عظمة ومكانة أمير المؤمنين علي (ع)- كلمة بمناسبة عيدالغدير

عظمة ومكانة أمير المؤمنين علي (ع)- كلمة بمناسبة عيدالغدير

عدد الزوار: 1803

2012-12-30

ولاية علي ابن ابي طالب (ع)

هبط الامين  جبرئيل (ع) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، السلام يقرؤك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع ومن عليهن، وما خلقت موضعا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي  لكببته  في سقر<[2]

من أين أبدأ معك يا علي؟ وأنت الكمال المطلق، أمن بيت تحدرت منه وأبوك الاقتدار كل الاقتدار، أم أبدأ من أمك وأمك التميّزُ كلُ التميّز، أبوك كافلُ النبي، أبوك من نذر نفسه من أجل الهدف الاسمى، تتكالب الدنيا، تتظاهر الدنيا، تتراص الصفوف من أجل التقليل من شأن أبيك، لكن أباك شمس في رابعة نهار لا تحجب ضوءها الغيوم مهما تلبّدت.

أما أمك السيدةُ الجليلة الذي شرّفها الله بك ولو لم تكن ظرفاً متكاملاً في جميع جوانبه لما استودع هذه الكينونة، فاطمة بنت أسد جاءت يخفرها الحياء تقصر بخطوها من باب السلام كان الولوج، تستقبل الكعبة بمقادم وجهها المشرق بنور الإمامة التي تشغلُ وجدان تلك الانسانة العظيمة، السيدةُ الجليلة تقترب شيئاً فشيئاً كبّارُ قريش رجالاتُها وقفوا وقفة استغراب، ما الذي يحصل؟ ما الذي يجري؟ أحدهم يتثاقل في خطوه إذا ما أراد أن يخطوا، يصعب عليهم القيام عندما يهم بذلك، لعل الكون يخبّئ بين جناباته حدث وهو كذلك حدثٌ لا يوازيهم من حيثُ الجلالة وعلو الشأن إلا من أحدثه في مقامه (يا علي أنت مني وأنا منك).

 

ميلاد النور

ميلادُ عليٍ ميلاد إمامةٍ ورسالة، ميلادُ النبي ميلادُ رسالةٍ وإمامة، (يا عليُ أنت مني بمنزلة النور من النور)، يا عليُ يا عليُ... تتردد والصفاتُ بعدها تتتابع وهي لا تكشفُ الا جانبٍ من جوانب الاشراق في ذات عليٍ (ع) المرأة المجللة الخفرة تطرقها الطلق لكن أيها الأحبة ليس الطلقُ الذي يعتري سائر النساء وإنما له خاصيته، فمريم لم تتجاوز حدود الانسانية الصرفة إلا في مقام النقاء والتبتل و الطهارة والسمو والرفعة، لكنها على الرغم من تلك المحصلة الا إنها عندما طرقها الطلق اُمرت أن تخرج من المعبد، أما هذه المرأة تتدخل السماء مباشرةً في تهيئة الأسباب وتأمين الأجواء لهذه السيدة الجليلة كي تأخذ موقعها الطبيعي كما تريدهُ السماء. اقتربت من الباب، البابُ شُد إحكامه من قبل السدنة، السيدة الجليلة تأمر في أن تستتم دورتها حول الكعبة عند الركن اليماني على مقربةٍ من الركن اليماني ثقلت خُطاها، السيدة الجليلة ترمق بطرفها السماء كأن باعث يبعثها وموجّه يوجهها اشراقةُ وجهٍ هاشمي يصافحُ وجه السماء استدارت على نفسها واذا بها ترى أمامها اشراقة ثغرٍ لا نظير لها، ابتسامةُ الكعبة التي لم تكن يوماً الا لفاطمة بنت أسد؛ لأنها تحمل لاهوت الأبد، دخلت الى داخل الكعبة استوى حائطها أما السيدة فأخذت موقعها الطبيعي داخل الكعبة كبّار قريش ينتظرون عالجوا فتح الباب ليطردوها من داخل الكعبة تعذر عليهم حلُ قفلها، السيدة الجليلة فوق الرخامة الحمراء، الولادة قُدّر لها أن تكون في أشرف مكان، في أطهر مكان، مكانٌ تعاقبت عليه أيد الأنبياء والأولياء والأوصياء وزينتهم وسيدهم وأشرفهم سيدُ البشر محمد (صلى الله عليه وآله)

أنت العليُ الذي فوق العُلى رُفعا                 ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا

 وأنت، أنت الذي حطّت له قدمٌ                  في موضع يده الرحمن قد وضعا   

 وخرجت السيدة الجليلة بعد أيامٍ ثلاثة يأتيها طعامها من الجنة, النبي الأكرم جاء ليستقبل الوليد الذي كُفّل بربايته بتربيته ورعايته.

