كرامة الشهداء لدى الله عزوجل

كرامة الشهداء لدى الله عزوجل

عدد الزوار: 2233

2015-09-06

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسول الله وآله ومن والاه، واللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على من عاداه.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([1]).

اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.

الشهادة في الرسالات السماوية:

في الحديث الشريف عن النبي الأعظم (ص): «ما من أحد يدخل الجنة فيتمنى أن يخرج منها إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل عشر مرات، مما يرى‏ من‏ كرامة الله‏»([2]).

الأصل في كلمة الشهيد، أنها مشتقة من (شهد)، ويقال: استُشهد، بمعنى طُلبت شهادته. ونقول: استُشهد في سبيل الله، أي بذل حياته.

جميع الأديان تعطي مفهوم الشهادة قيمة عليا، والشهيد مقدسٌ عند الديانات قاطبة، وإن اعتنى به الإسلام عناية فائقة لا يجاريه فيها دينٌ من الأديان، ولا نَظْمٌ من النُّظم الوضعية. فقد أصّل الإسلام لهذا المفهوم، ورتب عليه آثاراً عظيمة.

لقد كان للديانات قبل الإسلام موقف في تحديد هوية الشهيد، وعلى أي أساس يُضفى هذا اللقب المقدس على ذات الإنسان المضرج بدمائه؟ وهي الدماء التي تكتب بها صفحات التاريخ الصافية المصفاة.

ففي الديانة المسيحية تقول الكنسية: كل من قُتل في سبيل التنصير والدعوة للمسيحية فهو شهيد. ونلاحظ على هذ التعريف أن الشهيد قُيّد في مساحة ضيقة، ألا وهي القتل في سبيل الدعوة إلى النصرانية. أما إذا قتل النصراني في غير هذا الطريق فلا يكتسب تلك السمة العالية القيمة.

نظرة في الديانة اليهودية:

أما اليهود، أتباع ديانة موسى (ع) فلا بد أولاً عندما نقرأ التاريخ اليهودي أن نضع أيدينا على مفارقة تفرض نفسها على تاريخهم، إذ ليست هنالك ديانة تمّ التلاعب بها حسب الأطماع والأهواء كما هو الحال في الديانة اليهودية، باعتبار أن نبي الله موسى (ع) أعطى الكثير في سبيل تقنين وضع معين لعلمه، إما من خلال قراءاته وانتزاعاته الموضوعية، لأنه من هذه الأمة المحسوبة عليه، أو لأن السماء فتحت له المعرفة بدقائق أمورهم. لذا كانت التشريعات في الديانة اليهودية تركّز على الجانب المادي، والآيات في القرآن الكريم بهذا الصدد كثيرة، بل لم يُذكر نبي في القرآن الكريم كما ذكر هذا النبي العظيم، وهو من الأنبياء أولي العزم.

والمفارقة التي يخلفها اليهود وراءهم، ويبصمون بها وريقات تاريخهم، أن هنالك خطاً تشكّل في زمن الرسالة الموسوية، وبات يسيّر الرأي العام في اتجاهات عدة، فقد قَبل من النبي الظاهر، لكنه استدار على نفسه ليعاكس اتجاه النبوة والإرشاد السماوي. فكانت ماكنة الحروب في أيديهم، ولم يرفعوا أيديهم يوماً عن سفك الدماء، إما بالمباشرة أو بالواسطة بإثارة الفتن، وما يلف عالمنا الإسلامي اليوم هو صنيعة أولئك اليهود، من ذلك الخط الذي ذكرناه.

قد يتصور البعض أن (اللوبي) الصهيوني هو وليد الأيام الأخيرة والعصور القريبة، والحال أن هذا اللوبي كان منذ القدم، وإن لم يتسمَّ بهذا العنوان إلا في القرون الأخيرة، إلا أن بذوره وأسسه كانت في الأيام الأولى للديانة الموسوية (اليهودية).

وبطبيعة الحال أن اليهود يحملون مشروعاً كبيراً، ولديهم طموح كبير، ولا شك أن كل شجرة تحتاج إلى سقي ورعاية، وبحسب ما تحمل تلك الشجرة من معانٍ وانبساط، فإن الماء الذي يفترض أن تسقى منه لا بد أن يتناسب معها.

