سماحته يشارك في حفل حسينية الهلال بالهفوف

سماحته يشارك في حفل حسينية الهلال بالهفوف

عدد الزوار: 581

2011-05-26

كي يسجلوا أسمائهم في  صفحات الملف الفاطمي.

وقد كان لسماحة العلامة السيد محمد رضا السلمان كلمة الحفل والتي من خلالها سلط الأضواء على معطيات مفردة الكوثر التي ذكرتها السماء, مشيراً إلى فهرسة تامة لمجموعة من النقاط الاهامة في بناء  مدرسة البحث الابداعي نقداً ومعالجة.

للإستماع اضغط على الرابط.

النص الكامل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ثم اللَّعنُ الدائمُ المؤبَّدُ على أعدائهم أعداء الدين.

بارك الله لكم هذه الذكرى وأعادها علينا وعليكم، مع شكري وامتناني للوالد العزيز والخطيب الكبير الملا محمد، لإتاحته هذه الفرصة للمثول بين أيديكم.

زهرة اللوتس من الزهور التي هام فيها شعراء الإغريق، وباشرتها أيدي الأنبياء والأولياء، إلا أنها لم تفح شذاً، بيد أن الزهراء (ع) بنت النبي محمد ص كانت هي المصدر لكل شذا، وقد ضمنت هذا في بيتين، واستأذنت أخي راعي الحفل أن أستفتح بهما، فقلت مقارناً بين زهرة الإغريق وزهرة الإسلام:

زهرة اللوتس ما فاحت شذاً
حيـن مستهـا أكـف iiالأنبـيـاء
بينمـا الزهـراء مـن iiأشذائهـا
أشرق الكون وجاء iiالأوصيـاء

لم أتعود القراءة في ورقة، وهذه هي المرة الثانية بعد ثلاثين سنة تقريباً، ولكن هذه أحكامٌ لا بد من الامتثال لها!  

 

عندما يكون الحديث عن الزهراء الطاهرة (ع) فإنه يكون عن الكمال الإنساني في جانبه النسوي، وخير من يقدم لنا الزهراء (ع) هي الذات التي أحدثتها وأفاضت الكمال في هذه النفس الإنسانية المصطفاة، من بين النساء كافة.

ونحن من خلال مفردة واحدة تضمنتها آية شريفة واحدة، من سورة مباركة واحدة، نستطيع أن نستكشف ما لهذه الإنسانة المقدسة بقداسة السماء من المقام والعظمة.

يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ([1]). والكوثر مفردة توقفَ المفسرون عندها طويلاً، مستغرقين جهدهم في البحث والتحقيق، علَّهم يهتدون إلى بيانٍ يفضي إلى ما هو الهدف والمراد من هذه المفردة، وكم هي الشفرات المغلقة دونها!. وهنا تتداخل العناصر الذاتية عند المفسر، والدوافع الخارجية، لتصرف القلم إلى ما هو المرسوم قبل جريانه على صفحات الورق المعدّ للبحث والبيان.

وإذا كانت الغاية عند البحث هي الرغبة في الوصول إلى الحقيقة، فإن ذلك يكون عندما لا تستسلم النفس الباحثة عنها لتلك العناصر التي أستطيع إجمالها في فهرسةٍ ليس إلا: 

1 ـ الجهل بأبعاد القضية المطروحة للبحث.

2 ـ الوقوع في شرك التوجيه الفكري المسيَّس من قبل سلطات الزمان.

3 ـ الاستسلام لمشاريع الفتنة الكبرى في وسط الأمة.

4 ـ البناء الثقافي الموجه من قبل الجهة المتبنية علمياً لأمر ما.

5 ـ عدم الدقة في اختيار المصادر العلمية التي تؤمِّن مادة البحث.

6 ـ الانحراف بقلم البحث عن مساره الطبيعي وليد الانحياز إلى الموروث التاريخي المشبع بروح التلغيم المبرمج.

7 ـ غياب البعد الموضوعي في البحث وليد الاستغراق التام في الجانب العاطفي.

وعندما تكون لدينا الرغبة الجادة في الاقتراب من مساحتهم (ع) فعلينا أن نكون بمنتهى الحيطة والحذر التام، حيث إن ما بأيدينا من تراث تفسيري يخضع في طابعه العام إلى مثل هذه المؤثرات، كلاً أو بعضاً. 

وهنا أعود إلى معطيات هذه المفردة المقدسة، لأتخذ منها بوابة من خلالها ألج إلى بعض مساحات العظمة في هذه الشخصية الاستثنائية المستوجبة لكل هذه العناية الفائقة من لدن السماء في كل مراحلها (ع).