أيها الأحبة النبي لم يقف عند مقام ابراهيم ولم يشتغل بنفل عبادة في طواف وإنما استقبل الموضع الذي دخلت منه فاطمة أم الإمام لعلمه المُسبق أن الاعجاز الأول يحتاج الى مؤكدٍ ليستقر في ذهنية الأمة ما هي إلا دقائق يسيرة وإذا بحائط الكعبة ينفتحُ من جديد ليرسم ابتسامته مرةً ثانية، في الأولى ابتسم لعلي وفي الثانية ابتسم بعلي في وجه النبيُ محمد خرجت السيدة الجليلة تحمل اللاهوت بين يديها دفعتهُ للنبي لنتخيل أيها الأحبة روعة المشهد، جلال المشهد، عظمة المشهد، اشراقةٌ من وجه علي الولي في وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واشراقةٌ من وجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجه عليٍ الوصي، ما عسى أن تكون جنبات بيت الله الحرام في تلك اللحظة إنها أنوارٌ مبدؤها الأرض ومنتهاها السماء تكفّل النبي عليا ودرج عليٌ في بيت النبي، نبّئ النبيُ وسار عليٌ الى جانبه خطوةً بخطوة كلمة بكلمة ما من معضلة إلا ولها علي ليس فقط وفقط بعد أن غاب النبي وإنما في حياة النبي ما من معضلة الا وكان لها علي ودونك التاريخ قلب الوريقات تصفّح تأمّل لست معذوراً لأن لا تقرأ ولست معذوراً في أن لا تتدبر ولست معذوراً بأن لا تستنتج، نحن لا نراهن على غيبيّاتٍ ولنا في ذلك حقٌ كبير إنما نراهن على واقعٍ جسّده في العالم الخارجي أشرفُ من شرّف بهم الكون فهم محمد وآل محمد هكذا الأيام تمضي عجالا المشهدُ تتجمع الوان طيفه أو تستجمع الوان طيفه من أكثر من اتجاه عليٌ هو الكمال منذ البديء وحتى الانتهاء لكن الذين عايشوا علياً لم يدركوا ان علي يعني كمال مطلق ابتداءً وانتهاءً لذلك عندما يصدر من عليٍ فعل، عندما يقوم عليٌ (ع) بإحداث فعلٍ في الخارج تشائكه اعناق القوم والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد وتحصر، معارك النبي، غزوات النبي، ما كانت لتُختم الخاتمة الطيبة لولا علي لو لم يكن علي مفرداً متواجد في كل المواطن لتعثرت مسيرة الرسالة لكن علي كان يُفدّي بنفسه في موطنٍ يظنُ فيه الآخرون بما هو دون ذلك بكثير.

 

عظمة ومكانة أمير المؤمنين علي  (ع) 

 أيها الأحبة نحن لا نستجدي دليلٍ من أحد على عظمة علي، وطهر عليٍ، وقداسة علي، وكمال علي، لأن السماء تكفّلت بجانب السماء عندما تقول في الكتاب المحكم الكريم المنزل على قلب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) (صلوات) ﴿واَنفُسَنا واَنفُسَكُم[3] تعني هذه الجملة فيما تعنيه أن عليا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كالنبي، فاذا كان الشاهد القرآني بأيدينا نستجديه من كاتبٍ مهما علا كعبُه أو من شاعرٍ مهما سما تحليقه أو من باحث هنا أو هناك عليٌ الف لام تعريفٍ هو المعرّف الذي لا يحتاج الى معرّف من أراد أن يعرّف نفسه فرداً أو جماعة على أن تكون حالة التعريف صحيحة عليه أن يضيف نفسه لعليٍ (ع) ليقول أنا علوي في عبادتي، في طاعتي، في انتمائي، في قولي، في حركتي، عندما نضاف بهذه الكيفية أيها الأحبة نسموا؛ لأن علي سمو، ونرشد لأن علي الرشد ونكمُل لأن علي الكمال.

