نص خطبة:أين تقف المرأة اليوم من فاطمة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
ماذا يراد للمرأة المعاصرة؟
يقول النبي الأعظم (ص): «فاطمة مني»([2]).
أين تقف المرأة اليوم من سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين؟ وأين تجد ضالتها؟ وكيف تفتش عنها؟ هل في الحرية المطلقة لها حيث لا حساب ولا كتاب ولا معقب يسأل: من أين وإلى أين وكيف ولماذا؟
هل يراد للمرأة أن تبحر حيث شاءت ملغين الكثير الكثير من الأمور التي سنتها الشريعة من أجل الحفاظ عليها؟ وهل ارتقى المجتمع في سلوكه والتزامه واحترامه للمرأة كي تعطى مطلق الحرية؟ أو يراد لها الاستسلام للأسر والكبت والسلطة الظالمة من الأبوين والأسرة، بحيث لا يكون لها قرار حتى وإن كان ذلك من الأمور التي ثبتتها الشريعة لها؟ فلا اختيار لها في زوج تقترن به، ولا نصيب لها في علم تسعى لتحصيله، ولا مجال لها أن تتقلب في ضروب الحياة؟
أم في الرجوع إلى أجواء الشريعة السمحة والسنة المطهرة وما حبّرته أقلام أعلام الأمة، من مضى منهم ومن بقي؟
فالمرأة الإنسانة بين الإلغاء التام من قبل الرجل، والحاجة الملحة لمكوّن الإنسان بما هو هو.
يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾([3])، ولن يصل الإنسان إلى مواطن المودة والرحمة إلا عندما يلوذ بهذه الزاوية المقدسة التي تشغلها المرأة، فالمرأة إنسان قبل كل شيء، وهي مكرّمة كما كُرّم الرجل، فتكريم الإنسان في القرآن الكريم ينبسط على الرجال والنساء معاً.
ثم هل وجدت المرأة نفسها في وسط الأمة كما ينبغي، أو لا زالت تتهجى المفردات مفردة بعد مفردة؟
إن المتأمل لا يحتاج إلى مزيد عناء في البحث والتنقيب عن المساحات التي تشغلها والمفردات التي أمسكت بها، فهي لا زالت تراوح مكانها مصادَرةً في أبسط الحقوق التي تكفلها السماء وقوانين الأرض، بل حتى لو سُنّ أو شُرّع من أجلها قرار تجد أنه يسهل التخطي له حتى ممن سنه وشرعه.
المرأة والحقوق المغيبة:
أما ما يتعلق بالكتاب والسنة فحيث إن القائمين على التشريع ومن لهم حق الفتيا هم رجال الدين، فإن حق المرأة مغيب. فلماذا يغيب هذا الحق؟ حال أن المرأة شغلت مساحة ليست بالهينة على نحو الانفراد في القرآن الكريم في آيات كريمة، كما كان لها مساحة في منتهى السعة في روايات أهل البيت (ع) بل انفردت بفصول كاملة في مدونات الحديث عند الفريقين من العامة والخاصة.
فالمرأة كانت وما زالت تبحث وتفتش عما لها، لترتب الأثر على ما عليها.
إننا نعيش دوامة، ونحوم في دائرة مفرغة إلى يومنا هذا ـ مع شديد الأسف ـ فيما يجب للمرأة وما يجب عليها، بين إفراط وتفريط. بين جماعة ذهبت مهرولة وراء قاسم أمين في تحرير المرأة، وبين أخرى أبت إلا أن تجعلها واحدة من قطع المتاع ليس إلا، وكأن الله تعالى لم يخلق المرأة إلا لهذه الحيثية، بأن تحمل وتلد وتربي وتنظف وما إلى ذلك. نعم، ربما يكون ذلك من أعمالها، لكنه ليس منتهى الغاية. فالزهراء (ع) كنست في بيتها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وناصفت علياً (ع) الحياة، وكانت حياةً كريمة، ولكن بالمقابل أعطى عليٌّ (ع) للزهراء (ع) الكثير، لذلك كان النتاج طيباً، والبيت قدوة، والشخصيات نماذج. ونحن محسوبون عليهم تماماً، فعلينا أن نجسد مجسمات صغيرة تحاكي سلوكهم ونهجهم في التعاطي مع المرأة التي تشغل نصف المجتمع في المكون الإنساني.
