سماحته يشارك في مؤتمر العلامة الشيخ الأوحد

سماحته يشارك في مؤتمر العلامة الشيخ الأوحد

عدد الزوار: 1067

2011-06-02

أعقبها الإجابة عن مجموعة من التساؤلات
للإستماع اضغط على الرابط

التساؤلات على الرابط
 

النص الكامل

                                               
                                                    بسم الله الرحمن الرحيم
ثم الصلاة والسلام على حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الأوفياء المخلصين.
إنه لشرف عظيم وثقة كبرى أن يتشرف هذا العبد المقصر في أن يقترب من حياض مدرسة لها من الأصالة ما لا زيادة عليه، ومن التفريع سعة ما لا يستدرك عليه، وإذا كانت الأيام تقبل بعد إدبار فقد كان لإقبالها في هذه الدورة من اللطف ما كان رسول كرامة ووسام شرف، لأجل ذلك وجدت نفسي مقبلة بكلها في سبيل أن يكون لها التوجه التام للهدف السامي والغاية العظمى، وقد كنت وما زلت أجد نفسي أقصر باعاً من أن تكون محلاً لهذا اللطف الخفي، اللهم إلا أن يكون من باب النعمة التي تكون محلاً لأكثر من اتجاه على رأسها مستوجبات الشكر.
الحديث عن العلم والعلماء حديث له من العمق والأصالة الشيء الكثير، لذلك جاءت النصوص القرآنية مؤصلة في أكثر من موطن.

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة العلق مبيناً ما للعلم من أهمية حيث يضيف صفة المعلم لنفسه المقدسة (علم الإنسان ما لم يعلم) ، وفي الآية الحادية عشرة من سورة المجادلة يعطي الحق سبحانه وتعالى مقام الرفعة لأهل العلم وطلابه، (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) ، وفي النص الثالث يبرز لنا القرآن الكريم ما للعلم من أهمية في بناء الفكر والمعرفة، (تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ، وفي هذا النص الذي بين أيدينا يأخذنا الخطاب القرآني إلى مساحة الرغبة الجادة في درب المقامات العلى، (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً) ، هذه النصوص التي استعرض الأوحد مداليلها، يعطينا انطباعاً واضحاً عن المساحة التي يشغلها الخطاب القرآني في روحه الطاهرة، لذلك تماشى مع هديها واستضاء بنورها، مما ولد إشراقاً خاصاً ملأ جميع جوارحه وجوانحه، مما صيره علماً يهتدى بنمير عطاءه الأقدس، ولا غرابة في شيء من ذلك أبداً، حيث إن الله تعالى هو الداعي والعبد هو المدعو هنا، ومتى ما لبى العبد دعوة ربه بات محلاً لفيضه اللامتناهي، وهذا ما نلمسه من إشراقاته المباركة من خلال معالم مدرسته الخاصة والمشفرة بلمسة سحره النورانية.
