نص خطبة: الأربعين بين قراءة الأمس واليوم

نص خطبة: الأربعين بين قراءة الأمس واليوم

عدد الزوار: 1511

2017-11-12

الجمعة 1439/2/20هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين جميعاً ورحمة الله وبركاته. السلام على زينب الغريبة، صاحبة العصمة الصغرى. رزقنا الله في الدينا زيارتهم، وفي الآخرة شفاعتهم.

ربيبة الوحي والنبوة:

قال الإمام السجاد (ع) في حق عمته زينب (ع) رائدة الطف: «أنت بحمد الله عالمةٌ غير معلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مفهَّمة»([2]).

زينب سلام الله عليها تمثل العظمة في كل جانب من جوانب حياتها، بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فهي بنت أشرف بيت رفيع لا يجاريه بيتٌ على وجه الأرض مما قضى ومضى، ولا فيما هو الآن، ولا الآتي. كيف لا؟ والعصمة تتربع في جميع زواياه؟ كيف لا؟ وهو مهبط الوحي؟ كيف لا؟ وهو البيت الذي نظرته السماء من العرش الأعلى؟ كيف لا؟ وهو بيت النبي محمد (ص)؟

بيتٌ فيه محمد (ص) النبي، وعلي (ع) الوصي، والحسن والحسين (ع) سيدا شباب أهل الجنة، فالعصمة ترفرف في جميع جوانبه، والوليدة الصغيرة تدرج في زواياه. إنها زينب سلام الله عليها. فهي صنيعة محمد وعلي وفاطمة ورعاية الحسن والحسين (ع). فأي امرأة تحمل من الموقعية كما تحمل السيدة زينب (ع)؟

لقد مُنحت زينب (ع) هذه المنحة العظيمة لكي تُعدّ لظرف هو الأقسى، الذي لا تتحمله امرأة ما لم تجتزْ هذه المراحل، وتتكون لبنتها الأولى في مثل هذا المناخ. فهي الوليدة التي كان يباشرها الوحي بواسطة النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع). فكلّ الأطفال كانوا يصدحون بالأناشيد التي يسمعونها، إلا زينب (ع) التي كانت لا تسمع إلا أنشودة الآيات المحكمة من لسان علي وفاطمة (ع)، كما نزلت على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص). فهي امرأة لا كالنساء. يقول الشاعر:

ولو أن النساء كمثل هذي   لفُضِّلت النساءُ على الرجال

هي زينب التي تحظى بهذه الموقعية وتتميز بالعصمة الصغرى المكتسبة التي تمنحها تقدماً على جميع بنات جنسها. فقد أخذت من جدها النبي (ص) جميع الخصال الفاضلة وليس في النبي (ص) إلا ما هو الأفضل، وهو الذي قال فيه رب العزة: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ﴾([3]). وكذلك كانت زينب.

وأخذت من أبيها علي (ع) الشجاعة والبلاغة، ودونك ما قامت به من دور في كربلاء، وما تفوهت به من منطق في الكوفة والشام. إنها زينب التي لا تقاس بها امرأة، والتي جاوزت حدود دائرة العصمة. كيف لا ؟ وأمها فاطمة (ع) أيقونة الوجود، والرابط الأصيل بين النبوة والإمامة، تلك المرأة التي ضربت أعلى درجات التضحية وأقصاها من أجل أمر واحد، وهو أن يبقى للمبدأ مساحة يتحرك على أساسها، ويبقى للقيم مساحة تمتد فيها. هكذا كانت الزهراء (ع) التي أنجبت زينب (ع) فصبر زينب من صبر فاطمة، وإباؤها من إبائها، وتحملها من تحملها، فالزهراء (ع) قرعت بسوط قنفذ، وكذلك زينب (ع) قرعت بسوط كان في يد شمر بن ذي الجوشن. بل لم يكتفوا بذلك حتى كانت تساق بالجلد إذا ما نزلت لتتعقب حال سبيةٍ سقطت أو تعثرت بها ناقتها، فكان لا يسوقها ولا يحركها من مكانها إلا سوط كان يتلوى على متونها.

سياط السبي:

فمن المشاهد التي لا بد أن نقف عندها، مشهد محمد بن الحنفية الذي جاء ليستقبل زينب (ع) إذ سألها قائلاً: ما لي أرى أثر السواد عليك؟ قالت: إنه من سياط القوم. وهو جواب فيه تقريع لمحمد بن الحنفية الذي لم يُحرّك قدماً واحدةً في سبيل نصرة إمام عصره الحسين (ع). وليس هذا قدحاً به، ولكن علينا أن نقرأ التاريخ كما ينبغي أن نقرأه، صحيحاً لا معوجاً ملتوياً. فالتاريخ يحدثنا أن من تخلى عن الإمام الحسين (ع) آنذاك وهو يسمع واعيته لا يغفر له حالٌ من الأحوال، إلا أن يعفو عنه الإمام المفترض الطاعة عليه، وهو الإمام الحسين (ع).

