نص خطبة:الإمام الصادق عليه السلام في عيون محبيه ومناؤيه

نص خطبة:الإمام الصادق عليه السلام في عيون محبيه ومناؤيه

عدد الزوار: 405

2014-08-31

أستاذ المذاهب:

عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الإمام الصادق (ع).

في الحديث عنه (ع): «إذا كانت عشية ليلة الخميس وليلة الجمعة نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب وصحف الفضة لا يكتبون عشيةَ الخميس وليلةَ الجمعة ويومَ الجمعة إلى أن تغيب الشمس إلا الصلاة على النبي (ص)»([2]).

الإمام الصادق (ع) إمام مذهبنا، وعلى يديه فاضت العلوم حتى طبقت الآفاق. وهو اللسان الناطق عن النبوة والإمامة بعد تغييب طويل تسببت فيه دولتان كبيرتان كماً وكيفاً، ولكن في اتجاهٍ معين.

يقول الإمام الصادق (ع): «أوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه: قل للمؤمنين لا يلبسوا لباس أعدائي، ولا يطعموا مطاعم أعدائي، ولا يسلكوا مسالك أعدائي، فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي»([3]).

ما نتحرك في مساحته إما أن يكون داخلاً في دائرة الغذاء المادي أو التمظهر الشكلي أو الاستقطاب الفكري، قراءةً أو مراجعةً أو تصنيفاً أو استنتاجاً. والحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع) يحدد لنا المسار والوجهة على كلا المسارين المادي والمعنوي.

فالإمام الصادق (ع) إلى يومنا هذا لم يُقرأ القراءة الصحيحة، لا لأن موروثه لم يتفلت من غائلة الدولتين العظيمتين في زمنيهما، بل لأن الأمة لم تفقه الإمام الصادق (ع) وهو إمام الفقهاء.

فقد صدر في حقه الكثير من الشهادات من أعلام الخاصة والعامة، وحصل اقتراب من مدرسته أيضاً، بل إن ما نعيشه اليوم هو بفضل جهوده وعطاءاته (ع).

لقد حظي الإمام الصادق (ع) بفترة زمنية لم يحظَ بها إمام من الأئمة ممن تقدمه أو جاء بعده، على أنها لم تكن فترة ذهبية، إنما كانت في أشد القسوة. حيث أُشخص في أكثر من مرة، حتى إنه في بعض المرات أوقف بين يدي الطاغية العباسي وهو حافي القدمين حاسر الرأس. فلا يُتصوَّر أن طريق الأئمة (ع) معبَّد مفروش بالورود. بل إن الدارس يمكنه أن يستدل على عظمتهم (ع) بأنهم استطاعوا أن ينفذوا من خلال تلك الظروف الصعبة.

صحيح أننا نعتقد أنهم النور الأول بعد نور المبدع الصانع، ولكن هذا أمر، وما يمكن أن نتعاطاه بالحسابات الطبيعية أمر آخر، فإذا ما أردنا أن نسوِّق لمشروع هذا المذهب الطاهر المقدس، فعلينا أن نعيش مع الآخر الحسابات والأبعاد التي نعيشها كما هي، بلا زيادة ولا نقيصة، ولا نخشى من وراء ذلك شيئاًَ، لأن الأئمة (ع) في سيرتهم وعطاءاتهم القولية والفعلية هم كمال في كمال، ولا يخشى الطرف الآخر إلا من وجدت في مساحته الثغرات، بل الفضائح والمنكرات أحياناً، أما من يعيش الصفاء والنقاء والكمال كما هو الحال الثابت في محمد وآل محمد (ص) فلا يخشى شيئاً.

والإمام الصادق (ع) في المداليل القرآنية هو فرعٌ من شجرةٍ مباركة طيبة أصلها في الأرض وفرعها في السماء ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا([4]). وهذه هي حقيقته وواقعه في القرآن الكريم، وهو من أهل بيت طُهِّروا، ويكفي في حقيقة الكمال أنهم طُهِّروا.

أما عن الإمام الصادق (ع) في معطيات السنة المطهرة فحدث ولا حرج. والأئمة الذين تقدموه والذين جاؤوا من بعده أفاضوا أيضاً في هذه المساحة وهذا المجال.

