نص خطبة:الانتماء للدين والفكر والوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
يا سائلي أين حلّ الجودُ والكرمُ عندي الجوابُ إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته والبيت يعرفه والحل والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهمُ هذا التقي النقي الطاهر العلمُ
هذا الذي أحمدُ المختار والدهُ بجده أنبياء الله قد ختموا
في القرآن الكريم: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المؤْمِنِيْنَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنَاً إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ﴾([2]).
عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الإمام السجاد (ع) رزقنا الله وإياكم زيارته وشفاعته.
ماذا يعني الانتماء؟:
الانتماء واحد من المفاهيم المهمة التي ينبغي أن يكون لها حراك فاعل في عقولنا لينعكس ذلك على المجتمع من حولنا، وذلك لنضع اللبنات واحدة فوق الأخرىـ لنصعد إلى مرتقى الأمم من حولنا.
والانتماء لغةً هو الانتساب إلى شيءٍ ما. وفي هذا الحدّ اللغوي يتجلى ما لهذا المفهوم من أهمية وقيمة عالية. وأما في الاصطلاح فاختلفت كلمة القوم بين بسط وقبض وليد ما هم عليه من مخزون فكري وثقافي وآليةٍ على أساس منها يرصفون ما بين تلك المفردات. على أنني أشرت وفي أكثر من موطن إلى أن المصطلح مهما بذل الواضع فيه من جهود تبقى الثغرات موجودة، وبمقدور الإنسان الخبير أن يضع يده على مكامنها.
فالانتماء في الاصطلاح: هو الارتباط الحقيقي مع أمر معين، مع اختلاف الطبيعة. وبين التعريف الاصطلاحي والتعريف اللغوي فارق كبير، فمن عمد إلى الاصطلاح أعمل مجموعة من الآليات لم تكن متوفرة عند من وضع أو بيّن المعنى لغةً، لأن التعريف اللغوي يبقى للزمان فيه الحكم القوي، على العكس مما هو عليه تماماً في المصطلح.
ففي التعريف اللغوي يكون عامل التثبيت هو الأساس، فيما يكون في الثاني عامل الحركة هو الفاعل. فالتعريف الاصطلاحي يضاف عليه وينقص منه بحسب ما يَطرأ من الأمور المكتنفة للمعرَّف. ومن هنا تتطور العلوم والمعارف وتسمو الأمم. أما التعريف اللغوي فهو منتزع من البيئة آنذاك، عندما كان الإنسان العربي يفترش الأرض ويلتحف السماء، ويلوذ بكنف بيت من شَعر، مع راحلة تُقلّه إذا ما أزمع الرحيل.
إيجابيات الانتماء:
وإذا ما اقتربنا من الانتماء وحاولنا أن نتفاعل معه ونسير معه في المسارب من حولنا، فإنه يعطينا صمام أمان، في جميع العناوين التي سوف أستعرضها واحداً تلو الآخر.
1 ـ الاستقرار النفسي:
فالانتماء يمنحنا عامل الثبات النفسي في مقام الحركة، وهذا مكسب كبير جداً، فمن كان له ركن يأوي وينتمي إليه عن قناعة لا عن تقليد أعمى، فمما لا شك فيه أنه يتحرك حيث شاء، لأن المظلة التي ينتمي إليها موجودة، وللانتماء إسقاط عليه. فالنفس يتأصل فيها هذا البعد مع مرور الأيام، ويكون التفاعل بين الطرفين، بين حقيقة المصطلح وحالة الحركة التي يحدثها المنتمي.
من هنا نجد أن الإنسان المنتمي يبقى ثابتاً في منطلقاته وحركاته ومشاريعه وتوجهاته وأفكاره وما إلى ذلك، إلا في ما يصب في خانة التقدم.
