كلمة سماحة السيد في احتفال منتدى الينابيع الهجرية
إن كانت ينابيع الماء يا أحساءُ قد نضبت، فإن ينابيع الشعر لم ولن تنضب أبداً، حيث إن الروافد الهجرية كانت وما زالت وسوف تبقى هي المصدر الصافي.
الأحساء بأرضها الخضراء، قطعة من جنان يتفيأ ظلالها المبدعون والمؤمنون... والأحساء في سمائها الصافية الزرقاء خيمة لا يعرف قدسها إلا العاشقون... والأحساء في سلسال مائها العذب، نهرٌ تدفق من كف رب العزة والجلال... والأحساء في أهلها كونٌ آخر لا يهتدي إلى سرِّ كينونته إلا المبدعون أمثالكم، وهم القلة بين الناس... والأحساء همزة وصل بين الماضي بكل عطاءاته وتأصيلاته، والحاضر بكل محطاته وانطلاقاته، والمستقبل بكل ألوان الاستشراف الناسوتي عند مساحات الخلق الجديد بكل تطلعاته. وأخيراً... الأحساء في إنسانها المميز في قدراته الذاتية جسداً وروحاً... جسدٌ له قابلية البقاء والتكيف مع كل تقلبات الطقس صيفاً وشتاءً، ينال منها (أي حالة الطقس) ولا تنال منه، بل ولا تنال من كينونته واقتداره... أما روحه فهو ذلك الإنسان المؤمن بربه إيمان وعي وقناعة وفكر وتدبر.
وإذا كانت المفردات تتزاحم فيما بينها، فإن مفردة الأدب بعمومها، والشعر بخصوصيته، تبقى تلك المفردة المميزة، ذات الطابع التكيفي، حيث الأصالة المتجذرة بأصول الأدب الإنساني منذ أيامه الأولى، والنقلة التي احتملت أدوارها واستكملتها في لونٍ من ألوان التطور من حولها، والخاص من ذاتها. لذلك جاءت (الينابيع) ثمرة جهودٍ متواصلة، وعطاءات ممتدة، لتقدم للإنسان كل عطاءات الحب المقدس، والأدب الراقي، والفنّ الجميل.
إن ربع قرنٍ من الزمن هو عمر الينابيع الهجرية اليوم، وهو بحساب الزمن يودع أحد فصوله، في يوبيل فضّي رائع، ما كانت لتكتمل ألوان طيفه لولا أنتم. غير أن عمر العطاء لا يستوعبه هذا الظرف الزمني القصير جداً، حيث تعددت صور الإبداع، وبرزت القامات شاخصةً، وحققت المراكز المتقدمة، بل والصدارة في الكثير من المناسبات والمحافل الرسمية والمذهبية وذات الطابع الشخصي.
واليوم، حق للأحساء أن تفتخر بفجرها الأدبي، وعصرها الذهبي، حيث كوكبة الخيال المجنح، وأرباب القلم الهادف، وأصحاب النفسيات الطموحة، ومشارب النهج الموجه، تتمازج فيما بينها، لترسم لوحة الأحساء في صورة ينابيع متدفقة بكل قطرات التكوين والخلق الأولي.
إن مدرسة الشعر الأسطوري، بدأت بطرفة بن العبد الهجري، الشهيد الخالد في مساحات الأدب، لتتفتح عن مسارات متكثرة، ومقامات متعددة، لعل ابن المقرب الأحسائي، شاعر السيف والنخيل، يعدّ فيها إمام النقلة والإبداع الأدبي بكل تجلياته، وإن حاولت محاصرته بعض الأقلام الهابطة، حيث يتجلى اليوم في واقعنا الحديث، وفي وقتنا الراهن، وأيامنا التي نعيشها (الجاسمان)، ويسمو (الناجيان)، والروافد من حول ذلك أكثر من أن تختصر في معجم.
وتتلون أطياف المشهد، لتغدو في كل اسم من نسيج تكونها الجديد لغة شعر راقٍ، وأطروحة فكر متقدم. وهذا ما نطمح فيه، ونصبو إليه.
نبارك للجميع فرحتهم، وأخص بالذكر من أجهد نفسه كثيراً، الأخ الأستاذ ناجي الحرز، صاحب الفضل الكبير على الينابيع، منذ يومها الأول، ونسأل الله تعالى أن يعطيه العمر المديد، والصحة والسلامة، والقدرة على الأخذ بالينابيع إلى حيث أصابت هدفاً. فهو الذي فتح صدره قبل بيته، ليكون حجر أساس، لانطلاقةٍ موفقة.
فهنيئاً لنا ولكم جميعاً كل ذلك، وإلى يوبيل ذهبي قادم والجميع بصحة وسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.