والإمام الصادق (ع) هو خير من يعرفنا بنفسه، حيث يقول: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن»([5]). هذه هي العلوم المشفّرة المحجوبة عن البشر، المودعة مفاتيحها بيد الخلف الباقي من آل محمد (عج).

وخبر ما كان وما يكون هي العلوم اللدنية التي لا يصار إليها من خلال الوسائط المألوفة بين الناس، وهي أن يأخذ الطالب عن أستاذه، والمتعلم عن شيخه، والناس في ذلك شرع سواء، يتقدمون أو يتأخرون، يكبرون أو يصغرون، أما أئمة أهل البيت (ع) في مقاليد هذه العلوم التي ينبئون من خلالها عما يقع، وهو لما يقع بعدُ، فهم حالة خاصة، يتميزون فيها عن غيرهم من كل ملك مقرب أو نبي مرسل، وهي مكلة خاصة ومقام حصر عليهم دون غيرهم.

وربما يقول البعض: هذا غلو أو مبالغة، وليقولوا ما شاؤوا، فبقدر ما يراد منا أن نحفظ رموز الطرف الآخر، فمن حقنا الطبيعي جداً، ناهيك عن الحق الشرعي، أن تتاح لنا الفرصة في أن نقدم العظماء ونقتدي بهم كما ينبغي. فمن يتحرك في مساحته ولم يتجاوزها بالتجاسر على رموز الطرف الآخر، من حقه أن يتحدث بما يعتقد، ولا محذور في ذلك. بل إننا مهما تحدثنا ومهما قلنا في أهل البيت (ع) فلن نبلغ حقيقتهم، وكل ذلك دون الواقع والحقيقة.

الرمز الإسلامي العالمي:

لقد فتن علماء الغرب بالإمام الصادق (ع) أما علماء الإسلام فقد بخسوه حقه. وقد تفاعل معه بعض أعلام الطرف الآخر من المنصفين من كتابهم، وأجبر من لم يكن منصفاً على أن يقول مقولة الحق، بينما نتنكر نحن للكثير من الشذرات المشرقة المنيرة المضيئة للبشرية لو أرادت البشرية الخير لنفسها.

من حقنا أن نسأل: أين هي علوم الإمام الصادق (ع)؟ بل أين هي القناة التي تنفق وقتها لبيان حقيقة هذا الإمام؟ فلو فُتحت أكثر من قناة وقناة، ولم تجعل من موضوعها إلا الإمام الصادق (ع) في موروثه، لكفاها ذلك إلى قيام الساعة، ولكان ذلك أفضل بكثير من المهاترات والسب والتجريح الذي لا يولّد سوى الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس، والناس إما أخ لك في الدين، بأن يكون مسلماً مثلك، أو نظير لك في الخلق، كما ورد عنهم (ع).

لقد ورد في حق الإمام الصادق (ع) في خصوصية أبواب المعارف الإسلامية من العامة والخاصة أقوال فرضت نفسها وتفاعلوا معها، ولكن في حدود الممكن.

فالإمام الصادق (ع) بقدر ما أُثني عليه في مساحةٍ ما، بقدر ما حصل التجاوز القولي أو الفعلي في مساحات أخرى. فمن التجاوز الفعلي أنه أُشخص بتلك الهيئة إلى طاغية زمانه، أما التجاوز القولي فهو كثير أيضاً، فنحن نقرأ في بعض الكتب عبارات نحو: قال صادقهم وهو الكذوب، وغيرها من العبارات، ولكن هناك الكثير أيضاً من عبارات الإنصاف.

فالحافظ الذهبي ـ وهو من أعلام العامة ـ يعتبر في منتهى الشدة والقسوة في تعاطيه مع رجالات مدرسة أهل البيت (ع) أئمةً أو أتباعاً، علماء أو عامة، اعترضوا طريقه في نقل نص من النصوص، ولكنه عندما يصل إلى الإمام الصادق (ع) يقول: جفعر الصادق، كبير الشأن من أئمة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور([6]).

