياء والأوصياء، واليوم يُفترض أن يكون هناك علماء، وقد أراد النبي محمد (ص) للأمة بأجمعها أن تكون آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر.

والسلاح الماضي في مساحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلم والمعرفة، فمتى أمسك الآمر أو الناهي بأصول العلم والمعرفة، اتضحت أمامه الرؤية، وتبين أمامه الدليل، وعندئذٍ يندفع وهو على علم ومعرفة ودراية بما يتحدث فيه، وما يريد أن يقوِّمه من اعوجاج، والمساحات بقدرها، فعندما ننظر إلى حركة النبي الأعظم أو أحد الأئمة عليهم الصلاة والسلام، نجد أن العلم والمعرفة والحكمة والدراية والإحاطة والاستيعاب تشكل عناصر في سبيل احتواء المنكر في زاوية ضيقة، والانطلاق مع المعروف في أوسع مساحاته، لذلك تعددت أدوارهم، فكان لكل إمام وسيلة على أساس منها ينهج طريقة الأمر والنهي، ولكن النتيجة التي يراد الوصول إليها، ألا وهي قيمومة الأمة ووصولها إلى درجة من العصمة الاكتسابية، كان هدفاً بين ناظري النبي محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين.

العام الدراسي الجديد:

ونحن على مقربة من العام الدراسي الجديد، الذي نتمنى فيه لأبنائنا وبناتنا أن يشقوا طريقهم نحو أعلى المراتب إن شاء الله تعالى، نود أن نذكر شيئاً مما ورد عن أهل البيت (ع) في جانب العلم، وهي روايات كثيرة، يستطيع المرء أن يجمع منها أسفاراً وليس كتاباً واحداً، سواء في شرائط العلم أم مكوناته أم مشخصاته أم منافياته أم ما أُعِدَّ لطالب العلم من الأجر في الدنيا، وما يترتب على ذلك في الآخرة، فهناك كمٌّ هائل من الروايات في هذا المجال.

لكن السؤال هو: هل أن تلك الروايات تعني علوم الدين فقط، كالفقه والأصول والتفسير والكلام والعقائد؟ أو أن لها مساحة أوسع؟ الجواب: أن تلك الروايات فيها لسان الإطلاق والعموم، الذي يشمل جميع العلوم في الخارج، فما دام يترتب على ذلك العلم سعادة الإنسان ورفعة الإسلام، فهو مطلب من مطالب الشريعة.

أيها الأبناء ... يا من أنتم على أبواب العام الجديد، عليكم بمراجعة الماضي، على أن لا يكون مثبطاً وحادَّاً من العزيمة واستتشراف المستقبل وأن لا يكون مطية للتبرير، وعلى الشاب والشابة أن يحدثوا حالة من التوازن بين ما تصرَّم في العام الماضي ليكون مرحلة مرت لنستفيد منها، وما نستشرفه في المستقبل ليكون مرحلة نحو الأفضل. 

يقول الإمام علي (ع): «تعلموا العلم، فإن تعلمه حسنة، ومدارسته([6]) تسبيح، والبحث عنه جهاد([7])، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وهو عند الله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، وسالك بطالبه سبيل الجنة، وهو أنيس في الوحشة([8])

وصاحب في الوحدة([9]) وسلاح على الأعداء([10]) وزين الأخلاء([11]) يرفع الله به أقواماً([12]) يجعلهم في الخير أئمة يُقتدى بهم، تُرمق أعمالهم وتُقتبس آثارهم»([13]).

فالذهاب إلى المدرسة فيه الكثير من الأجر والثواب، لأننا نتعلم لنمسك بسلاح نقوي على أساسه المعتقد، ونتعرف التكاليف الشرعية، لا كما يحاول البعض أن يوهم ويوجد خلطاً بين المفاهيم.

والإمام علي (ع) وهو إمام العلماء، وباب مدينة العلم لرسول الله (ص) بعد أن يبين ما ينتظر العالم في الدنيا والآخرة، يأخذنا إلى تصنيف العلماء([14])، فيقول:

«طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم: صنف منهم يتعلمون للمراء والجدل([15]) ،

وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل([16])، وصنف منهم يتعلمون للفقه والعقل»([17]).