2 ـ تعزيز بنية السلم المدني:
كما أن الانتماء يشكل لبنة هامة في بناء المجتمع المدني، لأن المجتمع مجموعة من الأفراد يربطهم الزمان والمكان والمصير، تتعدد مشاربهم وأهواؤهم ورغباتهم، ولكن ثمة شيء يجمعهم، ألا وهو الهم الكبير الذي يشغل الكثير من مساحات العالم الإسلامي، بل يشغل الدنيا اليوم، وهو السلم، بأن يكون الإنسان في حالة من السلم والأمن والهدوء والسكينة.
أيها الأحبة: إن الفرد الذي لا يعيش حالة السلم المدني، والدولة التي لا تعيش السلم المدني، والأمة التي لا تعيش السلم المدني لا تستطيع أن تتقدم خطوة للأمام، فالسلم المدني مطلب كبير، والانتماء يؤمّنه ويحققه في جميع المساحات التي نرغب أن نجنّح في أجوائها وأطرافها.
3 ـ المساعدة في وأد الظواهر السلبية:
كما أن الانتماء يمنحنا واحدة من أهم القضايا التي ربما لا نلتفت إليها كثيراً، ألا وهي المساعدة في وأد الظواهر السلبية في الوسط الاجتماعي، فلا يوجد مجتمع فاضل ولا دولة ولا مدينة فاضلة، وإنما توجد نسبة من الفضيلة هنا وأخرى هناك، وهكذا الأمور بحساباتها ومقاييسها، إلا أن الإنسان كان وما يزال يبحث عن الفضيلة من يوم آدم إلى يومنا هذا، ولم يهتدِ إليها سبيلاً، وإذا ما حصلت الفضيلة في مكانٍ ما في الظاهر فإنما تأتي على أشلاء البشر وجماجمهم وعلى أنهر من الدم تسيل ليلاً ونهاراً، ولا شيء وراء ذلك، وهنا تسقط الفضيلة، لأن الثمن الذي دفع في تحقيقها وفي تمظهرها الخارجي لم يكن يتوازى مع تلك القيمة التي تمّ دفعها، واشترك في دفعها الضعفاء والبسطاء والطبقة المسحوقة من أبناء البشر على وجه هذا الكوكب.
دور النُّخَب في التصحيح:
إذن السلبيات موجودة، فمن الذي يتولى عملية ردمها في المجتمعات؟ هل نطالب الإنسان الكادح الذي يصبح ويمسي في طلب لقمة العيش، أن ينظّر لنا ويأخذ بأيدينا إلى مساحات الفضيلة قدر إمكانه ومستطاعه؟ أم هي النخبة التي نذرت نفسها لهذا الأمر من رجالات العلم؟ والعلم هنا أعمّ من أن يكون العلم علماً دينياً، فحتى رجال العلم الدنيوي لهم الفضل الكبير في دوران عجلة الحراك المدني والتطور الصناعي الذي بات الإنسان اليوم بفضله يعيش حياةً لم تكن تحلم بها الكثير من الأجيال التي تصرمت حتى في عوالم نومهم.
فالسلبيات موجودة أينما اتجهت، في بيتي وبيتك وفي العمل والمدرسة والشارع. حتى في أروقة الأمم المتحدة وما دونها من المؤسسات العامة والكبيرة، تجد السلبيات والفجوات في أكثر من ركن وركن، ولكن أولئك الذي نذروا أنفسهم لأكثر من قضية وهدف هم الذين يضعون أيديهم على تلك الثغرات، وأحياناً النتوءات ليوجدوا لها حلاً، لأنهم سمحوا لأنفسهم بمراجعة الحسابات، وما أحوج الأمة اليوم بكل تشقيقاتها أن تندفع في هذا الاتجاه، فالأب في بيته عليه أن يفتش عن السلبيات، وإلا عليه أن ينتظر الأسوأ، ورب العمل كذلك، والمفكر والمثقف ورجل الدين، وهذ الأخير مطلب مهم جداً، وربما يشكل زاوية تتفرع عنها مجموعة من المسارات، فإذا كنا نرى أن رجل الدين هو ذلك الإنسان المقدس الذي يمثل الله تعالى على وجه الأرض بالولاية المطلقة فعلينا أن نراجع الحسابات، لأن الله سبحانه وتعالى لم يحلّ في فردٍ من الناس، ومن يعتقد ذلك فهو كافر مارق من دين الإسلام، صحيح أن الله تعالى كرّم الإنسان ولا يجوز لأحدٍ أن يهتك ستر إنسان كائناً من كان، لكن هذا أمر وأن ننزل الإنسان منزلة الخالق أمر آخر مختلف.