وهذه العبارة من الذهبي، وهو رجل كبير في قومه بلا شك، وإمام مدرسة النقد الرجالي عندهم، تدل على أن الإمام الصادق (ع) حقيقة لا يمكن تجاوزها. ونحن لا نجد ولا في طبقة معينة يتشرف المتحدث بها وببيان ما هي عليه إلا هذه الطبقة من أئمة أهل البيت (ع) فهؤلاء لا يذمهم إلا الناصب. والناصب في روايات أهل البيت (ع) لا يعني المخالف، إنما يعني طبقة معينة، ومن أهم مصاديق النصب في يومنا هذا (داعش) إذ لا مجال للمناقشة في نصبهم. والحمد لله أن مفتي المملكة العربية السعودية أكّد خلال هذا الأسبوع ما كنا نقوله منذ فترات طويلة، بأنهم خوارج العصر.

الإمام الصادق والعصر الراهن:

سؤالنا الآن: هل قرأنا عن منزلة ومقام الإمام الصادق (ع) عند الآخرين ممن هم خارج دائرة الإسلام؟ فهنالك كتب ودراسات وبحوث كتبت عنه. ونحن لا نستجدي من هؤلاء شيئاً بحقه، إلا أننا عندما نقدمه للآخرين من خلال زاوية القرآن الكريم فهنالك من يتناغم مع القرآن، وهم عموم المسلمين، وعندما نأتي بالنصوص من السنة المطهرة فهنالك من يتناغم أيضاً، ويفترض أن يكونوا عموم المسلمين، لكننا عندما نخرج من هذه الدائرة إلى دائرة تعني فكر الإنسان وثقافته وعلمه في العموم، فهناك أيضاً من يتناغم مع هذا المسار، بل ربما يرى البعض حالة من الاطمئنان الغريب لهذا التوجه، فعندما تطرح أسماء بعض الكتب باللغة الإنجليزية، وأسماء مؤلفين بنفس اللغة، فإن الأعناق تشرئبّ، حيث يوصف المتحدث بهذه الطريقة أنه مثقف ودارس ومتقدم، بخلاف ما لو تحدث بطريقة عرض الرواية أو الخبر، بل حتى القرآن. 

إن الغرب ينظر إلى الإمام الصادق من جهتين: علم اللاهوت، وعلم الناسوت، وقد أغرق أبحاثه فيهما.

ومع شديد الأسف، أن المواد الأولية التي وقعت في أيديهم، وصلت من الطريق الآخر، الذي لا يتفق مع الإمام الصادق (ع) في توجهاته ومنهاجه. مع ذلك فقد نتج ما نتج من شهادات إيجابية، فكيف لو قدمه أتباعه؟!.

لدينا الآلاف المؤلفة من الرسائل في بعض العلوم، ولكن ليس لدينا من ذلك ما يستوجب لفت النظر بما يستحق في شخصيات المعصومين (ع). أما آن الأوان أن نعرّف المعصومين للعالم؟ فجميع الإمكانيات والقدرات اليوم مبسوطة، وهناك عناية كبيرة جداً بعلوم آلية، وربما بعلوم فضولية في الحوزات العلمية، أما عن دراسة سيرة الأعلام من آل محمد (ع) فيعتبر في نظرهم كماليات يمكن مطالعتها.

هناك مئات الملايين في العالم ينتنظرون هذا الفكر الذي أغلقت أبوابه لقرون، فيما أصبحت أعلى الأصوات اليوم هي أصوات السب واللعن. فحتى لو كان الدليل أحياناً صحيحاً مقنعاً، ولكن لأنه يبدأ بالسب واللعن، ويختتم بهما، فلا أحد يقبله منك، كما أننا لا نقبل مثل ذلك من غيرنا.  

فكل وسيلة فيها تنفير أو تأجيج وإعلان حرب مبطنة فهي مرفوضة.

إن للإمام الصادق (ع)آراء شاخصة وبينة في علم الفيزياء، فأين هي الأمة عن ذلك؟

لقد غرست أمتنا بذور الحضارة التي تعيشها اليوم أمم الغرب، وتبتز العالم على أساسها، من تلك التأسيسات وذلك المشرب والمعطى.

وكذلك في علم الكيمياء والفلسفة والطبيعة والبيئة، الذي أصبح الشغل الشاغل اليوم للدول. وكذلك علم العرفان المركّز، الذي لا يحظى بنصيب تأسيسي إلا من مدارس معينة مع الأسف، رغم أن فيه الكثير من الاختراقات التي تنأى بالإنسان عن الثابت التوحيدي.

