نص الخطبة :علاقات الإنسان في نظر القرآن الكريم

نص الخطبة :علاقات الإنسان في نظر القرآن الكريم

عدد الزوار: 371

2013-10-03

 

  • محورية النفس الإنسانية:   

تكمن قيمة الإنسان في نفسه، فإن هي سمت وارتفعت، تقدم، وإن هانت ونزلت كانت الأمور على العكس من ذلك، لذا يتفاوت الناس فيما بينهم بقدر ما يملكونه من هذه النفس.

وقد عُرفت النفس عند أهل الفن والتحقيق بأنها مجرَّدة، والمجرد لا يُحَسُّ ولا يُدرَك إلا من خلال الآثار الصادرة عنه، والوقوف على كنه معرفته من الأمور المتعذرة، إذا ما أريد به المعرفة الحقيقية لا النسبية.

وهذا الأمر من التجرد يرجع إلى حقيقة النفس، فكبار أرباب قلم الفلسفة والحكمة منذ زمن البهلويين، مروراً بمدرسة اليونان، ثم مدرسة الإسلام الكبرى بكل تشعباتها وتشققاتها تقف عن هذا الحد من التجرد، حتى جاءت المدرسة الغربية بمعطياتها الفكرية التي أُصِّل لها أيضاً في المسار الفلسفي كثيراً، وإن اتكأت على جانب المادة من خلال التجربة في إثبات الكثير مما لا يمكن أن يقام عليه الدليل قطعاً من خلاله، إلا أنهم اندفعوا إلى هذه النظرية من خلال مسافات، لذلك تحقق في مجال التقدم المادي ما تحقق، مما لا يمكن لأحد أن ينكره، واستغرق علماء الفلسفة من الإسلاميين في الجانب اللاهوتي حصراً، مما تسبب في تأخير مسيرتهم في الجانب المادي.

غير أن الإمام الصادق (ع) أراد للأمة أن تجمع بين هذين المسارين فيما يشكل فتحاً لها، لكن الأمة أبت أن تقترب من مدرسته، وتنكرت له، حتى جاء من جاء من أتباع المدارس الأخرى ليستفيد من معطيات وتأصيلات ذلك الإمام العظيم.

أما عن فعل النفس فمما لا شك فيه أنها تحتاج إلى جسم تتقلب من خلاله في إحداث الأمور العرضية.

وتسمى النفس تارة روحاً، وأخرى عقلاً وقلباً، وعند أرباب المدارس من السير والسلوك والعرفان والفلسفة ما يؤمّن لهم المبتغى من خلال اختيار واحدة من هذه المفردات التي تعني النفس في نهاية المطاف.

وكل مفهوم يراد أن ترتب عليه الآثار يجهد العلماء كثيراً في سبيل تحديد مقام التعريف به، لكي يسهل عليهم التعاطي من جهة، والتقسيمات من جهة أخرى، والخلوص إلى النتيجة في المرحلة النهائية. لذا لا نجد أحداً يدخل في بحث علمي إلا ويجنح إلى هذا الجانب، بل ويعطيه من الأهمية الشيء الكثير.

وحيث إن النفس شغلت الإنسان طيلة مسيرته، كان للسماء تدخل في هذا الجانب من خلال الكتب والصحف والأواح، وخاتمة المطاف، وهو الأشرف، ما وصل محفوظاً بتعهد السماء في كل معطياته، وهو الكتاب المنزل على قلب الحبيب المصطفى محمد (ص).

فالنفس جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، أي أنه إذا أُريد إحداث أمر خارجي، فلا بد لذلك الواقع المجرد المعبَّر عنه بالروح من قالب يتحرك من خلاله، وهي عبارة عن أبداننا التي تسير معنا إلى مرحلة ثم تتخلف.

وقد استغرق العلماء بحثاً في العلقة بين الروح والجسد، وهل أن الإنسان روحٌ أو جسد؟ أو أنه روح وجسد؟ فكانت هنالك مقولات كتبت، وأسفار ألفت، وربما تصل إلى حدِّ الموسوعات، لا سيما في مدارس الكهنوت. كل ذلك حول حقيقة الإنسان وذاته، فنحن نعني بنفس الإنسان حقيقته وذاته، بناء على التعريف المتقدم، وهو أن النفس جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، والأعضاء والقوى هي آلاته التي يتوقف فعله عليها. فلا يمكن أن نقف على حقيقة هذه الروح، ولو على نحو الأمر النسبي، إلا من خلال ما تُحدثه في الخارج من الأفعال الصادرة عنها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ، وبذلك تستكشف حقيقتها وما هي كائنة عليه.