وأبدأ من التشكل، الذي تصوِّره لنا العشرات من الروايات الشريفة الصادرة عن محمد وآل محمد، متشرفاً بذكر واحدة منها.

في الحديث المروي الذي يقول: أن جبريل (ع) نادى يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، ثم هبط بعد ذلك فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام، ويأمرك أن تذهب لتحيته وتحفته، ثم هبط ميكائيل (ع) ومعه طبق مغطى بمنديل سندسي فوضعه بين يدي النبي محمد (ص) وأقبل جبريل وقال: يا محمد يأمرك الله أن تجعل إفطارك على هذا الطعام، ثم أراد النبي (ص) فأقبل عليه جبريل (ع) وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك هذا حتى تأتي منزل خديجة فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، وهنا تقول خديجة شارحةً للأمر : فلا والذي سمك السماء وأنبع الماء، ما تباعد عني النبي (ص) حتى أحسست بثقل فاطمة في بطني([2]).

وعندما تأذن السماء لهذه الروح المباركة أن تباشر هذا العالم الخارجي تأبى إلا أن تتدخل من جديد لتكون لها اللمسة المباشرة في ساعة الصفر المقدس، ذات الإشراق النوراني، وخير معين على رسم المشهد هنا هو نصٌّ كريم يأخذ بأيدينا إلى مساحة الحدث، حيث يقول الحديث عنهم (ع): بعد أن أعرضت (أعرضنَ) نساء مكة عن خديجة، اغتمت لذلك، وفيما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن، فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثم بنت عمران أخت موسى، بعثنا الله تعالى إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة...»([3]).

ولا تكاد يد اللطف والقدرة تغادر مساحة التكريم الخاص ببضعة النبي الأعظم (ص) حتى تضع لها اسماً مشتقاً من الأسماء الحسنى لذات القدرة والجلال، ولا مندوحة هنا من الاستعانة بالنص من جديد.

يقول الحديث الشريف عنهم (ع) كما في الثاقب في المناقب، في الجزء الخامس: «أن رسول الله (ص) قال: يا خديجة، هذا أخي جبريل يخبرني أنها ابنتي، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة، وأن الله تعالى أمرني أن أسميها فاطمة، وسيجعل الله تعالى من ذريتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون»([4]).

وتمضي الأيام والزهراء (ع) الطاهرة تزداد إشراقاً وبهاءً، حتى إذا بلغت مبلغ النساء تسارع الرجال من صحابة النبي (ص) رغبة في نيل الشرف الأعظم بالمصاهرة القريبة، لكن النبي (ص) ما كان له أن يتخذ في أمرها قراراً أو يعطي جواباً دون الرجوع إلى من بيده الأمر والنهي، فكان الجواب منه (ص): ما كنت لأسبق فيها أمر ربي. ويأتي الجواب كما في النص الشريف عن أنس بن مالك، قال:

خطب أبو بكر إلى النبي  (ص) ابنته فاطمة، فقال النبي (ص) يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش، كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر، فقيل لعلى: لو خطبت إلى النبي (ص) لخليق أن يزوجكها، قال وكيف وقد خطبها أشراف قريش فلم يزوجها قال فخطبتها فقال النبي (ص) قد أمرني ربي عز وجل بذلك([5]).

وفي حديث عن مدرسة آل محمد (ع) كما  عن الإمام الباقر (ع) أن رسول الله (ص) قال: «إنما أنا بشرٌ مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم، إلا فاطمة (ع) فإن تزويجها نزل من السماء»([6]).

وتمر الأيام والزهراء (ع) في بيت الإمام علي (ع) تحت رعاية علوية، ورقابة محمدية، وأبناء يدرجون على الأرض، يظلل عليهم جبريل الملك بأجنحة الرحمة.

وتمر الأيام، وإذا بالكوثر تفسر نفسها بنفسها، بعيداً عن الحاجة إلى من يفسرها، فإذا كان المراد بها الخير الكثير، الذي احتاج إلى قيدِ بيانٍ آخر، فأي خير هو أكبر من خير الإمامة الحقة المتمثلة بآل محمد؟ والتي ما كانت لتكون لولا هذه السيدة الطاهرة؟

وتشاء السماء أن تتدخل من جديد لتنقل هذا البيت من أجواء مفعمة بالحب الصادق، والسعادة المنقطعة النظير، حيث أنوار العصمة، وروح الإيمان العظيمة، لتختطف روحاً هي الأقدس بين أرواح بني البشر، ألا وهي روح النبي محمد (ص) ليحدث في هذا البيت صدع حادٌّ وجرحٌ عميق، كيف وهو الذي أعطى من نفسه الكثير في سبيل أن يقدم للبشرية أنموذج الأسرة الكاملة في جميع أبعاد حياتها.

