نص خطبة: أهمية الإرتقاء بالعمل التطوعي

نص خطبة: أهمية الإرتقاء بالعمل التطوعي

عدد الزوار: 905

2013-07-18

ضيافة الله:

قال سبحانه وتعالى: ﴿الَّذِيْنَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِيْ الأَرْضِ أَقَامُوْا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوْفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُوْرِ([1]).

شهر رمضان شهر الضيافة الكبرى، والناس معه في دوائر متعددة، منهم من أخذ أهبته واستعداده، ومنهم من ينتظر، ومنهم من ينتظر ما وراء ذلك.

والدعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده دعوة عامة، فالكل مدعوٌّ لضيافته سبحانه وتعالى، وهي الضيافة الكبرى التي لا تحدّ بحدٍّ، لأنها مضافة لله سبحانه وتعالى الذي لا يحدّ بحدّ.

والقرآن الكريم يحثنا في اتجاه متوافق مع معطيات هذا الشهر، ألا وهو الإنفاق، فقد امتنّ الله تعالى على عباده بألوان الرزق: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوْا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوْهَا([2]). وأضاف لذلك لوناً من ألوان المنّ، ألا وهو المغفرة. فكلنا في مسيس الحاجة أن نخرج من هذا الشهر من ضيافة الله تعالى وقد نلنا القسط الأوفى منها، وفي مقدمة ذلك العفو عما تقدم، وغفران الذنوب فيما سلف، لأن الورقة ما زالت بيضاء صافية، قابلة لأن ينقش عليها الناقش ما أراد أن ينقش، لكنها عندما تتلوث فإنه يصعب عليه أن يطبع عليها ما كان يطمح أن يكون منقوشاً عليها. فإن كانت الورقة من النوع الجديد، نقش عليها ما أراد، كما هو الحال مع الذين يدخلون السنة الأولى من تكليفهم الشرعي، وهم يحملون في داخلهم روحاً لم تلوث، وقلباً صافياً، أي أن الورقة ما زالت بيضاء قابلة لأن ينقش عليها ما أراد الناقش أن ينقش، من الأمور التي تأخذ به إلى حيث سمت نفسه، أما من تقدم به العمر ـ ولا عصمة لبشر، إلا لمن خُصَّ بالعصمة ـ فيكون قد خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وما دام الأمر في هذه الدائرة فما على الإنسان إلا أن يصحح ما يمكن أن يصحح من تلك الحالة من التداخل بين الحسن والسيِّئ، والجميل والقبيح، وبالنتيجة بمقدور الإنسان أن يؤمّن هذه المساحة من الصفاء والنقاء والبياض للورقة التي ينقش عليها، وهي الروح.

كما أن الله سبحانه وتعالى قدم لنا يد العون والمساعدة على طبق من ذهب، في أن نتعافى مما وقعنا فيه، وأن نعيد الصفحة إلى حالة الصفاء والنقاء التي كانت عليها في اليوم الأول.

بل إن من خرج من شهر رمضان ولم يُذنب فيه، رجع كما ولدته أمه، وهذا يعني واحدة من الإفاضات الغيبية على عالم الشهود، فإذا وصل المرء إلى هذه المرحلة وودَّع الشهر الفضيل، وقام من على مأدبة الرب، فإنه يستشرف عاماً جديداً يختار على أساسه ما يرغب أن يترك من نقش على تلك الروح، وعندئذٍ يسير معها لسنة إلا شهراً، ليقف مثل هذا الموقف من السنة القادمة.

وليسأل نفسه: ما الذي استطاع أن يطبع على تلك الورقة البيضاء التي تدخلت السماء في سبيل مدّ يد العون له فيها؟

يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِيْنَ اتَّقَوْا وَالَّذِيْنَ هُمْ مُحْسِنُوْنَ([3])، وقد صاحب الإحسانُ حركةَ الإسلام منذ اليوم الأول، وسيد المحسنين هو سيد البشر محمد (ص) وحيث إن الأمر كذلك فهو قدوتنا، فإن كانت الأشهر المتصرمة قيَّدتنا بثقلها المادي، وحجبتنا أن نتحرك في مساحات العوالم المعنوية، فإن المساحة الفضلى اليوم بين أيدينا، وهي قابلة وقادرة على أن تؤمّن لنا ـ إذا ما رغبنا ـ أن نسجل رقماً ضمن حدود دائرةٍ معينة.

