نص خطبة:إشراقات من حياة الإمام الرضا عليه السلام

نص خطبة:إشراقات من حياة الإمام الرضا عليه السلام

عدد الزوار: 2062

2016-12-10

الجمعة 1438/2/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

قيل لي أنت أوحد الناس طراً   في فنون من الكلام النبيه

فعلام أخرت مدح ابن موسى   والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام   كان جبريلُ خادماً لأبيه

وريث النبوة والإمامة:

عظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى شهادة الإمام الثامن الضامن، علي بن موسى الرضا (ع) رزقنا الله وإياكم في الدنيا زيارته، وفي الآخرة شفاعته، وجعلنا وإياكم من المنتفعين بعطائه.

الإمام الرضا (ع) وجه الهاشميين في المدينة المنورة، جاهاً وعلماً وعطاءً، لذلك اشرأبت إليه أعناق القوم، وطويت الأرض من أصقاعها البعيدة رغبة في التشرف بالمثول بين يديه، والإفادة من فيوضاته.

كان للإمام الرضا (ع) حضوره الملفت في المدينة المنورة، حتى أنه أجبر من خلال ذلك الحضور الخليفة العباسي المأمون أن ييمم بنظره شطر المدينة جراء أحداث وأحداث، تارةً يقوم بها الحسنيّون، وأخرى ينهض بها الحسينيون، ولو أنها تركت وشأنها فربما أحدثت إسقاطاً على عرش الخلافة العباسية، وكان ذلك مبكراً، على أنه غير محسوب العواقب، لذلك ارتأت الخلافة العباسية أن تضع يدها على المكمن الذي على أساس منه تنتهي تلك الثورات وتخمد جذوتها، فوجدوا ضالتهم في استيعاب الإمام الرضا (ع) فهو الرجل صاحب النفوذ الذي يمكن أن يسمع كلامه.

على أن الإمام الرضا (ع) وبحسب معتقدنا لم يكن يخفى عليه ما تنطوي عليه نية الخليفة العباسي وصناع السياسة عند العباسيين، الذين اتخذوا من طوس مركزاً لخلافتهم وإدارة شؤون الدولة الإسلامية. لكن الإمام الرضا (ع) مورست ضده الضغوطات الشديدة، حتى أن الجلودي ـ وهو مدير الشرطة ـ عمد إلى تفتيش بيت الإمام الرضا (ع) أكثر من مرة، وأضرم النار في أطرافه أكثر من مرة، وسلب بنيات الإمام في داخل بيته، حتى كتب إليه من طوس أن أنفذ علي بن موسى الرضا إلى مرو، فأُنفذ.

رحلته إلى خراسان:

إن التاريخ هنا لا يقدم لنا وصفاً للحال الذي خرج عليه الإمام الرضا (ع)، على الأقل ما كان من ذلك في أجواء الحجاز آنذاك، مروراً بأطراف العراق الجنوبية كالبصرة، إنما يكتفي بإشارات بعيدة لا تشفي غليل الباحث ليقف على حقيقة الأمور؛ لأن أنصار القضية من العلويين لهم قراءاتهم، وأنصار القضية من العباسيين أيضاً له آراؤهم وقراءاتهم، اللهم إلا ما كان من قرائن ربما تساعد على فكّ بعض الشفرات في هذه المسيرة الطويلة، ولكن من المعلوم أن ما حصل في مرو يكشف عما كانت تنطوي عليه نية المأمون من الوصول إلى الهدف المبيت تجاه الإمام الرضا (ع) والذي كشفت عن حقيقته الأيام عندما ختم المولى الرضا (ع) حياته بالسم.

من جهة أخرى أن الإمام الرضا (ع) في طريقه إلى مرو وقف في مواطن ترك فيها أثراً علمياً أو اجتماعياً أو عبادياً، باعتبار أنه وقف في أكثر من موطن وموطن، وأقام الصلاة في تلك المواطن، ولكن بطبيعة الحال أن التاريخ الذي لا يدون إلا من خلال السلطات الظالمة لا يكشف عن حقائق الذوات الطيبة، وعلى رأسهم ما يرجع لسيرة علي وآل علي عليهم السلام.

