كلمة بعنوان: عطاء الشيخ الأوحد ومكانته العلمية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم اعداء الدين
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[1]
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح واجعل نيتنا خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[2]
وقفة قصيرة عند حياة الشيخ الأوحد
مر علينا في ثنايا هذا الاسبوع ذكرى رحيل شيخ المتألهين الشيخ الاوحد احمد بن زين الدين المطيرفي الاحسائي، الشيخ احمد رحمة الله تعالى عليه ايقونةٌ احسائيةٌ بامتياز، قلّ ان تجد لها نظيراً، رجلٌ اجهد نفسه في العبادة حتى صفت روحه وسمت نفسه وترفع عن كل الصغائر من حوله، كانت له خلوته مع ربه في احد المساجد التي ربما زحف عليها اليوم المد الزراعي، أي مسجد البابة في احد الفروع القريبة من هذا المسجد العام كان يقطّع الليل بالعبادة ويتأمل في ملكوت السموات والارض، الانس بالعبادة واحدة من النعم، لكن قد يستثقل العبادة بعض اهل الهمم الضعيفة، لكن اذا تقرب الانسان الى ربه بات معرضا للكرامة من قبل الله سبحانه وتعالى، بقدر ما تسجد انت ترتقي، بقدر ما تنحني انت تستقيم وترتفع، الشيخ الاوحد رضوان الله تعالى عليه رجلٌ جمع الكثير من الملكات التي يحتاج الكثير من الناس الى العناء والجهد الكثير كي يتحصلوا عليها وتتوفر لهم، جمعها في ذاته في روحه في نفسه في وجدانه، يدلل على ذلك عطاءاته وآثاره، فارق الدنيا ودفن تحت اقدام الائمة المعصومين عليهم السلام في البقيع الغرقد ـ اوصلنا الله واياكم اليه ـ لكنه بقي من خلال ما خلف وراءه من مدونات طويلة عريضة يصدق عليها مسمى الموسوعات، بدأ دراسته بادئ ذي بدء في مسقط رأسه، اخذ طرفاً مما عتاد على اخذه الصبيان لكنه تقدم عليهم، ما كان غيره يحتاج الى الفترات الطويلة في تحصيله كان يتحصل عليه في وقت مستقطع جدا متناهي في القصر، هذا الامر كشف عن واقع هذا الرجل وما يتميز به ويتفرد به عن قرنائه في تلك المرحلة وقتها كانت الحوزة في قرية القرين كان المزيديون والمحسنيون لهم سلطنة علمية كبيرة جدا حيث كانت تقصد هذه القرية حتى من خارج الاحساء والاجازات بالرواية كثيرة صدرت منهم لمن وفد اليهم من الاطراف.
مشوار الشيخ الأوحد العلمي
كان يشد رحله من قريته الى هناك كي يتنقل بين حلقات الدرس، كان يحضر ويستوعب ومرت الايام واذا به ذلك الانسان الذي قطع مشوارا متقدماً في الطرفين من العلوم العقلية منها والنقلية، يمم صوب العتبات وجعل طريقه على البحرين التي كانت وقتها ايضا فيها حوزة عامرة كبيرة منتجة للعلماء وكان لهم نتاجٌ طويلٌ عريضٌ ايضا في عالم التأليف والتصنيف في شتى العلوم، توقف فيها برهة من الزمن الا انه لم يجد ضالته فيها وان ما هو المطروح لا يلبي الرغبة في داخله في ان يقطع المسافات الطويلة والمتقدمة، فخلفها وراءه وقصد العراق وقتها كانت المنافسة على اشدها بين حوزة النجف الاشرف وكربلاء المقدسة، اقطابٌ هنا واقطاب هناك، علماء هنا تضرب لهم بطون الابل وهنالك ايضا كذلك، حط رحله في كربلاء المقدسة واقترب من اعلامها ونهل من علومهم حتى وقف على اقصاها، ثم اراد ان يستتم دورته وحضر الى النجف، اراد ان يستجيز من بعض اعلامها الذين كانوا من اساطين الطائفة كالسيد الطبطبائي وغيره فكانت الاجابة من بعضهم: لقد استجازنا من هو بالإجازة جدير، يعني هذا الشيخ الجليل لا يحتاج الى اجازة منا وانما نحن الذين نحتاج الى الاجازة منه! وهذه العبارة لم تطرق سمعاً في حق احد الا لهذا الشيخ الذي انعقدت عليه الآمال، بعدها شد رحله الى بلاد فارس وقتها وتقلب في مدنها وتنقل فيها، فما دخل بلد الا وسلّم العلماء القيادة له وحضروا مجلسه كالتلامذة الصغار المستفيدين بين يديه! هكذا كان حاله في مدن مثل كرمانشاه وفي اصفهان وفي كاشان وفي مشهد.
