نص خطبة:أهمية المرأة في منطق القرآن و السنة و العقل

نص خطبة:أهمية المرأة في منطق القرآن و السنة و العقل

عدد الزوار: 3629

2019-02-23

الجمعة 11 / 5 / 1440 هـ 18 / 1 / 2019 م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

ذكرى الزهراء وابنتها الحوراء:

في الحديث الشريف عنهم (ع): «إنما المرأة قلادة، فانظر إلى ما تَقَلَّدُه ... ليس للمرأة خطرٌ، لا لصالحتهن ولا لطالحتهن، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، بل هي خير من الهب والفضة، وأما طالحتهن فليس التراب خطرها، بل التراب خيرٌ منها»([2]).

كنا في الأسبوع الماضي في ضيافة الحوراء زينب (ع) في مولدها الشريف، وهذه الجمعة نقف على مقربة من ذكرى شهادة الزهراء المظلومة (ع). لذا يكون للحديث عن المرأة قيمته من خلال هذه المناسبة وتلك، حيث إن الزهراء وابنتها سلام الله عليهما، تمثلان صورة المرأة المسلمة الكاملة، الأولى تكويناً، والثانية اكتساباً.

في الحديث الشريف عن النبي الأعظم محمد (ص): «ألا وإن الله عز وجل ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأةٍ حتى تختلع منه»([3]). والإضرار بالمرأة اليوم في أجلى صوره وأوضحها، بحيث وصل أن تبذل الأموال الطائلة في سبيل التفريق بين زوجين، اجتمعا على كتاب الله وسنة نبيه، فمن المسؤول عن ذلك؟ ومن يقف وراء هذه الانتكاسة الخطيرة التي باتت تعج بالكثير من بيوت المسلمين.

للمرأة نصيبها الكبير من الخطاب القرآني سواء بالعنوان العام أم الخاص، ونصرّ على أن الخطاب القرآني خطاب ذكوري، وكأننا لا نبصر القرآن إلا من زاوية واحدة، شخصناها من خلال عين واحدة، أو كأننا لا نسمع إلا من خلال أذن واحدة.

المرأة في القرآن الكريم:  

للمرأة في القرآن الكريم نصيب كبير جداً، ومن الجميل أن توضع الدراسات الواسعة، ويُكشف النقاب عن الجانب التأصيلي المشرق في القرآن الكريم لصالح المرأة، وليست المرأة اليوم، إنما المرأة في ذلك الزمن، الذي كانت فيه تباع وتشترى وتوأد: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيْمٌ ~ يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوْءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُوْنٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُوْنَ﴾([4]). 

لقد ارتقى القرآن الكريم بالمرأة وسما بها، ومن أراد أن يقرأ، فما عليه إلا أن يتقلب بين آيات سورة النساء الكبرى، ليرى حجم العناية الخاصة من الله تعالى بالمرأة. أو سورة النساء الصغرى (الطلاق) ليجد الخصوصية والقيمة والاحترام للمرأة، حتى في أعقد الحلقات وأكثرها ضيقاً، وهو الطلاق، حيث أعطاها المساحة الكافية.

وكذلك سورة النور، التي تشتمل عل الكثير من الأمور، نهايتها الارتقاء بالمرأة في عفتها وشرفها. ومع شديد الأسف اليوم، يأتي من أبناء الدين (الإسلام) من يهمز ويغمز، ويحاول أن يلغي هذه الحدود التي سيجت السماء من خلالها المرأة كي لا يُعتدى عليها، لأن الاعتداء عليها لا يقف في دائرتها، بل يتعداها إلى ما هو أوسع وأكثر خطراً.

وكذلك سورة الأحزاب، التي تمثل سجلاً تاريخياً في بعدها العسكري، إلا أن للمرأة في هذا السجل بصمة متشابكة متعاقدة في خطوطها، ولكن لكل عقدة وتقاطع وتواصل معنى، وألف معنى.

وسورة المجالدة، فهذه السورة لو تأمل فيها الكثير ممن انتهى بهم المطاف إلى أسوأ الحالات (وهي الخُلع) لما ساروا وقطعوا الخطوة الأولى في طريقهم. فصار بعضهم يطلب مليون رِيال لإيقاع عملية خلع. وكأن المرأة لم تقرأ سورة المجادلة، ولم تتقلب في آياتها.

وسورة التحريم، التي تعطي للمرأة ما لها وما عليها، فهل تأمّل فيها الرجال؟ هل تأملت المرأة؟

مشكلتنا أن العلاقة بالقرآن علاقة شكلية، وقتية، عابرة، نجتمع عليه في فواتحنا، ونحتضنه للتحضير لامتحاناتنا، ونستشفي به، ثم بعد ذلك يكون القرآن مصداقاً لقول المعصوم (ع): «ثلاثةٌ يشكون‏ إلى الله عز وجل: مسجدٌ خرابٌ لا يُصلِّي فيه أهلُه، وعالم بين جُهّال، ومُصحفٌ معلَّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه‏»([5]).

