نص خطبة:أصول حرية الفكر

نص خطبة:أصول حرية الفكر

عدد الزوار: 2388

2016-11-07

الجمعة 3 / 2 / 1438 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

القراءة والتدبر في القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿كِتابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكَاً لَيَدَّبَّروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوُلُوْ الأَلْبَابِ﴾([2]).

ويسير القرآن مع الناس إلى ما هو أبعد من ذلك فيقول: ﴿وَيَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوْحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوْتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَّا قَلِيْلاً﴾([3]).

يقال: تدبرت الكلام، أي نظرت في أوله وآخره، ثم أعدت النظر مرةً بعد أخرى. والتدبر في الأمر: التفكرُ فيه.

للقرآن مع الأمة محطات ثلاث لا بد من التوقف عندها:

المحطة الأولى: القراءة، بأن نقرأ القرآن سرداً وتجويداً، أو من أجل استظهاره، وفي ذلك سيل من الروايات طويل، بعضها مستقيم السند، والبعض الآخر مختل، والمقاربة بينهما سنداً حرفة المتخصص، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان. وأما من حيث دلالاتها فالمساحة محفوظة لمن أراد أن يسلط منظار التدقيق،ويُعمل مشرط الجراحة.

وفي القراءة ثواب عظيم، وأجرٌ ربما يقف الإنسان أمامه مذهولاً، لكن لا غرابة في ذلك حيث إن المعطي هو الله سبحانه وتعالى الذي لا حدّ لعطائه إذا أعطى.

والقراءة أول مفردة أدلى بها النبي الأعظم (ص) عن لسان القرآن، أي عن الله تعالى، كي يضع الأمة على أساس حجر قوي ألا وهو القراءة، فالأمة التي لا تقرأ هي إلى الجهل أقرب، وبه ألصق، أما الأمة التي تقرأ فهي التي تشق طريقها بكل اقتدار إلى عالم الحضارات السامية.

يقول القرآن الكريم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ~ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ~  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ~ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ﴾([4]).

فالقراءة إذن مطلوبة، ورأسمالٍ على أساسٍ منه يحصل الإنسان ثقافته، ويجمع مخزونه العلمي والأدبي والتاريخي، وبعبارة واحدة (الحضاري). كما أن للقراءة أبعادها، فبقدر ما يكون أحدنا يمتلك آليةً تساعده على التفحص فيما يقرأ، بقدر ما يتقدم، وعلى العكس من ذلك تماماً إذا لم يكن بيده الآلية التي على أساسها يبعثر النصوص، ويسبر غور المفردات، فإنه يبقى في أحسن التقادير يراوح مكانه، وهذه الأخيرة تشكل حالة من المرض الذي تسلل إلى بعض الذوات بحيث انعكس على جميع تصرفاتها وتوجهاتها.

المحطة الثانية: التدبُّر، وهي التي تعنينا وتهمنا بالدرجة الأولى، لأننا إذا قرأنا وتدبرنا وتأملنا وأعملنا عقولنا، ولم نسلمها للآخرين كي يتصرفون فيها حيث شاؤوا، فإننا وقتئذٍ نتقدم، وقد لا تكون الخطى سريعة ولكن في نهاية المطاف سوف تصل القافلة إلى حيث تصل، وهذا ما قد يزعج بعض الأحبة هنا أو هناك.

والتدبر ـ أيها السادة... أيها الجيل الطيب، يا من نقرأ فيكم الكثير ـ سلاح ماضٍ ما تركه مثقفٌ أو مفكرٌ أو متطلعٌ إلى هذين المسارين إلا كبت به بطنته، وأسقطته خطاه، على العكس من ذلك تماماً عندما يحرك المثقف والمفكر والأديب والفنان هذا العامل، فإنه سوف يأخذ نفسه ويأخذنا معه إلى مساحات أفضل بكثير مما نحن فيه.

والقرآن الكريم ينتدبنا لهذه الحقيقة بعد أن هيأ لنا الأرضية بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيْ خَلَقَ﴾. فعلينا إذن أن نقرأ كي نؤمّن الموادّ الخام الأولية، وهي عبارة عن آيات قرآنية وأحاديث شريفة، ونصوص أدبية، ومقاطع فكرية، ولوحات فنية تحمل الكثير من الرسائل والتشفير، ثم نجمع عقول الآخرين إلى عقولنا، فليس كل ما عند        الآخر لا يمكن الإفادة منه، فإذا اجتمعنا وتناظرنا وتباحثنا وتجاذبنا ـ في أدنى المراحل ـ أطراف الحديث، فإننا نعمل على صقل المواهب في داخلنا، وتحريك العقول في سبيل أن تبصر ما هو الأبعد.

