نص الخطبة :المرأة الصالحة سر الحياة و مصدر العطاء

نص الخطبة :المرأة الصالحة سر الحياة و مصدر العطاء

عدد الزوار: 507

2013-03-27

في ذكرى البتول:

عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر (ع): «لم سميت فاطمة الزهراء؟ فقال: كان وجهها يُزهر لأمير المؤمنين من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدُّرِّيّ»([2]).

 في الحديث الشريف عن النبي الأعظم (ص): «لا صلاة لمن لا يصلي عليّ»([3]).

عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى شهادة السيدة المظلومة الزهراء (ع) بنت النبي محمد (ص).

الزهراء (ع) هي رمز الإنسانة الكاملة في هذا الوجود، وهي القدوة للمرأة المسلمة المؤمنة السائرة على نهج نبيها الأعظم محمد (ص).

يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ ~ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ~ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرْ﴾([4]).

من المعلوم أن المرأة كانت ممتهنةً مهانة محتقرة، فجاء الإسلام ليرفع من شأنها، وحيث أرادت السماء ذلك، فلا بد أن ترفع علماً شاخصاً ترنو إليه الأبصار، وتخفق القلوب، وتتوجه العقول والأنظار، فالسماء حيث أرادت ذلك فلا بد أن تُبرزه في عالم الوجود، فتجسد ذلك في بضعة النبي الأكرم (ص). قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّيْ لَا أُضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾([5]).

المرأة في الإسلام:

لقد حاول الكثير أن يحرف معطيات الرسالة في حق المرأة عن مسارها الطبيعي، ولم تكن تلك المحاولة وليدة عهدٍ قريب، إنما كانت لها جذورها الضاربة في القدم، ولو أن أولئك المتاجرين بالمرأة أنصفوا أنفسهم من خلال إعطاء فرصة كافية للتقلب في موروث مقدس صادر عن النبي الأعظم (ص) لكان شفيعاً أن يرشدهم إلى حيث الهدف والغاية السامية.

إن الإسلام بنى نظريته على أن الرجل والمرأة عنصرا تكامل دائم، لذلك قال: بعضكم من بعض، والعمل يضاف إلى عامله ذكراً كان أو أنثى. فالرجل والمرأة في نظم هذا الكون كالليل والنهار، يتعاقبان فيما بينهما أدواراً ليحافظ الكون على ديمومته، وهذا هو مراد السماء، لذلك فإن ما أودع الله تعالى في الليل من العناصر يحتاجها الإنسان بامتياز، فهو السبات لبني البشر إذا ما أرادوه سباتاً، وإذا ما تمردوا على النص المقدس فما وراء السبات إلا الفوضى العارمة التي تشل جميع الأعضاء.

وكما أودع الله تعالى في الليل خصائص، أودع في النهار خصائص أخرى، لا تقل عن نظيرتها، في وقت لا يمكن أن يستبدل أحدهما بالآخر.

وكذا الحال في الرجل والمرأة، ففي الرجل مقومات ليست مودعة في المرأة، والعكس صحيح، وهذا ما تقتضيه القدرة، وعلى أساس منه يتشكل الكون الإنساني ويستمر في البقاء.

ليس من حق الرجل أن يجعل لنفسه امتيازاً في حدود التقنين، إلا فيما اختص به، كما في باب الجهاد مثلاً، الموضوع في معناه الخاص عن المرأة، بيد أن المرأة تشاطر الرجل جهاده في معناه العام، ولهذا مصاديقه، والروايات فيه من الكثرة بمكان.

فوحدة الهدف بين الرجل والمرأة تؤمّن تحمُّل المسؤوليات المشتركة فيما بينهما، وإذا ما تخلى أحدهما عن دوره فإنَّ عطباً سوف يحدث، وكارثة سوف تترتب، وأول من يدفع الضريبة جراء عدم التقاسم في تحمل المسؤوليات هم الأولاد، ذكوراً كانوا أم إناثاً. وكلنا يدرك أن الضريبة إذا ما كانت باهضة ولا يوجد ما يؤمنها، فكم هو الخلل المترتب عليها.