ومن السور التي عُنيت بموضوع المرأة سورة الممتحنة، فهي تحتوي على مجموعة من الجسور والأنفاق، لو سلكها الناس لما انتهت بهم الأمور إلى هذه النهايات الفظيعة المرعبة.

موقع العقل من التشريع:

ثم يأتي في هذا القرن، الحادي والعشرين، من يقول: العقل هو الحاكم، فلا تقيدونا بقرآن ولا في سنة، فالناس تقدموا في تفكيرهم، وتنوعت ثقافاتهم، وتبدلت المشارب بمشارب، ووجهات النظر بأخرى. ونسألهم: أي عقل هذا الذي تتحدثون عنه؟ هل هو العقل المنضبط بالضوابط العامة والخاصة؟ أو العقل المنفلت الذي لا تمسك به القيود، فيشذ به المسار إلى ما هو بعيد عن الصحة؟ 

مما لا شك فيه أن للعقل دوراً كبيراً، ولم تحترم ديانة لا سماوية ولا وضعية العقل كما احترمه الإسلام، ودونك القرآن، وقد تحدثت عن هذا الجانب طويلاً. وكذلك السنة المطهرة. ومن الجميل أن نعود إلى كتاب الكافي في فصله الأول، لنعيش تلك المفاهيم المدمجة، المشفّرة أحياناً، والمكسورة التشفير أحياناً أخرى، لنستنير بنور العلم.

للعقل دور فاعل في إثبات منظومة كبيرة من المباحث والمطالب الأساسية في مدرسة الإسلام، بناءً على تأسيس القرآن والسنة المطهرة، فهو رافدٌ من جهة، ومؤصِّلٌ أيضاً من جهة أخرى. ففي الفلسفة أعطي العقل العناية الكبيرة، وفي علم الأصول تربع على رأس المطالب، وأكثرها أهمية في عملية استنباط الأحكام الشرعية. هذا هو العقل الذي يحترم.

ومن الأدوار التي فيها فاعلية للعقل، الجانب العقدي، وهذا الجانب ينطوي على منظومة متكاملة من المطالب، بدءاً بوجود الله تعالى جلت قدرته، وهذا من أدق المطالب الفلسفية، وقد حظي بعناية من أرباب علم الكلام والعقيدة. فمسألة وجود الصانع جلت قدرته من المسائل التي عاشها الإنسان الأول وسايرته في مسيرته، تقدم فيها في زمن، وتخلف في زمن آخر. وعلينا أن لا نتصور أن الأنبياء والرسل كانت الطرق أمامهم معبدة، إنما كانت محفوفة بالمخاطر، فبعض الأنبياء قتلوا ومُثِّل بأجسادهم، وبعضهم قتل صبراً، وقطعت أعضاؤه، ثم فرق بين رأسه وجسده، وبعضهم أحرق بالنار. وما أوذي نبي بمثل ما أوذي رسول الله (ص)، ولك أن تتصور المشهد.

ومن الأدوار التي تحرك فيها العقل: النبوة، وأبعادها، فقد أعطى الإسلام للعقل مساحة أن يتحرك، صحيح أن هنالك آيات وروايات، ولكن أيضاً للعقل مساحة، ولم يُلغ أو يستبعد.

وكذلك البعث وما يترتب عليه، ونحن اليوم مع شديد الأسف، عندما نصل إلى مرحلة الموت كأننا نعيش الوضع، على أن الميت أو المحتضر يكون في حالةٍ ما، وعندما يموت ويغسل ويكفن ويدخل القبر يكون في حالات معينة، وعندما نتركه في قبره كأن ما بيننا وبينه وسائل اتصال، وهكذا. صحيح أن لدينا موروثاً، لكنه غير مغربل، ولذلك توجد الثغرة التي يتسلل منها تجار الكلمة، وباعة الخرافة والجهل. فذلك العالم في الحقيقة هو عالم خاص، مشفَّر، لا نرتجي في تخطي عقباته إلا الرحمة من الله والشفاعة من محمد وآل محمد.

وكذلك الوحي وما ترتب عليه، فهو من الأمور التي أسند للعقل فيها مساحة للتشخيص والبحث، والوحي ركنٌ أساس فيما نحن فيه من هذه المنظومة.

وهنا سؤال لا بد من طرحه: هل بمقدور العقل إدراك جميع المصالح التي انصبّ عليها الحكم، أو ليس بمقدوره أن يصل إلى تلك الدرجة من القدرة على كشف المصالح التي انطوى عليها الحكم الشرعي وجوباً أو تحريماً أو غيره؟ الجواب، وبكل وضوح وسهولة: ليس بمقدور العقل أن يستكشف المصالح التي ينطوي عليها الحكم الشرعي في أي جانب من جوانبها، لأننا لا ننظر إلا من خلال زاوية واحدة، أما المشرع ـ وهو الله جلت قدرته ـ فينظر إلى المصلحة بدءاً واستدامة ونهاية. والسبب في ذلك أن العقل لا يتحرك مستقلاً، إنما يغلب عليه الهوى والشهوة والرغبات، لذا لا يكون معصوماً.