والقرآن الكريم يشدد ويعنّف على أولئك الذين أكرمهم الله بنعمة التدبر ثم تخلَّوا عنها ورفعوا أيديهم عنها. يقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْنَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوْبٍ أَقْفَالُهَا﴾[5].

مشكلتنا ـ أيها الأحبة ـ في هذا الزمن إما أن نعمد نحن لوضع الأقفال على قلوبنا، أو في حالةٍ أسوأ أن ندفع بالأقفال للآخرين كي يقفلوا عقولنا، وفي كلتا الحالتين هي بضاعة بخسة خاسرة.

من هو الفقيه؟:

في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع)، عن جده أمير المؤمنين (ع): «ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يُقنّط الناس من رحمة الله، ولم يُؤمِنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم. ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر. ألا لا خير في عبادةٍ ليس فيها تفكُّر. وفي رواية أخرى: ألا لاخير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر. ألا لا خير في عبادةٍ لا فقه فيها، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه»([6]).

مصطلح (فقيه) إلى اليوم بين المدرسة في عمومها ـ أي الشيعة والسنة ـ وفي المدرسة الخاصة ـ أي الشيعة ـ لا زال يفتقر للكثير من التعريف المحكم كي نرتب الآثار عليه. فمن هو الفقيه؟ هذا بحثٌ سوف أطرق أبوابه في الأسابيع القادمة، كي نعرف من تكون له الولاية في زمن الغيبة، ومن لا تكون له الولاية. وسوف يأخذ الكلام جانباً علمياً دقيقاً، بعيداً عن حالة السرد التي ربما أعتمدها في الكثير من الأحايين.

فهل أن الفقيه هو من وصل إلى مرحلة الاجتهاد؟ أو من طرح رسالته العملية بين العشرات من الرسائل العملية؟ أو من اتصف بصفة الأعملية؟ أو من هو؟

نجد هنا أن الإمام (ع) يبين لنا الصفات التي ينبغي أن تكون موجودة في ذلك الفقيه، ومن خلالها نستكشف أن مجرد القدرة على استنباط الحكم الشرعي مظانّه ليست هي المهمة، وعليٌّ (ع) لا يُعرَّف ولا يُعلَّم، لأن علياً (ع) عرّفه وعلّمه محمدٌ عن ربه.

فالصفة الأولى في الفقيه الحقيقي أنه لا يقنط الناس من رحمة الله. فهناك من لا يغادر مساحة التحذير من القبر، والملائكة الغلاظ الشداد، والمقامع الحديدية في القبر، مع أن معظم الروايات في هذا الجانب عليها علامة استفهام.

أما عن التحذير من النار فهناك من يدخل في تفاصيلها وكأنه دخلها، حال أن الجنة والنار سرّ من أسرار الله تعالى.

والأمر الثاني في الفقيه الحقيقي أنه لا يؤمن الناس من عذاب الله سبحانه وتعالى، فلا أحد يملك مفاتيح الجنة أو مغاليق النار، وهذا من شأن الله سبحانه وتعالى، وليس لأحد أن يُدخل أحداً النار أو يخرجه من الجنة، فنحن لسنا كما كانت عليه الكنيسة في القرون الوسطى، إذ كانت تعطي صكوك الغفران لمن أراد أن يدخل الجنان، وبنوا ما بنوا، وكنزوا ما كنزوا من رؤوس الفقراء الكادحين. وعلى الإنسان أن يعمل ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهْ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهْ﴾([7]).

وفي نهج البلاغة عن علي (ع) في صفات الفقيه الحقيقي: «ولم يؤيسهم من رَوح الله»([8])، فالله تعالى رحمان، إلا أن البعض ضيّق الرحمانية. والله رحيم، لكن البعض أسقط حقه في هذه الصفة. ونحن في كل يوم نقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن أين هي رحمة الله في خطابنا وأفعالنا؟

والأمر الثالث في الفقيه الحقّ أنه لم يرخّص لهم في معاصي الله. فمع شديد الأسف أن الإنسان عندما يرتكب ذنباً واضحاً بيّناً جلياً فإن الكثير يغطي عليه، أما إذا كان الأمر في دائرة الاحتمال فنرى العكس، إذ نجد أن الأغلبية تفرط بجميع محامل الإمام الصادق (ع) السبعين في فعل المؤمن أو قوله! إذن أين الدين؟ وأين الضمير؟ وأين الإنسانية؟ بل أين الرجولة؟   