إن طموح اليهود له بداية، ولكن لا نهاية له، ومن الوهم أن يتصور البعض أنه وقف على دقائق أمورهم، فأتباع هذه الديانة هم أكثر الناس سريةً وخبثاً، أما الديانة بما هي ديانة سماوية فلا شك أنها ديانة طيبة مباركة، نؤمن بها وبنبيها، لكن ما بين أيديهم اليوم ليس الديانة اليهودية، إنما هو مما وضعه الواضعون. لذا نجد أن الفترات التي مر بها اليهود لم تكن على نسق واحد. وبقراءة بعض المقاطع من قصة الحضارة يقف القارئ على شواهد كثيرة.

فالشهداء عموماً لا بد أن يكرموا وفق الديانة التي يدينون بها، إلا أن اليهود يقولون: إن مفردة الشهيد تطلق على القتيل في الحروب المكابية وما تلاها من حروب ضد الرومان، على أن القتل لا بد أن يكون في سبيل الدين.

فالمصلحة لديهم هي المقدمة في خاتمة المطاف. فنحن نجد أن أمضى الأسلحة في أيدي الكثير من الساسة على وجه الأرض، في القديم والحديث هو الدين، فإذا رفع الإنسان شعار الدين هنا أو هناك أو في أي مكان آخر، فإن الناس بطبيعتهم العامة ليس لهم حول ولا طول سوى أن يسلموا تسليماً. من هنا جاءت النكبات، واستمرت طاحونة القتل تطوي أجساد البشر. فاليهود أيضاً لديهم ما يعبرون عنهم بالشهداء. وكذلك في الديانات الأخرى المعمورة.

الشهيد في النظم الوضعية:

أما النظم الوضعية فتتفق مع بعض المسارات في هذا الصدد، بل إن بعض القوانين الوضعية يرجع أصلها إلى التشريع السماوي، غاية ما في الأمر أن عنق النص يلوى من أجل المصلحة المعينة، وهذا أمر طبيعي. حتى الإنسان المتدين والواعظ والمرشد، عندما لا يتعاطى النص بما هو هو، ويسير مع معطياته كما يستوجبها، ويجعل الهوى والأنا والمصلحة والرغبة هي سيدة الموقف، فلا شك أنه يقع في المحذور. وهذا أمر واضح وبيّن، وإلا فما معنى الحديث المروي عند عامة المسلمين: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»([3])، ولكن نجد أن قاضياً من قضاة المسلمين يحكم باستباحة دم الإمام الحسين بن علي (ع) ويدّعي أن ذلك ينطلق من أصل ديني! فما بالك بالأمور الأخرى من لسلوكيات والمعاملات؟ فبقدر ما يكون هنالكم من طموح، يكون ليّ العنق مع النصوص.

تقول النظريات الأخرى: كل من قتل في سبيل معتقده فهو شهيد، ومن هؤلاء من لا دين له، إنما ينهج نهج القوانين الوضعية.

العقيدة في مسيرة الإنسان:

إن مفردات العقيدة، أو المعتقد، أو العقائد، لم تكن في الصدر الأول للإسلام، إنما ظهرت فيما بعد ورتبت عليها الآثار. وإشكاليتنا الكبرى اليوم أن العقيدة باتت سلعة تباع وتشترى بيد النفعيين من جميع أبناء الأمة، فمن أراد أن يتخلص من قيود معينة ساق العقيدة في الاتجاه الذي يرغب، والعكس صحيح في الاتجاه الثاني، لذا فإن الحكمة عندما تسيطر وتفرض وجوداً معيناً تجد المجتمع ساكناً هادئاً ساكناً مطمئناً، يتعاطى فروضه وعهوده وشعائره على ما هو الطبيعي جداً، على العكس مما لو يتشنج أحد الأطراف ويُخرج من حظيرة الدين والمذهب من هو من أهله، فهذه الحالة من التعصب تذهب بنا وبالمجتمعات والأمم إلى الهاوية، لأن الشرع لا في كتابه ولا في سنته ولا فتاوى الراشدين من علمائه ما يعطي الإنسان الحق في التخوين والتكفير والتضليل والطرد من رحمة الله تعالى، لأن رحمته شاملة عامة. فما الذي نستفيده نحن من تقسيط تلك الرحمة؟ فالله تعالى رحمان رحيم.