لذلك أيها الأحبة ورد في معطى بعض الروايات أن هدم الكعبة سبعين مرة لا يعدل التجاوز على حرمة المؤمن، فمن الذي فتح الأبواب ومن الذي شرعها؟
التطاول على الرموز الدينية:
لقد حذرت قبل سنوات من هذا المطلب، فأين كان أولئك عندما كان يعبّر عن السيد الإمام الخميني بـ (السخيف)؟! وأين هم عندما كان يقال عن الشهيد الصدر (رض): إنه حجر عثرة زلّ عن طريق الحوزة؟! وأين هم عندما كُفر السيد فضل الله وضُلِّل؟ وأين هم عندما يلعن الشيخ الوائلي عميد المنبر الحسني في باب القبلة عند الإمام الحسين (ع) في عاشوراء ويهتك ويتقرب إلى الله بذلك؟! فأين الذي يستنكرون؟ وعلى هذه فقس ما سواها.
قلت سابقاً ولا زلت أكرر: إن الباب مفتوح على مصراعيه، فإذا كانت الحسابات كما هي الآن فانتظروا القادم. وقد قلت في شبعان: سيأتي يوم لا يسلم فيه حتى المعصوم (ع) بل سوف تمتد الألسن إلى الله سبحانه وتعالى بالسوء إذا لم نلتفت ونكون على قدر المسؤولية.
4 ـ والأمر الآخر من إيجابيات الانتماء أنه يساعد على مدّ الجسور مع الآخر.
أيها الأحبة: نحن اليوم في عالم ما عاد كما كان في الماضي، فاليوم لو أشعلت سيجارتك في بلد، كان بمقدور أيٍّ كان أن يراك عن بعد، فنحن في قرية واحدة، وما يؤذيني يؤذيك، والعكس صحيح، وما يريحني يريحك والعكس صحيح. فإذا كان الأمر بهذه الكيفية فعلام هذه الصيحة؟ ولماذا نفتح أذرعتنا وصدورنا لأطراف معينة ولا نقبل من أبناء اللحمة الواحدة والشريك في المعتقد؟
إنني لا أدافع هنا عن نفسي، لأنني لم أكن مخطئاً، ومن ذهب إلى ذلك لم يكن يفهم ما أقول، وسوف أقف على هذه النقطة عندما أصل إليها.
مجالات الانتماء:
قد يكون الانتماء أيها الأحبة في الجانب الفكري، وهو أمر مهم، فالحوزة العلمية تحوي تيارات فكرية كثيرة، وليس حالها هذا وليد اليوم، إنما هو منذ عقود ضاربة في القدم، لكن التعاطي مع هذه الروح من الانتماء الفكري تشتد وتضعف عند البعض من الناس.
فمثلاً: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الذي يعرف بالشيخ المجدد، وأستاذ المجتهدين. علّامة من الوزن الثقيل، وهو العالم الشيعي الوحيد الذي أَمّ المسلمين بجميع ألوان طيفهم المذهبي في المسجد الأقصى. تصوروا ماذا كان يحصل معه من قبل الجهلة والسذّج؟ كان إذا خرج من بيته ليصل إلى الحرم في سيارته يبصقون عليه! بل يبصق عليه المعمّمون قبل العامة!