سلطة الرجل وذكورية الفكر:
فهل أخذت المرأة دورها الطبيعي؟ أو سوف تأخذه؟ الجواب في الحالتين: كلا، لأن سلطة الرجل، وذكورية الفكر، تمنعها أن تصل للأهداف السامية التي تتعلق بشأنها وتترتب عليها الآثار في نمو المجتمع ورقيه، وكمال الأسر وثباتها.
مع شديد الأسف أننا بين إفراط وتفريط، فهنالك ليبراليون حداثيون ومن يسير في ركبهم، يريدون للمرأة أن تكون كالرجل حتى فيما يتعلق بها شخصياً، وهي تعتز به أولاً وبالذات. يريدونها جنباً إلى جنب مع الرجل، واليد في اليد، وهو انقلاب واضح صريح على أحكام أصّلت لها الشريعة. يريدون أن يجردوا المرأة من حجابها، والحجاب عنوان العفة والقداسة والشرف والكرامة. يصورون الحجاب على أنه عقبة في طريق المرأة يعيقها من الوصول إلى حقها الطبيعي، وفي ذلك مغالطة، فالكثير من النساء المحجبات اليوم نقشن أسماءهن في أكبر الحواضر العلمية وأرقاها، ولم يخلعن حجابهن، فالحجاب فيه رمزية وبعد ديني واضح وصريح يحفظها. ومتى ما تخلص المجتمع من الذئاب عندئذٍ يكون للحديث مجال، أما أن تكون فيه ذئاب تتوثب، وكلابٌ ضالة، فخيرٌ للمرأة أن تتحجب وتُصان وأن يُحافَظ عليها إن كانت ترى في خديجة الزهراء وزينب وأم الشهداء وأمهات المؤمنين قدوةً لها.
وعليكم ـ أيها الأحبة ـ أن لا تخدعوا ببعض الصيحات والصرعات والتموجات التي تصدر من هنا وهناك.
أما من جهة المرأة نفسها فلنا أن نسأل: هل طورت المرأة من ثقافتها بالشكل المرضي، بحيث تسطر واقعاً لا يجوز لأحد أن يتخطاه؟ أو لا زالت الأمور في حدود دائرة هنا تشغلها مفردة تحت عنوان: الدكتورة فلانة، أو المهندسة فلانة، أو ربة العمل فلانة؟
إننا نطلب من المرأة أن تقوم بمسؤوليتها؛ لأن الرجل لن يتحمل المسؤولية عنها، بل على العكس من ذلك. وليس هذا دعوة منا للتمرد على شيء، إنما هو دعوة للرجوع إلى الدين، والأخذ من مناهله.
أما الذين يذهبون في الاتجاه المعاكس، فيرون أن المرأة لا تستقيم إلا بكسرها، وأنها لا تفقه شيئاً من أمور حياتها، وخير لها أن تكون (كالدابة) نأخذها ذات اليمين وذات الشمال، وأنها وما تملك لزوجها، وأمثال ذلك من الأفكار والرؤى. لكنها في الواقع ليست كذلك، وعليها أن تساعد نفسها على تخطي العقبات في حدود ثوابت الدين ورعاية الشريعة واحترام النظم والعادات التي توارثتها المجتمعات فيما يؤمّن لها عفتها وشرفها ولا يجعل من ذلك عائقاً أمام تقدمها.
