كلمة سماحته في حادثة الغدر بالقديح
نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
عظم الله أجورنا وأجوركم، بشهادة هذه الكوكبة الموالية لأهل بيت العصمة والطهارة (ع)، ظلماً وعدواناً على يد خوارج العصر والدهر.
وبهذه المناسبة الأليمة التي أفجعت قلوب المؤمنين خاصة، وكل من يحمل ضميراً حياً، قررنا إلغاء الاحتفال بالمناسبة العظيمة، ونحسب أن ذلك يُدخل السرور على أصحاب المناسبة، لأننا نعيش آلام شيعتهم.
وإذا كان هؤلاء الأوغاد، بقايا الخوارج، يراهنون على مثل هذه الأعمال الإجرامية في أن ينالوا من إيماننا بأهل البيت (ع) فهم دون ذلك، ولن يستطيع أحد منهم أن ينال من إيماننا واعتقادنا بمحمد وآل محمد (ع) قيد أنملة.
وإن كانوا أرادوا أن يزايدوا على وطنيتنا ويحاربونا فيها فهم أجبن من ذلك، ولا يستطيع أحد أن يزايد علينا في وطنيتنا، فنحن أبناء هذه الأرض، ولدنا وتشكلنا من ترابها، وشربنا من مائها، وتنفسنا هواءها، وعشنا أهلها حباً عبر القرون.
وقد قلت سابقاً في أحداث (الدالوة): إن هذه لن تكون الأخيرة، كما أن هذه أيضاً لن تكون الأخيرة، وليس هذا من باب التشاؤم أبداً، لكن معالم الأمور كأنها تسير بهذا الاتجاه. لذلك نطالب الجهات الرسمية أن تضرب بيد من حديد، لأن هيبة الحكومات والدول لا تحفظ إلا إذا أجريت القوانين، وكل من يرتكب ما يوجب أذىً في نفسٍ أو مالٍ أو عرض فإن جزاءه معروف محكوم بكتاب الله تعالى، وتعطيل الحدود يسهم في إذكاء هذه الروح الخبيثة في أن يقع ما هو الأسوأ، أما وضع الحد لمثل هذه التجاوزات فهو الذي يستطيع أن يأخذ السفينة إلى ساحل النجاة.
نحن على ولائنا ووطنيتنا، ونحب للغير كما نحب لأنفسنا، وكما أننا لا نرضى أن يمسنا أحدٌ بسوء فلا نرضى لأنفسنا أن نمس أحداً بسوء.
أيها الأحبة: علينا أيضاً أن نكون حذرين في تلقّي الرسائل، فالفرصة الآن متاحة لأبناء الطابور الخامس، وهم المنافقون الذين يتربصون بالمؤمنين السوء، منذ زمن الرسول حتى يومنا هذا. فربما يرسلون اليوم بعض الرسائل، التي تشتمل على الإثارة وجرجرة المؤمنين إلى مواطن هم في غنى عنها. فعلينا أن نحذف تلك الرسائل ولا نتناقلها؛ لأنها لا تزيد المشهد إلا مأساويةً، ولا تدخلنا إلا في حسابات خاسرة.
أيها الأحبة: نعمتان مجهولتان، الصحة والأمان، لا يدركهما إلا من فقدهما، فنعمة الصحة واضحة بينة، إلا أن نعمة الأمان أكثر قيمة وأغلى من نعمة الصحة، فالمريض يمكن أن يسير بمرضه، إلا أنه عند فقد الأمان لا يمكنه حتى السير بمرضه.
إننا في نعمة كبرى، ووضعنا جيد، ولا نرجو ولا نأمل ولا نتطلع أن نكون في يوم من الأيام ضحية، مذقة الشارب، كما يحصل في أكثر من مكان ومكان. وثقتنا كبيرة، نجددها ونؤكدها، أن المسؤولين متى ما أرادوا فإن لهم اليد الأولى في هذا الموضوع، أن يضعوا حلاً، ويجتثوا الشجرة من أصلها، لأنها متى ما تدلّت غصونها ثم أسقطت ثمارها، وجاء من يرعاها ويسقيها بماء الخبث والمكر والنفاق فإنه سوف يغرس منها ما يغرس، ثم لا يؤكل منها إلا الحنظل.
أيها الأحبة: في هذه الليلة اجتمعتم، ووقّعتم عهداً مع الإمام الحسين، وقمر بني هاشم، والسجاد (عليهم السلام) والناس على نياتهم، والمؤمن على نيته، وقد كانت نيتنا أن نحتفل ونفرح كثيراً، وأعددنا للحفل عدته، من الشعراء وغيرهم، لكن شاء الله تعالى أمراً آخر.