الإنفاق في رمضان:

يقول تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ([4]). قد يتصور البعض خلاف ذلك، بمعنى أن يكون الإنفاق من نصيب غيره، فيتسلط عليه البُعد الْمَنِّي منه على غيره، بأنه عندما ينفق القليل الذي زهد فيه فأنفقه، فإنه بنى بذلك صرحاً، وأنقذ مجتمعاً، وسيّس مساراً، حال أن ذلك لا يؤمّن أكثر من إيجاد حالة من الرضا للنفس، في موطن ربما لم تزحف إليه بعد لتحظى بهذا الوسام.

والنبي (ص) مصداق التقوى، وفي إنفاقه تجسيد لواقع أراد للأمة أن تسير وفق معطياته، فوضع حجر الصفّة، وجلس عليه المحتاجون من المسلمين، لذلك نهض من نهض منهم واستطاع أن يشقّ طريقه. وفي هذا المقام كلام طويل عريض أُعرض عنه حفاظاً على الوقت.

يقول سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿وَمَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُوْنَ([5]). فالبعض لا ينفق خوفاً من أن النقيصة تتسرب إلى الرصيد، وأن خدشاً سيحصل في رصيده، والواقع عكس ذلك، فالله تعالى ضرب وعداً للناس ـ ووعده الصدق ـ بأن يربي الصدقات وينميها، وتنميتها تعطي أحد الأثرين التاليين، أو كلاهما:

1 ـ أن الصدقة المدفوعة التي قد لا تتجاوز الريال أو الدرهم الواحد، تتحول إلى عشر أمثالها، ثم تضرب العشرة بمثلها، ثم يضاعف الله لمن يشاء. أي أن الله سبحانه عندما يتولى تنمية الرصيد في الصدقة فإنك لا تستطيع أن تضرب رقماً محدداً فتقول: إن الله تعالى أعطاني بسبب الصدقة المدفوعة المتمثلة بريال أو أكثر أو أقل، عدداً معيناً، فالله تعالى تولى التنمية والزيادة، ولا تُعرف حقيقة ذلك الرقم إلا إذا كُشف عن بصر الإنسان فيقرأه وهو بين يدي القدرة عندما توضع الموازين القسط، عندئذٍ سيجد الريال الذي حرص وبذل جلّ جهده أن لا يغادر خزينته، قد ارتسم أمامه ليشكل مجسماً يتوق أن يكون قريباً منه.

لذا فإن هذا الشهر الفضيل مدعاة لأن يحرك الإنسان هذا الملف إذا كان مجمداً في عام تصرم ومضى.

ففي الحديث الشريف عنهم (ع): «إنَّ الصدقة لتدفع سبعين بليةً من بلايا الدنيا مع ميتة السوء»([6]). فهناك الكثير من العقوبات الدنيوية للذنوب كما تذكر الروايات الشريفة التي رواها العلماء، كالشيخ الصدوق. فالزنا مثلاً يتسبب في ميتة السوء، وهي لا تعني أن يعذَّب الإنسان حتى الموت مثلاً، أو يقتل ثم يقطّع أو يجرّ بالحبال، فربما كانت مثل هذه الميتة ميتة شرف وعزة وكرامة وارتقاء في الدرجات العلا عند الله تعالى، كما حصل مع الإمام الحسين (ع). فهنالك مقامات قد لا يصل إليها الإنسان إلا بمثل هذه الحالات. أما ميتة السوء فمن قبيل أن يموت على مسكر والعياذ بالله، أو يموت وهو ظالم لأهله، أو لأحد المؤمنين، بأن تسبَّب في إراقة دمه أو سجنه أو إرباك واقعه الحياتي، وربما يموت في مواقع لا يحبِّذ أن تكون خاتمته فيها، فأن يموت الإنسان في بيت من بيوت الله أسمى بكثير من أن يموت في مواضع أخرى. 

العمل التطوعي:

فالصدقة تدفع ميتة السوء، ومن يدفع الصدقة مخلصاً، سيجنَّب مثل هذه الميتة.

والأعمال في الحياة على أقسام، منها ما يكون مشمولاً بالتكاليف الشرعية، بما نظّرته الشريعة المقدسة. ومنها ما يبادر إليه المكلف على نحو التطوع. فالناس ملزمون في القسم الأول أن ينهضوا بالمسؤوليات الملقاة على عواتقهم، سواء في الجانب العبادي، كالصلاة والصوم وما إلى ذلك، أم في الجانب المعاملي، كما هو الحال في برّ الوالدين وصلة الأرحام وحفظ الجوار ومحبة المؤمنين، والسعي في خدمتهم، وما إلى ذلك. فكم لدينا من الروايات التي وردت في هذه الأبواب، بل صُنِّفت الكتب في كل مفردة من هذه المفردات، لبيان ما لهذه المفاهيم المقدسة من قيمة وأثر، وما يترتب عليها من آثار.