أما الصفة الرابعة في الفقيه حق الفقيه أنه لم يترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره، لكن ما يحدث في الكثير من المساحات على العكس من ذلك، فالعلامة آية الله الحيدري مجرد أن طالب بالعودة للقرآن الكريم قليلاً، لا إلى قلب المعادلة، بحيث نرفع اليد عن الآية القرآنية لمجرد وجود رواية! حصل له ما حصل. مع أنه يقول لنا: اعرضوا عن الرواية من أجل القرآن الكريم. إلا أن ما يحصل من البعض هو العكس تماماً. تقول له: قال الله تعالى، فيقول: هذه روايات أهل البيت (ع) . فأي قراءة مقلوبة للدين هذه؟! وبالتأكيد أن هذا الأمر ليس عاماً، ولكن هناك مفردات موجودة في الخارج. فمن يسمع من هؤلاء كلام الله تعالى يدرك أنك سوف تغلق الأبواب عليه بالقرآن، ولا تفتح له مجالاً للغيبة والنميمة والظلم والجور والحقد والحسد، أما النص الديني الآخر إذا أراد أحدٌ أن يلوي عنقه لواه.

ثم يقول الإمام: ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، فهناك من لديه علم إلا أنه لا يتفهّم علمه، ولا يفقه أثره على المجتمع والأمة إيجاباً أو سلباً، فلا يتعقل ما يحمل من علم، ولا يعيشه. وأنا أتكلم بشكل عام، ولا أعني أحداً بعينه.

ثم يضيف (ع): ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر. ورضوان الله تعالى على روح سيدي الإمام، رضي الله عنه وأرضاه في جنان الخلد مع أجداده، يقول: لا تفصلوا الحكم عن زمانه ومكانه فإن للزمان والمكان أثراً على الحكم الشرعي. هذه هي العقلية التي تفهم ما يجري، وتدقق وتتدبر وتتأمل.   

والصفة الأخرى في الرواية الأخرى هي قوله (ع): ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها. فتراه يصلي ولكن بلا فقه لحقيقة الصلاة وهدفها في النهي عن الفحشاء والمنكر، فهو يصلي ويسرق أو يظلم زوجته أو يسعى للفتنة والقائمة تطول. فيكون قوله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾([9])، في عالم ثانٍ.

يقول أحد أساتذتنا: إذا أردت أن تضع الصلاة في ميزانها وتتبصر حالها راجحة أم لا، فعليك أن تنظر إلى العدل (أي الطرف الثاني من الميزان) فإن رجح الطرف ثقل الطرف الثاني فالصلاة خفيفة، وإلا فهي صلاة ثقيلة.

أسس الحرية الفكرية:

الحرية الفكرية في هذا الزمن مطلب أساسي، بعيداً عن كل حالات الإرهاب، فمن حقي وحقك ومن حق جميع الناس أن يفكروا، فالله تعالى هو الذي أعطانا هذه القيمة وهذه النعمة من خلال العقل، فهو الذي منحنا العقل وأعطانا مفاتيحه، ونحن الذين جئنا بالأقفال فأقفلنا عقولنا، وصرنا لا نبصر إلا من خلال زاوية واحدة.

وقالوا في حرية الأفكار: إنها مفهوم ينص على حرية الفرد في أن يكون له آراء وتصورات مستقلة عن آراء الآخرين حول موضوع معين. هذه هي الحرية التي تكفلها الأديان والقوانين الوضعية.

إنني أودّ أن يقرأ الشباب للنماذج الراقية النيرة المتنورة في وسط الأمة، ليروا أي طريق صعب قطعوه، إلا أنهم أوصلوا لنا مفردات نستضيء بها نحن اليوم، كالإمام الشهيد الصدر والشهيد المطهري والقائمة تطول، وليست النهاية بسيدنا فضل الله، فالطريق سيستمر، والنور لا يحجب، كما أن الشمس لا تغطى بغربال فالحقيقة أكثر قدرةً على اختراق الحواجب. فالتنوير لا بد منه شئنا أم أبينا، قبلنا أم رفضنا، حاربنا أم سالمنا.