وهناك الانتماء الديني: فالانتماء يلغي العصبية إذا كان مبنياً على الوعي، وإذا اقترب الإنسان من مفاهيم الدين كما ينبغي استطاع أن يستوعب الآخر في انتمائه.
وهناك انتماء وطني يجمع الجميع، وما أحرصنا اليوم على أن نلتقي في هذا البعد، وإذا كان البعض يأبى إلا أن يقسم المجتمع على أساس معين، فلا أقل من الانتماء إلى هذا الوطن، الذي له علينا الكثير من الواجب، ونحن لم نؤدّه بعد.
إيضاح وبيان:
إن مشروع التسقيط هو عبارة عن صراع بين القديم والحديث، لأجل ذلك كُفِّر روح الله، وضُلّل فضل الله، ولُعن الوائلي، وشتم الحيدري، والقائمة تطول.
وليعلم الجميع أني لم أكتب حرفاً واحداً طوال الأسبوعين الماضيين لا لعجزٍ، وقد قرأت وسمعت الكثير من الإسفاف في القول والتجاوز على الذوات المحرمة، كالآباء والأمهات، فمن المسؤول عن ذلك؟
ورب قائل يقول: ما الذي منعك أن تكتب؟ أقول: الذي منعني أخلاقي وأدبي وبيتي وأهلي الذين أعتز بهم وأفخر. وقد قلت في الأسبوع الماضي وأعيدها هنا: لست من أدغال أفريقيا، فأنا من نسل السيد سلمان، رضي من رضي وأبى من أبى. أنا ابن عليّ وفاطمة، وعمتي زينب (ع) التي يدّعي البعض أنني تجاوزت عليها، وكلهم يعلم من الذي تم التجاوز من خلاله عليها، وهو الشيخ المهاجر، وارجعوا إلى أرشيف قناة الأنوار، ولا تذهبوا بعيداً، وكنت في مقام الردّ عليه.
وأما ياسر الحبيب، فهو المقصود بعمامة السوء، ولست ممن يطعن أستاذه في ظهره، فللشيخ الوحيد عليّ فضل، إذ تربّيت تحت منبره أربع سنوات، ولكني لا أرجع إليه في التقليد، فكما أن له رأيه، ورأيه محترم، فلي رأيي الخاص أيضاً. فإن كان الحكم كما يروَّج ـ وإن كنت لا أقبل النقاش في الدليل سنداً ودلالة بعدم جواز الرد على المجتهد، وأن الرادّ عليه رادٌّ على الله، لأنني لم أجد هذه العبارة بحرفيتها ـ إلا أن هذا في باب القضاء لا في باب الاجتهاد، وذلك عند الخصومة والحكم. أما في الاجتهاد فكلنا نردّ على المجتهدين في بحوث الدرس، فمن من المراجع يستعرض الآراء ثم يسلّم لها تسليماً؟ فأستاذنا الشيخ الوحيد (حفظه الله تعالى) عندما يستعرض رأي السيد الخوئي (قدس سره) ويطرح رأيه ويرده، فهل معنى ذلك أنه ردّ على السيد الخوئي؟ وهل هذا ردّ على الله سبحانه وتعالى؟ ما لكم كيف تحكمون؟
إننا نطرح الرأي أو نقبله، ولكم أن تطرحوا رأينا أو تردوه، فأنا أحارب الفكرة ولا أرفع اليد عنها، لأنني لا أقبل لنفسي أن أكون كلباً لأيٍّ كان، لأن الله لا يرضى لي ذلك. كما أن النبي (ص) والأئمة (ع) لا يرضون لنا ذلك. يقول أمير المؤمنين (ع): «إنما أنا عبد من عبيد محمد (ص)»([3]).
أقول: انظروا أين وصلت الأمور؟ ولديّ ملف كامل عما يجري بالأسماء والأرقام، لمن هددوا بالقتل وغيرهم، وأهمس هنا في أذن كل سامع: لن أخطو خطوة واحدة في سبيل تفعيل القضية قانونياً، وإلا فأنا في دولة القانون والأمن والأمان، لكنني أعلق الأمر وأتركه للأيام، ليأخذ كل ذي حقٍّ حقه. مع أنني أمتلك الحق والوثائق، ولكن ثقوا واعتقدوا أني لن أخطو هذه الخطوة.