والعمل التطوعي لم يعد اليوم كما كان في السابق. وربما يتصور البعض أن العمل التطوعي هو دفع المال فقط، والحق أن هذا لون من ألوان التطوع، فهنالكم التطوع بالنفس في خدمة المؤمنين، والقيام بأعمال تحقق لأبناء المجتمع حالاً أفضل مما كانوا عليه. وقد أدرج العلماء والمؤلفون والباحثون تعاريف كثيرة لمعنى التطوع، وأظن أن في التعريف التالي كفاية، وهو أن التطوع عبارة عن: بذل الجهد الاختياري المبذول من أجل عمل ما من غير مقابل بإزائه. أي أن يتحرك المتحرك اختياراً ويقوم بعملٍ ما من أجل فلان من الناس أو العشيرة أو البلدة الفلانية، دون أن يتوخى من وراء ذلك ما يقابله.

فقد يربط بعض أصحاب العمل التطوعي بين عملهم والثناء عليه، فإن حصلت علامات الشكر والتقدير أصبح كمن يهرول بين الصفا والمروة، أما إذا كانت الأمور بغير ذلك، إذ لا يسلط الضوء على ذلك العمل، فإنه يأخذ بالانحدار والتناقص.

إن بذل الجهد في العمل التطوعي أكثر أهمية من غيره، لا سيما في زمننا هذا، حيث توفر المادة والنقد في أيدي الناس، والطبقة المحتاجة اليوم في مسيس الحاجة لهذا النوع من التطوع. فالأموال موجودة، بل هناك فائض في أرصدة الكثير من الجمعيات حسب متابعتي لها.

وأقول من هذا المنبر: من حق المحتاجين أن يسألوا القائمين على تلك المؤسسات: ما هو المستوجب أن تُدَّخر هذه الأموال فلا تأخذ طريقها الطبيعي للمحتاجين؟ خصوصاً أن بعض الصدقات أخذ فيها عنوان التعجيل لا التأجيل!

عوامل التراجع في العمل التطوعي:

أما عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى تراجع عنصر العمل التطوعي في الخدمة الاجتماعية فهي:

1 ـ عدم وجود حالة من الشعور أن ثمة ما يستوجب أن يُبذل من أجل الجماعة. وهنا نسأل: لا إشكال أن ليس كل من اتجه نحو الجمعية فهو محتاج، فهناك أوراق مغلوطة، وأخرى مزورة وغيرها، والشواهد على ذلك موجودة، فهناك استمارات تمَّ تعبئتها ممن لا حاجة لهم في ذلك، بل هم في شديد الغنى عن الجمعية وما تقدِّم.

وبناء على ذلك، أي أن الجمعية تعطي من يستحق ومن لا يستحق، فإن البعض يعزف عن العمل التطوعي. وهذا غير مقبول، لأننا لو عمّمنا هذا الميزان، لأمكن إمام الجماعة أن يقول: بما أن في الجماعة من لم تقبل صلاته فلا داعي للصلاة! وكذلك الخطيب، يمكنه أن يقول: عليّ أن لا أقول شيئاً، لأن هناك من لا يستمع. وهكذا في مجالات الحياة الأخرى. فلو عممنا هذا المقياس لانشلت الحياة، وما عادت فيها حركة. فلا بد أن نصحح هذه النظرة، من عدم وجود المستوجب، لأنه موجود.

2 ـ غياب الروح الخلاقة في مساحة البعد الإداري والتنظيمي: فالإدارات القائمة على الجمعيات، مع احترامنا الشديد لهم، بأنهم يقومون بالكثير من الخدمات الجليلة التي لا توفيها كلمات الشكر، إلا أن النسق الإداري الذي تتحرك على أساسه الجمعيات موروث، وإن تغيرت الوجوه، فقد تجد أن دستور بعض الجمعيات مرّ عليه عشرون سنة دون أن يغربل، وأن ما كتبه زيد من الناس عندما كان رئيساً وإلى جانبه جماعة من حاشيته هو عينه ذاته اليوم، والحال أن الدنيا تغيرت اليوم في جميع جوانبها، سواء في لون الفقر أو طريقة التعاطي مع الفقير، فقد يأخذ الفقير بالأمس الحاجة الملحة الشديدة من يدك وأنت تُعنِّفه، ثم يعود إليك مرغماً مرة أخرى، أما اليوم فربما رماها في وجهك وانصرف، لأنه استشعر الكرامة في داخله.