وهذا حديث طويل فيه الكثير من الفوائد التي يطول المقام ببيانها.

وشاهدي منه أن أقول لأبنائنا وبناتنا: هذه فرصة، وسنة جديدة، ولا بد أن نأخذ بالأمور إلى ما هو الأفضل. ومما يعيننا على ذلك، الارتباط بالله تعالى، الذي يذلل لنا الكثير من المصاعب، وحيث إننا نستفتح عاماً دراسياً جديداً فالصدقة في محلها.

متطلبات العام الدراسي الجديد:

هناك ثلاثة أمور مهمة أود أن أذكِّر بها شبابنا وبناتنا الذين يذهبون إلى المدارس، وأسأل الله لهم التوفيق، وأن يكون عامهم هذا أفضل مما قبله، وهي:

1 ـ الالتزام بالآداب العامة في المدرسة، مع الأساتذة والمدراء والمشرفين والطلبة، فإذا خرج الطالب من المدرسة لزمه مراعاة الآداب العامة في الشارع وما حول المدرسة. ومن ذلك الابتعاد عن كلام الفحش، وهو وإن لم يكن موجوداً بيننا إن شاء الله، لكننا نحذر منه، فعند انتقال الطالب إلى حي آخر مثلاً قد يسمع بعض الكلام غير اللائق، وأشدّد هنا على الأطفال الصغار خصوصاً، أن لا يرددوا كل كلام يسمعونه.

2 ـ الجدية في التحصيل: فهناك الكثير من وسائل اللهو هذه الأيام، من الكومبيوترات الصغيرة وأمثالها مما يلهي الإنسان عن الدرس والتعلم.

3 ـ حضور أولياء الأمور الفاعل إلى المدارس، والتواصل معها باستمرار، فإن لم يحصل التواصل فلا سبيل للفائدة المرجوة والكاملة للدرس.

إن الذهاب مع الولد إلى المدرسة يزرع في نفسه الثقة، ويوجِد معه نوعاً من الصحبة، فينبغي أن يتابع الأب ولده، ويأخذ رقم الهاتف لأستاذه ليتواصل معه ويتابع.

إننا نرى أحياناً أن بعض الأبناء ممن يفترض أنهم في المدرسة، لا يذهبون إليها، ويظن الأهل أنهم قد ذهبوا.

ومن هنا لا بد من التواصل الدائم مع المدرسة والسؤال عن الأبناء.

أما بالنسبة للمواقف المعدَّة في المدرسة، فنحن نشكر الجهات الرسمية والأشخاص الذين لعبوا دوراً في تهيئتها، والحمد تهيأت وهي من المرافق العامة والمهمة، ونطلب من الإخوة أن يكون تعاملهم مع المواقف بما يخدم الجميع، فهي مخططة بخطوط بخطوط حمراء واضحة المعالم، وعلى كل فرد أن يأخذ محله الطبيعي، لا أن يأخذ موقفين في آن واحد فيربك النظام.

انتخابات المجلس البلدي:

يبدو أن انتخابات المجلس البلدي على الأبواب، وقد نُقل بعض الكلام عني أنني أدعم زيداً أو فلاناً من الناس، فمن حيث المبدأ أبين هنا موقفي من الانتخابات بشكل عام، وهو أن الانتخابات مطلب من مطالب الشعب، وهي خطوة البداية في طريق الألف ميل أو أكثر من ذلك بكثير، فهي خطوة حسنة، وبهذا العنوان العام ينبغي المشاركة فيها.

يبقى السؤال هنا: نحن كمؤسسة دينية ورجال دين، هل يعتبر هذا عملنا وشأننا؟ أتصور أن هذا ليس من اختصاص رجال الدين، خصوصاً إذا تعصبوا لطرف في مقابل الآخر، فرجل الدين يجب أن يتحرك من منطلق الأبوة للجميع والأخوة مع الجميع.

ومن هنا أقول: إنني أقف من الجميع على مسافة واحدة، وهذا هو فكر ورأي سماحة السيد المرجع في جميع الأمور، بأن رجل الدين يجب أن يكون دائماً بمنأى عن ساحات الصراع، ويشغل مساحة النصف ليحظى بحالة من الاحترام من الآخرين، لأنه متى ما غمس نفسه في صالح جهة مقابل أخرى، فعليه أن يدفع ضريبة ذلك، وقد رأيتم في الانتخابات السالفة بعض رجال الدين وقد رُسموا بشكل كاريكاتوري وصور غير لائقة.