 

  • العناصر المكونة للنفس الإنسانية:

 

إن هذه النفس (أو الروح) تتشكل من عناصر أو قوى أربع، وما من إنسان إلا وهذه القوى في نفسه تكويناً، وهي التي تحدث الكثير من التمايز بين أبناء البشر. فعندما يرتقي أحد تلك العناصر على حساب العناصر الأخرى فإنه يُحدث تقدماً في جانب، وعندما يتلبس الإنسان بعنصر هو الأسوأ بين تلك العناصر الأربعة فإنه يسقط إلى الهاوية، على أن هذه العناصر أتاحت للإنسان أيضاً أن يكون أفضل من الملك، المعصوم بالتكوين، الذي لا يصدر عنه معصية. فإذا وازن الإنسان بين هذه العناصر وجعل الحاكمية لما له الحاكمية تكويناً من قبل الله سبحانه وتعالى، فسوف يصل في النهاية إلى مقامات من القرب من الله سبحانه وتعالى هي أقرب من ذلك المقام الذي وصل إليه الملك وهو في عالم السماوات. وهذه القوى هي:

1 ـ القوة العقلية (العاقلة): وهي التي متعنا الله تعالى بها، وتميزنا بها عن جميع المخلوقات، فبها تدرك حقائق الأمور، ولو جُرِّد الإنسان من عقله التبست عليه الأمور، واختلطت المطالب، وتبعثرت الأوراق، ولم يستطع الوصول إلى نتيجة يرتب أموره على أساس منها.

وبقدر ما يشكل العقل من قيمة فهو حق شخصي للإنسان، وكذلك المنتَج من الحركة العقلية يكون ملكاً للإنسان، ولا يمكن أن يصادَر من أي جهة كانت، أفراداً كانوا أم جماعات أم حكومات أم غيرها. فينبغي أن يُحترم الإنسان على أنه الإنسان العاقل الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بهذه القيمة، وهي قيمة العقل.

2 ـ القوة السبعية: وهي متربعة في نفس كلٍّ منا، وتصدر عنها أفعال السباع في الكثير من الأحيان، من قبيل الغضب والحسد وغيرهما، فلو رأيت أحداً طفا هذا الجانب في شخصيته، فاعلم أن هذه القوة تسيّدت الموقف، وأن القوة العقلية تم ركنها في جانب، لذا يصبح الإنسان الذي يفترض أن لا يكون حسوداً، غارقاً في أتون الحسد، وكذا الحقد، وغيرهما من صفات الذم.

3 ـ القوة الشهوية: وهي مما يضاف للقوى الحيوانية، إذ فيها اشتراك واضح بين الإنسان والحيوان، وهي ذات طابع بهيمي، أي أنها تقرب الإنسان من ساحة الحيوان، فجميع تصرفاته وحركاته وسكناته وما يصدر عنه من الأفعال تكون ضمن حدود هذه الدائرة.

الغرب وتصدير الأزمات:

إن هذه القوة إذا ما تفعّلت، فإنها تدخل الإنسان في دائرة العبودية لأمرين: البطن والفرج. لذا تجد الكثير من المجتمعات التي هي خارج دائرة المجتمع الإسلامي المحصن بالكتاب والسنة، أنها عندما ابتعدت عن المسار، بل لم تقبل أساساً الرسالة الخاتمة، رغم أن خاتم الأنبياء قبل نبينا (ص) وهو عيسى (ع) كان قد بشر بنبوة النبي محمد (ص) تجدها قد غرقت في عالم الشهوات.

إن المجتمع الغربي اليوم، بعد أن انغمس في الرذائل، بدأ يلهث كثيراً ليجرجر الجيل الناشئ من أبناء المسلمين لهذا المستنقع. وبطبيعة الحال، أن المجتمعات الغربية لا تستطيع أن تخرج من هذا الواقع.