دعونا من التبريرات، لأنها جعلت الأمة تدفع الكثير. ودعونا من المجاملات، لأنها لا تبني لنا صرحاً متماسكاً، لا علماً، ولا فكراً، ولا أدباً، ولا سلوكاً. فعلينا أن نعيش الواقع بصدق، وهذا ما أرادته لنا زينب (ع) وهذا اليوم هو يوم زينب. فالأربعين لزينب وعاشوراء للحسين.

لقد أخذت زينب من الحسن والحسين (ع) الكثير، فمن ذلك هدوؤها وسكونها وتحكمها بالأوضاع من حولها فأشبهت بذلك الإمام الحسن (ع). كما شابهت الحسين (ع) بإبائها وكبريائها وعنفونها وتحملها وتضحيتها. فالحسين المظلوم الشهيد المستأصل من بين أهل بيته، لكنها تنهض بالحسين عملاقاً، وتتخطى بالحسين مساحات القرون، وتتجاوز المحطات يميناً ويساراً.

إنها زينب أيها الأحبة، ولا أبالغ إذا ما قلت: إنها صنيعة السماء، لأن محمداً وعلياً وفاطمة        والحسن والحسين لا يقولون ولا يفعلون ولا يتحركون إلا بما جاء به جبريل الأمين عن الله تعالى وأودع في قلوب محمد وآل محمد.

أيها الأحبة: زينب تمثل الشموخ أمام الطاغية، والصبر في موضع الانكسار عند من لا يحملون نفساً كنفس زينب. فكم هم الرجال في مكة الذين نفضوا أيديهم من يد الحسين (ع) وعندما واصل مسيره، كم هم أولئك الذين تنكبوا الطريق عنه؟ وعندما وصل إلى كربلاء، وحتى في يوم عاشوراء كان هنالك من لم يوفق ولم يستطيع اجتياز الامتحان بنجاح، فاختار البيداء وترك الحسين في كربلاء.

الحسين قدوة وأسوة:

لذلك أيها الأحبة المؤمنون: علينا أن لا نعيش الحسين (ع) مظهراً وعلى الأخوات الكريمات أن لا يعشن زينب مظهراً، وإن كان في ذلك الجمال، ولكن علينا أن نعيشهم باطناً وواقعاً. فالقضايا الخارجية لا تقدم كثيراً، والقضايا الواقعية الحقيقية هي التي تأخذنا إلى المسافات البعيدة.

تصوروا لو أننا استحضرنا الحسين (ع) في جميع أيام حياتنا، لا في كربلاء ثم ننصرف، ولا أن ننتظر الأربعين ثم ننصرف، ولنا موعد مع زينب في مولدها وفاتها ثم ننصرف، وكأن شيئاً لم يكن، إنما علينا أن نستحضر هذه النماذج والعوالم النورانية في وجداننا وداخلنا، لتحرك الضمير فينا، فيحنو الكبير على الصغير، ويعطف عليه، ونتحابب فيما بيننا ويأخذ كل واحد منا بيد الآخر إلى سبيل نجاة، ولنبر بوالدينا ونصل أرحامنا، ونتعاون فيما بيننا، وتكون الأهداف واضحة وبينة، فمن يرى بعين الحسين (ع) وزينب يبصر الأمور جيداً، ومن لا يراها كذلك فهو أعمى، لا يستطيع أن يبصر كي ينفذ النور إلى بصيرته الداخلية.

إننا لو أردنا الكلام عن زينب (ع) فلا نهاية للكلام. فهي المرأة العظيمة التي قدمها لنا الإمام زين العابدين (ع) وهي المرأة التي لم تستسلم ولم تضعف.

تصحيح الدخيل على التراث:

ولكن مع شديد الأسف، هنالك بعض الأقلام التي لا تقدم لنا زينب (ع) كما ينبغي، بل لا تقدم لنا الطف بكل حيثياتها كما ينبغي، بل هنالك مؤامرة كبيرة على أن لا يرى العالم الطف كما هو، إنما يريدون لنا أن نقرأ الطف من خلال ما يرونه هم، ونحن نقول لهم: تلك حقبة من الزمن تقضت أيامها، وفترة طويت صفحتها، ونحن اليوم نستشرف المستقبل، ولا يعني أننا ندير ظهورنا بالكامل لما مضى، لأننا نتحرك من خلال تاريخ وإن مازجه شيءٌ إلا أن ما يعنينا هو تصفية ذلك  التراث.