وقفة مع مساوئ شرب الخمر:

وبمثال بسيط نقرب من خلاله المراد: أن شرب الخمر يحكم العقل بفساده، والشرع بحرمته، لكن القانون الوضعي يبيحه، فهل أن من يبيحه يتحرك وفق معطيات العقل؟ أو ما دونه؟ لا شك أنه بخلاف العقل وما دونه. لأن الرغبة واتباع الهوى هو المسيطر، رغم أن القانون يدرك ما ينطوي عليه الخمر من مفاسد وأخطار كبيرة، منها ما يتعلق بهدم شخصية المتعاطي للخمر، فشارب الخمر لا كرامة له بين الناس، وهو يدرك ذلك ويشعر به، حتى لو حضر في المجالس، يبقى منهزماً في داخله.

وهنا لا بد من بيان أمر مهم يتعلق بالانهزام النفسي، وهو أنك إذا وجدت في داخلك انهزاماً أمام شيء فعليك أن تصحح، فلا بد من وجود خلل، إما في الجانب السلوكي المرتبط بالدين مباشرةً، أو السلوكي المرتبط بالمجتمع، أو السلوكي المرتبط بك أنت. فإذا وجدت نفسك تدخل جميع المحافل دون أن تضرب أي حساب إلا حساب الاحترام للآخر، فأنت في دائرة السلامة، وإلا عليك أن تضع علامة استفهام كبيرة.

فشارب الخمر مهزوم نفسياً، لأنه هدم شخصيته اجتماعياً وأسرياً، فالكثير من الأسر تتبرأ من بعض أفرادها، فيمنعونهم من الحضور في محافلهم العامة، ناهيك عن الخاصة، ولا يتشرفون بوجودهم.

 أما في الجانب الصحي فيما يتعلق بالمتعاطي نفسه، فالخطر غير خاف على أحد، وليت مداه يتوقف على الشخص نفسه فقط، إنما يتعداه إلى ذريته وأبنائه. ولذلك حذر الإسلام من ذلك، منذ أول يوم، ثم حرمه.

ومن آثاره الاهتزازات المالية، ومما لا شك فيه أن المال متى ما اهتز في مكون الأسرة، ضاعت الأسرة.

ومن آثاره ما هو أمني، وإذا ما سلب الأمن من المجتمع سلب كل شيء، وهدد جميع أنحاء المشهد من حوله، والدراسات والإحصائيات شاهدة على ذلك، ومن ذلك الاعتداء على أقرب الناس، من البنات والأخوات وغيرهن.

فالخمر خطر كبير على المجتمع برمته، في بعديه المادي والمعنوي، وقد ينتهي في الكثير من الأحيان بالطلاق، ففي بعض المذاهب الشقيقة يكفي أن يقول الزوج كلمة الطلاق ليقع الطلاق. بل تطرف بعضهم في الذهاب إلى أن الزوج لو قالها وهو نائم وقع الطلاق!.

ومن آثاره هدم الأسرة، وتشويه سمعتها، فقد يخطب الابن فيكون الأب عقبة لأنه يشرب الخمر. والبنت في البيت قد يكون الأب عقبة في طريق زواجها.

ومن المؤسف أن المرأة اليوم أصبحت تتعاطى الخمر، وليس الرجل فقط، وذلك وفق إحصائيات ومتابعات رسمية في العالم.

هذا الأمر يتسبب في ضياع الأسرة، وضياع المرأة بعد صبرها وتحملها المصاعب مع زوج منحرف في سلوكه. وأما شتات الأبناء فمصيبة وكارثة.

وتكشف لنا بعض الأرقام خطورة الوضع، من خلال هذه الإحصائية السريعة:

فلنأخذ الطلاق مثالاً في مجتمعنا، الذي أصبح سوطاً يهدد به الرجل المرأة الضعيفة المسكينة. فنسبة الطلاق سنة 2017 م بلغت: 53 ألف حالة طلاق. وهي الموثقة رسمياً لدى وزارة العدل، وهنالك ما لم يوثّق من حالات أخرى كثيرة، كالطلقة الرجعية الأولى والثانية عندنا. ومجموع هذه الحالات يشكل أرقاماً مخيفة ومرعبة، والمحصلة النهائية هي: من كل عشرة عقود زواج، أكثر من ثلاثة إيقاعات طلاق!. أي الثلث من حالات الزواج.

وتقول الدراسة: إن خمساً وثمانين في المئة من هذه الحالات من الطلاق، تقع ما بين الأعمار من عشرين إلى أربعين سنة!.

نسأل الله تعالى أن ينبهنا وإياكم لمخاطر الأمور، والجميع مسؤول عن ذلك، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وليس لأحد أن يتخلى عن مسؤوليته.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.