وأقول أيضاً: أنا بريء من أي كلام يُنقل عني بأنني أتبنى مشروعاً معيناً لأحد المرشحين، كائناً من كان، بل الأكثر من ذلك لو أن ولدي (عدنان) ترشح يوماً للانتخابات ودعمته فلكم أن تحاسبوني على ذلك. فالانتخابات حق وطني بإمكان ولدي أو غيره أن يمارسه، أما أن أدعمه كمرشح يستغل اسمي وموقعي فلا.

وأكر القول: أي من المرشحين يدّعي أنني أدعم مشروعه، كما صدر من بعضهم في ليالي القدر، حيث وزع أوراقاً في بعض الأحياء، أو تحدث في بعض المجالس عن دعمي له، كل ذلك مما لا أساس له أبداً، فأنا لا أتبنى شخصاً معيناً، كائناً من كان. كما أن الجامع لا يُجيَّر لصالح شخص معين كائناً من كان.

وباختصار أقول: نؤيد وندعم مشروع الانتخابات كتجربة، ولا ندعم مرشحاً أو مشروعاً انتخابياً بعينه.

وفقنا الله وإياكم لكل خير.

والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) طه: 25 ـ 28.

([2]) آل عمران: 104.   

([3]) وسائل الشيعة، الحر العاملي16: 122.  

([4]) الكافي، الشيخ الكليني5: 57.  

([5]) المائدة: 79.  

([6]) أي المراجعة والمذاكرة.   

([7]) فمن لا يحصل على مدرسة أو حوزة قريبة يتعلم فيها، فيقصد المكان الأبعد يعدُّ مجاهداً، وشبابنا المؤمن الطيب الذي يغادر البلاد إلى الدول النائية، كأوربا أو أمريكا أو الصين أو غيرها، في سبيل أن يتسلح بالعلم والمعرفة، ليرفع من شأن الأمة ويحفظ كرامتها، ويعود مزوداً بأصول العلم والمعرفة، هو في ضرب من ضروب الجهاد، وله أجر عظيم، وتعليمه المعلومة لمن لا يعلمها ونشرها في أوساط الأمة صدقة. وقد أشرت في يوم ما أن الصدقة لا تكون بالضرورة من خلال المال، فالكلمة الطيبة صدقة، كما عن نبينا محمد (ص) .  

([8]) فليس هناك أشد وحشة من السجن ـ وقى الله المؤمنين شره، ونسأل الله أن لا يبتلي أحد المؤمنين بسجن ـ ولكن من أكثر الأمور أنساً للإنسان في عالم السجون هو مذاكرة العلم، سواء مع نفسه إذا كان منفرداً، أم مع إخوانه وأقرانه ممن ابتلوا بذلك.  

([9]) أي أن العلم دائماً يكون معك أينما ذهبت، وكل شيء يترك عند الذهاب والحركة إلا العلم، فلا المال يذهب معك للمجالس تستعرضه فيها لتُعرف أنك صاحب مال، ولا غيره، أما العلم فيصحبك أينما ذهبت.

قال أمير المرمنين (ع): تكلموا تعرفوا. ويقول: المرء مخبوء تحت طيِّ لسانه، لا تحت طيلسانه. فاللباس لا يقدم ولا يؤخر، إنما الذي يقدم ويؤخر أن المرء عندما يتكلم بكلام يوضع في الميزان ليكون راجحاً، وهذا هو لباس العلم والكرامة، وليس بالضرورة أن يكون علماً دينياً، فنحن عندما نتحدث في محضر الدكاترة أو المهندسين أو رجالات الإعلام، نجد أنفسنا مشدودين لما عندهم، لأن المعلومة يحركها العلم، ولا تأتي عن هواء وخواء، والعكس صحيح، أي أن الإنسان إذا كان يرى أن العلم مجرد هيكل وشكل ومظهر ينكشف كل شيء عند حديثه، فيرى الناس أنه لبس من اللباس ما هو زيادة على حجمه.       