أيها الأحبة: لنعد إلى العقل قليلاً، فلماذا لا نستخدم العقل في الكثير من أمورنا؟ ومنه  الموروث الذي وصلنا وهو يشوه الكثير من أعلامنا. أما آن الأوان أن يُدقّ ناقوس الخطر ليباشر أسماع آحاد الأمة في كل مكان كي يستيقظوا من سباتهم وينهضوا لبعثرة وتنظيم الأوراق؟.

أيها الأحبة: لا تخشوا أحداً، وعليكم أن تبعثروا أوراق التاريخ ليصفو بين أيديكم الصافي، فالبحّارة عندما يعودون من رحلتهم يقومون بغربلة اللؤلؤ، وفي اللؤلؤ قيمته. فالموروث المعاصر الذي يُكتب فيما بيننا اليوم فيه الكثير الكثير مما يحتاج إلى الغربلة، إذ صارت الكتب اليوم والمواقع ووسائل التواصل والشاشات الملونة وغيرها تُحشى بالكثير من الغث، وسوف يصبح تاريخاً في يوم من الأيام.

لنقنن أقوالنا وأفعالنا، لأنها التاريخ الحاكي عنا حتى لا يُبكى علينا، ولا نتحسر ونحن في عالم آخر، على ما خلفناه وراء ظهورنا.

كذلك علينا أيها الأحبة أن نكون على درجة عالية من الوعي وحركة العقل في استشراف ما هو الآتي، فثمة أشياء كثيرة تراد لنا وبنا، فهل جلسنا لتداولها؟ وهل اجتمعنا من أجل ترتيب أرقامها؟ وهل تبادلنا وجهات النظر فيما بيننا؟ أم أن كل واحد منا يعيش مرحلة: (هذا لا يعنيني)، وأن الأمور سوف تأخذ مجراها بغض النظر عن حركتنا أو عدمها؟

أيها الأحبة: كل شيء بأيدي أبناء الأمة، فإذا ما أحسنت الأمة القراءة، وأعادت صياغة ما تقرأ، وجعلت النتائج التي توصلت إليها مبسوطة بين يديها غير غائبة أو مغيبة، فأبشروا بكل خير وواقع جميل. وأما إذا كان الأمر بالعكس فالنتيجة هي العكس.

الإمام السجاد (ع) الصابر المحتسب:

يقول التاريخ: لقد رأت زينب الإمام السجاد (ع) يجود بنفسه. وبرأيي أن التاريخ كان بمنتهى القسوة على الإمام السجاد (ع)، وقد ظُلم ممن طرق سيرته وكتب عنها. وقد جاء ذلك ببعض الكتب، ومع شديد الأسف أن بعضها من كتب الخاصة ،ككامل الزيارات لابن قولويه، الذي شحذ زعيم الحوزة العلمية في وقته السيد الخوئي (رضوان الله عليه) قلم النقد له، وطرحه مشروعاً مفتوحاً أمام العلماء، لكن أولئك الذين لا يقتاتون إلا على الحطام، ظلوا يكافحون وينافحون ويوجهون ويبررون، حتى وصل الحال ببعضهم أن يجيز الصلاة بدم التطبير!! وعندما تقول جماعة من مذهب أهل البيت ـ ولست أرى هذا الرأي بطبيعة الحال ـ بطهارة دم الإمام المعصوم، تقام الدنيا ولا تقعد، ولكن يأتي فقيه من خارج هذه الجماعة فيقول بجواز الصلاة بدم التطبير، فيسكت الجميع.

فهل جزع الإمام زين العابدين وهلع، حتى كاد أن يتلف نفسه؟ وباصطلاح اليوم أنه كاد ينتحر من شدة الجزع؟

إن البعض يقدم لنا زينب (ع) على أنها منعت الإمام زين العابدين من أن يتلف نفسه وينتحر، وفي حساب هذا البعض أنه يريد أن يعظم زينب (ع) فيهدم جانب المعصوم (ع). ولكن هذه الصورة لا تستقيم ولا يمكن تصورها في الإمام زين العابدين (ع) لأسباب:

1 ـ إن الإمام زين العابدين (ع) بما عُلّم من مواريث النبوة والإمامة كان يعلم بجميع الحوادث، ما وقع منها وما لم يقع، وهذه هي عقيدتنا في الإمام. ومن لا يروق له ذلك فليناقش، ولكن بعلم وعقل ودليل، لا بالتهريج والسب والشتائم. فنحن نقول: إن الأئمة (ع) يعلمون بجميع الحوادث، ما وقع منها وما لم يقع، ولنا أدلتنا، ومن أرادها فليتفضل، ولكن عليه أن يكون مهذب اللسان، وأن يعتمد الدليل.

