نص خطبة:أسباب الطلاق بين قسوة الرجل و تفريط المرأة

نص خطبة:أسباب الطلاق بين قسوة الرجل و تفريط المرأة

عدد الزوار: 3642

2019-03-14

الجمعة 1440/6/9هـ - 2019/2/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وآله الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيتنا خالصةً لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾([2]).

في الحديث الشريف عن الإمام علي (ع) قال: «بالشهادتين تدخلون الجنة، وبالصلاة تنالون الرحمة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله»([3]).

العلاقة الزوجية في الإسلام:

في الحديث الشريف عن الحبيب المصطفى محمد (ص): «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني»([4]).

وعنه (ص): «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»([5]).

ويُسأل الإمام الصادق (ع) عن مفاد الوقاية في المفردة المستعملة في الآية الشريفة، فيقول: «تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك‏»([6]).

مما لا شك فيه أن أشرف بناءٍ بُني في الإسلام هو الأسرة. وقد حظيت الأسرة في الإسلام بعناية كبيرة من قبل الشريعة الإسلامية، وآيات القرآن الكريم الكثيرة شاهدة على ذلك، وقد ارتقى بمستوى المرأة المستضعفة في العهد الجاهلي عند العرب عامة دون استثناء، إلى أن وصل بها إلى مقام يليق بشأنها وما تمتلكه من قدرات. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾([7])، فلا ضلع أعوج من أضلاع آدم، ولا غيره، كما يقول أصحاب بعض المدارس. بل على العكس من ذلك تماماً، فالمرأة كأنموذج متكامل لأحد شقي المكون البشري، لا بد أن تُعنى به الشريعة وتعطيها الموقعية التي تتناسب مع كينونته، كي يفجر الطاقات الكامنة في داخله، ويقدم للأمة وللبشرية عامة العنصر الكامل الصحيح جسدياً وروحياً، فلو أنه عني بالرجل وأهمل المرأة فسوف يأتينا ابن أو بنت، لكنه مشطور التكوين في السلوك والآداب والقيم التي تم غرسها في روحه ونفسه، أما إذا ارتقى بالرجل من جانب، وبالمرأة من جانب آخر، وتلاقيا على شرع الله، نتج منهما منتجٌ غالباً ما يكون كاملاً متكاملاً.

فإذا توفر هذان الجناحان للولد والبنت حلّقا في أوسع الآفاق، وأمكننا أن ننتظر هطول الإبداعات في جميع جوانب الحياة. لذلك نجد أن النبي (ص) يجسد عناية الله تعالى بالمرأة فيما يتمثل بشخص خديجة (ع)، حيث اعتنت بها السماء كثيراً، وكان جبريل ينزل على النبي (ص) فيقول: «أقرئ‏ خديجة من ربها السلام، فقال رسول الله (ص): يا خديجة، هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام. قالت خديجة: الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبرئيل السلام»([8]).‏ وما أعظمه من مقام رفيع، يتمناه الرجال القريبون من النبي (ص). ثم جاءت الزهراء (ع) وهي الأنموذج الأكمل الذي لا يقاس به غيره، بما تتمتع به من خصائص وكمالات.

وحريّ بالمرأة اليوم أن لا تبتعد بنفسها عن دائرة الزهراء (ع) وأن تكثّف القراءة، وتقلّب الوريقات التي خلفتها وراءها، وقد سطرها الأعلام واعتنوا بها، واليوم بحمد الله توجد بعض الجهود المشكورة من بعض أرباب القلم، في جمع موروث الزهراء (ع) والعناية به توثيقاً وتحقيقاً وتصديراً وعرضاً، ونأمل من الله سبحانه وتعالى أن تتقدم هذه المسيرة بفضل جهودهم، لتصل لمرحلة العرض والاستنطاق، فلا تكتفي بالعرض وتقديم المادة، بل تسبر غور الروايات وتستنطقها. ففي المفردة الصادرة عن الزهراء (ع) تجد مجموعة من المعاني المتشابكة، والسبب ليس الضيق في المفردة، بقدر ما هو الضيق في الظرف الزماني، فالزهراء (ع) لم تُمهَل، ولم تعش سوى ثمانية عشر ربيعاً، قضتها كلُّها في ظل النبي (ص) إلا أياماً قلائل بعده. وبحساب الاحتمالات وفرضية التاريخ المحتمل، لو أن الزهراء (ع) عاشت بعد أبيها أربعين سنة، وقاربت عمر النبي (ص) وامتد الظرف الزمني بها، وأفاضت على الأمة من ذلك المخزون الثرّ الذي لم يطّلع عليه في حينه إلا محمد وعلي وفاطمة بنت محمد، لكان موروثها بشكل آخر، كمّاً ونوعاً، ولكانت البشرية بشكل آخر. ولما بقي علمها طي الكتمان حتى ظهور الإمام المهدي (ع). فعندما يظهر لا تبقى أسرار خفية، وسوف يمدّ للبشرية بساط العلم والمعرفة والأمن والاستقرار والرفاه والعدالة والمحبة.