فقبل خمسين عاماً كانت نسبة الأمية في النساء كبيرة جداً، وربما تصل إلى أكثر من ثمانين في المئة، أما اليوم فالحمد لله رب العالمين، تكاد تختفي الأمية في صفوف النساء، وهذه نقلة نوعية. لكننا نركن كثيراً إلى الحكمة القائلة: القناعة كنز لا يفنى، فالقناعة كذلك، ولكن في القراءة الصحيحة. فمن كانت لديه شهادة في مستوىً معين، ووظيفة، ثم يرى أن يركن للقناعة، فهذه قراءة خاطئة. والمدعى للتطور والتقدم أمر مهم عاشته المجتمعات التي التفتت إلى واقعها وحركت الأمور وأحدثت تجديداً. ودونك حال المرأة في المجتمعات، وحاول أن تقارن وتقارب لتصل إلى النتائج.
المرأة والتطوير الذاتي:
ثم هل شغلت المرأة مساحة الإبداع التي ينبغي أن يشغل من قبلها؟ أم أنها بقيت متفرجة، ترى إبداع الآخر فلا تحاكيه. فأين بصمتها في حواضر العلوم العليا؟ إنها لا تعدو أرقاماً معدودة، وقد راجعتُ معجم أسبار المتعلق بقسم النساء، فوجدت أن النتائج خجولة أمام الرجال، حال أن المجتمع في معظمه أنثوي لا ذكوري، فيفترض أن تكون شهادات الدراسات العليا لصالح النساء أكثر. وهذا راجع إما إلى سوء التقسيم وإدراة الملف، وهذا لا يعنينا، أو إلى تقصير المرأة نفسها في عدم الالتفات إلى أمرها، بأن تنهي الثانوية لتكون جليسة البيت، أو أن تنهي الجامعة فتكتفي.
إن الرتبة العلمية قيمة ووسام بحد ذاتها، فبدل أن تستعرض المرأة بحليها وحللها، عليها أن تستعرض بشهاداتها ومراتبها العلمية.
كذلك نسأل: أين المرأة من محافل الأدب؟ إنها على أصابع اليدين في أحسن التقادير، ولو كان هناك شيء من ذلك فلا تسلط عليه الأضواء، خجلاً من اسم المرأة!. فإلى متى هذا؟
إن أكبر اتحاد سياسي في العالم في أوربا تديره امرأة، أما نحن فالمرأة تعجز عندنا أن تدير أسرتها، لا لنقص فيها إنما لثقافة الرجل.
إن التدين ليس بالصلاة والصوم فحسب، صحيح أنه مظهر من المظاهر وأداء شعائر شرعية، ولكنه ليس النهاية.
وكذلك في مساحات الفن بجميع ألوانه، من الفن التشكيلي وغيره من ألوان الفنون التي يعج بها العالم. فأين بنات فاطمة من هذا المجال؟ وأين هو المشروع الفني الذي يقدم لنا سيرة الزهراء (ع) مثلاً، الذي تقوم المرأة بجميع أدواره؟ من كتابة النص وتقويمه والتمثيل والإخراج والتسويق وغيره؟ فنواحي الحياة فيها مفردات لا تفقهها إلا المرأة.
المرأة والعمل:
وكذلك في ميدان العمل. فأين هي المرأة في المجال الرسمي؟ إلى الآن ليس بالمستوى المطلوب.
ولديّ هنا همسة أرسلها، وهي أنه من الطبيعي للمرأة أن تغادر لأي منطقة من مناطق المملكة وتعمل، ما دامت في رفقة مأمونة، لكن الأهم من هذا: هل تعذّر على المناطق التي ولدت فيها تلكم الفتيات اللواتي اجتزن مراحل التعلم إلى التعليم، أن يكون لهن فيها وظائف؟
إننا نجد أن البعض ممن تحصل ابنته على وظيفة في منطقة أخرى يسعى لنقلها إلى منطقتها من وزارة إلى وزارة، لكن القضية لديه قضية شخصية، ولا يعنيه العنوان العام. فالوزارات والدوائر والمؤسسات كلها مفتحة، ولو جمعت عدة ملفات وتمت المطالبة بها لاسترعت الاهتمام، فإن لم يرتب عليه الأثر اليوم يرتب في وقت آخر. فمن السهل أن يسعى أحدنا لنقل ابنته من إحدى المناطق في المملكة، إلا أن هذا لا يعدو الإطار الشخصي، فهو مشروع صغير، أما عندما يتعلق الأمر بجميع أبناء المملكة، فسيكون الأمر مختلفاً.