فالإمام الذي يعلم بما يجري، هل تؤول به النوبة أن يجود بنفسه إلى حد إهلاكها بما يشبه الانتحار؟ 

2 ـ لو سلمنا وتنزلنا وقبلنا بأن الأمر السابق محل خلاف، فهل أن ذلك يتناسب مع إمام يُعدُّ لمنصب الإمامة؟

إن زين العابدين (ع) صاحب الصحيفة السجادية، ورسالة الحقوق، والفقه والتفسير وغيره، قاد الركب بجدارة بعد أبيه الحسين (ع). بل إن هناك ما يشير إلى أنه شارك في معركة الطف وأصيب، ولم يكن عليلاً جليس الخيمة. أما لماذا نجا من طاحونة الطف ولم يقتل؟ وكيف؟ فقد نجا من تلك المعركة غيره أيضاً، كالحسن المثنى مثلاً وغيره. ويجب أيضاً أن لا ننسى يد الغيب، لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد (ص)  في مقام الإمامة الفعلية.

مسيرة العودة إلى كربلاء:  

إن زينب (ع) بشدة بأسها وقوتها كانت تشخص الأمور وتضع النقاط على الحروف، ففي الكوفة ـ وما أدراكم ما الكوفة ـ كانت في منتهى الشدة والصلابة.

لقد بدأ سيناريو الكوفة مع مسلم بن عقيل، وتواصل في كربلاء، وخُتمت فصوله في الكوفة نفسها عند عبيد الله بن زياد، وهو ابن السابعة والعشرين، وكان صلفاً جلفاً، لا يبارح الخمرة.

تصوروا أن هذا الركب الحسيني الخارج من تلك الطاحونة يُستعرض بين يديه، وكان رأس الحسين (ع) بين يديه. فكانت زينب (ع) تخاطب جمهور الكوفة، لأنها شخصت موضع المرض، فكانت تقول لهم: «يا أهل الكوفة، يا أهل الخَتْلِ والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة... أتبكون وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغَسل بعدها أبداً»([4]).

فهي تبين لهم عظم الجريمة التي ارتكبوها بقتل الحسين (ع) لأنهم أسسوا لمسار الانحراف في وسط الأمة. فهؤلاء لم يكتفوا بقتل الحسين (ع) بل أوطأوا الخيل صدره وظهره، وسبوا نساءه، بل حتى عبد الله الرضيع استخرجوا جسده الشريف وقطعوا رأسه. وقد فعل شمر ما فعل عند قتله الحسين (ع) إذ رفسه برجله وراح يضربه، ثم احتز رأسه.

وعادت زينب في مثل هذا اليوم إلى كربلاء، بناء على كون جابر كان موجوداً ذلك اليوم، وقد جاء راكباً من المدينة، وزار الحسين (ع) مع عطية العوفي وجماعة، فعمد إلى شط الفرات واغتسل، ونثر على جسده شيئاً من السُّعد، وهو من العطر الطيب، وهذه آداب ومستحبات يجب أن نراعيها عند مجيئنا للمساجد أيضاً، فهي بيوت الله، وهي أشرف البيوت.

نعم، وصل الركب الحسيني إلى كربلاء، وكان هنالك جابر قد حضر قبلهم، فتهيأ جابر للزيارة، ووصل إلى قبر الإمام الحسين (ع) فسلم عليه، وخاطبه بخطابه الشجي، في مشهد حزين معروف.

ثم إنهم رأوا ركباً قادماً من بعيد، فطلب جابر من بعضهم أن يستطلع حاله، فإن كان من جنود بني أمية أخفوا أنفسهم عنه، فذهب ثم رجع، وهو يقول: هذا ركب سيدي الإمام زين العابدين. فكان ما كان من حديث بين جابر والإمام السجاد (ع)، فقد سأله جابر عما حصل، فراح الإمام السجاد (ع) يسرد له ما حصل. ثم إن زينب (ع) نادته فسمع صوتها، ونفض يده من يد جابر.

كانت زينب (ع) في منتهى الستر والحجاب، وهذا ما نود أن تسمعه أخواتنا وبناتنا لتكون زينب (ع) لهن قدوة.

يقول يحيى المازني: كنت جوار أمير المؤمنين عليه السلام مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فوالله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل. فسأله الحسن مرة عن ذلك فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب([5]).

هذه هي زينب القوية الشديدة، إلا أنها ضعف حالها عند العودة إلى كربلاء، فكانت تقول للإمام زين العابدين: دلني على قبر ابن والدي. فنزلت محنية الظهر. يقول الراوي: فقلت له: يا جابر، لعلها تحمل شيئاً بين يديها. فجاءت إلى القبر، وهي تحمل شيئاً، تأملته فإذا هو رأس الحسين (ع).

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.