كلمة بعنوان:موروث الإمام السجاد عليه السلام الثقافي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
محطات من حياة الامام السجاد (ع)
في ليلة الجمعة الماضية مرت علينا واحدةٌ من المناسبات العظيمة المؤلمة ألا وهي وفاة الامام السجاد (ع ) هذا الامام العظيم في حياته محطاتٌ كثيرة سلط خطباؤنا وبعض ائمة الجماعة الضوء على كثير منها ـ جعل الله ذلك في ميزان اعمالهم ـ، لكن حيات اهل البيت عليهم السلام لا تحدُ بهامش من هذا القبيل، لأنها تستمد حيويتها وديمومتها من خلال الفيض المطلق المرتبط بالله سبحانه وتعالى، فمهما كتب الكاتبون او تحدث المتحدثون يبقى او تبقى حيات المعصوم (ع) حياة فيها الكثير من الدروس والكثير من الزاد لمن اراد ان يتزود، اختلف في مكان ولادته؛ قيل: في الكوفة وقيل في المدينة وهو الاشهر، ان كانت الكوفة هي مسقط الرأس فلعل للقدر في ذلك دخلٌ كبير حيث ضربت لهذا الوليد وقتها موعداً مع واحدة من اقصى المحطات واصعبها على اهل بيت النبوة ألا وهو يوم ان دخل الركب العلوي الفاطمي الهاشمي الى الكوفة بعد ذلك العز ايام الخلافة لعلي (ع) واذا بهم اليوم يدخلون المدينة وهم في تلك الحالة نساءٌ واطفال مكبلين بالحبال يتفرج عليهم الكبير والصغير وينعتونهم ببعض الالفاظ، بالنتيجة قد لا يقدم كثيرا ولا يؤخر ان يكون الانسان ولد في مكان ما، لان الامور ليست بيده في ان يختار مكان ولادته ولا حتى في يد ابويه ايضا ـ في بعض الاحيان ـ كى يختاروا له ذلك الموطن، لكن مما لا شك فيه ان انتماء الانسان لوطن سقط رأسه فيه بادئ ذي بدء له عُلقة من نوع خاص بين الفين والفينة تؤجج في داخله الكثير من المشاعر والاحاسيس واذا ما درج فيها لفترة من الزمن تنطبع سلوكياته بعادات ذلك البلد الذي يمثل له وطناً اصيلاً، فقهاؤنا ايضا ـ رحم الله من مضى منهم وحفظ الله من بقي ـ لم يغفلوا هذا الجانب جري وراء ما اسسه اهل البيت عليهم السلام من خلال مروياتهم التي تحمل النور والهداية للمكلفين ان للوطن الاصلي او مسقط الرأس وما ترتب وتفرع عليه لتقادم الزمن وتطور الثقافات مجموعة من الاحكام ليست بالخفي على معظمكم ان لم يكن الجميع.
موروث الامام السجاد (ع)؛ رسالة الحقوق انمودجاً
بالنتيجة الامام زين العابدين (ع) خلف وراءه ثروة ثقافية من نوع خاص فيها كل روافد الثقافة ما على الانسان الا ان يرجع اليها، ان يتصفحها، ان يحاول استنطاقها، ان يحاول ان يوجد لها المساحة الكافية في داخله كي يرتب عليها الآثار وهي عبارة عن «رسالة الحقوق» ووالله ـ ثلاثا ـ من المعيب ان لا يكون في بيت من يعتقد الامامة في زين العابدين (ع) وهذه الرسالة لا تحظى بموقع في بيته! لأنها تنظم العلاقة مع الله من جهة، تنظم العلاقة مع النبي (ص، مع القرآن، مع النبي الاعظم واهل بيته عليهم السلام، مع علي (ع) مع الزهراء سلام الله عليها، تربط الانسان بمكونه الداخلي، تبين ما للقلب ما للعين ما لليد ما للسمع من علاقة وهكذا ثم العلاقة حتى مع اولئك الذين لا تشترك معهم في دين أي