أسباب حسد البعض للشيخ الأوحد
بطبيعة الحال الانسان بهذه العظمة؛ سمو في الاخلاق، ذوبان في العبادة، اشتغالٌ في التحصيل، محبة للناس والمحيط من حوله، وله منقطع النظير في خدمة الناس، رفع الحاجة والبؤس عن بعضهم في بعديه المادي والمعنوي... قرّبه سلاطين وملوك فارس الى بساطهم ومكّنوه من الكثير من المقدرات التي يطمح ويسيل لها لعاب الكثير، ـ عبر مسير التاريخ هذا الامر موجود ـ لكن ذلك لم يقدم ولم يؤخر من سمو نفسه ورفعتها، تحركت حسيكة النفاق في نفوس البعض، ناصبوه العداء، حاربوه، خططوا لتصفيته من الوجود والتخلص منه، افتعلوا الكثير من الصراع الفكري معه، الا أنه كان يردهم بالدليل والبرهان والحجة، إما من خلال آية محكمة او رواية صحيحة او رأي تمت مقدماته، هكذا كان حاله، بطبيعة الحال الناس بما هم ناس هذا طبيعتهم، الذي يخرج من هذه الدائرة والمنظومة هو الشخصٌ الذي روّض نفسه كمن نتحدث عنه فهو لا يزداد على الصغائر من حوله الا سمواً وارتفاعا كما هو الحال بالنسبة لأئمتنا عليهم الصلاة والسلام وكذلك بالنسبة للنبي الاعظم والصلحاء من صحابة النبي (ص) كان هذا حالهم لا يعنيهم ما يقوم به الآخرون، الشيخ الاوحد صدرت فتاوى بكفره! يعني الحسد بلغ ببعضهم ـ ببعض العلماء بين معكوفتين ـ ان افتوا بكفره! وانت عندما تسأل بعد قراءة وتتبع وتحري لماذا؟ دائما وابدا التكفير والتضليل والتسقيط والمحاربة دليل الضعف، القوة في الدليل والحجة والبرهان هنا تكمن القوة، اما ان يختصر الانسان مسافة البحث بأن فلان ضال او مضل او كافر او منحرف هذه بضاعة رخيصة.
الشيخ الأوحد وتعاطيه مع مخالفيه
شيخنا الاوحد وصلته هذه العبائر لكنه لم يتعامل معها من منطلق ردت الفعل بمعنى لم يفتي بكفر من اصدر الفتوى او بضلاله وانحرافه وانما اعرض عنه واشتغل بما هو الاهم، لذلك اولئك عندما يذكرون لا يذكرون الا من خلال هذا، اما الشيخ الاحد فيذكر بمصنفاته من خلال ما خلّفه من كتابات حيث هناك مائة وستة واربعين مصنّف ومؤلّف خلفهم وراءه، ناقش في الفلسفة مع صدر المتألهين الذي يعتبر هو خاتمة الفلاسفة وكتب في التفسير والى الآن له لمسته واقترب من مقامات اهل البيت عليهم السلام الخاصة من خلال شرح زيارة الجامعة ولم يأت الى الآن من يقدم ما هو زائد على ما قدّمه الشيخ الاوحد، يعني اكثر من قرنين من الزمن والى الآن لم يأت ما هو اكثر مما جاء به! هذا هو الشيخ الاوحد، على أي شيء يحسد الانسان؟ يحسد على مقامات الكمال، الانسان اذا كان عنده علم يحسد، اذا كان عنده ادب يحسد، اذا كان عنده تأليف يحسد، اذا كان عنده جاه يحسد، اذا كان عنده نسب يحسد، اذا كان عنده حسب يحسد هذه مواطن كمال معنوية، كذلك في الامور المادية الحسد أيضاً موجود، الانسان يبدأ يحسد ويقول: لماذا فلان يمتلك ثروة وانا لا أمتلك، أو لماذا فلان رزق بأولاد متفوقين وانا لم ارزق بذلك، أو لماذا فلان بناته قد تزوجوا وبناتي جليسات البيت، أو لماذا فلان دخل في القضية الفلانية وحسمت لصالحه وتلك القضية حسمت ضدي .. تبدأ حسيكته تتحرك ويترك مساحات في قلبه، حينها ابليس يتربع في قلبه ويبدأ يخطط ويهندس وهو يذهب معه الى حيثما شاء.