([10]) لذا فإن الله تعالى أعطى نبيه الأكرم (ص) هذا السلاح وهو منطلق الدعوة: ﴿اقْرَأْ باسْمِ رَبِّك، ومن قال إن النبي (ص) حصر من حوله في جانب معين؟، نعم، إنه تدخل ونهاهم عن علوم لا تقدم ولا تؤخر في المشهد، أما العلوم التي لها أثرها الدنيوي والأخروي فكان يحثهم عليها.      

([11]) ومن هنا نجد أن المؤمنين يتسابقون على استضافة العلماء، فعندما يدعو المؤمن أحد العلماء إلى بيته، كالعلامة السيد طاهر، أو العم السيد محمد علي مثلاً، فيستجيب مبكراً لدعوته، تجد أن الخبر ينتشر فوراً، لأن المقام تشرُّفٌ بالعلم بما هو علم. وكذلك إذا دعي الأستاذ أو الدكتور الفلاني، فإن الداعي يهيئ الأسباب اللازمة، ويبث الدعاية الإعلامية، لأن المقام يشرف، ولكن عندما يزورك العاطلون ممن لا علم لهم ولا عمل، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً.    

([12]) يقول الشاعر: العلم يرفع بيتاً لا عماد له           والجهل يهدم بيت العز والشرف

لقد قامت الكثير من البيوت في الأحساء بأشخاص معينين، واحد أو اثنين، كآل جمهور وآل زين الدين وآل محسني وآل مزيدي وغيرهم، وقد بنوا على قلة عددهم أسماء لا يمحوها التاريخ ومرور الأيام. وعلى العكس من ذلك، هناك من سود صفحات التاريخ قبل أن يسود صفحات الأسر.   

([13]) أمالي الشيخ الصدوق: 615.  

([14]) وهذا أمر مهم جداً في حياتنا اليومية، إذ نرى أن البعض بمجرد أن يراك تحرك شيئاً، تصور أن السماء انطبقت على الأرض، وكأنه لم يقرأ ولم يسمع رواية، وكأن الإسلام لم يحذر من علماء السوء، والحال أن بعض العلماء قد يكون من الدائرة الضيقة ومع ذلك يتصف بالسوء، وهذا ابتلاء وامتحان.    

([15])فيسافر إلى إيران أو النجف أو أمريكا، لا لشيء إلا للأخذ بالحديث في جوانب الجدل.   

([16]) الملاحظ أن بعض الناس قبل أن يصبح عالماً يكون صالحاً متواضعاً، إلا أنه بعد أن يدرس صار يرى الناس دون ما هم عليه. وهذا إن كان في علوم الدنيا سيّئاً فهو علوم الآخرة أكثر سوءاً. فرجل الدين إذا اتصف بهذه الصفة صار أسوأ حالاً. بل إن ابتلاء رجل الدين أكبر، لأن الناس لا تذهب إلى الطبيب مثلاً إلا عند المرض، بخلاف رجل الدين، فهو قدر الناس وابتلاؤهم وامتحانهم.

وقد ذكرت قبل سنوات أن الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب البحار رحمه الله تعالى، رآه أحد تلاميذه في المنام وقال له: هنيئاً لك شيخنا، دخلت الجنة بتأليفك البحار، فقال: لا، إنما دخلت الجنة بسبب (السفرجلة) فقال: وما ذلك؟ قال: اعتدتُ أن أعمل برواية عن الإمام الصادق (ع) وهي في استحباب أن يبادر المرء أهله بالبواكير من الفواكه، فاشتريت يوماً سفرجلة لعيالي، فبينا أنا أمشي في الطريق إذ رأيت امرأة تجر بيدها طفلاً، وهو يصرخ يريد سفرجلاً فلا تستطيع أن تشتري له، فنازعتني نفسي بين أمرين، أن أرجع للمرأة فأعطيها السفرجلة، أو أحملها إلى منزلي، فرجح الجانب الثاني في نفسي، إلا أنني عشت صراعاً بين وبين نفسي، فعزمت أن أضع نفسي تحت قدمي، فمددت يدي إلى جيبي، وأخذت السفرجلة ودفعتها للطفل.        

([17]) الخصال، الشيخ الصدوق1: 194.