ومما يؤسف له أن البعض من الإخوة المؤمنين الذين يسافرون لتلك الديار لا يأتون إلا بالورقة البيضاء وينسَون الأوراق السود التي تكتنف الكثير من جوانب تلك المجتمعات، ولا يسألون أنفسهم هذا السؤال: من أين انطلقنا؟ وإلى أين وصلنا؟ ومن الذي احتضننا؟ كل هذه الأسئلة يضعونها جانباً، ثم يقولون: إن المجتمع الغربي مجتمع عصامي، سلوكي، نظامي، وما إلى ذلك من الأوصاف التي نطلقها عليه.

ففي المجتمعات الغربية اليوم مراكز بحث ستراتيجي، تقدم الكثير من الأرقام المذهلة والمخيفة المرعبة، التي تمثل جرس إنذار بخطر يكاد يُسقِط جميع المجتمعات الغربية دون استثناء.

من هنا فإنهم يصدِّرون الأزمات إلى المجتمعات العربية والإسلامية، ومجتمعات العالم الثالث. ومما لا شك فيه أن بؤر التوتر في شرقنا الأوسط وما دونه، كأفريقيا وغيرها، لو أُغلقت، وانشغل الغربيون بأنفسهم، لكان نصيبهم من الحروب الأهلية أشد مما تشاهدون لدينا. فالتضخم في بعض الدول مرعب، وكذلك الانهيار الاقتصادي الذي تسدد فواتيره من قبل الشعوب المحرومة على وجه الأرض لصالح البنوك الغربية الكبرى.

إن أرقام الحروب المزروعة في المنطقة مذهلة جداً، وهي تقوِّم ميزانيات دول بكاملها. والفقر والفاقة ينتشر في أمريكا، التي تدعي أنها الرمز الأكمل بين جميع الدول، ودونك الولايات التي لم تصلها يد التقدم والتطور. أليست هي ولايات من تلك الولايات المتحدة؟ وهل أن العدالة تُجزَّأ؟ أو يُجزّأ الالتزام بالنظام؟ أو أن العدالة يفترض أن تكون شاملة وعامة؟ لذا فإن العدالة المنتظرة للخلف الباقي من آل محمد (ص) ستكون عدالة عامة.

4 ـ القوة الوهمية الشيطانية: وهي التي تحدث وجوه الحيل والمكر بين الناس. ومن الملاحظ هنا أنها القوة الأكثر فاعلية في ذهنية الساسة، لا سيما ساسة الغرب الذين يمتلكون مفاتيح التغيير في الكثير من الأحيان. والهدف من ذلك غالباً هو الوصول إلى المصالح الشخصية.

إن الله سبحانه وتعالى، في الوقت الذي أعطانا هذه النفس، وأودع فيها هذه القوى، هيأ لنا أسباباً، وأرسل لنا أنبياء ورسلاً وأردفهم بالأوصياء والأولياء، واكتملت المنظومة في بيان هدف الإنسان على وجه الأرض وهو الاستخلاف، إلا أنه الاستخلاف الذي يأخذ الإنسان إلى ما هو الأفضل، وليس ما يأتي على استئصال الإنسان من أساسه أو يصادر حقوقه، وإن كانت حقوقاً شخصية، فقد تكون المصادرة في بعض الأحيان حتى في الاسم، إذ لا يحق له أن يتسمّى بما يراه مناسباً من اسم يرغب فيه، وهذا منتهى التخلي عن أبسط ما يمكن أن يُمنح له.

خريطة العلاقات الإنسانية: 

وأهم ركيزة بنى عليها الإسلام هي العُلقة بين الناس، ولهذه العُلقة امتدادات أيضاً، فلها صلة بالسماء وأخرى بالأرض، فالعلقة بالأرض مع الإنسان بما هو إنسان، وبما حوله وسُخِّر من أجله. فهذه العلقة في عالم الدنيا هي سيدة الموقف، أما في عالم الآخرة فالعلاقة واحدة، هي سلامة التاريخ وحسن العمل، فمن سلم تاريخه وحسن عمله وفد على الله سبحانه وتعالى بصحيفة بيضاء يوقّعها النبي الأعظم (ص).

1 ـ العلاقة مع الله:

لقد قدم القرآن الكريم لنا مجموعة من النظم التي تؤمّن هذا الجانب من خلال الآيات المنزلة على قلب النبي (ص) وتبين وجه العلقة بين الإنسان وهذا المحور الذي يرغب أن يحدث حالة الارتباط معه. فأنا وأنت خلق الله، ولا بد من علقة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى. وحيث إن المسافة بين الخالق والمخلوق بعيدة جداً، فلا بد من وجود ما يستوجب الربط، ألا وهو الحاجة والافتقار. ومع شديد الأسف، نجد أن الكثير منا يتنكر لهذا الجانب عندما يكون في سلامة من بدنه، مخلىً سربه، آمناً في وطنه، يمتلك رصيداً من المال، فينسى أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب النعمة الأولى.