وما هي إلا أيام قليلة جداً، وإذا بصورة المشهد تختلف عما كانت عليه، فالباب التي كان يقف عليها النبي (ص) كل صباح، تتحرك من مكانها لتنفتح على عوالم جديدة ما كانت معهودة بالأمس، وكانت للسيدة الزهراء (ع) فيها سهمها الأوفر ونصيبها الأكبر، كيف وهي التي دفعت ضريبة ذلك باهضة التكاليف، فحمرة العين خير شاهد يدعمه الكثير من الشواهد، ولعل فيما أورده الثعلبي خير شاهد على بيان بعض الأسرار في ساحة الصراع الذي بذرت بذوره ليلة الرحيل.

جاء في تفسير الثعلبي أن النبي (ص) خرج ذات يوم وقد أخذ بيد فاطمة (ع) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»([7]).

عندما نقول: (فاطمة) ترتسم أمامنا صورة الصراع العقدي والفكري والاجتماعي والسياسي في أوضح أبعادها، وهنا نعني القضية التي كانت وما زالت تعطي المشهد آفاقاً جديدة من ألوان التقاطع والتواصل في الوقت نفسه، فالقضية الفاطمية وحدة متكاملة، ليس بيد أحد أن يتعامل معها على أساس من التجزئة، والصراع لم يكن وليد ساعته، بل كان يسبقه من الدلائل والمؤثرات الشيء الكثير، حتى وجدنا السماء تتدخل من خلال نص قرآني صريح واضح الدلالة، قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ([8])، وقد كان في ذلك من المساحة ما فيه من الكفاية للأمة كي تراجع الحسابات وتصحح النوايا المبيتة التي كانت تنتظرُ ما أشارت إليه هذه الآية الشريفة من مظهر الانقلاب، غير أن الأمة لم تحرك ساكناً في هذا الجانب مما تسبب في وقوع المحذور، وأما الرسول (ص) بدوره لم يألُ جُهداً في سبيل دفع ما هو المحذور، وذلك من خلال أكثر من نصٍّ وموقف صدر منه على مسمعٍ قريب، ومرأىً أقرب من صحابةٍ كانت البوصلة النبوية تشير إليهم بكل دقة وتركيز. من خلال ذلك قال (ص) كما يروي الإمام الكاظم من آل محمد (ع): «لما كانت الليلة التي قبض النبي (ص) في صبيحتها، دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأغلق عليه وعليهم الباب، وقال: يا فاطمة، وأدناها منه، فناجاها من الليل طويلاً، فلما طال ذلك، خرج علي ومعه الحسن والحسين (ع) وأقاموا بالباب، والناس خلف الباب، ونساء النبي (ص) ينظرن إلى علي ومعه أبناؤه، فقالت عائشة: لأمر ما أخرجك منه رسول الله (ص) وخلا بابنته دونك في هذه الساعة، فقال لها علي (ع): قد عرفتِ الذي خلا بها، وأرادها له، وهو بعض ما كنتِ فيه وأبوك وصاحباه مما قد سماه، فوجمت أن ترد عليه» ([9]).

لقد كانت الأحداث تتسارع بشكل غير طبيعي، حتى لا يكاد الواحد ممن عايش الأحداث أن يجزم أن أمراً ما بات وشيك الوقوع، وإن لم يكن وليد ساعته، ولكن بعدها وبعد القرون المتباعدة.

فما عسى أن يقول الواحد، والقضية باتت تفرض واقعها الصعب على واقع الأمة، ونحن لما نمسك بعدُ بالأسباب التي تجعل من القضية حركة فاعلة في وجدان الأمة، من أجل أن يفسَّر الحدث كما أريد له في اتجاه يوصل إلى بوصلة السر الفاطمي من آل محمد (ع).

                                               



([1]) الكوثر: 1. 

([2]) راجع الحديث بتمامه في البحار، للمجلسي16: 78.  والعدد القوية، لرضي الدين ابن المطهر الحلي: 219.

([3]) الخرائج والجرائح للراوندي2: 524. ومثله بحار الأنوار، للعلامة المجلسي16: 80، والعدد القوية: 222. باختلاف يسير في اللفظ.  

([4]) الثاقب في المناقب، لابن حمزة الطوسي: 285.  

([5])ذخائر العقبى، للطبري:29.

([6]) الكافي، العلامة الكليني5: 568.  

([7]) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي43: 80، عن المحتضر من تفسير الثعلبي، للحسن بن سليمان، بإسناده عن مجاهد. ومثله في كشف الغمة للإربلي1: 467.   

([8]) آل عمران: 144.  

([9]) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي22: 490.