كما أن الشريعة المقدسة ممثلة في مدرسة الحديث الشريف عنهم (عليهم السلام) قد أولت هذا الجانب جل اهتماماتها، والمتصفح ناهيك عن المتتبع يجد كماً هائلاً يصب في هذا الاتجاه ومن باب الشاهد ليس إلا مع ملازمة التبرك بنورانية النص أذكر طرفاً منها، حيث إن الأوحد بنى مدرسته على روح النص الشرعي الشريف الصادر عنه، كان لنظرته الدقيقة والموجهة صوب الهدف أثرها الفاعل وما تكاد تضع يدك على نص من النصوص الموظفة صوب الهدف السامي إلا وتجد نفسك أمام حاسة خاصة زادتها حساسية نفسية ذابت في مفردات النص عبوراً صوب المعنى المضمن من ذلك .
قال الإمام الصادق (عليه السلام) "حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا وأن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج" ، ومثله ما يروى عن الإمام أبي الحسن (عليه السلام) أنه كتب في رسالة ولا تقل لما بلغك عنا أو نسب إلينا هذا باطل، وإن كنت تعرف خلافه، فإنك لا تدري لم قلنا وعلى أي وجه وصفه" ، وأختم المطاف هنا بالحديث الثالث الذي يضع النقاط على الحروف بشكل واضح، عن سفيان السمط قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذبه، فقال عليه السلام، أليس عني يحدثكم؟ قال قلت بلى، قال عليه السلام فيقول لليل أنه نهار وللنهار أنه ليل؟ قال قلت لا، قال عليه السلام رده إلينا فإنك إن كذبت فإنما تكذبنا" ، إلى غير ذلك من الأحاديث النورانية الموقوفة حصراً على مدرستهم (عليهم السلام) مما كان له بالغ الأثر على صبغ مدرسة أوحدنا العظيم بلون البناء المحمدي الثابت.
وحيث إن الإسلام هو الرسالة الخاتمة، وحيث إنه قد تكفل بتبيان كل شيء، وقد أعطى مساحة التزاحم والتفاضل حاجتها، يتضح ذلك مما أعدته ووعدت به من آثار دنيوية وأخروية، متمثلاً في أبواب السماء وأبواب الرسالة، وأبواب الإمامة وأبواب العلماء، ونحن في هذه العجالة سوف ندلف إلى أطراف حياض واحد من كوكبة العلماء البارزين على أكثر من صعيد علمي وأدبي واجتماعي وسلوكي، ولعلي ألمح تارة وأستعرض مرة أخرى وأستفرغ ثالثاً علني أجد ضالتي التي أنشدها، حيث إن المفردات التامة بينها من حالة التزاحم ما يحتاج إلى آلية خاصة، على أساس منها يمكن أن يتسنى للباحث أن يصل إلى ما يصبوا إليه، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على حالة الإبداع في مدرسته قد سره، إذ قلما تجد عالماً واحداً تكون له القدرة على العطاء في أكثر من غرض وباب من أبواب العلم والمعرفة، وهذه المساحة بين أيدينا في عهدها المتقضي يقدمها لنا أرباب النصوص التأريخية تكاد تطبق إلا ما ندر على جهة واحدة، تكون مصب النظر عندما يتم استعراض واحدة من تلك الشخصيات المترجمة.
لكن شيخنا الأوحد الأحسائي قدس سره يأبى إلا أن يكون من ذلك النادر، الذي يستوجب التوقف عنده وإعطاءه الشيء الكثير من العناية والمتابعة، وإن كان المتنبي الشاعر قد أشغل الدنيا بأدبه الراقي وحكمته المستشرفة من الواقع من حوله، حيث يقول:

وإذا كان الشيخ الرئيس لا يزال يطرق أسماع الدنيا في عالمها المعرفي من خلال ما خلفه وراءه من نتاج علمي خضعت له رقاب أرباب المعرفة وهو القائل في إشاراته كما في الجزء الأول الصفحة 469: (فلا تلتفت إلى من يقول إنه يستعمل المبرهن إلا الضروريات والممكنات الأكثرية دون غيرها) وإذا كان الإمام أحمد الفراهيدي لا يزال يشغل الدنيا بدوائره وبحوره مما فيه إلتماس العذر لمن يستحقه كما في قوله:


وإذا كان للوقوف على الأطلال ما كان سبباً لتقديم البعض على الآخر من عمالقة الفن والإبداع في مدرسة الشعر فقد رسم الأوحد من خلال عينيته المطلقة لوحة عز نظيرها حيث قوة السبك وجزالة اللفظ وروعة البناء وشفافية الروح، حيث يقول:

سل الربع تبدي الحال ما كـان iiخافيـا
ii
معاهـد إن تبلـي الأعاصـيـر iiرسمـهـا
تعاهـد ربعـاً بالحـمـى مــن iiعهـادهـا
ii
ترسمـت رسمـا باللـوى للألـى iiخلـو
علـى خاليـات مــن بقـايـا iiعهـودهـم
ii
بحـالـيـن حـالــي والــديــار iiتـخـالـهـا
خلى ربعهم منهم فشطت بي النوى
ii
فـإن تخـل فـي عينـي بـأربـع iiمنـهـم
تـقـلـبـت الأيــــام حــتــى iiتـفــرقــوا
ii
قضـى الله أنـي أصطلـي نـار iiبينهـم
وعن لهج في الذكر هـل كـان iiساليـاً
ii
فـــرواده تـحـيـيـه بـالـدمــع iiجــاريــاً
هــواطـــل لا تــبـــدون إلا iiهـوامــيــا
ii
بــه مـــن أحـبـائـي وأهـــل iiوداديـــا
تقلدتـهـا فيـمـا تــرى الـعـيـن iiبـاقـيـا
ii
ومـا كـان قلبـي منهمـا الدهـر خالـيـا
إلـــى كـــل واد قـــد تـقـسـم iiبـالـيـا
ii
فلـسـت بـخـال منهـمـا فــي خيالـيـا
وأضـحـت مغانـيـهـم لـرغــم iiخـوالـيـا
ii
وأن لـسـت أسلـوهـم وأن لا iiتـلاقـيـا


ومنها يندفع إلى حيث أراد الهدفية من وراء هذا الإبداع والتفرد ليغوص في معالم مدرسة الطف.
أما في لوحته الثالثة وقد اصطفى لها البحر الطويل، لعلمه المسبق أن لهذا البحر من الخاصية ما لا يتوفر في غيره، لذلك لقب بملك البحور العرضية، وعلى أساس من تموجات هذا البحر الزاخر راح ينمنم أيقونته في مسار الفكر الإنساني من خلال نظر الإنسان العارف بألوان التموج، يقول رحمه الله في بائيته الهادرة:

بــنــات الـلـيــل لاعــبــات بــلاعـــب ii

لـنـيـل الـمـنـى والــدهــر لا iiيـنـيـلـه

تصادف فـي الحاجـات عبـر iiمرادهـم ii

يقضي الفتى عمراً ولم يقض حاجـة

يـلاطـفـه غــــدراً بـتـقـريـب iiحــتــف ii

فكـن حـاذراً فـي وعـد دهــرك iiإنــه

قضى عمره الفاني بكسب المطالب ii

ويطـعـمـه والــدهــر أمــكــر خــالــد

بــنــوه ويغـنـيـهـم بــكــل iiالـنـوائــب ii

بـــه ويـمـنـيـه كـفـعــل iiالـمـداعــب

يــدب لـــه فـيـهـا دبـيــب iiالـعـقـارب ii

يجـيء بوعـد فــي الحقيـقـة كــاذب

وفي الشاهد الرابع والأخير نجده عندما يأذن لنفسه بالانفجار لوعة وأسى على مصاب سيد الشهداء، فأنت أمام صورة من الحزن الصادق تقربه معنى مفردات البيت الواحد، حرمان النوم وكدر العيش وعدم الاستقرار النفسي والقلب المتشظي كلها شواهد على ما كان ينحل عن إفراغ حالة الوجد الدائم، يقول من خلال هذه البائية المجنحة التي يسافر بنا من خلالها إلى عوالم الإمام الحسين (ع) الناطقة بالثورة والحراك بكل قطرة دمع مقدسة:

ألا إن يــوم الـطـف طــاف iiبمهجـتـي
ii
يطالبني أن أسكب الدمع حسرة لهم
ويستجـلـب العـبـرات مـنـي iiمـنـشـد
ii
يـقـول لـمـن يعنـيـه غـيـر iiمصـابـهـم
ليحرمنـي نـومـي بتكـديـر iiعيشـتـي
ii
هي الفجعة الكبرى على كل iiمؤمـن
فيا ابن النبي المصطفى هد iiحزنكـم
ii
تقاسمـتـك البـلـوى فكـنـا بــك الـبـلا
عـلـى كــل لـذاتـي لبلـواكـم iiالـعـفـا
ii
بحـزن أبـا ذكـري ســروري iiمغالـبـي
فــــأؤدي فــيــه حــــق مـطـالـبــي
ii
يــرجــع بـالـتـزفـار نــظــم iiغــرائــب
أمــن رســم دار بـالـلـوى فالـذنـائـب
ii
فقلبـي مــن لوعاتـهـا غـيـر iiراســب
تسـح دوع الـحـزن عـيـن iiالسحـائـب
ii
لـركـن حيـاتـي إذ أشــاد iiمصـائـبـي
يحـل وحـل اليـوم حــزن الـبـلاء iiبــي
ii
وهـا أنـا ذا حـتـى يـحـل الفـنـاء iiبــي

بهذا أحسب أن لوحة الأدب الناطق قد أخذت نصيباً لا بأس به تاركة المساحة الكبرى لأصحاب القلم الناقد ومقص الرقيب إذا تم له ذلك حامداً لله ومصلياً على النبي وآله الطيبين الطاهرين.