فمن باب المثال، لو وقع الطلاق ـ لا قدر الله ـ بين زوج وزوجة، في بدء تشكل الحياة الأسرية، مع وجود الأولاد، فما عسى أن يكون حال هؤلاء، وأساس الأسرة الأول قد تداعت أركانه، وانهارت قواعده، وسقط سقفه على رأس من تحته؟.

فالمرأة ركن أصيل في الحياة الزوجية مثل الرجل، وكما أن هنالك غُنماً يزرع السعادة ويؤسس للمستقبل، هنالك غُرم أيضاً، فلا ينبغي أن يتخلى الأب عن مسؤولياته في التحمل، كما أن الأم عليها أن لا تتخلى عن دورها أيضاً، وأن تنهض بمسؤولياتها في هذا الجانب.

إن المشاكل تبدأ صغيرة ثم تتفاقم، كالنار التي تبدأ من مستصغر الشرر، فإذا ما تُركت دون توجيه وتقنين تحولت إلى دمار.

وهذه المسؤوليات على نحوين، فهناك ضرب عام وآخر خاص، فالعام هو العمل الصالح في هذه الدنيا، الذي تترتب عليه الآثار الطيبة والثمار الجنية ودخول الجنة من أوسع أبوابها. قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾([6]). سواء صدر هذا العمل من رجل أو امرأة.

إن ميدان الجهاد في الحياة كان يلبس ثوباً معيناً في القديم، أما اليوم فقد بات يلبس ثوباً جديداً، وفق معطيات الحياة وتطور حالة بني البشر فوق هذا الكوكب. فبالأمس كانت الدائرة الأولى للمرأة هي البيت، والدائرة المنتظرة والمرتقبة التي لا بد منها هي دارة الخلود، وهي الدار التي إذا أراد المرء أن يوقدها ناراً فهي حفرة من حفر النار، وإن أرادها مشمولة الجوانب بالإشراق والنورانية فذلك بيده أيضاً.

والبعض منا يكثر من العبادة ظناً منه أن العامل الأول والأخير هو العبادة، ولا شيء وراء ذلك. إننا نُسرج قبورنا بالعبادة نوراً وضياءً، وبالتخلي عنها تتحول القبور إلى ظلمة، وهذا كلام سليم، ولكن في الحدود المعقولة، بمعنى أنه ليس على إطلاقه، لأن العمل يشكِّل توأماً مع العبادة، ومناحي العمل أوسع من دائرة العبادة، ففروض العبادة مقننة، وهي أمور توقيفية ليس من حق أحد أن يضيف إليها شيئاً، وإلا صار مبتدعاً في الدين ما ليس منه.

أما العمل، فلم تتدخل الشريعة في توقيف إلا في مصاديق معينة لا تعطي قاعدة غير قابلة للتجاوز، لذلك بقدر ما تتطور الحياة بقدر ما تتحقق مواضيع ومصاديق خارجية تستدعي أحكاماً مستحدثة، ومنشأ ذلك هو حركة العمل بين الناس. فالنظم الأسري والاجتماعي والأممي كلها تشكل ميادين عمل يتقدم فيها الإنسان أو يتأخر أو يصلح أو يفسد أو يثاب أو يعاقب في نهاية المطاف، ومثلها صلة الرحم، والرفق بالضعيف، والتدبر في الأمور، والقائمة في ذلك لا حصر لها.

ثم يأتي القسم الآخر من العمل، وهو العمل المقنن بروح الضوابط الخاصة، ففي القسم الأول يتساوى الرجل والمرأة ويكونان على حدٍّ سواء، فكما أن الرجل مسؤول عن صلة الرحم، كذلك المرأة، وبقدر ما تكون المرأة مسؤولة عن إضافة لبنة للبناء العام فإن الرجل مسؤول في هذا الجانب أيضاً، لكن هنالك أمور شكلت موضوعاً خاصاً مضافاً للمرأة، فتدخلت السماء لتقنين حركة المرأة ضمن هذا المربع. وكذلك الرجل، فهناك أحكام انفرد بها جراء ما يكتنز في داخله من مقومات مختلفة عما هو مكتنز في المرأة.

