نص خطبة الإمام الصادق وتذليل الصعاب

نص خطبة الإمام الصادق وتذليل الصعاب

عدد الزوار: 542

2011-10-01

وهو الإمام الذي نضاف إليه إضافة شرف، حيث أُطلق ذلك في كلمات الأعلام من جميع الطوائف والنحل، بل حتى أرباب المدرسة الغربية حنوا رؤوسهم أمام عبقرية جعفر بن محمد (ع). كما أن أئمة المذاهب لهم مقولاتهم في هذا المضمار. وخير دليل على عظمة الإنسان أن تتفق عليه كلمة المؤالف والمخالف، وهو ما نجده حقيقة جلية في الإمام الصادق (ع).

قال الإمام مالك، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة: ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر، علماً وعبادة وورعاً([3]).

هذا هو الإمام الصادق (ع) عند إمامين من أئمة المذاهب الأربعة، الإمام مالك بن أنس، والإمام زيد بن علي، إمام المذهب الزيدي، الذي له ميراثه العلمي والأدبي والنضالي على مر الأيام، منذ نهضته وحتى يومنا هذا. فالزيدية حقيقةٌ ثابتة مستقرة كمذهب له أتباعه ومريدوه وفكره الذي يرتكز عليه، والمستمد من النصوص، وإن كنا لا نتفق معهم، بناءً على المباني التي بُني عليها مذهبنا الذي نتعبد به، وهو مذهب صاحب المناسبة جعفر بن محمد.

ومن منا لا يعرف المنصور الدوانيقي، الخليفة العباسي، الذي يختزن بين جنباته ما يختزن من الحقد والضغينة لأهل بيت النبوة (ع)، ولما أدرك ما كان عليه الإمام الصادق (ع) من مكامن العظمة، خطط للتخلص منه في ثلاثة مواطن، آخرها أن دس إليه السم. لكنه مع ذلك لم يستطع أن يبتعد كثيراً عن الحقيقة، فقال: إن جعفراً  كان ممن قال الله فيه: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا([4])، وكان ممن اصطفى الله، وكان من السابقين بالخيرات([5]).

كما أن الإمام الصادق (ع) شغل قرائح الشعراء، وتباروا فيما بينهم لإظهار وجه العظمة في شخصه، وكلٌّ أدلى بدلوه، وسخر مفردات اللغة في أحسن صورها، وألبسها صوراً استطاع من خلالها أن يقرّب مشهداً بلوحة مختصرة. 

يقول عبد الله بن المبارك:

أنت يا جعفر فوق الــــ    ــمدح والمدح عياء

إنما الأشراف أرضٌ       ولهم أنت سماء

جاز حد المدح من قد     ولدته الأنبياء([6])

وفي حياة الإمام الصادق (ع) محطات كثيرة تستدعي المتحدث أن يقف عندها قليلاً.

ومن أهم تلك المحطات (الكوفة)، وكلنا يعلم أن الكوفة كانت تشكل لأهل البيت (ع) الرقم الأصعب، ولأتباعهم كذلك، والإمام الصادق (ع) ممن أبرز ما للكوفة من العظمة والرفعة والشأن، وفيها أفرغ الكثير من أحاديث أهل البيت (ع) التي يرويها عن آبائه المعصومين، عن جدهم النبي محمد (ص). فما إن حط رحله في الكوفة حتى اندفع ليوجد حراكاً علمياً، وهذا شأن العلماء عموماً، كيف وهو سيدهم؟ وذلك الحراك العلمي الذي أوجده ابتنى على مجموعة من الدعائم:

1 ـ بناء العلماء الصلحاء في ذواتهم، وهو ما يحتاجه آحاد الأمة في كل فترة من فتراتها، بأن يكون العالم يتصف بالصلاح، فالذين رووا عن الإمام الصادق (ع) في الكوفة بلغوا ألفين، وقيل أربعة آلاف، كلهم سمع منه، ومما يمكن أن يثبت في هذا المقام قول الحسن بن علي من أصحاب الرضا (ع): أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمئة شيخ، كل يقول حدثني جعفر بن محمد([7]).