وبالمقابل نجد أن هناك من يرفض المعتقد بالمطلق، ويعبر عن المعتقد أنه عبارة عن أمور كانت تتماشى مع جيل معيَّن، قوامه البدو في الصحارى، وأناس ضعفاء لا حظّ لهم، كانوا يريدون أن يقتاتوا. وهذا القول لا يقبل منهم بحال من الأحوال، بل يردّ عليهم، فإن كان عن جهل، فيفترض بمن يرى في نفسه القدرة على الإحاطة بمعالم الشريعة وأدلة العقيدة أن يعرض نفسه ويشرح صدره ليستقبل أمثال هؤلاء، وهذا أقل الحق لهم على من يدعي أنه الحامي عن الشريعة، أو على الأقل أنه نذر نفسه للدفاع عنها، لا أن نستخدم أسلوب التنفير والطرد، لشبهة هنا أو هناك، أو توقُّف أو تساؤل أو احتماليات وفرضيات، فنخرج الناس من دينهم، ونسوقهم إلى جهنم زمَراً، على خلاف ما جاء الكتاب الكريم، والسنة المطهرة عن محمد وآل محمد (ع).

فالوسطية والقراءة المتأنية أمر لا بد منه هذه الأيام، مع سعة الصدر، وسعة الثقافة، ومراعاة حسن التعامل مع الطرف الآخر أياً كان.

الشهيد في الإسلام:

أما الشهيد في الإسلام، فإنه يحظى بسيل من النصوص التي تعزز موقعيته، فالشهادة في الإسلام كرامة، والشهيد أنبل بني البشر، وأكرم الخلق على الله، وأسرع الناس دخولاً إلى الجنة، والآيات والأحاديث والنصوص الأخرى في هذا الباب كثيرة جداً.

والشهيد في الإسلام هو من قُتل أثناء الحرب مع العدو، وإن تعددت أسبابه. وهذا التعريف عليه الكثير من الملاحظات، لأنه غير جامع ولا مانع، وفيه خلل كبير، لكنه الأقرب لهذا المفهوم، وسوف لن أدخل كثيراً في غربلته. فلو استبدلت بعبارة (تعددت أسبابه) عبارة أخرى هي: (تعددت غاياته) لكان ذلك أفضل، لأن الغاية من إراقة الدم غاية سامية، أما السببية فهي أمر نسبي ربما تماشى مع ذلك الطرف وتعثّر مع غيره.

ومن الغايات السامية الفتح الإسلامي للشعوب والبلدان، ففي فترة من الفترات كان الزحف الإسلامي كبيراً. وقد يتصور البعض أن الإسلام انتشر بالسيف، وهذه بذرة المستشرقين التي بذرت في أدمغة بعض المفكرين العروبيين، انبسطت على مساحات كثيرة، حتى أصبحت من المسلّمات وكأنها آية من الآيات، حال أنها تنطوي على السم الزعاف.

فالفتوحات الإسلامية كانت تحمل هدي القرآن في طابعها العام، أو على الأقل أنه كان المحرّك، بدليل أن بخارى وسمرقند لم تشرق آفاق الحضارة منها في أواسط آسيا بسبب  شفار السيوف وما تلطخت به من دم، إنما بسبب ما شعّ منها من علم، فكثير من الصحابة الأجلاء، وحملة القرآن الكرام، اندفعوا نحو الثغور وفتحوا البلدان، ولكن بآية محكمة مبينة، أو بحديث صريح صحيح، أما التلاعب فجاء متأخراً.

إن قراءتنا للفتوحات الإسلامية إلى يومنا هذا فيها ما فيها من الملاحظات، فهي بين إفراط وتفريط، إذ إننا نحسب الفتوحات على الطوائف ولا نحسبها على الإسلام، صحيح أن قادة الفتح لم يكونوا يحظون بمقام العصمة، ومن تلاهم كان وضعهم أضعف ممن تقدم، إلا أن ذلك لا يعني أن الغاية لم تكن حين الاندفاع هي توسيع دائرة الإسلام كهدف.

والأمر الآخر في الأهداف السامية هو الدفاع عن بيضة الإسلام، وفي هذا الجانب أحاديث كثيرة، وتندرج تحتها عناوين عديدة. ففي الأحاديث الشريفة عن النبي الأعظم محمد (ص) وأهل البيت (ع) منها:

«من قُتل دون ماله فهو شهيد»([4]). «من قتل دون دينه فهو شهيد»([5]). «من قتل دون مظلمته فهو شهيد»([6]). «من اعتدي عليه في صدقة ماله فقاتل فقتل فهو شهيد»([7]). فالدائرة إذن واسعة.