فالسماء عندما تقنن لا تعطي امتيازاً للرجل عن المرأة، كما أنها في الاتجاه الآخر لا تعطي امتيازاً للمرأة على حساب الرجل، إنما هي أحكامُ أحكَمِ الحكماء فيما يتوافق والطبيعة البشرية.

فأحكام الدماء مثلاً تتعلق بالمرأة موضوعاً، ولا مجال أن تُعمم للرجل؛ لأنها سالبة بانتفاء الموضوع، لكن هذا لا يعني امتيازاً للرجل عن المرأة، من جهة أن المرأة ترى الدم والرجل لا يراه، فمقتضيات الحكمة الإلهية لحفظ النسل البشري على وجه الأرض، الذي أوكل بعهدته عمارة الأرض: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلٌ فَي الأَرْضِ خَلِيْفَةً﴾([7]) ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيْفَةً فِي الأَرْضِ﴾([8]) إنما تكون عبر هذه البوابة وذلك المسار.

وهنالك شذرات من الأحكام هنا وهناك رصدها وقوَّمها واستدل عليها علماء الأمة قاطبة من الفريقين، لكن من يحاولون المتاجرة بالمرأة على حساب الدين والقواعد والأسس التي شرعها الله سبحانه وتعالى لحفظ كرامة المرأة ورفع شأنها، طالبوا بدعوى رفع المظلومية عن المرأة جراء مجموعة من الأحكام (الإسلامية) وكأن المسيحية المحرَّفة أعطت المرأة حقها، أو اليهودية التي لعب بها أرباب الفكر الصهيوني إلى أبعد حدّ منحوها حقها، فاليهود يتعاملون مع المرأة وفق معطيات مدرستهم على أنها ليست إنساناً، إنما يرون أنها كسائر المخلوقات خارج دائرة البشر.

ومع شديد الأسف، تجد بعض العقول لبعض الذوات المنسوبة للإسلام يطربها هذا اللحن، لذلك تترنح وفق معطياته، فيرون أن المرأة مظلومة في الإسلام. وسؤالنا هو: متى ظُلمت المرأة المسلمة في الإسلام؟ وأين ظلمت؟ وكيف؟ وسؤالنا هذا ليس لأولئك، إنما هو لهؤلاء الالتقاطيين في ثقافتهم، فبعضهم يريد أن يستعرض الوافد متبنياً لمعطياته، ولكن ليست لديه الأهليه الكافية للتعامل بمعطيات الدين الإسلامي الأصيل الوارد إلينا وفق ما جاء به النبي الأعظم محمد (ص).

كانت المرأة خارج دائرة الإنسانية عند الكثير من القوميات قبل الإسلام، وقد شُكِّك في إنسانيتها إلى أبعد الحدود، وعندما أريد للفكرة أن تُخَفَّف وفق بعض المسارات قيل: إنها خلقت من ضلع أعوج، في حال أن الذي أوجد نبينا آدم (ع) في أحسن صورة: ﴿فِي أَيِّ صُوْرَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ ([9]) هل يعجز أن يوجد حواء كما أوجدها؟! وهل كان واضع الحديث أو متعاطيه أو مسوقه يعي تلك القضية أم لا؟ إننا نسمع حتى من منابر الحسين (ع) أحياناً مثل هذا الكلام.

إن مقتضى أن تكون المرأة من ضلع أعوج أن تكون في كل حيثيات التكوين عوجاء، لأن النتيجة تتبع أخسَّ المقدمتين، ولكن، ألا ترى أن المرأة تسلب عقول الرجال حتى لو كانت في أدنى الدرجات؟ بل الأكثر من ذلك أن صاحب كتاب الحياة الروحية في تكامل الإنسان، الشيخ محمد الكرمي (رضوان الله تعالى عليه)، يقول: ومن الناس من تنحطّ به القيم حتى تلتهب مشاعره من النظر إلى حذاء امرأة مطروح!