وهذه النخبة من العلماء كانت تتصف بالصلاح. والصلاح تارة يكون في دائرة النفس، وهو الأساس، فإن صلحت النفس صلح ما دونها، ثم تتسع الرقعة مع الإنسان، فإن صلح العالِم صلح العالَم. فبنى (ع) كوكبة من الرواة يحني الإنسان رأسه أمام كل واحد منهم إجلالاً واحتراماً، ومن هؤلاء محمد بن مسلم، وزرارة بن أعين والهشامان([8])، وكوكبة يطول الحديث باستعراضها.

2ـ دعم مدرسة الحديث، فكان يجري على من يكتب الحديث ويقيده مالاً، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال في هذا الشأن: قيدوا العلم بالكتابة([9]). فنحن عندما نسمع يضيع الكثير مما نسمعه، ولو أننا سمعنا وقيدنا لما ضاع شيء، فإن لم ننتفع به نحن، فسوف يأتي بعدنا من ينتفع فيه.

فالإمام الصادق (ع) كان يُجري على من يكتب الحديث ما يستعين به على تحصيل الدواة والورق، وهذه البادرة من الإمام الصادق (ع) كانت خطوة رائدة في رفع مستوى العلم والمعرفة في أوساط الأمة.

3 ـ تحرك الإمام الصادق (ع) لسد الثغرات الثقافية التي أوجدتها مدرسة الأمويين بادئ ذي بدء، ثم استمرت في تغذيتها ورعايتها المدرسة العباسية، بل استُحدثت بنود في حركة الدولة العباسية لإيجاد الثغرات أمام الإمام الصادق (ع) لإلهائه وإشغاله عن الأشياء الأكثر أهمية بحسب الظرف.

وقد تمثلت تلك البنود في عدة صور:

الصورة الأولى: مراقبة الإمام الصادق (ع) ... أين يذهب؟ ومن يتردد عليه؟ وما نوع الطبقة التي تتردد عليه؟ هل هي من عامة الناس وسوادهم أو من النخبة؟ من أصحاب اليد والثراء أو من الطبقة الكادحة؟ ممن يتنقلون من بلد إلى بلد، أو ممن يستقرون في بلد لا يتعداه الإمام الصادق (ع)؟ لهم انتماءاتهم المتعددة أو أنهم ذَوو انتماء واحد؟ وهكذا كانوا يرقبون مجموعة من العناصر ويتتبعونها، وهي طريقة وسنة لا زالت الكثير من الجهات تتبعها وتنهجها إلى يومنا هذا.

الصورة الثانية: زرع الأشخاص والتيارات المضادة لأهل البيت (ع) وهي سنة استحدثت وبقيت إلى يومنا هذا، فما إن يبرز علمٌ إلا واستثير بإزائه علَمٌ لإيجاد حالة من التضاد والتشتيت في الفكر، وهو ما كان موجوداً في زمن الإمام الصادق (ع) بقوة ووضوح، مع تبني صريح لا غبار عليه من الدولة العباسية.

وهذا التضاد، سواء كان متمثلاً بأشخاص أم تيارات وأحزاب ومنظمات ومجاميع، كان يهدف إلى أمرين:

1 ـ زرع المذهبية في الجسد الإسلامي، فكلنا يعلم أن الأمويين ـ على ما كانوا عليه ـ ما كان أحد منهم يتعدى دائرة (السنة والجماعة) ولكن عندما جاءت مدرسة العباسيين، وقرأت أن المشهد لا يمكن أن يُمسَك بجميع خيوطه، وعلى وجه الأرض من لا يُفرِغ  إلا عن محمد وآل محمد، فلا مندوحة من زرع مذهبيات تشتت المشهد وتلهيه عما هو الأهم.

وهذه الصورة المذهبية تمثلت في المذاهب الأربعة على نحو الانتخاب أو التقريب والبذل والرعاية، وإلا فإن المذهب الإسلامية أكثر مما هو معلوم، بل بتقرير أصحاب الرجال والتراجم أن مجموعة من علماء المسلمين كانوا على درجة أكبر من حيث الحصيلة العلمية ممن نُصِّبوا أرباب مذاهب على المسلمين في تلك الدولة.