فالمرأة في هذا المجال لم تحصل أيضاً على مناخها الملائم، وسبب هذا في الجهة الرسمية هو الفكر الذكوري كذلك، لأن هذه الجهة لا زالت تفكر بعقل الرجل، ولم تنزل إلى عقل المرأة لتحقق لها شطراً مما يناسب وضعها.
من هنا فإننا نناشد وزير التعليم فنقول: هؤلاء بناتكم، والطرق فيها ما فيها، والغربة تحمل ما تحمل، فينبغي الالتفات إلى ذلك.
كما أننا نتحمل جزءاً من المسؤولية، لأننا ينبغي أن نتواصل مع الجهات الرسمية. وقد كنت ولا زلت أكرر القول: إننا غالباً ما نعمل وفق ردود الأفعال، كأن تصاب إحدى المدرسات أو أكثر في حادث، فنتحرك ليوم أو يومين ثم نسكت.
وكذلك في المجال الخيري، فما هي مساهمة المرأة في هذا المجال؟ وما هي حصتها في المجال الإبداعي؟ وهل تتعارض طموحات المرأة مع مصالح الرجال وحقوقهم؟ لا شك أنها لا تتعارض، فيما إذا حكّمنا العقل، أما إذا تحكمت العنجهية في الأمور فنعم. فإذا رأى الرجل نفسه فقط، فإنها تتعارض مع مصالحه بلا شك، لأنه لا يتحرك إلا في دائرة المبيت الليلي، وهذا منتهى عقله وفكره. ولكن كما أن للرجل حقوقاً فلها مثلها. وكما أن الرجل يسعى للتطور كذلك المرأة.
عوامل نجاح المرأة:
أما عن العوامل المساعدة على الوصول للهدف فيمكن إجمالها فيما يلي:
1 ـ تعرّف صاحبات التفوق: فالأخوات اللائي حققن تفوقاً، وثبتن أسماءً وأرقاماً في القواميس المحلية والإقليمية والعالمية يمكن للمرأة أن تجد من خلالهن دائرة تحلق وتنطلق منها.
2 ـ الاقتداء بالرموز: ففي مسيرة الحياة رموز عديدة، كالزهراء (ع) مثلاً، وعندما تذكر الزهراء (ع) ينقطع الخطاب، فليس هناك بيت أسعد ولا أشرف ولا أكمل من بيت فاطمة الزهراء لأن بيتها هو بيت النبي محمد (ص).
3 ـ دراسة مشاريع التفوق: فهل درست المرأة مشاريع التفوق من حولها؟ وهل تأثرت بها أو تفاعلت معها؟ وهل تابعت الدراسات المتعلقة بمراحل التفوق وطريق الوصول؟ وهل حاولت أن تتمثل طريقتهم وتسير على نهجهم لتصل إلى هدف؟ أو أنها تقف عند حدود التخرج؟
إنكم تلاحظون انعكاس العقلية الذكورية على الكثير من مفاصل الحياة، ومنها التخرج، فعندما يتخرج الولد الذكر تجد الأب يهتم به غاية الاهتمام، على العكس مما لو تخرجت ابنته. وكذلك عندما يخطب الابن، أما عندما تخطب البنت تجده يلوذ بالخجل.
4 ـ تحديد الهدف: فهل حددت المرأة الهدف الذي تسعى نحوه أو لم تحدد؟ فمن العثرات المهمة في حياتنا أننا لا نرسم هدفاً نسعى لتحقيقه.
وعلى فرض أننا رسمنا الأهداف، فهل قمنا بدراستها وتنظيمها أو أننا نتعامل معها بشكل عشوائي؟ إننا نجد الكثير من الأبناء يترددون كثيراً بين أهداف متعددة، وليست المشكلة في الولد وحده، بل في الأب والأم أيضاً، اللذين يمثلان الجزء المؤثر والخطير من المشكلة.
نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.