خلافة علي (ع) بأمر من السماء "كلمة بمناسبة عيد الغدير"
في الحديث النبوي الشريف النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يخاطب ابن عباس رضي الله عنه «يَا ابْنَ عَبَّاسٍ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ عَلِيّاً وَ لا تَكُونَنَّ لَهُ ظَهِيراً وَلا وَلِيّاً فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا يُخَالِفُهُ أَحَدٌ إِلاَّ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ وَشَوَّهَ خَلْقَهُ قَبْلَ إِدْخَالِهِ النَّارَ»[2]
بارك الله لنا ولكم ذكرى العيد الأكبر الغدير الأغرّ عيد الولاية عيد الإمامة عيد الخلافة عيد الاسلام وأعاد الله علينا وعليكم المناسبة ونحن، أنتم وعموم المؤمنين والمسلمين في حالٍ أحسن مما نحن عليه اليوم.
الغدير... استخلاف علي (ع) على الامة، بأمر من السماء
عليٍ (ع) يدخل مع النبي من مكة الى المدينة بعد أن طويت صفحات جهادٍ كثيرا بدؤها بدر وختامها العرسُ الأكبر في فتح مكة. في الأولى حسمٌ بسيف علي، والثانية فيها رايةٌ خفاقةٌ بالحمد في كف علي، عليٌ × إلى جانب النبي الزم له من ظله، الموقع الغدير، الزمان الثامن عشر من ذي الحجة، السنة العاشرة للهجرة، القضية الاستخلاف على الأمة، الأمر من السماء المنفّذ سيد الانبياء، من له الولاية سيد الاوصياء، الوادي يضيق بمن انحدر اليه، افواجٌ من الملائكة في صعودٍ ونزول، استنفارٌ عام، الكلُ يسجّل ويدوّن، أما على طريقته الخاصة؛ الحدث يستحق ويستحق ويستحق النداء، يتأخّر من تقدم ويتقدم من تأخّر، الكلّ في ذلك المشهد: على ما؟ لم؟ كيف؟ لماذا؟ على ما تمم الاستفهام تحوم في مخيلات اولئك القوم الذين سمعوا من النبي الكثير لكنّ المشهد يوحي بما لم يكن عليه الوضع قبل ذلك.
خرج النبي لمعارك فاصلة جنّد لها لكن المشهد لم يكن بهذه المسافة، خرج النبي منتصراً في الكثير من المشاهد ولكن لم يكن المشهد كهذا اليوم، النبي انتظرُ أمر السماء وهو العليم الخبير، عليٌ × يستشرفُ وجه النبي، النبي يزداد وجهُه اشراقاً، الأمين جبرائيل (ع) من الملأ الأعلى: السلام يا محمد يقرؤك السلام، الأمر: {... بَلِّغ ما اُنزِلَ اِلَيكَ مِن رَبِّكَ و اِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ}[3]؛ إذن وتلك الدماء، وتلك التضحيات، عُسرة الشعب، صعوبة الغار، الأزمات التي اجتازها النبي بعد جهد وجهد ولين ولين، الأمر في مفارقةٍ كبرى عما كان، علاماتُ الاستفهام تزداد، الصحابة الذين رأوا وسمعوا لم يألفوا مشهداً كهذا ولم يقرؤوا في قسمات وجه النبي هذه القسمات من قبل النبيُ (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر أن يقام له منبر من احداج الإبل وجديد النخل، النبي فوق ذلك المرتفع الذي يعني الشيء الكثير في عالم المعنى بطبيعة الحال، الأمرُ من السماء، النبي تلقى الرسالة هنالك حالاتٌ تفرض واقعاً معيناً، السماء من جديد والله يعصمك من الناس، النبيُ ينادي بعلي، عليٌ يرتقي ذلك المنبر، النبي الأكرم يأخذُ بيد عليٍ × يرفع يدا علي حتى بان بياض ابطيهما ساوى النبي بينه وبين علي ثم أمرهم حدث، وعظ، وجه، ثم قرأ مرسوم الولاية ثم دعا «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَه»[4] «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ».[5]