2 ـ إحداث صور الانحراف في وسط الأمة، وتمثل ذلك في عدة محاور، منها:

أ ـ دعم مدرسة الجبر الإلهي التي غرسها وتبناها الأمويون في جسد الأمة، ليجعلوا منها مطية لتبرير جميع الأفعال التي لا تنسجم مع معطيات الدين الحنيف، فما من مال يُنتهب إلا وله صورة من صور الجبر الإلهي، وما من عرض ينتهك إلا ويضاف للجبر الإلهي، وما من نفس تقتل، أو مجتمع يُستأصل، إلا وله تبريره بناء على هذا المسلك، وإذا كانت المجموعة الأموية في مسيس حاجة، في فترة من الفترات، لهذا المبنى، فقد كانت الدولة العباسية أكثر حاجة لهذا المطلب، لأن الثورات في عهد الأمويين كانت محدودة ومؤطرة فيما يضاف إلى علي (ع) بعنوان أبرز، أما في المرحلة العباسية فكانت الأمور على الخلاف من ذلك تماماً، فما كادت تهدأ ثورة للحسنيين حتى يتحرك الحسينيون من ورائهم، وهكذا المشهد دواليك بين الطرفين في قبال الدولة العباسية، ومن البديهي أن لا مندوحة أمام هؤلاء إلا أن يتبنوا هذا التيار، ألا وهو تيار المعتقد المغروس في جسد الأمة، ولا زال ـ مع شديد الأسف ـ وهو العصا الأقوى التي يجلد بها المسلمون في أكثر من مكان. 

ب ـ دعم تيار الزندقة الفكرية بين المسلمين، فكلنا يعلم أن الزندقة تبتني على أساس فكرة الإلحاد بالله سبحانه وتعالى، وقد وجدت لها أعواناً وأنصاراً وأقطاباً، وكانت تحظى برعاية مباشرة من السلطة، بل حُدِّد لها من خزينة بيت مال المسلمين ما تتقوم به ويشتد عودها، وكلنا يعلم أن الفكر الإلحادي وإن ابتعد شيئاً ما عن دائرة الزندقة فيما مضى، إلا أنه ـ مع شديد الأسف ـ بات يتلبّس على مجموعة من الناس تحت صور وعناوين لم يُنزل الله بها من سلطان، وهي تُلاثُ على الكثير من الناس، خصوصاً طبقة المثقفين منهم، تحت عنوان (التنوير) و (العلمنة) و (الحداثة) وغيرها من المسميات التي تصب في هذه الدائرة، إلا إذا أخذنا هذه المسميات على أساس من التعريف اللغوي في معطياته الأولية التي تنطلق من معطيات اللغة، وعندئذٍ يكون التسامح مع هذا المشهد سهلاً، وإلا فالأمور معقدة.

فالإمام الصادق (ع) كافح أتباع هذا الخط وعرّاهم، وكان بعضهم ينتمي في الظاهر إلى مدرسة أهل البيت (ع) وما أكثر من يحمل العنوان بلا جوهر، وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي تعانيها الأمة مذ كانت وإلى يومنا هذا، ولا نعلم إلى متى تبقى.

ج ـ تثبيت مسلك الاعتزال العقدي في وسط الأمة، في مقابل المسلك الأشعري، فالمدرسة الاعتزالية، المتقدمة زمنياً في تأسيسها على الأشعرية، كانت تعتمد التشكيك في البحث والتنظير، فاستطاعت أن تتحصل على حظوة لا يستهان بها لدى السلطة، أضف إلى ذلك أن المدرسة الأشعرية تلغي العقل في الكثير من مساحاته، على العكس من مدرسة الاعتزال التي تدّعي أنها تنساق وراء معطيات العقل، وكلنا يعلم أن الذهنية العباسية في بنائها الفكري والثقافي أكثر تنويراً من مدرسة الأمويين التي لا تعرف إلا العصا والدم، وبناء على ذلك لا غرابة أن يتبنى الأمويون المسلك الأشعري، فيما يتبنى العباسيون المسلك الاعتزالي.

ويأتي الإمام الصادق (ع) بقاعدته التي تلجم هذا وذاك، وتطلق القيد أمام آحاد الأمة: «لا جبر ولا تفويض، ولكن أمرٌ بين أمرين»([10])، وهي كلمة مقتضبة فيها أصل المعتقد، وإسقاط الدخيل على العقيدة، ولو فتشت عن نظرية مقتضبة في لفظها، عميقة في معناها، فلن تجدها إلا عند جعفر بن محمد الصادق (ع).