فالله تعالى بقدر ما منح الإنسان من النعم، وهيأ له الأسباب، بقدر ما افترض عليه من القوانين التي تصحح مسيرته مع نفسه، وبينه وبين خالقه، إلا أن هذا الإنسان يأبى إلا أن يتنكر لتلك النظم. وما وقع فيه المسلمون من الانهيار والتخلف والسقوط وإراقة الدماء إن هو إلا وليد التنكر لحالة الافتقار والحاجة لله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيْدُ﴾([3]). فهنالكم حالة من الفقر بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، ونحن في مسيس الحالجة أن يرفع هذه الحالة عنا.

والافتقار إلى الله تعالى إنما يكون في كل شيء، فليس من أحد لا يطمح أن يُمدَّ له في الأجل، إلا أن الله تعالى فرض الموت على البشر، وقهر عباده بالموت والفناء. ومن منا من لا يطمح أن يكون ثرياً؟ لكن الفقر يزامل الغنى، والجهل يواكب العلم، والضعف يتماشى مع القوة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفَاً وَشَيْبَةً﴾([4]).

فنحن دائماً وأبداً، وعلى كل حال، في حالة من الفقر والاحتياج إلى الله سبحانه وتعالى، وهو لا يطلب منا سوى الشكر ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ﴾([5])، على أن يكون الشكر عملياً، لا لفظياً فحسب.

2 ـ علاقة الإنسان بأخيه الإنسان:

وهنالكم أمر آخر مهم أيضاً، وهو علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، فقوامها العدالة، إذ لا يمكن أن تنشأ علقة بين الإنسان والآخر على أساس الظلم والجور والطغيان، إنما على أساس العدالة، وكذلك بين الحاكم والمحكوم، فالعدالة مطلوبة في حق العلم والتوظيف وغيرهما، فكل ما رغب الحاكم لنفسه أن يكون فيه يفترض أن يكون للسواد من الناس كذلك، كي تنشأ العلقة والمحبة بينهما، أما إذا تخلف هذا الجانب، واختل هذا الميزان بينهما، فالدعوة إلى حالة من العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان تذهب أدراج الرياح، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾([6]).

3 ـ علاقة الإنسان بالقيادة الإسلامية:

والعلاقة الثالثة بعد العلاقتين السابقتين هي علاقة الإنسان بالقيادة الإسلامية، ففي زمن النبي الأكرم (ص) وعصر الحضور، كانت العلاقة مع المعصومين (ع) أما في زمن الغيبة فالعلاقة مع المعصوم بالواسطة، وهم علماء الأمة ومراجعها والثقات من أعلامها، فهؤلاء قادتها، ويفترض أن تكون العلاقة قائمة بين آحاد الأمة وتلك القيادات والمرجعيات. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِ يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾([7]).

فهنالك إذن علاقات متعددة لا بد للإنسان أن يرعاها.

ولا بد هنا من تنبيه في هذا الصدد وهو: بطبيعة الحال أن علاقاتنا بمراجعنا وعلمائنا لا تصل إلى المستوى الذي يُفترض أن نكون عليه تجاه المعصوم نفسه، فالإمام المعصوم (ع) له مقامه وخاصيته، فالعلماء والرموز لا بد أن يُحترموا، ولكن يبقى المعصوم هو المعصوم، وعلينا أن لا نزايد أحداً في محبة المعصوم لصالح أنفسنا، فما دمنا جميعاً على طريق محمد وآل محمد (ص) فنحن جميعاً محبون وتابعون وعاشقون وذائبون وعلى أتم الاستعداد أن نضحي بأغلى ما نملك، وهذه حقيقة يجب أن نرعاها. أما غير المعصوم فنبقى معه في حدود دائرة التكليف ما دام عاصماً لنفسه.