لقد أخذ الإسلام المرأة إلى مسافات بعيدة، ويمكننا أن نرجع إلى كتاب قصة الحضارة لوول ديورانث لنلمس الأدوار التي تقلبت فيها المرأة وفق ذلك المسار الطويل، من عهد حواء إلى يومنا هذا، فلا زالت عند بعض الجهات التي تدّعي التنور والحداثة تُقرأ بهذه الكيفية، ودعك ممن يدعي غير ذلك، فقد يُقدَّم لأحدهم دراسة كتبتها امرأة بعد جهد جهيد، فيقوّمها ثم يقول: ولكنه بحث امرأة! فهو يحارب الدين الإسلامي ورسول الله (ص) فلما وصل الدور إليه ركب ما كان يَعيبه على غيره. فهو يدّعي مصادرة حقوق المرأة من قبل الإسلام، ثم يصادر حقوقها بنفسه، ويعود لقول القائل: ما عساها أن تحسن وهي امرأة؟!. والتاريخ العربي مع شديد الأسف موصول بهذه النغمة ومهووس بها.

المسلمون وليس الإسلام: 

فأين تكمن الإشكالية في هذا؟ إنها تكمن في كون الإسلام قنّن للمرأة ومنحها حقوقها، لكنها لم تحظَ بنصيبها الشرعي من خلال ما قنن الإسلام، فالمرأة لا تتمتع بما افترضته الشريعة من حقوق، فهي مظلومة بهذا اللحاظ، ولكن الظالم ليس الإسلام، إنما هو الرجل الذي أدار ظهره إلى معطيات الإسلام، فالإسلام رفع من مقام المرأة، ولكن يأبى رب الأسرة إلا أن يحط من قدرها.

فهل أمر الإسلام الرجل أو أجاز له أن يضرب زوجته كما نرى في مجتمعاتنا؟ فكم من يد ويد تمتد فتُحدث الأثر في جسد المرأة!

إن الإسلام لم يضيع المرأة، إنما ضيع الناس الإسلام، فضاعت حقوق المرأة. فالإسلام الذي ينادي بالرفق بالحيوان، والروايات في هذا الباب كثيرة، هل يُعقل أن يمتهن المرأة كما يقول هؤلاء؟

لذلك نوجه دعوة صريحة للمرأة أن تحافظ على الأسس، وعلى رأسها الحياء والعفة وتحمل المسؤولية داخل البيت، فأي كلمة تتسلل من البيت بواسطة المرأة إلى مجالس النساء، ومنهن إلى الرجال، فهذا يعني الشرارة الأولى في تفكك الأسرة، فالمرأة في هذا الجانب أكثر مسؤولية من الرجل، ولا بد أن تلتفت لذلك وتراعي، وهذا لا يعني إلقاء المسؤولية عن عاتق الرجل.

أيها الشباب: إننا نجد اليوم أن منسوب الطلاق مرتفع، وأحياناً يكون الطلاق لا مبرر له ولا منشأ عقلائياً، ولكن عندما نسمع الكلام في الجلسات والاجتماعات نجد الغرائب. فهناك من يسأل الآخر عن زوجته وكيف تتعامل معه، فيبوح كل منهما للآخر عما بداخله، فأين هي كرامة الأسرة وشرفها والتكريم السماوي للمرأة والمحافظة على أسرتها؟ فها نحن نذهب إلى مرحلة الطلاق بلا سبب معقول.

ينبغي أن تكون البيوت مغلقة على كل صغيرة وكبيرة تخص الأسرة، لذلك ليس من حق الإنسان أن يصرح حتى بمقدار رزقه.

فالذنب إذن هو ذنب الرجل المسلم، فالله تعالى يقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ‏ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيْمٌ‏﴾([10]).

إذن مسار الأمر والنهي والعبادة والاتصال والإنفاق والعطاء أن الرحمة سوف تشمل الجميع.

النبي (ص) وحقوق المرأة: 

لقد أخذ النبي (ص) بيد المرأة منذ اليوم الأول، ولك أن تقرأ النبي (ص) مع أمه آمنة بنت وهب، المرأة الجليلة العظيمة المكرَّمة التي لم يعش معها الفترة الكافية، إلا أنه ما فتئ يذكرها، ولولا رغبته (ص) في تثبيت وتجسيد ما للمرأة من وقع في الرسالة الحديثة القادمة للأمة آنذاك لما اعتنى بهذا الموضوع.