ولاية العهد:

وصل الإمام الرضا (ع) إلى طوس، وأقيمت له مراسم الاستقبال، ثم عرضت عليه ولاية العهد لإبراز حسن النوايا من قبل الخلافة العباسية، إلا أنه أبى، لكن المأمون العباسي آلى عليه إلا أن يقبل، والإمام الرضا (ع) عالم من قبل الله تعالى بواسطة آبائه وأجداده أن الأمر لا يتم، لا في حدود الخلافة ولا في حدود ولاية العهد، ولكن لكي يخرج من دائرة المعذرية أمام الرأي العام تقبل تلك الولاية تحت وطأة التهديد.

هذه هي حقيقة الأمر في القبول بولاية العهد، فإما أن تخلو الأرض من الحجة آنذاك، وإما أن يكون القبول بولاية العهد وتسيير الأمور في الحد الممكن.

وهنا أيها الأحبة، ومع شديد الأسف، أننا حتى في قراءاتنا الفقهية لا نعطي هذه المرحلة من التصدي لولاية العهد لحاكم لا نتفق معه ومع أسسه التي يسير عليها، حتى نتوسع في مساحة التعاطي لتقبل الولاية من قبل الحكام في الأزمنة التي نعيشها.

وعندما تصدى الإمام الرضا (ع) لولاية العهد أقيم له مهرجان كبير جلس فيه المأمون إلى جانب الإمام، ودخل الشعراء يمدحون الإمام بما جادت به قرائحهم، ثم انفض الحفل.

وكان الحسن بن هاني ـ وهو أبو نؤاس الشاعر المعروف ـ لم يحضر المهرجان، فعوتب من قبل الخليفة واعتذر بما اعتذر به، لكنه في اليوم التالي استوقف الإمام الرضا (ع) وأخذ بزمام بغلته وأنشد أبياته المعروفة:

مطهرون نقيات ثيابهمُ   تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

إلى آخر هذه الأبيات التي اشتملت على المديح وعلى التعريض في نفس الوقت، وأصحاب البلاغة ومن يسير في هذا المسار يدرك ما في تلك الأبيات من الجمالية ومن القوة التي تفوح من مفرداتها. فالتعريض بالطرف الآخر يعتبر أشد وقعاً على ذلك الطرف، لمن يحسن القراءة ويدقق.

ومن الملاحظ هنا أن أهم الصفات التي تتبع الذين يصلون إلى المواقع هي الغلظة والترفع على الناس، وربما لمستم هذا في واقعكم، فهناك من كان يستجدي الناس في يوم من الأيام، وإذا به يأنس اليوم باستجداء الناس منه، وهذه طبيعة البشر في الأعم الأغلب، ما لم يكن هنالك اقتراب والتصاق بالمبدأ، وهو الله سبحانه وتعالى، وإلا فالأغلب الأعم أن من بيده السلطة والقوة يستذل الطرف الآخر، ويرغب أن يبقى ذلك الطرف الأخر في أدنى المراحل، فيتصرف في مزاجاته ومعطياته وامتيازاته، وإلا لو ارتقى به إلى المقام الذي هو عليه لتساوت الطبقات وانتهى التمايز الذي على أساس منه تتم عمارة الأرض في جانبها الإيجابي، أما في جانبها السلبي فهنالك ظالم ومظلوم، وقاهر ومقهور، وقاتل ومقتول، وغني وفقير، وعلى هذه المفردات المتقابلة قس ما سواها، وهو كثير، وشاهد الحال يغنيك عن ألف دليل.

التسامح الرضوي:

إن الإمام الرضا (ع) كان يحمل شعار التسامح كواحدة من المفردات والمفاهيم القريبة التي عاشتها الأمة. فالجلودي الذي نكّل بعائلة الإمام الرضا (ع) وأضرم النار في أطراف بيته أكثر من مرة، كان مدير الشرطة للعباسيين، وعندما جلس الإمام الرضا على كرسي ولاية العهد، أسند إليه المأمون الطلب في أن يقتص من كل من أساء إليه، ومن الطبيعي أن يكون مدير الشرطة في مقدمة هؤلاء. فهذا الرجل بالإضافة إلى كونه كان مدير الشرطة كان قد قسا على الإمام (ع) كثيراً، فقد دخل أكثر من مرة إلى بيت الإمام ليفتشه، وأحرق أطراف البيت، ونهب الأموال،      وفي بعض المرات أخذ الإمام حاسراً حافياً من بيته. بل في واحدة من الحملات تذكرن بنات الإمام الرضا (ع) ما جرى على بنات الحسين (ع) في كربلاء.