العلاقة مع اهل الذمة ناهيك من العلاقة مع من تعيش معهم ضمن منظومة واحدة وهي الدين، العلاقة مع العلم، مع المعلم، العلاقة مع المتعلم، العلاقة مع الانسان الذي تجري المعاملة معه خارجا وهكذا مع الاب، مع الام، مع الاولاد.. كثيرٌ منا يبحث عن الهداية من اناس ربما يكون اولئك هم في مسيس الحاجة لمن يهديهم، لكن اهل البيت عليهم السلام لم يبخلوا علينا حيث بذلوا جهدهم ان سكت عنهم الآخر ابتدأوه، اما بآية محكمة او رواية فيها بيان او صمت على نحو دلالة هكذا كانوا اهل البيت عليهم السلام، فرسالة الحقوق هي عبارة عن خمسين بند، خمسين رسالة، خمسين هدية الامام السجاد (ع) يقدمها لنا، لنسأل من انفسنا: هل قرأنا رسالة الحقوق في ذكرى وفاة الامام السجاد (ع)؟ هل قرأنا اجزاء منها؟ لأن جزء واحد منها بإمكانه ان ينظم علاقتنا في الحياة، مشكلتنا أننا نقرأ اهل البيت عليهم السلام من خلال العاطفة فقط ولم نقرأهم قراءة دقيقة صحيحة، فمثلاً ما للأب وللام من الحق الذي اصّله القرآن حتى بلغ بها الى هذا المقام بحيث يقول: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾[2] الى هذا الحد في! روايات اهل البيت عليهم السلام نفس الشيء شق طرق، انفاق، تجسير، ربط هذه المدينة الروحية عند اهل البيت عليهم السلام الذين يريدون لنا ان نحافظ عليها، فخمسين رسالة كم قرأت منها لوحدك، كم قرأت فيما بينك وبين ابنائك من هذه الرسالة؟
المدرسة الروحية للإمام السجاد (ع)
يعتبر الدعاء اقصر الطرق بعد القرآن الموجبة للارتباط بالله سبحانه وتعالى، هذا الامام العظيم يخلف وراءنا هذا الزبور هذا السفر المقدس أي الصحيفة السجادية، الدعاء الذي يصدر على لسان المعصوم ليس مثل الدعاء الذي يضعه الناس فيما بينهم، روايات اهل البيت عليهم السلام تقول بان الله سبحانه وتعالى يحب العبد المتملق، لكن المتملق لله وليس للناس، لأن التملق للناس مذموم ما هو الداعي للتملق لك أو للتملق لي، كلنا عبيد الله لا رصيدك المالي يقدمك عليّ ولا العلم يرفعك عليّ ولا... الملاك هو التقوى، فهذه الصحيفة السجادية فيها اربعة وخمسين فصلا يضاف اليها ادعية الايام وهي سبعة، ثم يضاف اليها خمسة عشر مناجاة، لنسال أنفسنا مرة ثانية هل وضعنا الصحيفة السجادية ـ مع القرآن ـ جانبا ولا نحتاج لادعيتها في الصلاة أو بعد الصلاة أو قبل الصلاة؟ نحن اذا أردنا ان نربط أبناءنا مع الله واذا أردنا أن ننشيئ علاقة مع الله علينا ان نتمسك بهذه الادعية التي تصدر عن لسان الامام المعصوم (ع)، يعني الذي يتكلم هو الامام زين العابدين (ع)، نحن عندما نريد أن نطبع من أجل ذكر الميت في اربعينيته أو مرور سنة على وفاته كتاب أدعية (بثوابه) فأي كتاب دعاء نطبع؟ هل الادعية المصطنعة والمخترعة التي وضعها البشر والتي يخلطون فيها بين التوحيد وعدمه ونترك الصحيفة السجادية! اذا كان لديك رغبة وهوس في أن تريح الميت في قبره عليك ان تتطبع الصحيفة السجادية، عليك ان تنشر علوم اهل البيت عليهم السلام لا علوم بعض الرجال هذا هو المهم.