ثم عناية النبي (ص) بالأم المرضعة حليمة السعدية (ع) تلك المرأة الجليلة في قومها التي اصطفتها السماء مرضعة للنبي (ص) فنحن نعتقد أنّ ما من قول ولا فعل يتعلق بالنبي (ص) منذ يوم تكوُّنه إلا وهو في عين الله تعالى.

من هنا كان النبي (ص) يكرم قبيلة تلك المرأة المرضعة إكراماً لها، ليثبت ما للمرأة من قيمة.

وكذلك فيما بعد الرضاعة، حيث تكفَّل به عظيمان جليلان، أبو طالب (ع) وفاطمة بنت أسد، المرأة الجليلة التي كرمها الله تعالى بأن جعل من كعبته العظيمة المشرفة موضعاً لتشريف الكون بمولودٍ هو أشرف مَن بعد النبي محمد (ص).

وقد بلغ من تكريمه إياها أنها عندما ماتت دخل في قبرها، وتمدد فيه، وكفنها بقميصه، وصلى عليها قبل أن يلحدها([11]).

فهل هذا امتهانٌ للمرأة ومصادرة لها واستخفاف بها؟ أو أنه احترام وتقدير وإكرام؟

وهكذا كان مع الزوجة الصالحة خديجة الكبرى (ع)، وهي امرأة أيضاً، لكنها ملكة نساء العرب في جزيرة العرب، وأم المؤمنين التي آوت ونصرت وضحت، ثم حملت وأنجبت وربّت، ولو لم يكن من حسناتها إلا فاطمة (ع) لكفاها فخرها على نساء البشر.

ثم خاتمة المطاف مع البنت القدوة الزهراء (ع) ففي الحديث النبوي الشريف: «فاطمة بهجة قلبي‏، وابناها ثمرتا فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم بهم نجا، ومن تخلف عنهم هوى‏»([12]). فهي بهجة قلب النبي (ص) وتكوينها تكوين خاص، للحديث فيه مساحات ومساحات، ولكن يعنينا منه في هذا المقام التربية.

الحداثة أم التخلي عن الأصالة؟ 

وقبل أن أنصرف عن هذا المقام أقول: هل أن ما في الساحة اليوم هو صراع بين القديم والحديث؟ أو أنه صراع على أساس الانقطاع والاتصال؟ إننا نسمع عن الحداثة، فهل يراد بها تحديث المنهج؟ فإن كان كذلك فالجميع متفق عليه، وعلماؤنا ما عادوا كما كانوا في آليات استنباطهم للأحكام، إنما تطوروا وتقدموا، لأن الزمن تطور، ولأن المسؤوليات أخذت مناحي أخرى.

فالمشكلة ليست في الحداثة وتغيير الأساليب، إنما تعدّى الأمر إلى الصراع على أساس الانفصال والاتصال عن الموروث، فهنالك من يريد منا أن ننزع ثوب موروثنا بالمطلق، وهذا لا يمكن أن يحصل، ولا يمكن أن نتخلى عن موروثنا، إذا لا قيمة لنا إلا بالتدرُّع بذلك الموروث.

إنهم يحاولون فصل الأمة عن أصولها، فلم يسلم كتاب حديث أجهد العالم فيه نفسه، إلا وضعت عليه علامات الاستفهام، وليتها كانت ناشئة عن علم ووعي وإحاطة، إنما هي وليدة جهل.

من هنا فقد تشكَّل الخط الإصلاحي في جانب الفكر في وسط الأمة، وهو خط طيب مبارك، لكن مع شديد الأسف، حاول البعض أن يشوِّه صورته، فقد وجد هؤلاء العلماء أن ثمة ضرورة ملحة للمبادرة في إحداث حراك فكري واعٍ وممنهج لتثبيت الثابت وردّ الدخيل، فرأى آخرون أن ذلك التفاف لتحقيق أمر آخر، هو تغليب الحداثة على القِدَم، وهو ليس كذلك.

والمساحات المقترحة في هذا المسار كثيرة، لا يتسع الوقت للتفصيل فيها، وربما نستعرضها في وقت آخر.

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.