وعند تسلم الإمام (ع) مسؤولية ولاية العهد، وأُدخل عليه هؤلاء الواحد تلو الآخر، كان الإمام الرضا (ع) لا يزداد على المسيئين إلا عفواً، وهذا شأن الأشراف الكرام الطيبين عندما تكون القدرة بأيديهم، فكان الإمام يعفو عنهم حتى آلت النوبة إلى الجلودي.

دخل الجلودي وكان الإمام الرضا (ع) إلى جانب المأمون، فالتفت الإمام الرضا (ع) للمأمون بوجهه وقال له: هبني هذا الرجل. فلما رأى الجلودي أن الإمام الرضا (ع) يسارّ المأمون أخذته الريبة، فقال للمأمون: أقسمت عليك أن لا تسمع فيّ هذا. فلما وقف أمام المأمون قال له المأمون: والله لأنعمنك عيناً، ولن أسمع فيك بعد اليوم أحداً. فحاول الإمام (ع) منع المأمون مما عزم عليه، فقال له المأمون: هو الذي أقسم عليّ، ولا بد أن أبر قسمه. ثم أمر بنطع وسياف، وأمر أن تقطع رأسه.

العفو سمة كريمة وهي سمة النبلاء، فإذا ما أخذ بها الإنسان سمت روحه ورشد المشهد من حوله.

من مدرسة الرضا (ع):

في حديث عن الإمام الرضا (ص) يقول: «إن للقلوب إقبالاً وإدباراً ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت أبصرت وفَهِمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذها عند إقبالها ونشاطها، واتركها عند إدبارها وفتورها»([2]). فقلب الإنسان قد يتوجه أحياناً للعبادة، وقد لا يتوجه في أحيان أخرى، بل قد يقوم للعبادة متثاقلاً: ﴿وَإِنَّهَا لكبيرةٌ إلا عَلَى الخَاشِعِيْنَ﴾([3])، ففي سير الإنسان للعبادة والتكامل عن طريقها قد لا يساعده القلب، ولا تتوجه الروح، وأحياناً على العكس من ذلك، بحيث يقوم الإنسان من منامه في ألذ ساعات نومه، في شتاء قارس أو حر شديد، ليقف بين يدي الله تعالى.

فالقلوب إذا أقبلت بصرت وفهمت. ومشكلتنا ليست في البصر، إنما في البصيرة، إذ لا ندقق في مبدأ الشيء ونهايته، والفرق بين البصر والبصيرة كما بين السماء والأرض. فهذه القلوب تصبح واعية على درجة كبيرة من الفهم لما يجري من حولها.

من هنا تجد أن الإنسان يمر في أوقات يختم فيها القرآن الكريم في مدة قصيرة، ويكون لديه شغف كبير في قراءة مفاتيح الجنان مثلاً، وأحياناً أخرى على العكس من ذلك، إذ تصبح العبادة ثقيلة، وسبب ذلك كله هو إقبال القلوب أو إدبارها.      

بل تمل القلوب أيضاً، فعندما يستسلم المرء لضعف النفس ورضوخ النفس للتأثير وسقوطها، يصل إلى مرحلة الملل. وهو أثر من آثار الإدبار.

هذا درس من الدروس التي يقدمها لنا الإمام الرضا (ع) إلا أن اقترابنا نحنُ من أئمتنا (ع) في معظمه اقتراب عاطفي، فنحن نبرز العواطف والأحاسيس، من الحب والبكاء واللطم والبذل في مناسباتهم، لكننا بعيدون عن زادهم الحقيقي، وهو الجواهر التي صدحوا بها وقدموها في أزهى ما يمكن أن تقدَّم.

وبمثال بسيط أن أحداً لو أراد أن يذهب لزيارة الإمام الرضا (ع) وسأل نفسه: كم لديه من الأحاديث من عطاء مدرسة الإمام الرضا (ع) فماذا يكون الجواب؟ ولو كان يحفظ شيئاً من تلك الأحاديث فكم لها من فاعلية في داخله؟ فربما يصل البعض إلى زيارة الإمام الرضا (ع) لكنه لا يحظى بأجر وثواب من يقرأ حديثاً من مدرسة الإمام الرضا (ع) وهو في بيته، ويترك لهذا الحديث مساحة في أن يسيّر حياته طوال سنة أو أقل أو أكثر. فلا شك أن هذه أكثر فائدة له في الدنيا والآخرة.