د ـ بذر عناصر الغلو في وسط الأمة، فالغلو قد يكون في النفس، حيث يغالي الإنسان في نفسه كثيراً، حتى يصل إلى إلغاء الآخرين. وقد يكون غلواً سياسياً، وهو من أبشع صور الغلو في عالم البشرية، فالغلو السياسي يريد أن يُخضع الدين مطية له، ولا يُخضع نفسه مطية للدين، فهو من هذه الجهة كفر ـ والعياذ بالله ـ إذ يتحرك فيه مبدأ البراغماتية، على حساب أصول الدين وثوابت المعتقد، فأينما كانت المصلحة تبعها الغلو السياسي.

وهناك غلو ديني، وهو حالة خطرة في وسط الأمة، إذ يسلك منهج إلغاء الآخر تماماً، وقد كانت بداياته عبارة عن زيادة في العبادة، فكما أن البائع يرفع سعر السلعة لتكون غالية، كذلك العابد يزيد على العبادة بأكثر منها. ثم انحدر أصحاب هذا الاتجاه إلى مهاوي كثيرة.

وقد كان العباسيون أرباب الصناعة لهذه البذرة التي عصفت بالمجتمع الإسلامي، وفي الوقت نفسه كانوا أول من دفع ضريبة هذه الظاهرة، فالذي طوى صفحتهم هو الغلو في الطرف المقابل لهم، وقد توعدت الشريعة المقدسة على الغلو كثيراً وحذرت منه.

أما عن التطرف وعلاقته بالغلو، وهل أنه هو الغلو أو يختلف عنه؟ فهناك خلاف بين العلماء، فمنهم من يقول: إن العلاقة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، وقسم آخر يقول: إنها نسبة العموم المطلق، ولا حاجة لنا للدخول في تفاصيل ذلك، إلا أن القضية كلها ترجع عموماً إلى الإفراط والتفريط.                      

الصورة الثالثة: انتهاج سياسة التهجير، وهي البوابة التي سوف ندخل منها إلى حوزة قم، أي تهجير الطاقات العلمية والفكرية من دائرة أهل البيت (ع) وإبعادها عن موقع القرار السياسي والعلمي والاقتصادي، بأن لا يكون لهم وجود فاعل في بغداد، عاصمة السياسة، ولا في الكوفة، عاصمة العلم والمعرفة، ولا في المدينة، عاصمة الاقتصاد([11]).

وقد تمثلت عملية الطرد والتهجير في جانبين:

الأول: الطرد العام لأتباع مدرسة أهل البيت (ع) من أكثر من مكان، إلى أكثر من مكان، وكان ذلك بادئ الأمر، كأن يكون هناك خمسة أفراد من المدينة يهجَّرون إلى بغداد، وآخرون من الكوفة إلى (مريوان) وآخرون مثلهم إلى الشام، وبذلك يتشتت الجهد، وتتفرق الجماعات.

وكان هذا التهجير خبط عشواء، لا يعنى بكون المهجرين أصحاب قرار وموقف، إنما يكفي انتماؤهم لجعفر بن محمد سبباً كافياً لتهجيرهم.

الثاني: الطرد والتهجير الخاص، المبني على أساس الانتقائية للأفراد، حيث يُنتقى الأفراد ويخرجون إلى أصقاع العالم الإسلامي.

وفي مقدمة تلك العملية من الطرد المبرمج بمنتهى الدقة، ما تعرضت له مدينة الكوفة من التهجير باتجاه قم المقدسة، وهو تهجير الأشعريين.

وهؤلاء من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وأصحاب موسى الأشعري([12]) شيخ الأشعريين، الموالي لأهل البيت (ع).

والأشعريون المهجرون إلى قم المقدسة من الكوفة، كانوا رواة حديث وعلماء وأصحاب قدرة اقتصادية ليست بالهينة، بحيث إنهم عندما هجروا إلى مدينة قم([13]) أثبتوا وجودهم هناك، فكم من المهجرين تلاشت قدرتهم الاقتصادية والعلمية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، أما الأشعريون فاستطاعوا أن يثبّتوا أقدامهم ووجودهم.