خلاصة البحث

من خلال ما قدمت مبنيا على ما قرأت حول هذه الشخصية المتفردة أخلص إلى نقاط منها:

1) إن شيخ المتألهين استطاع أن يقطع مسافة الأسفار الأربعة بأقصر الطرق وليد ما كان يتمتع به من ملكات خاصة أسهمت في طي مراحل الكمال الإنساني.

2) إن المرحلة الولى والبيئة البكر أسهمت بدورها في روسمت معالم شخصيته وليد ما كانت تعج به من حراك علمي تبنى عليه أسس تلك المرحلة الهامة بما ولّد له تميزا بين أقرانه مستوحيا لفت الأنظار إليه مبكرا.

3) كان للرغبة الجادة في تحصيل الكمال المعرفي من قوة الدفع صوب الهجرة العلمية ما لا زيادة عليه حيث وجد ضالته في ذلك، من هنا أطلق لنفسه التواقة العنان كي يصل إلى ما كان يصبو إليه.

4) إن العناية الخاصة من علماء عصره أعطته بما لا مزيد عليه الثقة بالنفس في حيادية البحث العلمي والإبداع فيه مما كان له أثره المباشر في رسم معالم مدرسته الأوحدية ذات الطابع التحقيقي المعمق والمسفر أحيانا بلون البناء التركيبي الخاص الذي يحتاج إلى مزيد عناية وتوفيق يدلف الواحد منا إلى سيوبات فيضه المقدس.

5) إن صبغة التنوع المعرفي كان لها دورها هي الأخرى في رسم تلك المعالم فهو العالم الأصولي المحقق والفيلسوف المتفرد والفقيه المنجد والمفسر البارع والأديب المتمكن وصاحب المسار السلوكي الخاص الذي من خلاله جمع الكثير من صور التضاد الظاهر مع إمساك بلون باطني خاص إلا هي حالة الجذب الروحي التي تولدت جراء رياضة شاخصة صوب المطلق.

6) لقد كانت الإجازات المعطاة له من علماء عصره ـ وفي غالبيتها وهو في عقد العمر الثالث ـ تدل وبلا أدنى شك على حالة النبوغ المبكر عند شيخنا الأوحد، وهي إجازات أصدرت من أقطاب الصرح الحوزوي في عصره مع اشتمالها على عبائر صريحة في دلالتها على ما كان يتمتع به من تفوق علمي واسع.

7) تلامذته: وهي واحدة من الحالات النادرة جدا أن نجد إقبالا على شخص واحد على أن يكون له تضلع في أكثر من نوع من أنواع المعارف. حيث مدرسة العقل بكل دقته والنقل بكل أمانته ليجد فيها ملاذا آمنا على أساس نخبوي تلك الظلال ليصبح بعدها كل واحد من هؤلاء التلامذة أركان مدارس قائمة بذاتها.

8) لم يكن لحركة خصومه من الأثر أكثر مما كان يتناسب وما هم عليه من النزعة الروحية ذات الطابع العدواني. أما هو فد بقي العلم الذي يركن إليه من خلال ما قدم من رفعة نفس على كل الصغائر من حوله حيث حل وارتحل وبظن أن كمال ذاته المقدسة كانت بمثابة إيقاظ لنفسيات الغير بما ذهبوا إليه. وقديما قيل:

افخر فإن الناس فيك ثلاثة مستعظم أو حاسد أو جاهل

ولا أظن أولئك ومن سار على نهجهم أبعد من معطيات هذا البيت الحكمي.

وأخيرا سوف يبقى الكمال يعري النقص طال الزمان أو قصر فطوبى لمن عاش الكمال بكل حدوده وأبعاده.