الغدير... اكمال الدين واتمام النعمة

 أقول نطوي الصفحات لنختصر مسافة الزمن الأيام تعقبتها أيام تولدت منها سنون النبي يركب راحلة العروج الى العالم الآخر علامات ذلك ظاهرة بيّنة على محيّى، على أوامره وتوجيهاته، على خوفه وحذره، الحج طويت آخرُ الصفحات فيه قفل من قفل الى أهله رغبةً، النبي يأمر بأن يرجع من تقدم وأن يتقدم من تأخر الى بطن الوادي اجتمعوا في غدير خم خلقٌ كثير، رجال، نساء، من طرف الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط من جزيرة العرب ممن بلغتهم الرسالة، السماءُ تأمر النبي في أن لا يترك الأمة دون خليفة، السماءُ تأمر النبي أن يخلّف عليا على الأمة إماماً وهادياً ومرشدا {يـٰاَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغ ما اُنزِلَ اِلَيكَ مِن رَبِّكَ و اِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ}[4] إذن؛ ثلاث وعشرين سنة من التعب من شُعب أبي طالب، من سنة الحزن، مما حصل في اُحد غير ذلك من المواطن يذهب أدراج الرياح يا محمد ما لم تنصّب علياً على الأمة اماماً، وفعلاً حصل ذلك وبشهادةٍ طويلةٍ وعريضة لكن ما هي الاّ أيام قليلة وكأن شيئاً لم يكن وكأن بيعة لم تعقد وكأن الصفقة لم تتم أبت الأمة الاّ أن تجعل من نفسها مصداقاً لما حذّر منه القرآن الكريم {و ما مُحَمَّدٌ اِلاّ رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ اَفَاِن ماتَ اَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلىٰ اَعقـٰبِكُم}[5] بلى والله انقلبوا على اعقابهم، اداروا لعليٍ ظهورهم قلبوا له ظهر المجن ناصبوه، ناكثوه، نازلوه. عليٌ بعد النبي يعيش كونا وعالمٍ جديداً ـ‌اصلاًـ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأهم والنبي الذي شفاعته تشمل الكون تتوقف عند حدٍ معين دونك هذا الحديث قال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ( «إِذَا قُمْتُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ تَشَفَّعْتُ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي فَيُشَفِّعُنِي اللَّهُ فِيهِم» الأمة بما لها من كبائر، خطايا، ذنوب، يقول النبي في ذيل الحديث «وَاللَّهِ لا تَشَفَّعْتُ فِيمَنْ آذَى ذُرِّيَّتِي [عترتي]»[6] وهذا ما حصّل وهذا ما جرى. عليٌ (ع) يبقى رهينُ الدار.

 

الكعبة شرّفت بمولد علي (ع)

البعض يتصور ان الميلاد في الكعبة تشريف لعلي كلا وألف كلا ميلاد علي في الكعبة شرفٌ للكعبة، عليٌ (ع) مفردة نبدأ بها ونسير معها ونتقلبُ في أجوائها ونسأل من الله أن نراها مهر التصديق على ورقة اعمالنا عندما تعرض في صعيد الحساب

 أيها الأحبة أيها المؤمنون، أيها الولائيون، اذا كان عليٌ (ع) خرج من الدنيا وهو يقول: «... فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْبا...»[7] اذا كان عليٌ (ع) يقول: «وَاللَّهِ... لَقَدْ مَلأْتُمْ قَلْبِي قَيْحا»[8] صدقوني إن أبناء اولئك لا زال لهم موطن وان أبناء اولئك لا يزالون يتحركون على أساسٍ من تلك الروافد

 أيها الأحبة ولاؤنا موجٌ حادر لن يستطيع أحدٌ أن يقف أمامه لأنه بُني على أساسٍ من العلم والمعرفة الذي تلقيناها عن منابعنا التي ثبتنا الله عليها يقول النبي (صلى الله عليه وآله) «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي».[9]

أيها الأحبة  أشكر لكم حسن الانصات والتوجه كما أشكر اللجنة القائمة على تسيير هذا المهرجان الطيب المبارك وأشكر سماحة الأخ الفاضل الشيخ توفيق الذي أتاح لي هذه الفرصة في أن امثل بين أيديكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.