فلو تعرض الإسلام لخطر من عدوٍّ غاشم، أصبح الوجوب عينياً، بأن يدفع كلُّ مسلم عن الإسلام من خلال قدرته واستطاعته، كلٌّ بحسبه، ولكن السؤال: هل تعرضت بيضة الإسلام يوماً إلى خطر بحيث ينبسط هذا الوجوب العيني على الجميع؟ الجواب: لا، بدليل أن التعاطي كان في حدود الواجب الكفائي، أي أنه إذا قام به جماعة سقط عن الباقين.

منزلة الشهيد:

وللشهيد كرامة عند الله سبحانه وتعالى. فقد سئل النبي الأعظم (ص): ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال (ص): «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة»([8]). فالكثير من الناس يفتنون في الدنيا، وحاشا لله أن يفتنهم في القبر مرة أخرى، فالفقر والمرض وفقد الأمن كلها فتنة.

وهنالكم يوم القيامة مثلث في منتهى الروعة والقداسة، وهو يتألف من ثلاثة أضلاع:

1 ـ ما خُتم بختم النبي محمد (ص).

2 ـ ما خُتم بختم الخلف الباقي من آل محمد (عج).

3 ـ ما كان مفتوحاً لجميع المسلمين، وهو باب الشهداء.

ففي الحديث الشريف: «ثلاثة يشفعون إلى الله يوم القيامة فيشفعهم، الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء»([9]).

وللشهداء أيضاً مراتبهم التي يتفاوتون فيها، ففي الروايات مثلاً أن جعفر بن أبي طالب يكرمه الله تعالى بجناحين يطير بهما في الجنة، وهذا مقام خاص به، وتشريف له، لأنه قطعت يمينه ثم شماله ثم قتل.

يقول النبي الأعظم (ص): «أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا أولئك يتلبطون([10]) في الغرف العلى من الجنة»([11]).   

ومن الملاحظ هنا أن جميع الحروب في الإسلام في زمن النبي (ص) كان الصف الأول فيها بقيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وهذا بإجماع المسلمين، وإن خالف في ذلك حاقد.

سيد الشهداء أحد:

ورب سائل يسأل عن المناسبة التي جعلتني أختار موضوع الشهادة لهذا اليوم. أقول: هذا اليوم هو ذكرى شهادة سيد الشهداء الحمزة، عم النبي الأعظم (ص)، ذلك الرجل العظيم. فهو أسد الله وأسد رسوله، ولا يليق هذا اللقب إلا به، لأنه صدر من الرسول العظيم (ص) فهو أولى به.

أما عن نعت الإمام الحسين (ع) بلقب سيد الشهداء، فهو سيد شهداء الدنيا، أما حمزة فكان سيد شهداء معركة أحد، التي كان فيها أكثر من سبعين شهيداً.

وللحمزة دوران، الأول في مكة قبل الهجرة، والآخر في المدينة بعد الهجرة. ومع شديد الأسف أنه ظُلم، ولا زال مظلوماً، فقد كانت حياته طافحة بالدروس والعبر، ولكن سُلّط الضوء على من لا يعدل شسع نعله. فقد كان (رضوان الله عليه) إذا ما رأى أحداً من قريش ينال من النبي (ص) فإنه يطرحه أرضاً، ويضع قدمه على وجهه، ويقول له: إن عدتَ عدتُ، في يوم كانت الرسالة ضعيفة جداً، وفي أولى مراحلها.

لقد أسلم الحمزة آنذاك، ثم جاء إلى الأبطح وقال: يا معاشر قريش، إني أقولها أمامكم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. من أقرّ بها فدونه ودوني، ومن رفضها فلا حجاب بينه وبيني، فكان يأتي الحرم فيصلي.

وأما في المدينة، قبل أن يستشهد في أحد، فكان يمثل ورقة رابحة للنبي (ص) وعامل ضغط قوياً جداً، وحالة من الحصانة ذات الطابع النوعي في مسار الرسالة. فهو رجلٌ بهذا الحجم، أسلم مبكراً، وهاجر إلى المدينة في أول أيامها، وشهد بدراً، وكان أقرب الناس إلى النبي (ص) بعد علي (ع) وأكثر الناس جلوساً عنده، ولكن، فتش عن الأحاديث التي رويت عن الحمزة! ألا يفترض أن يكون له مسند في الإسلام؟ فهل كان يجلس صامتاً دون غيره في محضر النبي (ص)؟ أو أنه يفتقر للوعي الكافي ليسأل النبي (ع) كما كان يسأله غيره؟ أم هي المؤامرة على الفكر الأصيل؟

أما في معركة أحد فحدث عن البحر ولا حرج.