إن سلامنا عليهم ولو كان من بعيد فإنه يصلهم ويجيبون، ونحن الذين لا نسمع، لأن النفس لم تكن بذلك المستوى الذي يجعلها تتلقى تلك الإجابة. فهم معرفة وعمل، ونور يبحث عن الفضاء، والفضاء هو ما في داخلنا، روحي وروحك وأرواح الآخرين، فمتى ما كان ذلك الفضاء صافياً أصبح موطناً لاستقطاب ذلك الفيض واللطف، وهو عبارة عن أنوار علم محمد وآل محمد (ص).

تربية الإمام الرضا (ع) للأمة:

لذلك ما انفك الإمام الرضا (ع) يغرس تلك القيم في وسط أتباع مدرسة أهل البيت (ع) وامتداداتها في المساحة الأكبر بين المسلمين، بل بين الإنسانية أجمع، ومشكلتنا اليوم، بل واحدة من الكوارث التي نعيشها أننا لا نسوّق فكر أئمتنا (ع) بأكثر من دائرتنا، ولا نسافر بهم في الفضاء الأوسع الأرحب. فنحن هنا في لندن مثلاً على مرمى حجر من واحدة من أكبر الجامعات في العالم، وهي جامعة مانشستر، فكم دراسة قُدمت عن أهل البيت (ع) لرواد العلم والمعرفة في جامعة مانشستر؟ نعم، نحن ننشئ المراكز الإسلامية والمؤتمرات والحسينيات، أما على مستوى المعرفة فلا نكاد نقدم شيئاً.

إننا كشيعة لسنا بحاجة لمعرفة أهل البيت (ع) على مستوى الحب والعاطفة، فنحن نعرفهم ونحبهم منذ نعومة أظفارنا. يقول الشاعر:

لا عذب الله أمي إنها شربت   حب الوصي وغذتنيه في اللبن

وكان لي والدٌ يهوى أبا حسنٍ   فصرتُ من ذي وذا أهوى أبا حسن

فلسنا بحاجة لمن يعرفنا أهل البيت (ع) ومودتهم، لأننا رضعنا ذلك مع حليب الطفولة، لكن المهم هو مقدار الوفاء لعلي وآل علي، وما هي الصفحة البيضاء التي نقدمها للبشرية عن علي وآل علي؟

هنالك مثلاً عهد من أمير المؤمنين (ع) لمالك الأشتر، فلو كان ذلك العهد لغير علي (ع) لرأيت العالم قد رشد، ولكن لأنه لعلي لا تكاد تجد له أثراً، ونحن أيضاً لم نقدمه للعالم ولم نسافر به فبقي في طي النسيان.

وكذلك في زيارة الإمام الحسين (ع) نجد أن هناك ملايين البشر يذهبون لزيارته، وهو عمل عبادي رائع، ونسأل الله تعالى أن يشركنا في عملهم، ولكن لنا أن نسأل: كم من هؤلاء تقلّب في رحاب دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة؟ في حين أن زاد الحسين (ع) هو دعاء عرفة، بعد تلك التضحية الكبرى والثورة الخالدة، فهو مدرسة ثرّة غنية. وقد سمعتم عن تلك الأخت الفرنسية التي أعلنت إسلامها ودخولها التشيع انطلاقاً من التحامها مع دعاء عرفة.

فمن تلك القيم التي عمل الإمام على ترسيخها:

1 ـ ربط الناس بالقرآن الكريم قراءة وتطبيقاً: ولنسأل أنفسنا عن علاقتنا بالقرآن الكريم؟ وباستقراء بسيط: كم منا من قرأ القرآن الكريم اليوم خارج حدود الواجب في صلاة الفجر؟ وإن كنا قرأنا، هل تأملنا؟ وإن كنا تأملنا فهل لذلك حراك في داخلنا؟ وهل دفعنا ذلك نحو السمو والارتقاء؟

2 ـ تجسيد الأحكام الإلهية على الذات قبل الآخر: فنحن كثيراً ما نطالب بتطبيق الأحكام على الآخرين وننسى أنفسنا، فنطالب الناس أن لا تكذب، ولكننا نكذب، ونريد منهم أن لا يحسدوا، ونحن نحسد، وأن لا ينتقموا ونحن ننتقم، وأن يبنوا أسراً كريمة ونحن نهدم الأسر الكريمة، وأن يلتفوا حول الرموز، لكننا نتفرق عنهم.