4 ـ علاقة الإنسان بالشيطان:

والعلاقة الرابعة هي ما بين الإنسان والشيطان ـ والعياذ بالله ـ وهي علقة العداوة بينهما ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوَّاً﴾([8]). وقد وُجدت تلك العداوة من أول يوم وجد فيه آدم. وإلى يومنا هذا نلاحظ أن ما يسوس العالم مبنيٌّ على أساس العداوة.

ولكن العداوة المذكورة إنما تكون للشيطان عند أولئك الذين يستنطقون القانون الإسلامي الأصيل، ويحاولون أن يجدوا له تجسيداً في عالم الخارج، أما أولئك الذين ركبوا سفينة الشيطان، واستبدلوا العلقة من عداوة إلى صداقة ومحبة، وارتموا في أحضان الشيطان الأكبر والطاغوت الأعظم، فالنتيجة واضحة، وهؤلاء لم يتخذوا الشيطان عدواً كما أراد الله سبحانه وتعالى.

5 ـ علاقته بأصحاب اللغو:

وهنالكم علاقة خامسة بين الإنسان وأصحاب اللغو، وما أكثرهم في مجتمعاتنا اليوم! فترى أحدهم في المجالس كأنه قس بن ساعدة الإيادي، ولكن بلا فائدة ولا نتيجة، هذا إذا لم يكن من قبيل وضع الحطب على النار، وإذكاء روح الفتنة بين المؤمنين.

إن البعض قد يأتي إلى آية اللغو في القرآن الكريم ويحاول أن يحصرها في الغناء، حال أن الاستدلال بها على الغناء يحتاج إلى إمعان نظر، واستحضار قرائن، واستفادة من روافد أخرى، كي يصل إلى النتيجة، في حين أن المفردة عامة ولها قابلية الانطباق على الكثير، فعندما يتحدث الإنسان فيما لا يعي ولا يعني فهذا لغو، وعندما يحاول أن يسقط الآخر فهذا لغو أيضاً، ومثله ما إذا حارب أخاه المؤمن، أو انتقص فلاناً من الناس في عمل أو تجارة أو علم أو غير ذلك. بل إن البعض يتجاوز حدود اللغو فيتدخل في النيات.

إن علاقة الإنسان بأصحاب اللغو مبنية على أساس من علقة الكرامة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوْا بِاللَّغْوِ مَرُّوْا كِرَامَاً﴾([9]). أما نحن فلا نمر بأهل اللغو كراماً، والسر في ذلك أننا نشاركهم اللغو، بل لا نستمتع إلا بمجالس اللغو في الكثير من الأحايين.

ولك أن تجرب ذلك بنفسك هذا اليوم، ففي آخر نهار الجمعة تُستحب الكثير من الأدعية، ومنها دعاء السمات، فما عليك إلا أن تقوم بزيارة لبعض الجماعات، لترى بنفسك كيف يشغلون أنفسهم عن الدعاء باللغو، وذكر فلان وفلان.

وكذا الحال في ليالي الجمع، وهي ليالٍ شريفة عظيمة يستحب فيها الدعاء والتقرب إلى الله تعالى، حيث تجد الكثيرين يتجاذبون أطراف الأحاديث حول مباراة انتهت وحسمت فيها النتيجة.

6 ـ علاقته بأهل الكفر والنفاق:

وهنالكم علاقة سادسة هي علاقة الإنسان بأهل الكفر والنفاق ـ والعياذ بالله ـ تلك العلاقة التي ينبغي أن تكون متمثلة بالشدة والغلظة عليهم، ولكن مع شديد الأسف، كثيراً ما تنقلب العلاقة لتكون على النقيض مما أراد الله تعالى في قوله: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾([10])، إذ تراهم أشداء على المؤمنين رحماء على الكافرين، وهذا ما نراه في المجتمع الصغير من حولنا، والمجتمع الكبير الأوسع، ودونك القنوات التلفزيونية التي تشاهد فيها بشكل واضح، أن الرحمة من نصيب الكافرين، فيما نصيب المؤمنين المستضعفين الشدة والغلظة. يقول سبحانه وتعالى في سورة التوبة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِيْنَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾([11])

إنني أدعو المؤمنين أن يتعاهدوا قراءة سورة التوبة بشكل دائم، لأنها تقدم فرع البراء في أدق معانيه وأجلاها، حيث تبدأ بالبراءة دون بسملة ولا رحمة ولا ترحم، مع بيان سماوي عالي النبرة والوتيرة.