الشيخ الاوحد العظيم والمسؤولية الملقاة اليوم على عاتقنا
مسؤوليتنا نحن التي نطرحها بين الفينة والأخرى هي كم نحن اليوم في مسيس الحاجة لألف اوحد واوحد يقرّب لنا مفاهيم اهل البيت، معارف اهل البيت، مقامات اهل البيت، اهل البيت هم اهل التقوى، اهل الورع، اهل الصبر، اهل التحمل، اهل البيت هم اهل النخوة، اهل العزة، اهل الكرامة، اهل الشرف، اهل الشجاعة، اهل البيت عليهم السلام هم الواسطة بين البشر وبين الله رب البشر، أيها الاخوة جميع مشاكلنا اليوم هي وليدة شيء واحد وهو اننا ادرنا ظهورنا لآيات كتاب الله وما جاء من الروايات عن محمد بن عبدالله وآله عليهم الصلاة والسلام، اذا اردنا ان نخلص، ننجوا، نسموا، نرتفع ونتقدم لابد ان نرجع للثقلين، القرآن لكريم ليس مجرد قراءة ومجرد ختم، أو مجرد الرجوع اليه عند الامتحان في المدرسة، ولا فقط في الفواتح، القرآن لابد ان يكون حركي معنا في كل أمورنا في قولنا وفعلنا، كذلك اهل البيت عليهم السلام نفس الشيء، ليس فقط ان نأتي الى الحسينية واكل وشرب وثلاث قراءات فجر وظهر وليل، آباؤنا واجدادنا كانوا يحضرون المجالس فقط في محرم ورمضان لكن لو تقسم بأحدهم على الله ان ينجز لك مهمة فتنجز كرامة لذلك المؤمن، اذن ماذا حصل لنا اليوم؟ لأننا اليوم ابتعدنا وادرنا ظهورنا لأهل البيت عليهم السلام، نعم نقول ائمتنا لكن مجرد قول لا يتحرك في وجداننا، نقول الامام الحسن لكن لا نحرك الحسن في وجداننا ولم نحرك الامام العسكري في وجداننا ولم نحرك الامام الرضا في داخلنا، نقول الزهراء سلام الله عليها ونلطم عليها ولكن لا وجود لها في سلوك بناتنا واهلينا، فهنا تكمن المشكلة، الشيخ الاوحد حسد لأنه تعرف على أهل البيت عليهم السلام، ظلم لأنه رفع ظلامة اهل البيت عليهم السلام حتى انتهى المطاف به ان دُس له السم على مقربة من المدينة في قرية ودفن عند الائمة، وهو الذي اوصى ان يدفن تحت اقدام الائمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يحفظ علماءنا وان يوفقهم، نسال من الله سبحانه وتعالى ان يعمر هذه الارواح التي في هذا السجن (أي الجسد) لان هذه الروح اذا عمرت وصلحت صلح كل شيء، وفقنا الله واياكم لكل خير، لروح اوحدنا العظيم وعلماءنا ومن مضى من المؤمنين والمؤمنات الفاتحة مع الصلوات من هنا الى المدينة المنورة.