سماحة العلامة السيد مصطفى جمال الدين المتوفى عام 1426هـ

سماحة العلامة السيد مصطفى جمال الدين المتوفى عام 1426هـ

عدد الزوار: 3357

2010-08-16

من اؤلئك القلة الذين يفرضون أنفسهم عليك دون سابق إنذار وليد اسباب عدة منها عراقة بيت له من العمق التاريخي والاجتماعي ماله من الرصيد الكبير على مساحة جنوب العراق حتى مدينة العلم والعلماء نجف الحب والولاء مما كان له بطبيعة الحال أثره في إثراء نفسه بمقومات الثقة المطلوبة لرجل يتطلع إلى مجد كبير. شاعريةٌ مميزةٌ ساعدت الظروف المحيطة من حوله أن تجعل منه رقماً كبيراً في مساحة الشعر لكل أغراضه وفنونه ,وأدبيةٌ دعمتها ثقافةٌ واسعةٌ ضربت بأطنابها في جميع مكونات الثقافة الموروثة والحديثة, حتى لتجد نفسك وأنت ماثلٌ بين يديه أمام مكتبةٍ تعددت دوراتها وتكثرت عناوينها , يأخذك من خلالها إلى أكثر من مجالٍ ومجال يساعده على ذلك حافظةٌ وقادةٌ سريعة الاستجابة عند الفعل وردة الفعل.

شموخ وكبرياء في تواضع وأناة صفةُ كمال توارثها من أجداده البررة حيث الجمع بين الشيء وضده ولعلك لا تستطيع فك شفرته حتى تمسك بكل أرقام التشفير في داخله.

عمقٌ حوزوي واضح يفرض واقعه من خلال ما كتب ونظّر حيث الأصالة والاستحكام بكل ما تحمله المفردة من دلالة يُلقي بكل ثقله على كل عبارة تصدر عنه أو إشارةٍ يرسلها عفو الخاطر.

حداثةٍ كشفت عن كينونتها إجازاته العلمية التي استطاعت أن تزاوج بين القديم الأصيل دون مصادرة والحديث المتألق دون مكابرة.

ولعمري إن هذا لهو الفتح المبين في زمنٍ اختلطت فيه الأوراق واشتبك الحابل بالنابل ولا تدري إلى أين سوف ينتهي المطاف بنا.

وبإطلالةٍ دقيقةٍ على مقدمة ديوانه التي لا أجدُ لها نظيراً فيما قُدم لديوان بالمطلق تلمس حقيقة ما أدعيه فهو من تفرد بين الأقران وإن تكثر عددهم في الظاهر.

وجاء ديوانه ليبرز بما لا يدع للشك مجالاً على تألقه وإبداعه وسعة اُفقه وخياله وسلاسة مفرداته وعمقها ورنة جرسه الموسيقي وإيقاعه ,وقبل هذا وذلك دقة نظره وعمق فكرته وسرعة استجابته للحدث من حوله.

لكنّ المصطفى وإن تبسم له الدهر في بعض دوراته غير أن الواقع لم ينصف المصطفى في جميع إشراقاته حيث أُريد له أن يبقى أسير وطنٍ قست عليه عاديات الزمن الصعب وأسير مدرسةٍ تم مصادرة أهم ما تحتويه من عناصر التفوق و رهين مذهبيةٍ ضيقة في الكثير من الأحايين خلال بعض محطات سنحت لها الفرص الضائعة على عجالة من أمرها.

وليت شعري متى أُنصف العظماء حتى يكون بدعاً منهم إنها طاحونة الإلغاء والمصادرة طاحونة الفئوية المقيتة التي لا تُبقي ولا تذر.

لكن المصطفى اختط لنفسه معالم مدرسةٍ خاصة به دعامتها الكلمة الصادقة والوقفة الواثقة والهدفية الواضحة وهذا الذي يُعطي للمصطفى بصمته الخاصة في زمنٍ تشابهت فيه البصمات وكأن غائلة الاستنساخ أبت إلا أن يكون لها حضورها وإن لم تستكمل جميع الآليات.

تعرفت عليه في أضيق الأوقات أجدها صعوبةٍ عليه وأذكر عندما حمّلني أمانةٍ خاصة لأهله داخل العراق الذي كانت تعصف بهم نار البعث الكافر وكان لها على أنفسهم الوقع الكبير.