إن هذا لا يعني المحاربة لعلم العرفان، فهو علم جليل ومطلوب، وربما يكون من أشرف العلوم لأنه يبحث في التوحيد، ونظرية الوجود، ولكنه بهذه الطريقة والمنهجية أبعد ما يكون عن دائرة ما أسسه القرآن الكريم: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ([7])، التي يقول عنها سيد العرفاء والمفسرين السيد الطبطبائي (رحمه الله): لو وفيت التفسير حقه لما جزت سورة التوحيد. وهو الذي عمل عشرين سنة في تفسير القرآن الكريم.

إنني أقرأ اليوم في بعض المتابعات الفلسفية، فأجد أن البعض تطربهم كلمة من عالم غربي، أدار لها أتباعه الظهر، ومزقها تلاميذه شر تمزيق، فيما يلوكها بعضنا اليوم وهم فرحون بها.

كما أن للإمام الصادق (ع) آراء شاخصة في علوم السياسة وحرية الرأي، إذ لم يسبقه أحد في التأسيس لها في عالم السلم. وما أحوج الأمة إلى الرجوع إليه في هذا المجال، فلو أنها نهلت من مشربه لما حصل ما يحصل اليوم. فسياسة اليوم هي سياسة البغي، لا سياسة الأصالة.

وكذلك علم الاجتماع الذي يعتبر المؤسس له. إلا أننا نجد مفكرينا ينسبون ذلك إلى ابن خلدون في مقدمته. لقد كان هنالك تسعمئة عالم من كبار العلماء يكتبون من علم الإمام الصادق (ع) وأكثر من أربعة آلاف قلم من مجموع الآخذين عنه في شتى الفنون.

عوامل تخطي الأزمات:

إننا اليوم نحتاج إلى الكثير، فنحن أبناء مرحلة تختلف عما كانت عليه الأمور قبل خمس سنوات، لأن الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والأسرية والتعليمية وغيرها، كلها تغيرت عما كانت عليه.

إنني متفائل بأن القادم سيكون أفضل، ولكن بشرط أن نمسك المفاتيح بالشكل الصحيح، ولا أجد في نفسي أدنى تشاؤم إذا ما تحقق الشرط.

إن (الداعشية) حالة طارئة، وليست واقعاً ثابتاً، فكما استُهلك (طالبان) في أفغانستان ثم انقرضوا واستؤصلت شأفتهم، وكما حصل لأمثالهم في باكستان، وللشباب المسلم في الصومال، سوف يكون مصير هؤلاء أيضاً وتطوى صفحتهم. فهؤلاء وريقات في يد المخابرات العالمية، تستهلكها ثم ترميها في القمامة. ولا تبقى إلا الكلمة العليا، وهي حصر في كونها لله تعالى، فقد عاث هؤلاء في الأرض فساداً، ولم يفرقوا بين مسلم وغيره، ولا بين شيعي وغيره، فقد قتل من السنة بالآلاف أيضاً، بل إن من قتل من أهل السنة في العراق أضعاف ما قتل من الشيعة في هذه الطاحونة الأخيرة، وكذلك من المسيحيين والإيزديين، وهم نظراؤنا في الخلق أيضاً.

وهناك تستّر وتعتيم إعلامي على الإحصائيات، وليس هنالك إلا النادر الشاذ من الأخبار الصحيحة في شاشات التلفزة، وكل ما نشاهده إنما هو بيع وشراء لأغراض عديدة. فالمواقع والمحطات المسموعة والمرئية والمقروءة ما هي إلا تسويق للكذب والدجل والضحك على الذقون. وكل يعمل من أجل مصلحته ومشروعه، حزبياً كان أو دولياً أو إقليمياً أو غيره.

1 ـ العودة إلى الوسطية:   

ولكي نخرج من هذا الواقع لا بد أن تكون لنا عودة حميدة إلى روح الإسلام، وهو دين الوسطية والمحبة والرحمة والألفة والأخوة، لا دين التنافر والتباغض والتحاسد والحقد والقتل والجريمة. فكل من قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فهو لك أخ، من أي فرقة كان، بل إن مرجعنا (حفظه الله تعالى) لا يرضى حتى بكلمة الأخوة، إنما يقول بصريح العبارة: قولوا أنفسنا. وقدوتنا في زمن الغيبة مراجعنا، وهذه المعادلة إذا كانت لدينا ثابتة مستقرة، فإن كل من يناور خارجها، لا بد أن نضع عليه علامة الاستفهام، ولا داعي لذكر الأسماء أو المحطات الفضائية.