أسباب الطلاق وآثاره:   

ونعود للحديث السابق وهو الطلاق، فالطلاق حقٌّ لمن أخذ بالساق كما هو معروف، ولكن مفردة الطلاق تنطوي على مخزون كبير من الرعب، كما أن في مخزون مفردة الزواج والنكاح الكثير من التفاؤل والسرور والأمان، أما مفردة الطلاق فترتعد منها الكثير من الفرائص، وتضطرب الكثير من الأنفس. ولا تنحصر تلك الآثار بمجلس الطلاق، إنما تتجاوزه بكثير، كما نوهت في الأسبوع الماضي.

أما أسبابه فكثيرة، منها:

1 ـ غياب الحوار الصريح الودي بين الزوجين حول ما يطرأ من مشاكل داخلية وخارجية لها انعكاس على مسير حياتهما، من قبيل حق التوظيف للمرأة، فالمرأة إذا تخرجت وأمكن لها أن تنخرط في وظيفة قد يعترض الزوج طريقها، بدعوى أنه ميسور الحال ولا يحتاج إلى المال، فيصدر لها الأوامر بالجلوس في البيت فقط. والأحرى به أن يجلس معها في حوار ودّي، لا بهذا اللون من المنطق البشع الذي يكشف عن خلفية ثقافية ناقصة. ومن الممكن جداً للزوج أن يجلس معها على طاولة مستديرة، أو يستعين بذوي العقل والرأي.

وكمثال آخر، إذا أراد الزوج أن يسافر، فتعترضه المرأة، بدعوى أنه يترك العيال، حال أن السفر ليس تركاً للعيال في عرض الصحراء أو البحر، فالعيال في البيت معزَّزُون مكرَّمون. وهكذا تُفتعل مشكلة بسبب بسيط، هو سفر الزوج. وأحياناً تتعدى الأمور إلى النوايا. والحال أن القضية برمتها لا تستحق كل هذا، شرط أن تكون هناك قابلية للحوار في أجواء ودية أرادها القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾([9]).          

2 ـ عدم الاعتراف بمناطق الضعف لدى الطرفين: وفي هذا المورد يكون الرجل أكثر تستراً على وضعه المتراجع، جسدياً أو نفسياً أو غيرهما، وبالنتيجة أن كلاً من الرجل والمرأة لديهما نقاط ضعف، تسبب لكل منهما أزمة. فإذا حضر العقل تجاوزاها، وإن لم يحضر أخفقا في مواجهتها، وحصل الطلاق وانهارت الأسرة، أو تفككت على أقل التقادير.

فمن ذلك الأنانية عند الزوج، فالزوج يدرك أن لديه نقصاً في جهةٍ ما، ولشدة الأنانية في داخله يحمل الزوجة تلك الحالة من النقص، ويتزمّت ويتشدد حتى ينقطع الحبل، فيصل الحال أنها لا تطيق أن تسمعه، لأنه لم يكن واضحاً معها منذ اليوم الأول.

أما الزوجة فتشتعل الغيرة المفرطة في داخلها. والغيرة نعمة، لأنها هي التي تحفظ الشرف والعفة والكرامة، لكنها إذا تجاوزت الحد انعكست وانقلبت إلى الضد، وصارت تولد العدوانية في داخل المرأة، فتكون عدوانية أحياناً حتى مع نفسها، لذلك نجد أن بعض النساء تنتهي بها الحالة إلى الانتحار، أو تخلُّص أحد الزوجين من الآخر.

فلو تم الاعتراف من كلا الطرفين بذلك، فلا شك أن الأمور ستكون سالكة وسلسة.