وهذه الحرية مبنية على أبعاد:

أولاً ـ حرية المعتقد: فليس من حقك أن تُكرهني على معتقد معين، فأنا أختار هذا الطريق بيني وبين الله، ولا شأن لك في ذلك. وكذلك الآخر اختار الطريق الثاني وليس من حق أحد أن يكرهه على شيء، والله تعالى هو من يتولى أمره، فربما تكون لديه حجة مقبولة بينه وبين الله يوم القيامة، وسوف يدخل الجنة بما اعتمده في المعتقد، وقد يكون الخاسر أنت!.

ثانياً ـ حرية الكلام: فمن حق أي إنسان أن يتكلم، ولكن هناك من يسعى لتكميم الأفواه، فهناك أكثر من واحد يسعى في مساومتي بأن أسكت! ولا أدري عن أي شيء أسكت؟ هل أسكت عن خرافة تتسلل إلى شعائر أهل البيت؟ أم عن احتقار الإنسان وامتهان كرامته والتعرض لعرضه؟ ومعنى ذلك أننا تغرّبنا في طلب العلم وتعبنا وتحملنا ثم يطالبنا البعض أن نسكت.

نحن اليوم بين مطرقة الدين وسندان العامّة. وبين عالم متهتك وجاهل متنسك على حدّ تعبير أمير المؤمينن (ع).

أيها الشباب الأعزاء: إن أهم الأصول التي تستفاد من هذا الأمر هي:

أ ـ غرس المبادئ الأصيلة: ومرحلتكم تختلف كثيراً عما كنا نحن عليه أيام الصغر، وهي تحتم عليكم الكثير، فلا ندري ما هو القادم وماذا سوف يجري، فلا بد أن تأخذوا بزمام المبادرة، في القراءة والتدبر والتأمل والانفتاح والتلاقح في الأفكار والقبول والمناقشة في الأجواء الهادئة بعيداً عن التشنج والرفض والإقصاء.

ب ـ نبذ الخرافات والدخيل في الدين والمذهب: فالدخيل أصبح أكثر من الأصيل ومقدماً عليه، وهذه كارثة. والخرافة اليوم سوف تصبح غداً جزءاً من الدين، ولا أحد يستطيع أن يتكلم. والدخيل على الشعيرة اليوم في دائرة ضيقة يمكن مناقشته، لكنه غداً سيصبح أمراً آخر، لذلك لا بد من غلق الجدول من منبعه.

ج ـ الرغبة الجادة في التجديد: ولكن أن يكون التجديد بوعي وحكمة وتوازن ورؤية واضحة، ولا يصل الإنسان إلى هذا المقام ما لم يهيئ الأسباب، ومنها تلاقح الأفكار.

د ـ القدرة على التضحية والاستعداد لها: وهنا لا بد من بيان أمر أختلف فيه مع الكثير، فالكثير        من رجال الدين وغيرهم يرى أن المصلحة مقدمة، فإن كان له ربح في المشروع دخل فيه، وإلا فلا. بل حتى لو كان الربح مؤجلاً، بأن تكون الخسارة اليوم والربح غداً. أما أنا فالعكس عندي، فالغرم اليوم مع الغنم فيما بعد، وليس لدي مشكلة أن أضحي بكل شيء لأصل إلى هدف، وهو الأخذ بيد المجتمع من مربع إلى مربع آخر أكثر نضجاً وتقدماً وتحرراً وإنارة. وقد قلت قبل أيام: إنني مستعد للتضحية بنفسي من أجل أن يتقدم مجتمعي قيد أنملة فقط. والحساب في نهاية الطاف، ولا شأن لي بكثرةٍ أو قلة، ويكفيني شخص واحد يتفاعل معي.

المحطة الثالثة ـ مطابقة الكلام للعمل: وهذا ما أرجئه ليشكل لي مقدمة في الدخول للتأصيل للفقيه، ومن هو الفقيه؟

فالسيد الإمام رضوان الله تعالى عندما طرح في آخر أيامه أن يكون الفقيه بصيراً بأمور زمانه أحدث ذلك إرباكاً، وقراءات الناس متعددة، وقد شككوا في نواياه وقصده، وأنا أستغرب كيف يدخل هؤلاء في قلوب الناس ليعرفوا ما فيها، وما هي القدرة التي يتمتعون بها، هل هي السحر، أو تسخير الأرواح؟ إلا أن الإمام لم يكن يهاب أحداً، وكما علّمنا سوف نسير، بحيث نتكلم في العموميات ومن كان يتحسس لأمر فيه فليتحسّس.

 نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.