وكانت هناك هجرة أخرى رديفة لها انتبه لها العباسيون وصححوا خطأهم فيها، فقد سمحت السلطة للأشعريين في التهجير الأول، بجلب أموالهم، وكان ذلك مصدر قوة لهم، أما في التهجير الثاني للأشعريين إلى خراسان، فقد جُردوا من جميع أموالهم، وصاروا يقطعون المسافات والطرق، ويحلّون على أهل البلدان، ويسألونهم الزاد.

ومع شديد الأسف، نرى أن الحاكم في تعامله مع الأمة كثيراً ما ينتبه للخطأ ويصححه لصالحه، أما الأمة فلا تجاري الحاكم في ذهنيته، فالحاكم يرتّب أوراقه لمصلحته، والأمة تبعثر أوراقها، والحاكم يرسم الهدف، والأمة تسقط هدفاً. وبالتالي لا تجد تكافؤاً بين ذهنية الحاكم وذهنية المحكوم في جميع أبعاد الرقعة الإسلامية، بل حتى في الأمم والمجتمعات غير الإسلامية، فتجد حاكماً واحداً يدير أكبر دولة في العالم مثل أمريكا، من خلال حزب معين يسوس الأمة، وهذا الحزب يتمحور في ذهنية الرئيس، وليس الرئيس سوى وجهٍ وواجهة، لذا يتحمل الحزب سقطات الرئيس إذا ما صدرت منه، كما حصل مع هذا الرئيس الأخير.

لذا ينبغي على الأمة أن ترشد في ذهنيتها، وتوسع من مداركها ومعارفها على أساس من القراءة والمطالعة، فهي مهمة جداً وضرورية. إلا أننا ـ مع الأسف ـ لا نولي للقراءة أهمية، وبيننا وبين الكتاب خصومة، بل حتى نعمة الانترت لم نتعاطها كما ينبغي، فالفكر المبتذل وسقط المتاع موجود في الانترنت اليوم، وكذلك القراءات المجتزأة، والتحامل والشحن من طرف على آخر فيما لا مصلحة فيه لطرف أبداً، لكن ذلك هو الذي يستقطبنا ويستهوينا، أما ما ينمّي مداركنا من ترتيب الأوراق، فبيننا وبينه عداوة وقطيعة مستحكمة.

فلا المدرّس اليوم في مادة التدريس على استعداد لتحضير المادة كما ينبغي، ولا أستثني الحوزة العلمية، فأساتذتها اليوم ليسوا على ذات القدرة التي كانت عليها الحوزة قبل ذلك، وكل ذلك بسبب عدم القراءة، والانشغال عن الدرس في أكثر من موقع. وكان الله في عون أبنائنا في المدارس.

لقد دعانا القرآن الكريم للقراءة، ونحن اليوم في مرحلة تدعونا أن نشدد على هذا الجانب لنثري معلوماتنا، وننمي قدراتنا، لتكون الرؤى واضحة أمامنا، ونستطيع أن نحلل ونخلص إلى النتائج.

فعندما حل الأشعريون في قم عملوا فيها على نشر العلم والمعرفة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من كونها سيدة الحوزات العلمية، فقد تخرج منها الأفذاذ ممن نستعرض أسماءهم لاحقاً إن شاء الله تعالى، وصدرت منها موسوعات علمية أثْرَت العلم البشري واللاهوتي، وسوف نستعرض ذلك إن شاء الله تعالى واحداً تلو الآخر، لكي لا يقال: إنكم لا تقرأون، وثقافتكم محدودة. ففي هذه الأمة الخير الكثير، وهي لا زالت بخير، وشبابنا على مستوى المسؤولية، والرغبة موجودة وأكيدة، نعم، هنالك مشاغل كثيرة، ويمكن للإنسان أن يقدم الأهم منها على المهم ليصل إلى النتيجة.

وختاماً أذكر هذه الأبيات لأبي هريرة العجلي في رثاء الإمام الصادق (ع):

أقول وقد راحوا به يحملونه    على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى   ثبيراً ثوى هوى من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه      تراباً وأولى كان فوق المفارقِ

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتنبهين من نومة الغافلين، والسائرين على هدي سيد المرسلين محمد (ص). والحمد لله رب العالمين.