3 ـ تفرد الزوج في المساحات العاطفية والحميمية زماناً ومكاناً وكيفاً: فالرجل يذهب للعمل ليجلب اللقمة الحلال، ويعود في كل يوم إلى البيت، لكنه لمجرد أن يأكل لقمة الغَداء يخرج مرة أخرى للاستراحة، ويمكث فيها إلى ما شاء الله، يتفرج على المباريات، أو يتناول العشاء، أو يُنفق على غيره في الإطعام، حال أنه غارق في الديون. وهكذا يستمر في الاستراحة إلى ما بعد الثانية عشرة ليلاً، ثم يعود إلى المنزل منهكاً، ليجد تلك المرأة المسكينة التي تقوم بأدوار عديدة في داخل المنزل، فهي الشرطي الذي يحفظ أمن الأسرة، وهي عامل النظافة الذي يحرص على نظافة البيت، وهي الخادمة في المطبخ، تقوم بتهيئة الطعام وإعداده وتوزيعه منذ الصباح حتى الليل. فتكون بعد هذا الجهد الكبير قد استسلمت للنوم، وكأنها جثة هامدة. وهنا يبدأ الزوج باستعراض عضلاته أمامها، وكَيْل الأوصاف والألفاظ غير المناسبة لها، من أنها لم تتعلم كيف تستقبل الزوج وتحرص على راحته، وربما يلجأ لإخراجها من بيتها، ثم يطلّقها.

فهذا الزوج الذي أخذ حظه من الراحة والحياة كاملاً، يستكثر على هذه المسكينة أن تخلد إلى الراحة قليلاً بعد هذا العناء. بل لم يتعلم هو كيف يراعي حق الزوجة وأن يعود لمنزله مبكراً. وهذه هي الأنانية المفرطة في هذا الجانب. والمرأة تبقى ضعيفة، تسعى للحفاظ على بيتها وأطفالها.

4 ـ ضغوط الحياة المادية على الرجل: وعدم القدرة على تأمين جميع متطلبات الحياة، بجميع تقسيماتها. كأن يكون تخرج ولم يحصل على وظيفة، أو رضي بوظيفة صغيرة ليتدرج من خلالها لما هو أفضل، فلم يفلح. أو غير ذلك مما يتعرض له الرجل من هزات اقتصادية وعثرات وعقبات. ثم تواجهه المرأة بالمشاكل والخلافات حتى تأتي بما يستفزه ويثير حفيظته، كأن تصفه بأنه ليس أهلاً لإدارة أسرته وإعالتها، أو أنه إن لم يكن بقدر المسؤولية فلماذا تزوج وفتح بيتاً وكوّن أسرة؟ وهنا يدور الأمر بين موقفين: فإن كان الرجل عاقلاً استطاع استيعابها والتجاوز عنها حرصاً على أسرته، وإن كان غير ذلك لجأ للمحذور، وقلب الأمور عاليها سافلها، وأنهى كيان الأسرة كله.

ربما يسأل بعضنا: كيف استطاع الشعب الياباني أن يصل لما وصل إليه؟ الجواب: لأن الرجل هناك ليست لديه امرأة تمنعه من العمل، وليس هنالك رجل خال من المسؤولية، فالجميع يعمل ويشجع على العمل.

فعلى المرأة أن تتفهم المستجدات في الحياة اليوم، فالدنيا تغيرت، وأصبح تحصيل المال صعباً، والأصعب منه الحفاظ عليه.

5 ـ إتاحة الفرصة للأقارب وغيرهم للتدخل في الحياة الخاصة للزوجين: فالبيت صندوق أسرار، وهو كالصندوق الأسود في الطائرات. ولا بد أن نتعامل مع بيوتنا بهذا المستوى، لأننا أمام عواصف وهزات شديدة ورياح متقلبة الاتجاه مثيرة للأتربة وتحجب الرؤية، وأكثر من عدو وعدوّ يحاصرنا. فلا تُدخل أحداً في شؤونك الخاصة حتى لو كان قريباً، بل حتى الأب والأم، ناهيك عن غيرهما. فإن أردت الاستشارات فاذهب لذوي الاختصاصات.

6 ـ غياب الوازع الديني: وهذه هي الطامة الكبرى، فمن لم يكن ذا دين فعليك أن تنتظر منه ما تنتظر، فهنالك الألفاظ النابية واليد الممتدة، والمنع من زيارة الأهل والمحيط، فتعيش الزوجة حالة من الرعب وكأنها في زنزانة.

فإذا غاب الوازع الديني فلا تسل عن وازع اجتماعي وأسري وغيره.

فما هو الحل؟

الحل هو عبارة عن الشراكة الأسرية المبنية على المحبة التعاون والسرية والتفقه في الدين. فمن السهل على الرجل أن يُطلّق، وليس من السهل على المرأة ذلك، بل هو في منتهى الصعوبة. 

نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.