لقاء الأحبة:

هنالك أمر شغل الكثيرين في هذه الأيام، ولا بد لي أسلط الضوء عليه. فقد حصل لقاء مع ابن العم السيد محمد رضا، النجل الأكبر لعمنا العلامة المقدس آية الله السيد طاهر السلمان، وبمباركة من أنفاسه. والسيد محمد رضا (أبو مجتبى) أحد فضلاء المنطقة، وإمام الجمعة في مسجد الإمام العسكري (ع). وقد تم تداول الكثير من القضايا في منتهى الوضوح والشفافية والصراحة فيما بيننا.

وقد حصل هذا اللقاء بعد مراسلات بيننا، حيث أرسل لي رسائل أكثر من مرة، وكانت رسائله تحمل طابع الحب والود والرغبة في الوقوف على جوانب بعض القضايا.

وفي جلستنا المذكورة كانت المحبة سيدة الموقف، كما كان للصراحة حضورها الكبير، ولم أجد فيه سوى الرغبة الجادة أن تُحلّ الكثير من العقد، وأنا أُكبر فيه هذه الروح، وقد قلت له: إن هذه البادرة جاءت متأخرة، لأنني أدعو منذ ثلاث سنوات كل من لديه إشكال أو سؤال أن يأتيني في أي مكان يرغب، فبيتي مفتوح، وصدري مفتوح، ومكتبي مفتوح. ولكن أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل. وربما كانت القضية تحتاج مستوى من النضوج لتكون غنية الثمر.

وعلى كل حال، أصدر سماحة السيد بياناً، استعرض فيه ما جرى وما يستشرفه في المستقبل، وطلب إلي أن أعقّب، لأن هنالك من لا يرغب أن نجتمع مع بعضنا كأبناء عائلة، وهذا ما اتضح لنا في نهاية المطاف. فبعد صدور ذلك البيان الذي يدعو إلى المحبة والصراحة والتعاون ونبذ الماضي، واستعراض المستقبل الأفضل، اتهم سماحته (بالخيانة) ولا ندري كيف ذاك؟ وأية جهة خانها؟ وأية عصابة تعمل؟ فسماحة السيد كان واضحاً وصريحاً. فنسأل الله لهؤلاء الهداية، ونقول: إن الهدف كان سامياً رفيعاً، إذ إننا نرغب أن يكون المجتمع لحمة واحدة، وأن يكون القادم أفضل من الماضي.

والأمر الآخر أن يجتمع هذا البيت (آل السلمان) لأن في قوته قوة المجتمع، ولا أظن أن أحداً يختلف معي في ذلك، فلو هدمت هذه الأسرة ـ لا قدر الله ـ فنحتاج إلى عشرات السنين لنبني أسرة بهذا الثقل والحجم، ففي هذه الأسرة سبعون رجل دين، لدى بعضهم إجازات اجتهاد، وبعضهم خطباء أو أدباء أو وكلاء، وكان منهم قاضٍ. فلهذه الأسرة   تاريخ عريق، ولا أحد ينكر ذلك. وإن كانت هناك مؤاخذات أو كلام، فإني أقول نيابة عن العائلة بأسرها: من كان لديه إشكال هنا أو هناك، فصدور الجميع مفتوحة. أما من يريد أن يشعل النار بين طرف وآخر، فنسأل الله أن تكون هذه الصفحة قد طويت، والثغرة قد سدت، ولن نسمح لأي كان أن يوقع فيما بيننا.

أكرر شكري لسماحة السيد محمد رضا (أبو مجتبى) وأعد الجميع أن تكون الأمور في القادم من الأيام أفضل، وإذا كان هناك من يتحسس من شيء فعليه أن يستوضح قبل أن يرتب الآثار.    

أسأله تعالى أن يحفظ مجتمعنا، وأن يأخذ بأيديهم جميعاً، وسبق لي في رمضان أن أبرأت ذمم جميع من كتبوا، رغم أنهم سلقوني بألسنة حداد، وكذبوا حتى على المرجعية في سبيل التسقيط، وهم بحمد الله نفر معدود محصور، والأيام كفيلة أن تصحح ما هم فيه، لأننا لا نملك سوى أن ندعو لهم بالهداية، وأن يكونوا عوناً في أن نتخطى جميعاً الماضي للمستقبل الأفضل، بحق محمد وآل محمد (ص).

نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.