ابراز الشهادة الثالثة المقدسة في الاذان بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وحان وقت الصلاة وربما يستغرب البعض منا حان وقت الصلاة بعد ان قدّم الكثيرُ الكثير ممن حضر رسم البيعة النصوص تقول أن مراسيم البيعة استغرقت ثلاث أيام النبي في غدير خم بثلاثة أيام يتلقى عقد البيعة بين المؤمنين والمؤمنات من طرف وعليٍ من الطرف الآخر، صار وقتُ الصلاة قام ابو ذر مؤذن، مؤذناً في الجمع الكبير الذي جاوز مئة الف حاج وحاجة كبّر الله، شهد للنبي بالرسالة، واتبعها بالشهادة لعليٍ (ع) ما أنهى أبو ذر اذانه الا وقام اليه رجل وقال: لقد أحدثت في الأذان ما ليس منه يا ابا ذر. قال ابو ذر: والله ما أحدثتُ فيه وانما أبرزت ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
أيها الأحبة! النبي لم يقطع الطريق على أبي ذر وهو يقرأ الشهادة في الأذان وسكوتُ النبي تقرير وهو أحد الطُرق الثلاثة التي تؤمّن لنا حجةً شرعية إذا ما تمّت بالطريق المعتبر، الأمر الآخر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قام ذلك الرجل ليوبّخ اباذر على ما صدر منه في لحظة الإحداث أجابه: وما يدريك بالذي أحدث؟ يعني ما الذي قام به؟ يريد أن يوجّه هذا الانسان إلى ما هو عليه من الجهل المطبق الذي لم يستطع أن يتجاوز من خلاله ما يؤمّن له انفتاحا على قراءة مقبولة صدرت من لسان النبي الأعظم محمد (ص).
نكث البيعة، بعد رحيل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)
بعدها عليٌ (ع) رجع في ركب النبي الى المدينة وجرت الأيام في حالةٍ من العجلة على بيت النبوة، النبي، آل النبي من عاش قريبا من النبي يعيش حالة من الغبطة والفرح والسرور لما آلت اليه الأمور في مشهدٍ سلس، جماعة أخرى لم يرق لها ذلك حتى ندّت من أحدهم عبارة سمعها عمار يقولُ أحدهم لصاحبه في الخيمة في غدير خم ألا ترى أبى محمد هذا اليوم الا ان يظهر نفاقه؟!! الزهراء (عليها السلام) تشير الى هذا المعنى «ظهرت حسكة النفاق»[6] في أولئك. أيام المشهد بات يأخذ لوناً آخر النبي يعاني من علة في جسده ما هي أسبابها؟ دعنا فالحديث ذو شجون، لكن النبي يقترب في رحلته الملكوتية الى عالم البقاء، عالم الخلود، الامام علي (ع) يبقى الألزم للنبي من ظله، اتخذ النبي اجراءاً سريعاً لعل الأمة تستجيب للنبي وهو في تلك المرحلة الحرجة من حياته شكّل جيشاً كبيراً قوامه أركان الصحابة الجيش خارج المدينة المرابطة عمومية الاستنفار شامل إستبقى النبي علياً في المدينة تمت قراءة هذه المفردة من خصوم علي قراءة في منتهى الدقة والحرفنة تدخّل النبي للمرة الثالثة نفذوا جيش اسامة، لعن الله من تخلّف عن جيش اسامه فمرت الأيام عجلا والنبي يشتدّ به مرضه فالتحق بالرفيق الأعلى وعلي (ع) يتولى شؤون النبي في هذا المنعطف الحاد الخطر لكن القوم اجتمعوا في سقيفةٍ لهم من حضر يمثل تشكيلين أو فصيلين أو حزبين أو توجهين من المسلمين الأنصار في كفة والمهاجرون في كفة أخرى، ما كاد علي (ع) يرتّب الأوراق الأولى في مراسم الدفن الا ويفاجأ أن الخلافة التي عقدت له تم نقض عهدها وان البخبخة انقلبت على رأسها وأن الخلافة انصرفت الى غير أهلها مشاهد لم يعطنا التاريخ ما فيه الكفاية لنستكشف مكنوناته وأسراره كل ما حصل هي شذراتٌ هنا وشذراتٌ هناك. عليٌ (ع) ما الذي يصنع؟ اختار موقف الاعتزال على رواية أن الزهراء بقيت ستة أشهر بعد النبي، عليٌ لنصف سنة كاملة لم يتقدم للبيعة بخطوة واحدة وهذا يترك وراءه علامة استفهام قوي جداً على ما تقدمه في مسيرة الاستخلاف الظاهري علي (ع) في هذه الفترة كان يطرق بابه ويتابع في كل تحركاته ويوصل في مواقفه، لكن أيضاً مرّت الأيام فاضطر عليٌ لما اضطر اليه اخذ للبيعة قهراً بعد أن وضعت عمامته في رقبته وتمت تغطية وجهه بطرفٍ منها. يكشف هذا الموقف خليفةُ الشام معاوية يعيّر عليٍ (ع)في رسالة له يقول: وانت انت الذي كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش لتبايع لفلان. لكن علي هو علي، عليُ العظمة، عليُ السموّ، عليُ الرفعة، عليُ الكمال المطلق، يجيب الرجل الشامي يقول: «لَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَ لا مُرْتَاباً فِي يَقِينِه»[7]، هذا النص من علي، لو أردنا استظهار ما هو مختزن فيه لاحتجنا الى ليالي وأيام متواصلة في بنائه البلاغي المحكم، في دلالاته التي انطلقت في أكثر من اتجاهٍ واتجاه، كانت تعري اما لم يكن الطرف الآخر يمتلكُ حساً ولو في حدود مسمى الانسانية ليقرأ ما صدر من علي، ومرّت الأيام، ربعُ قرنٍ من الزمن تشكّل منها، عليٌ حبيسُ دار الا في مواطن محسوبة عندما تلجئ القوم الحاجة في فك معضلة أو الاجابة على مسألة أو بيان واقع لكن بعد هذا الربع قرن من الزمن عادت الأمور الى مجاريها والنصاب الى مركزه. الخلافةُ بين يدي عليا
«فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَان...»[8] تصوروا من شدة الزحمة، الرغبة على بيعة علي من جديد، الحسن والحسين اصبح تحت اقدام القوم لشدة الزحام. اصلاً لباس الامام على الرداء تم تمزيقه. تمت البيعة لعلي تحرّكت حسكة النفاق من جديد أما هذه المرة في لون الدم. التركة ثقيلة أراد عليٌ × ان يلملم الاوارق من جديد، ان يصحح مظاهر المشهد، ادخل علي × في حرب طاحن بدءا بالجمل، نهايةً بالنهروان، توقفاً عند صفين ومن الذين يحاربون علي؟ الذين يحاربون علي هم من سمعوا من النبي الأمر بالطاعة لعلي (ع) «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ» كُممت الافواه، أراد علي ان يطلقها صودرت الحريات، أراد عليٌ ان يسترجعها، نهبت الاموال، أراد أن يلحق الحق لصاحب الحق، ذاقت بهم الدنيا بما رحُبت وأيامٌ ثم السنين قليلة فإذا بذلك الطود الشامخ الذي لولاه لما مثل للدين ركنٌ فقام ينهد يتداعى بدء بمسجد ونهايةٌ بمسجد قرأ الله في المبتدأ وقرأ الله في الخبر وهو مع الله في كل شيء لأنه هو الذي يقول: «ما رأيت شيئاً الا ورأيت الله فيه وقبله وبعده»[9] هذا علي الذي نعرفه، نعشقه، نحبه نسأل من الله أن يثبتنا على الولاء له وأن يرزقنا الشفاعة على يديه وأشكر سماحة الأخ الفاضل الشيخ ابو علي عبد العزيز والأخ ابو حسين وبقية الكادر ما اعرف مسميات أسماءهم لكن اشكر الكادر القائم على خدمة هذه الحسينية واشكر لكم هذه الانصات يعني هذه المرة الثانية انا أجيء وأنا معجب واقعاً بهذه الانصات وهذه التوجه وإذا ما أردتم متحدثاً أو شاعراً أو تالياً للقرآن ونعمة التلاوة للقارئ الطيب المبارك إذا أردتم تحليق من هؤلاء من هذا الثالوث الطيب اكرموهم بصمت لأنهم يحلقون طيبوا أنفاسنا و أنفاسكم بالصلاة على محمد وآل محمد. (ص)