نزفُّ هذه الكوكبة النيرة من الشهداء لسيد الشهداء في ذكرى مولده، فهو سيد الشهداء الأَولى باستقبالهم في هذه الليلة في عالم الملكوت الأعلى.
عظم الله أجور ذوي الشهداء، وجمع بين هؤلاء الكوكبة النيرة وأوليائهم الطاهرين محمد وآله (ع).
وهنالك أمر مهم أيضاً، هو أننا سوف نختم بعد الصلاة، وأرجو المشاركة وعدم الانصراف، وهذا أقل ما يمكن أن نقوم به.
وهنالك أمر آخر أيضاً يطبب الجراح في الكثير من الأحايين، ألا وهو التوسل إلى الله بمحمد وآل محمد (ع) وسوف نقرأ إن شاء الله تعالى دعاء التوسل بعد صلاة العشاء مباشرة، لأن المصابين كثر، وربما ترتفع قائمة الشهداء، وهنالك من قد يقضي بسبب نقص الدم، لشدة النزف، وبتر الكثير من الأعضاء، في مشهد مأساوي.
لقد نكبت القديح قبل سنوات في الحريق الذي نشب فيها، واليوم تجددت المأساة، ولكن على يد أعداء الله والرسول (ص) والإنسانية، من أولئك الأوغاد الذين يعادون كل شيء على وجه الأرض. وقد قلت قبل أشهر: لن تكون الأحداث ضمن حدودها، وسيكون في القادم من الأيام ما هو أعظم، وحدثت جريمة (الدالوة)، واليوم أكرر وأقول: إذا كان التعاطي مع الأحداث بهذه الكيفية فالقادم أعظم. فعندما لا يرغب المذيع أن يذكر اسم مستشفى الصادق، ومستشفى الرضا، فما عسى أن تكون عليه الأمور؟ وعندما يكون اسم مسجد الإمام علي (ع) ثقيلاً على لسان المراسل، فما الذي ننتظر؟.
لذا نهمس في آذانهم، ونلتمس منهم أن يكونوا جادّين، وأن تكون روح الصرامة هي سيدة الموقف، فأرواح الناس أمانة، وأموالهم أمانة، وأعراضهم أمانة، وللمواطنة ضريبة، لأنها مشاركة بين طرفين: الحاكم والمحكوم، ومتى ما سادت الأمور طبق الموازين بينهما استقامت.
نسأله تعالى أن يتقبل هذه القرابين، ويجعلهم في ركاب قافلة كربلاء، وأن يتقبل دماءهم، ويدفع البلاء والسوء والأذى عن كل شريف على وجه الأرض، لأن هؤلاء لا يفرقون بين مسلم وغيره، ومشهد العراق واضح، ولا بين شيعي وسني، ومشهد سوريا واضح، والمشاهد أكثر من أن تحصى وتعدّ، فهم أعداء الإنسان، وهم المنافقون الذين نزلت فيهم سورة كاملة من القرآن الكريم.
نسأله تعالى أن يجمعنا وإياكم تحت قبة سيد الشهداء، وأن يمسح على قلوب آباء وأمهات وأهالي الشهداء، وأن يكتب لهم الصبر والسلوان. كما أسأله لي أن تكون خاتمة عمري على هذا المسار، وهو أفضل وسام يخرج به المرء من هذه الدنيا.
وإن كان هؤلاء يظنون أننا سوف نُخلي مساجدنا لتفجير هنا أو هناك فقد خسئوا، وإن كانوا يرغبون أو يريدون أن لا نجتمع في حسينياتنا فقد خسئوا ومن وراءهم، فسوف نبقى حضوراً هنا. وقد قتلوا زوار الإمام الحسين (ع) في تلك السنة، فخرج الآباء والأمهات في السنة التي بعدها يصطحبون أطفالهم معهم. فنحن أبناء مدرسة علي والحسين (ع) التي لم تبخل بالدم طيلة تاريخها، وإن كانت مكرهة مجبرة عليه، وتاريخنا يشهد أن أيدينا لم تمتدّ بغدر، ولم نطعن من الخلف، ولم نفجر أنفسنا بأحزمة ناسفة، إنما هي معارك حصلت في فترات من الزمن، كان السيف فيها يقابل السيف.
نسأل الله تعالى لنا ولكم القبول والتوفيق، والحمد لله رب العالمين.
للإستماع اضغط هنا