سمع الإمام أمير المؤمينين (ع) أنين امرأة في الكوفة مات زوجها، وذلك أيام خلافته، وكان لها من الصبية ثلاثة، وقد وضعت لهم قدراً على النار ليس فيه إلا الماء والحصى، وهي تحركه بيدها لتشغلهم حتى يناموا. فطرق الباب واستأذن منها، قال: دعينا نتقاسم العمل.

هذا هو الإمام القدوة، إمام السماء والأرض، والصفوة المصفاة، والنسخة الأصيلة من النبي محمد (ص) التي لم يعترها اللوث، وهذا هو درسه لمن يترفع عن خدمة المؤمنين.

وهكذا تولى أمير المؤمنين (ع) أمر النار والطعام، وكان يقول: تذكرني هذه نار الآخرة. يقول ذلك وهو قسيم النار والجنة، وهو رسالة لنا ولمن يستمع القول فيتبع أحسنه.

من هنا يفترض بالإدارة التنظيمية القائمة على المشاريع أن تكون في حالة من التجديد بما يتماشى وحفظ كرامة الإنسان المستفيد من الجمعيات، خصوصاً أن القائمين على الجمعيات في معظم الأحيان، ليسوا هم أصحاب الإنفاق من الدرجة الأولى، إنما هم ـ في أحسن الظروف ـ كغيرهم من الناس، بل إن من يؤمّنون الروافد القوية للجمعيات هم أبعد ما يكونون عن داخل الجمعيات. فيفترض أن يكون القائم على الجمعية حارساً على المال الذي في يده، والسائل المحتاج الذي جاء إلى الجمعية يجب أن تُحفظ كرامته، لا أن يهان وتهدر كرامته.

إننا بدل أن نجمع مائة أو مئتين عائلة يتقاضون المعونات في وضع مأساوي من الحر الشديد والتنظيم السيِّئ، علينا أن ننظر إلى سائر الدول، وأين وصلت في التنظيم؟ حيث يستخدم الفقير بطاقة المصرف ليتقاضى المعونة بسهولة، فلا داعي لحجز المستودع أو كوادر الخدمة، وما إلى ذلك من التكاليف، فما المانع أن يُمنح الفقير عندنا بطاقة مصرفية باسم الجمعية ليتقاضى المعونة دون ضجيج؟ سواء كانت معونة فصلية أم سنوية أم مقطوعة أم غير ذلك من التقسيمات؟ فما دامت لديك عقلية مقسِّمة، فلم لا تكون منظِّمة؟

3 ـ غياب الدور الإعلامي المحفِّز لكوادر العطاء التطوعي: فنحن في الوطن العربي والعالم الإسلامي، تنعدم عندنا ـ مع شديد الأسف ـ مسألة تكريم من يستحق التكريم. نعم، لدينا اليوم شيء من المتنفس، إلا أنه في دوائر ضيقة جداً، وهو تكريم بعض المتقاعدين من قبل عائلة معينة، وهو أمر حسن، ولكن إذا كان هذا المكرَّم يعني رقماً مؤثراً في المجتمع، فلم لا يتولى المجتمع تكريمه، ليزرع ذلك روح الحماس في باقي فصائل المجتمع؟ وعلى هذه فقس ما سواها.

فتسليط الضوء على جهةٍ ما من هذا القبيل أمر محمود، فلو تصدى أحد التجار لتبني جهة من الجهات التي تحت مسؤولية الجمعية والنهوض بأعبائها، فلا مانع أن يكرَّم، وهذا لا يتنافى مع صدق النية في الصدقة وإخلاصها، بل إننا بهذا العمل نكون قد أوقدنا شعلة من الحماس في قلوب الآخرين، وربما أشركناهم في دائرة المنافسة الشريفة.

لقد تكلّمنا مع إدارات الجمعيات، وقمنا بحثِّهم على إيلاء الجانب الإعلامي قدراً من العناية والاهتمام، فكان كل واحد منهم أكثر احتياطاً مما ألزمه الله به في جانب الاحتياط. والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلا تَنْسَوا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ([7]).  