كما أنني أترفّع عن الصغائر ولا أقبل لنفسي هذا المستوى من التعامل مع الآخرين، فإنما أنا ابن محمد (ص) الذي قال في مكة: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وأنا أقول للمقصر منهم: غفر الله لك، وسدد خطاك، وأخذ بيدك. وأقول للمعاند منهم: حسبي الله ونعم الوكيل، وكفى بالله حسيباً.
أما عن العمائم المطوية على السوء فربما خان التعبير، فهلّا يعطي الاحتمال موجباً لبطلان الاستدلال كما هو معروف في الحوزات العلمية؟ وفي الروايات الشريفة: «كذِّبْ سمعَك وبصَركَ عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قَسَامةً، وقال لك قولاً، فصدقه وكذِّبهم»([4]).
أيها الأحبة: وصلني كما وصل إليكم طلب الاعتذار، فأنا لم أخطئ حتى أعتذر، والقضية سالبة بانتفاء الموضوع، والشيخ الوحيد أجنبي عنها تماماً، وإنما المقصود بها الشيخ المهاجر وياسر اللا حبيب، رؤوس الفتنة، فتباً لهم ولمن يحتضنهم، كائناً من كان. ولو كان ثمة خطأ فإن لدي الجرأة على أن أعتذر أمام الملأ العام.
ورب سائل يسأل: لماذا أثرت هذه القضية؟ أقول: أنا ممن حضر درس الشيخ الوحيد لأربع سنوات، وقد تعرض الأستاذ الشيخ الوحيد لهذه المسألة عام 1412 هـ وبقيت في طيات الكتب، حتى ترجمها عباس النخّي، وهو ضابط في المخابرات الكويتية أو الجيش الكويتي، انتقل إلى إيران وحقق مقاربة مع جهة معينة، ثم اختلف معهم وسجن، ثم جاء للكويت معززاً مكرماً. فهذا الرجل هو الذي قام بترجمة ما ذكرت.
ورب قائل يقول: إن هذه القضية ميتة، وقد أثارها السيد، أقول: أبداً والله، إلا أنني رأيت المنشورات التي أريد من خلالها أن يُهيأ الجو لمواكب (كلب رقية) والصفقات التي تم إجراؤها لتأمين اللباس المكتوب عليه: كلاب رقية، وكلاب العباس، وكلاب حبيب، وربما كلاب النخي وكلاب ياسر الحبيب وكلاب المهاجر، والقائمة تطول، ولم لا يكون ذلك؟ لذا رأيت من مسؤوليتي أن أقطع الطريق على المرتزقة والمشوِّهين لوجه مذهبنا المشرق، فمذهبنا لا نأخذه من لندن، ولا من أناس يعيشون حالة من المرض النفسي في أي مكان كانوا، فمتى كان (الرادود) يأخذنا ذات اليمين وذات الشمال؟ هل قلَّت بضاعتنا في المراجع والمجتهدين؟ كلا.
لقد أصبحنا نستدل بكلام (رادود) وهو يقول: أفلح والله من طبّر! فهل هذه آية من القرآن، أو رواية عن أهل البيت (ع) أو فتوى من مرجع؟ إنها لا تعدو الشاعر والرادود.
ماذا تعني الوكالة عندي:
أما عن الوكالة، أيها الأحبة، فهي وسيلة موصلة لخدمة المجتمع، والوكيل عبارة عن واسطة بين المرجع ومقلديه. وفي الأحساء أكثر من ثلاثين وكيلاً لسماحة السيد المرجع ما بين وكيل معتمد ووكيل عن وكيل.