ومن هذا عرفت كبر نفسه وشرفها حيث لم تكن  الغربة عامل قطع بينه وبين أبناء قومه الذين هو منهم وهم منه.

وسمعت منه وقرأت له وسمعت عنه الشيء الكثير لكن ظمأي لا زال يفتقر إلى الشيء الكثير مما يمكن أن يقلل من ظمأ الاغتراب.

إن المصطفى ظاهرة شعرية مميزة تحتاج إلى أكثر من ندوة وندوة لعلنا نصل ذات يوم إلى أحد أبعادها الثابتة.

وإن كانت الأمم لتفتخر بأعلامها فليست الأمة العربية بمنأى عن ذلك فأين هذه الأمة عن واحدٍ من أبرز أعلام الشعر المعاصر اليوم في تنوعاته الجادة, أم أن وراء الأكمة ما ورائها مما يستوجب وضع الكثير من حواجز الصد والرد بعيداً عن روح التجرد عند إطلاق الأحكام في كل اتجاه.

وإذا كان البعض باع أدبه لبعض الأغراض فإن المصطفى أبى إلا أن يكون في أدبه الراقي مثال الأدب الملتزم بحدود أدبه لذلك لا للمجاملة الفجة ولا المبالغة المكشوفة مكاناً وإذا كان الشعر عند البعض يُباع ويُشترى فهو ليس عند المصطفى, وإذا كان الشعر عند البعض يلعب دور الوسيط فهو ليس عند المصطفى , وإذا كان الشعر عند البعض يلعب دور المستجدي فهو ليس عند المصطفى .

لذلك أتت أمام عظمة شاعر مبدع أبى لنفسه إلا مقام الإبداع المتقدم ,وأمام شاعر العظمة بكل مكونات العظمة , من هنا جاءت قصيدتي في ديوانه " الديوان " بمثابة رثاء مبكر لذلك أردت إثباتها والله من وراء القصد.

 

 

ترنيمة الوفاء

 

هـذا هــو الـديـوان يـصـدح iiمعلـنـاً
أن الـحــيــاة مــواقـــف وعــقـــول
عـرج علـى مهـد الحضـارة iiلحظـةً
هـل أنـت يـا ابـن الرافديـن iiجفـول
سبحان من أعطى العميد فصاحةً
لـــولاه ضـــاع الـنـظـم iiوالتفـعـيـل
أنـسـى الـذيـن تـقـدمـوه iiبفـنـهـم
مـذ راح يشـدو فـي الجنـان خليـل
إن الــدواويــن الـعـظــام iiكـثــيــرةٌ
لـكـنـمـا الــديــوان عـنـهــا iiبــديــل
يـا حامـلاً عــود الـعـروض iiمطـوفـاً
جـــل الـبـقـاع وحـظــك iiالتبـجـيـل
أقسـمـت بـالـديـوان أنـــك iiخـالــدٌ
لــو دق لـنـظـم الـحـديـث iiطـبــول
أنـــت المـتـرجـم للـحـداثـة iiفـنـهـا
فـي ظـل مـوروث القـديـم iiفـعـول
هل يسقط النظم القديم iiمضمخـاً
أم أن نـظـمــاً صـغـتــه iiسـيـجــول
إنـــي أراك مـــع الـزمــان iiكـتــوأمٍ
يفنـى الـزمـان ونظـمـك المـأمـول
قبـلـت ديـــوان الـجـمـال iiمعـانـقـاً
لـلـذهـن فــيــه وقــــفةٌ iiوعــقــول
ياطـلـعـة الـبــدر المـنـيـر iiيـزيـنـهـا
تــاجٌ عـلـى مــر الـزمــان iiجـمـيـل
يكفيـك يــا ابــن الطيبـيـن iiكـرامـةً
لـلـفـن تـبـقـى يقـتـفـيـك iiرعــيــل
يكفي هـواة الشعـر أنـت أميرهـم
بــل أنــت رمــزٌ شـاخـصٌ ودلـيــل
تسمو على رسـم الحـروف iiترفعـاً
لا الـعـجـز يـمـنــع لا ولا iiالـتـهـويـل