4 ـ عدم التفرغ للمهمة المناطة بالمتطوع، كي يقوم بها بما يتناسب وحيثياتها، نتيجة التقاطع مع بعض الأولويات المزاحمة. فمثلاً يتطوع المتطوع وهو في تحصيله الدراسي العالي، فيقال له: لديك تقصير في عملك التطوعي، فيجيب: إنه مشغول كثيراً ولا وقت لديه. فإن كان الأمر كذلك فلا داعي للتطوع. ثم إنه إن كان لديه وقت فعلي بمقدار ساعتين، فعليه أن يبلغ الجمعية بحقيقة الحال، لا أن يتطوع بخمس ساعات ثم يكون الناتج ساعتين.

إن النَّظم والانتظام من أهم الأمور التي تساعد على نجاح العمل، تطوعياً كان أم غير تطوعي. فمن كان مشغولاً بتحصيل علمي، أو النهوض بعمل حياتي، فليعطِ المهمة لأهلها.

وهنالك عوامل كثيرة ينبغي أن تتخطاها الجمعيات، لكي تنمو وتتقدم، وأرجو أن لا يثير هذا الكلام أحداً من أصحاب الجمعيات، وإن حصل شيء من ذلك فالأهم هو التصحيح، لتكون ثمرة الكلام هي التصحيح، بغض النظر عن رضا البعض أو غضبه. فالتصحيح هو الأهم، لأن الوضع سيِّئ مأساوي، والناس تشتكي من بعض الجمعيات، وقد زرناها أكثر من مرة، سواء كانت جمعية المبرز أم الهفوف وحتى بعض الجمعيات الأخرى، وتكلمنا معهم، وأكدنا هذا الموضوع.

5 ـ السرية المفرطة في حركة المؤسسة التطوعية من قبل الإدارات، ولا مستوجب لذلك. حتى أن بعض عناصر الإدارة لا يعلمون ماذا يراد بهم، وماذا يراد لهم؟

إن السرية إذا حكمت العمل فهي دليل الفشل، لأنها تعني تغطية العيوب، ومن كان واضحاً يكون قد أراح واستراح، وإلا سيكون تحت المجهر، وتنتهي النتيجة إلى أن ما حسبه في دائرة السر أصبح في أوضح دوائر العلن.

6 ـ فرض الشروط التعسفية على المتطوع: وهذا لا يتناسب مع الحال، لأن المتطوع جاء ليبذل الخدمة من أجل الفقير، لا من أجل الموظف، فهذا الأخير يتقاضى راتباً من الدولة، ولا يزيده هذا العمل شيئاً ولا ينقصه، إنما الخدمة للفقراء والمحتاجين. فلا بد من احترام المتطوع وتقديره، لا أن توضع أمامه القيود والشروط المنفِّرة، وكأن لسان الحال يقول: لا نريد متطوعين أكثر مما لدينا. وهذا غير مقبول.

من هنا تجد أن الجمعيات الخيرية أصبحت كجسم أصابه السِّل، فهي في حال من الضعف والانحدار. فينبغي أن يخفف من تلك القيود والشروط.

7 ـ غياب الجانب المؤسساتي طبق الدراسات المتخصصة في هذا الجانب: وهذا أمر واضح، فمن أوضح العيوب لدينا أن يردنا للجمعية خمسة ملايين ريال مثلاً، أو أقل أو أكثر، فننفق منها، ثم ننتظر أهل الخير في السنة القادمة، وهكذا، ونفرح إذا ما زاد رصيدنا قليلاً، أو ادخرنا شيئاً من ذلك، على أساس أننا حققنا إنجازاً. لكننا لا ننفتح على العالم من حولنا لنرى أين انتهى بهم النَّظم المؤسساتي، فإحدى المؤسسات الخيرية في لبنان تخرّج منها في سنة واحدة 1200 طالب جامعي! وهذا هو الخير والبركة، أي أنك إذا خرّجت هذا العدد من الفقراء الجامعيين، فهذا يعني أنك قدمت الخدمة لألف ومئتي أسرة، فلو ضربت هذا الرقم في خمسة، وهو معدل أفراد الأسرة الواحدة، فسيكون الرقم كبيراً.

نسأله تعالى أن يصحح أوضاعنا، وان يجري الأمور في السياق الأفضل، وشهر رمضان فرصة لمعاودة الحسابات، لا في الأمور الشخصية المتعلقة بنا، فالله تعالى أكرم الأكرمين، إنما في الأمور الحياتية العامة أيضاً. قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيْمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا([8]).   

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.