وعندما تصديت للوكالة، وجدت أن من أقصر الطرق وأيسرها وأنجعها أن أسلط المكلف على الحق الشرعي بعد استلامه منه، فهي مشروع تكليفي بالدرجة الأولى، إلا أن هذا الأسلوب ربما أزعج البعض من الناس، لأنني كنت أسعى جاهداً أن يكون المكلف هو من يتولى الصرف في الموارد المقررة، من الجشة جنوباً، إلى المطيرفي شمالاً، ومن الرميلة شرقاً إلى محاسن غرباً، مروراً بالحاضرتين الكبيرتين الهفوف والمبرز وبعض المدد من هنا وهناك، أما غيري فله الرغبة أن يتولى هو بنفسه عملية الصرف، وهذا من حقه كوكيل من قبل المرجع، إلا أن أطروحتي تختلف، فأنا لا أعرف الفقراء في الجشة، ولا في أبي الحصى، ولا غيرها من القرى والأماكن، فعندما يأتيني المكلف بمبلغ، وأنا مجاز من المرجع بنسبة معينة، أليس من الأولى أن يحمل ذلك المكلف الحق الشرعي لفقراء قريته؟ أليس ذلك أولى من أن أتمتع بها أنا أو قرابتي أو المحسوبيات؟ هذا هو منهجي، ومن لا يرضى بذلك فهذا شأنه.
فأنا أقبض الحق الشرعي من المكلف من أي مكان كان، وأدعو له بالخير والبركة وأرجع إليه ما أنا مجاز فيه، فهل هذا يزعج؟ وهل الأفضل أن أدّخر الملايين في البنوك، أو أكنزها في البيوت، أو أشد بها العلاقات مع بعض البيوت في النجف وقم؟ أو أن بلدنا وفقراءنا أولى؟ وسيدنا المرجع لا يبخل أن يبقى الحق في مكانه.
كلمات لا بد منها:
أيها الأحبة، أيها الشباب الطيب:
1 ـ إن شرف الكلمة وحريتها رأس الطلب عندي، ولن أتخلى عن مشروعي، دون تجاوز على الذوات، ولكني سوف أعيد القراءة في التاريخ وأفتش وأحاور وأطرح، وتبقى الذوات محترمة، والحكم للجمهور.
2 ـ أنني من أجل حفظ المذهب من الخرافات والدخيل والجهل سوف أضحي بكل شيء لأن المذهب فوق هذه السفاسف.
3 ـ الحفاظ على كرامة الإنسان عند الله، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾([5]) وسوف أذبّ من أجل الحفاظ على هذا المكسب السماوي الكبير الذي امتنّ به الله علينا وأصّله محمد وآل محمد (ص). والحمد لله أن الناس اليوم باتوا على تمام المعرفة بدقائق الأمور، ونحن نراهن على معرفتهم ووعيهم والتفاتهم لمصالحهم الخاصة والعامة، وما عاد اليوم كسابقه، وعلى ذلك أعوّل بعون الله سبحانه وتعالى بعد طلب المدد والعون من الله سبحانه وتعالى.
4 ـ يقول البعض: لماذا يعطي السيد أبو عدنان الفرصة لخصومه ويمكنهم من رقبته؟ الجواب: أنا لا أرى هؤلاء خصوماً، إنما هم إخوة وأحبة، فالإمام أمير المؤمنين (ع) عندما فصل من معركة صفين وحصل ما حصل، لم يمنع الخراج عن أحد منهم بالمطلق، بل قال: «هم إخواننا بغَوا علينا»([6])، وأنا أُجلهم وأكرمهم أن يكونوا خوارج، فهم محبون موالون أخطأوا التشخيص، وذهبت بهم حالة معينة ـ ربما الحسد ـ إلى مسافات بعيدة، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولهم الهداية، ونحن نصنع معهم ما صنع أمير المؤمنين، ولنا في رسول الله (ص) وأهل بيته أسوة حسنة.