لقد أنفقتُ وقتاً طويلاً خلال هذه الفترة أتابع إحدى القنوات المحسوبة على التشيع مع شديد الأسف، ولا يسوغ أن أسميها قناة شيعية. وقد وجدت أن من لا يقول بقولنا، ولا يدخل دائرتنا، بل هو معادٍ لنا، لا يقول ما تقوله هذه القناة في أعلامنا!. 

وقد أرسل بعضهم استفتاءً لآية الله العظمى الشيخ بشير النجفي (حفظه الله تعالى) يسأله فيها عن جواز مساعدة هذه القنوات مالياً، فأجابه الشيخ (حفظه الله): لا يجوز.

أقول: إن هذه الفتوى متأخرة، فهذه القنوات لم تبث قبل يوم أو يومين، إنما كانت منذ زمن بعيد، وهي بمرأى ومسمع من الجميع، ممن بيدهم الفتوى.

إننا عندما نستنكر على الطرف الآخر أنه يعتدي علينا ويتجاوز، فلا بد أن نلتفت إلى ما ينهجه بعضنا في هذا الاتجاه. فالعودة إلى الوسطية مطلب أساس ومهم.

2 ـ استحضار الماضي:

وهو العامل الثاني الذي نحتاج إليه في هذا الزمان، بأن نلاحظ سيرة أئمتنا (ع) وعلى رأس القائمة الإمام أمير المؤمنين (ع) القائل: «لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة»([8]). وذلك في حقه السماوي، لا في حق أرضي.

3 ـ رفض أشكال الصنمية الفكرية:

فهناك من يقدس فلاناً فيتبعه في حق أو باطل، وهذا المتبوع ليس معصوماً. لا بل إنه أحياناً لا يمتلك أدنى المؤهلات البسيطة، ولكن ألفته العين، وأنست الأذن بكلامه، وطربت له، فصار مظهراً من مظاهر القدس.

فلا بد من الخروج من هذه الصنمية، فلا معنى أن نتكل على ما قال الشيخ فلان، أو الخطيب الفلاني، فليقل فلان وفلان ما يحلو لهما، لكن الله تعالى منحنا عقولاً، ولا بد لنا أن نحكّم العقل في ما يقال. وأخسر الناس صفقة من يبيع عقله للآخر، فالله أكرمنا بالعقل.

4 ـ تفعيل الحراك الثقافي في وسط الأمة:

ولا سيما في جيل الشباب. كما أن الشباب مدعوٌّ أن يفرض وجوده كواقع على جميع منتدياتنا، من المساجد إلى الحسينيات إلى غيرها، لا بالفرعنة والقوة، وإنما بما يحمل من وعي وعقل. وبذلك تسير الأمور بشكل سليم، وتُسلَّم المقاليد لمن يستحقها.

أيها الشباب: انهضوا بمساجدنا وحسينياتنا علماً وفكراً وسلوكاً، فهناك خطيب يأسرك اليوم بطرحه وصدقيته ووضوحه وشفافيته. وهناك آخر على العكس من ذلك تماماً، فتشعر بالأسى والحزن، لا على الإمام المقتول أو المسموم، إنما على الحالة التي وصلنا إليها.

لدينا اليوم ـ والحمد لله ـ جيلٌ واعد، نعوّل عليه في المستقبل أن يكون أفضل، وإني أشدّ على أيديهم، وأقول لهم: إن الطريق طويل، وعقلية الشباب وثقافتهم تتقدم بسرعة، فمن أراد الاحتفاظ بمواقع معينة فعليه أن ينتبه لذلك، وأن يتقدم في قراءاته.

5 ـ عرض النتاج العلمي والفكري:

ففي الزمن السابق ربما كانت هناك هزيمة نفسية يعيشها الكثير من العلماء، أما اليوم فلا محل للهزيمة النفسية، وأفضل وسائل الدفاع هي الهجوم، ولكن بضوابط دينية وعقلية، ومراعاة المنظومات من حولنا.

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.