أهمية تقديم مدرسة الامام السجاد (ع) بشكلها الصحيح
نحن ماذا عرفنا عن الامام زين العابدين (ع)؟ هل عرفنا أنه جاء الى المدينة بعد محنة كربلاء والكوفة والشام وحط رحله هناك، هل نقدّم الامام زين العابدين (ع) بأن ما كان لديه عمل سوى ان يخرج كل يوم للسوق حتى يرى القصابين ماذا يفعلون مع الكباش؟ وكأنه لم يكن المفسر الأول للقرآن في المدينة بعد طاحونة كربلاء؟ أو كأنه لم يكن امام الفتوى الاول في المدينة المنورة بعد عودته من الشام؟ أو كأنه لم يتولى مسؤولية تربية العلماء وحملة فكر اهل البيت عليهم السلام في المدينة المنورة؟ أو كأنه لم يكن أول من وضع حجر الاساس لأول جمعية خيرية عرفها المسلمون تقوم بشؤون من خلفتهم معركة الحرّة؟ نحن متمسكين فقط بهذه الأمور: بان الامام زين العابدين (ع) كان يمر في السوق ويرى القصاب يريد أن يذبح كبشاً فيقول له هل سقيت هذا الكبش ماءً فيقول له القصاب نعم نحن معشر القصابين لا نذبح الكبش حتى نسقيه ماء، فيأخذ الامام بالبكاء! هل هذا فقط هو الامام زين العابدين (ع)؟! الامام زين العابدين هو صاحب الخطبة في الكوفة، الامام زين العابدين (ع) هو صاحب الخطبة العصماء الكبرى التي لا يقاس بها غيرها في محضر يزيد بن معاوية في مسجد الشام، انا اقول الامام زين العابدين (ع) هذه المدرسة الضخمة في جانبها الروحي والمعنوي والفكري والثقافي والادبي والتربوي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والرعوي لماذا نختصرها فقط بهذه الأمور (سقيتم هذا الكبش و...)؟ الحسين (ع) صحيح أنه عَبرة لكن في نفس الوقت هو عِبرة ومدرسة، نحن اذا ضيعنا الامام زين العابدين ضيعنا أهم اركان معركة الطف، نختصر الحديث ونورد رواية مروية عن الامام زين العابدين (ع) هناك الكثير من الروايات المروية عن الامام زين العابدين (ع) في نظم حياة الناس، اليوم لا يزايد احد على تدين الناس الكل متدين، ولا يزايد أحد على ايمان الناس وعلاقتهم باهل البيت عليهم السلام، لان كلنا عندنا علاقة باهل البيت المهم علاقتنا فيما بيننا كيف يجب أن تكون يعني عندما اسلم عليك واحيك بالطيبات الصالحات فيما تغتدي وتروح في وجهك ولكن عندما تخرج مني وتعطيني ظهرك هل أبدء بتمزيقك و ... نحن كلما نبتعد عن اهل البيت عليهم السلام تحدث مثل هذه الأمور وكلما اقتربنا من اهل البيت سوف ينعكس سلوكا ويتحرك في الخارج.
درس من مدرسة الامام السجاد (ع)
الامام السجاد (ع) يقول: «أظهر اليأس من الناس فإنّ ذلك من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم فإنّ ذلك فقر حاضر، وإياك وما يعتذر منه»[3]
اظهر اليأس من الناس فان ذلك من الغنى؛ ليس الكل يستحق ان تكون معه، ان تذهب وتأتي معه، أن تسافر معه، أن تتعاون معه، أن تتاجر معه، أن تقوم وتقعد وتسهر الليالي معه، خصوصاً شبابنا! ابنائي واحبائي عليكم ان تلتفتوا الى هذا الأمر.
وأقل طلب الحوائج إليهم؛ يعني اذا صار عندك جماعة واصدقاء لا تكثر عليهم الطلبات، يوم تطلب منهم ان يأخذوك ويوم تطلب منهم أن يأتوا بك ويوم عندك أمر في فلان دائرة او في فلان مكان تريد قضائها ويوم... لان بالنتيجة للصبر حدود ومنتهى وكثرة السؤال والطلبات توجد حالة من النفرة.
فإنّ ذلك فقر حاضر؛ أنت استغني عما في ايدي الناس وأنظر الى الأمور كيف ستكون معك، ستكون في غنى مطلق.
وإياك وما يعتذر منه؛ اذا اردت ان تقوم بعمل ما لابد ان يكون عندك مطلق الثقة في النفس بانك لا تحتاج للاعتذار بسبب العمل التي قمت به، فهذا هو الامام زين العابدين (ع) يعطينا الدروس في كيفية علاقاتنا وسلوكنا وتعاوننا ومحبتنا.. نسال من الله سبحانه وتعالى ان يكتبنا واياكم من زواره والمستفيدين من آثاره، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يشفعه فينا وفيكم وفي عموم المؤمنين انه ولي ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.