فأنا لا أعتبرهم خصوماً أولاً، إنما أراهم إخوة أحبة لهم قراءتهم ولي قراءتي، وأقول: غفر الله لهم. وثانياً: أنني لا أعرف التلوّن، ولا الطريق الموصل إليه، وأهم ما عندي أن أتحصّل على رضا الله سبحانه وتعالى، ولا يضرني أن يتفرق عني من يتفرق، إذا كان في ذلك لله رضا، وللناس فيه صلاح، وهذا شأن طريق ذات الشوكة، فكلما أوغل فيه الماشي ازداد الشوك من حوله. وكما قال الإمام زين العابدين (ع) صاحب المناسبة: «الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين»([7]). وأنا أتسلح بذلك، ولديّ اليقين الكبير.
فأرجو أن تتضح الإشكالية التي علقت بذهن البعض من الناس، جراء العبث الواضح الصريح، وعدم ترك الفرصة للاستيضاح من صاحب الشأن، حال أن بيتي مفتح الأبواب لمن أراد، ولكن لم يأتِ أحدٌ ليطلب الحقيقة من صاحبها وقد مرّ أسبوعان. بل ولم يرد اتصال واحد يستفسر عما جرى. مع أنني حاضر لاستضافتهم والترحيب بهم وتناول أطراف الحديث معهم.
أما عن موضوع السيدة زينب (ع) فقطع الله لساني إن كنت سمحت لنفسي يوماً أن أمس حياضها، وقطع الله لسان من تقوّل وتأول.
أيها الأحبة: لم أطلب عوناً من أحد، ولا دفاعاً من أحد، حتى من ولدي الدكتور عدنان، بل حتى من ولدي عبد الله ابن الدراسة الثانوية، ولا أحتاج لشيء من ذلك، ولست في معركة حتى أطلب العون، والحمد لله أن الأمور طبيعية تماماً.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع كلمتنا على كلمة الإسلام الأولى: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأن يجمع كلمتنا ويجعلنا مستضيئين بأنوار محمد وآل محمد (ص) وأن يحفظ لنا المرجعيات الرشيدة التي تقرأ المشهد من جميع جوانبه، وتعيش الواقع وتتفاعل معه.
أيها الأحبة: سوف أقفل الموضوع تماماً، والرسالة وصلت بكل تفاصيلها، وأشكر سماحة العلامة الحجة السيد جواد الشهرستاني الوكيل المطلق للمرجعية، الذي وجدت فيه أخاً كبيراً، وصدراً واسعاً، وقلباً حانياً، وفكراً واعياً، وعقلاً منفتحاً. أشكره على كل ما قام به، وأقدر وأثمن له ذلك، وأتمنى أن يكون في سقف المرجعيات من هم بمستوى هذا الرجل العظيم، الذي استطاع أن يجمعها شمالاً وجنوباً، وقلّما تجتمع، وألف بينها شرقاً وغرباً، وقلّما تتأتلف. فلك مني يا أبا الهادي خالص الشكر وبالغ الاعتذار إن سببت لك حرجاً في موطن أو زمان أو مع أحد.
والوكالة أيها الأحبة لا زلت أتقبلها تكليفاً، وهي وكالة خطية من سماحة سيدنا المرجع، وعندما يطلب مني الحضور والمثول بين يديه فسوف أُلبّي، وله الحكم أولاً وآخراً، وثقوا واعتقدوا أني سأبقى كما كنت، سيد محمد رضا، ابن السيد عبد الله، ابن العلامة المقدس السيد محمد، ابن السيد علي، ابن الشهيد المظلوم السيد محمد، ابن العلامة الحجة السيد أحمد، ابن السيد حسين، ابن السيد سلمان. سأبقى أنا، ولا أريد دفاعاً من أحد بالمطلق، لأن ثقتي بنفسي أنني لم أخطئ. والمراجع محفوظة قيمتهم ومقدرة وعالية الوتيرة في داخلي، لأنني أعرف بها من الكثير.
أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.