فالإمام الرضا (ع) عمل على التطبيق أولاً، وأراد لهم أن يبتعدوا عن تلك المساحة التي أشرت إليها.

3 ـ الرفق بالإخوان وزرع روح المحبة: فقد فرقونا وشرذمونا كثيراً، حال أننا إخوة، ولدينا الأساس الذي نلتقي عليه جميعاً، وهو نبينا محمد (ص) وأهل بيته (ع). هؤلاء الذين ينبغي أن نلتف حولهم، وعندهم تسقط جميع العناوين.

كنا فيما سبق نسمى بالجعفرية، فإن سألت أحداً عن مذهبه قال: أنا جعفري، أما اليوم فهذا سيستاني، وذلك خامنئي، وذاك فضل اللهي، وهذا شيرازي، وهكذا الحال مع سائر العناوين، التي ذاب فيما بينها عنوان (الجعفري)، وذاب المحور الذي نرتكز عليه. لذا تجد أن الشحناء والبغضاء تسود بعض المساحات التي أسأل الله تعالى أن تكونوا بعيدين عنها. فعندما نغادر مساحة الأصل ونتشبث بالفروع فعلينا أن ننتظر النتائج، وستكون إحداها أسوأ من الثانية.

4 ـ القضاء على مواطن الجهل والتخلف في أوساطنا: فالجهل والتخلف اليوم أصبح يضرب في عمق العبادة، وهذه كارثة. فلا بد من تحريك جو العلم والمعرفة في وعي العبادة، ولا بد أن أعرف لماذا أصلي؟ ولماذا أصوم؟ ولماذا ألطم؟ ولماذا أزور؟ ولماذا أقرأ القرآن؟ وفي حضرة من أقرؤه؟ وهكذا.

5 ـ بيان أهداف الشريعة: فالشريعة هي المحبة والسلام، ونحن نرى أن النصراني اليوم يسافر بسلام الديانة المسيحية، وما سلام هذه الديانة ومحبتها إلا ذرة في ميزان المحبة والسلام العام في الإسلام، إلا أنهم يسوّقون السلام ونحن نسوّق ما تفعله (داعش) مثلاً على أنه هو الإسلام، وعلى هذه فقس ما سواها، إذ اختلط الحابل بالنابل اليوم في أكثر من بلد ووطن وجهة.

6 ـ ردع الناس عن المعاصي: ولكن بالموعظة الحسنة، فالردع لا يكون بالقوة والقهر والقسوة، حتى مع الولد والزوجة وأيٍّ كان من الناس، فلا بد من الحكمة والموعظة الحسنة والهدوء في التعامل، فالردع بالقوة يولد العكس من ذلك، ولا بد أن يكون المرء ليناً في التعاطي معه الناس، وقصة البدوي مع النبي (ص) لما قال له: اعدل يا محمد معروفة، إذ أخذ بمجامع ثوب النبي (ص) حتى أثر ذلك صدره، فما ازداد عليه إلا حلماً وعفواً، فقال لعلي (ع): يا علي اقطع لسانه، أي اقطع حديثه ولا تجعله يتكلم، وذلك بالعطاء، فأخذه علي (ع) إلى بيت المال وأعطاه بغيته.

7 ـ توسيع دائرة العلوم والثقافة العصرية: وهذه النقطة أشبعتها في يوم من الأيام عندما جئت إلى هنا، فما دمنا في غربة لا بد أن نوسع من ثقافتنا وعلومنا ووعينا.

8 ـ الشدة في ذات الله: فما دمنا في دار الغربة يترتب علينا مسؤولية أعمق في هذا المجال، بالتمسك بالحبل المتين والرجوع إلى محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين في بيان حقائق الأمور والسير وفق ذلك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا وأيديكم، وأن يجعل بلاد المسلمين هادئة مستقرة آمنة، وأن يدفع عنها شر الأشرار، لا سيما (الدواعش) الذين حملوا هذه الراية الضالة المضلة، الفاسدة المفسدة، والذين أفرطوا في سفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال وتدمير البلاد وقتل العباد.

كما نسأله جل وعلا أن يكتبنا وإياكم في صفوف الزائرين للإمام الحسين (ع) وأن يكتب لهم السلامة والعودة إلى أهاليهم سالمين غانمين، إنه ولي ذلك.

والحمد لله رب العالمين.