مجلس الدعاء الرمضاني
حيث يعقد مجلس الدعاء الرمضاني ومجلس العزاء طوال ليالي الشهر الفضيل, تنوع الخطباء وكان نصيب منها أن كان الخطيب تلك السنة سماحة السيد الفقيد والذي كان يفرض نفسه على سامعيه من أول وهلة وعند انطلاق أول مفردة, شدني إليه وأنا الطفل وقتها أمور كثيرة اذكر منها على سبيل العجالة رغبة مني في أن لا أخذ من الوقت أكثر من اللازم.
الأمر الأول ما كان يتمتع به سماحة السيد الفقيد نفسية عالية من الرفق الروحي روضتها بيئة بيت علوي ملتزم تخرج منه كوكبة من الأعلام ولو لم يكن إلا الباقر "قدس" لكفى.
الأمر الثاني روعة الطرح حيث ترجم ما تصنعه على أيدي أقطاب المنبر الحسيني وعلى رأسهم الخطيب الأكبر السيد صالح العلي "قدس" من حرفة راقية وصناعة متقنة.
الأمر الثالث ما كان يتمتع به من أسباب فطرية يقف في مقدمتها حافظة قوية تختزن كماً هائلاً من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة والأشعار المنتقاة والقصص الموجهة والشواهد الموضحة ولو لم تكن تلك الحافظة لما تسنى له كل ذلك الحضور الثابت والعطاء المتميز.
الأمر الرابع حسن الاختيار لما يرغب في طرحه وهي سمة واضحة دللت عليها الكثير من الشواهد والمواقف المرتجلة والتي كان فيها مجسداً لقول أصحاب البلاغة مراعاة مقتضيات الحال فلكل مجلس طابعه الخاص ولكل محفل ما يتناسب معه.
الأمر الخامس روعة التصوير واستحضار المشهد الذي يريد أن يرسم معالمه في ذهنية المتلقي بعيداً عن التصنع الفج والعبثية القاتلة.
وهي سلاح ذو حدين غير أنه فقيدنا السعيد استطاع أن يوظفه أحسن توظيف وما قصة وقعة بدر إلا خير دليل صدق على المدعى يرفد قصة حركة زيد الشهيد وقبلها المختار والتي يفرغ أهل الحارة أنفسهم للاستمتاع بفصولها في أجواء يملؤها الإيمان والانشداد التام.
الأمر السادس أجواء المصيبة وهي سمة بارزة في خطاباته الموفقة حيث يشاطر المستمع تقاسم الدمعة مبرهناً على صدق الحديث والشعور بحرارة المصيبة, وهذه السمة قد لا توظف في مواطنها إلا عند القلة من أصحاب الخطاب الحسيني وقد كان في الطليعة منهم هذا الفقيد الكبير.
الأمر السابع التقيد بالقواعد العربية في تلاوة النص الشعري بعناية فائقة جداً تخال أنك أمام واحد من أولئك الذين وضعوا للنحو قواعده شرحاً وتدقيقاً.
الأمر الثامن روح المحبة لجمهوره حتى لا تكاد تصل إلى السر الكامن وراء ذلك إلا أن تجعل من روحه منطلقاً وتواضعه سمةً وروح المحبة المتربعة داخل وجدانه سبيلاً.
الأمر التاسع احترامه للآخر له فيه البصمة الواضحة حيث يعطي لكل ذي حق حقه في مقام المعاملة لا يصده عن ذلك حب الأنا ولا مساحة الموقع.
وأخيراً لقد كنت يا أبا الرضا علماً حسينياً زاهي الألوان طويل الجناحين حلقت بعيداً ووقعت على أغصان أشجار لا يحق لأحد أن يقع عليها إلا أمثالك من أصحاب السجل الحافل الطويل بنصوص العترة الطاهرة مسافراً بها إلى أبعد المدية من حولك, رحلت وقد خلفت ورائك تاريخاً حافلاً بصور الإبداع والتنوع.
رحلت وقلبك ينبض حباً صادقاً لمن نذرت نفسك من أجل نهجه, رحلت وأنت على بصيرة من أمرك ثابت القدم راسخ الإيمان صادق القول فسلامٌ عليك حياً وميتاً.