إن قراءة تلك السورة والأخذ بمضامينها الإلهية خير للمؤمن من السب والشتم والتعرض لفلان من الناس وبيان ما فيه.

7 ـ علاقة الإنسان بوالديه:

والعلاقة السابعة: علاقة الإنسان بوالديه، وهي علاقة المحبة والرحمة والاحسان، فهؤلاء أصلٌ لنا، وحلقة من حلقات الوجود التي مررنا بها. فوالله لو لم يكن لهم من الفضل علينا إلا أننا ولدنا على حب محمد وآل محمد (ص) بعد التوحيد لكفى. قال سبحانه وتعالى في ذلك: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً﴾([12]). وقال تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيْمَاً ~ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَاً([13]).

أيها الأبناء الأحبة: صحيح أن المرأة عزيزة، فهي حب وحنان وعشق، ولكن لا ينبغي أن تلهينا عن مسؤولياتنا تجاه آبائنا وأمهاتنا، فهؤلاء أصلنا، ولهم علينا من الفضل ما لا يحصى، ولو لم يصدر منهم إلا الدعاء لنا لكفى.

لقد بذل الأبوان من الجهد، وأنفقوا من السنين ما لا يعلمه إلا الله. فقد يكون طلب الأب أحياناً من السهولة بمكان، ولا يساوي شيئاً، إلا أن الولد قد يتضايق. والحال مع الأم كذلك، فقد يتوهم البعض أن الأم تتحمل في سبيل الولد أكثر مما يتحمل الأب، والحال ليس كذلك.

8 ـ العلاقة بالزوجة والأبناء:

والعلاقة الثامنة: علاقة الإنسان مع الزوجة والأبناء، فهو مسؤول عن هدايتهم، وليس محبتهم فحسب، أو توفير الغذاء والمعيشة لهم، أو تأمين السفر والراحة والرفاهية لهم، إنما هي الهداية، المتمثلة بتربيتهم على الأخلاق الكريمة والالتزام الديني والمحبة للآخرين، كل ذلك مسؤول عنه الأبوان، لا سيما الأب. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا قُوْا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَارَاً وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ﴾([14])، وذلك بالهداية إلى المصفّى من العسل، المتمثل بعطاء محمد وآل محمد (ص).

9 ـ العلاقة بالموارد الطبيعية:

والعلاقة التاسعة: علاقة الإنسان بالموجودات الطبيعية من حوله، فالأرض اليوم أخرجت الكثير من فلذات كبدها الموعودة في زمن الإمام المنتظر (عج) فهنالكم أشياء لم تخرج بعد، ولن تخرج إلا على يديه، إلا أن الكثير من المكتَنز فيها طفح على سطحها، وانعكس على حياة الإنسان. فتلك الموارد الطبيعية التي جيرت لصالح الإنسان، بيننا وبينها علاقة، فبيننا وبين البناء والزراعة والهواء والماء وكل موجود على وجه الأرض علاقة، هي علاقة تسخير القدرات في منظومة متكاملة، فلا ينبغي الإسراف والتبذير، ولا البخل والتقتير، إنما لا بد من علاقة متوازنة تُحفظ على أساسها تلك المعطيات الطبيعية.

فها نحن اليوم نرى أن تبذير الإنسان في تلك الموارد راح يستنزف مختلف القدرات الطبيعية. فنحن وإن كنا لا نعيش ضائقة في هذه المرحلة، ولكن ليس من المعلوم أن تستمر الأمور مع الأجيال القادمة إذا كان النزيف بهذه الكيفية، وهدر المعطيات الطبيعية بهذا الشكل، حيث يشارك فيه الفرد والجماعة، والشريف وغيره، والناس والأنظمة، فإن النتيجة ستكون خطرة جداً.

يقول تعالى في شأن هذه العلاقة: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِيْ الأَرْضِ جَمِيْعَاً﴾([15])، ما كان منه في باطن الأرض أو على سطحها.

إذن هنالك علاقة، لها تفرعاتها الكثيرة، فعلينا أن ننظم هذه العلاقات فيما بينها لنبني ونصل إلى ما هو المأمول والمنشود، وهو المحبة والعدالة، وما يترتب عليهما من سعادة كبرى، وهذا ليس ممتنعاً، فلو لم يكن ذلك كذلك لما أرسل الله تعالى الأنبياء من أجله، وهل أرسلهم إلا لسعادة البشر؟

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.