حوزة أصفهان (1)
جاء في الحديث (نظام الدين مخافة الهوى والتنزه عن الدنيا ) فالدين أثر مهم في حياة بني البشر فما من مجتمع إلا ويبحث عن نظام سواء أكان ذلك النظام سماويا أم وضعيا بتواطئ من بني البشر , فجاءت الرسالة الخاتمة (صلى الله عليه وآله وسلم ) لتتوج معطيات الرسالات السماوية السابقة من خلال ما قدمته من قواعد عامة وأصول فيها المرونة والملائمة لكل زمان ومكان .فبالعلم حفاظ الدين وفيه الحراك والاندفاع والتقدم والتغيير , وبالعلم انبثق نور التمايز بين الأنبياء وفضل بعضهم على بعض , وقص الله سبحانه أحداث الأمم السابقة على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنهم لم يقصصهم عليه , فتوالت من بعدهم بتمايز المجتمعات بعضها على بعض وتمايز أفرادها لتمايزهم بالعلوم والعقول .
بالعلم والعمل ارتقت الدولة الصفوية بفارس وبلملمتها العلماء من حوزة جبل عامل ضعفت مدرسة الأخيرة واستقامت حوزة أصفهان فانتقل إليها الشيخ البهاء والكركي , فتميز الفرس بالصبر والنفس الطويل فبهما تنال الشرف والعزة وتنال المكاسب , وهذا ما نجده في كلام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال : (لو كان العلم في الثريا لناله رجال من فارس) فأبى الفرس إلا بالصدارة في الجانبين السياسي والديني ," وهنا نستفيد عامل مهم بأن على الفرد عدم التنازل عن الصدارة ولو كان حلما فالكثير من المتألقين والمبدعين والمبتكرين لم يتنازل مقدار أنملة عن أحلامهم وعن أهدافهم فمن وضع له أعلى هدف وأسماها إما أن يبلغه أو يقرب في تحقيقه"
فخصت الفرس عن سائر الأمم لوجود الاستقرار والصبر وطول النفس والانفتاح بالفكر , فضعفت حوزة النجف للفاصل الزمني بينها وبين حوزة أصفهان وضعف الموقف العلمي ,وعدم تواجد الرجال الإخباريين , فخلق التنافس في الحصول على الصدارة بين أصفهان وكربلاء والحراك نحو السيادة العلمية في الطائفة , فأخذت الدولة الصفوية باستقطاب أرباب الفكر الديني والعلم الديني وزرعتهم بأصفهان , وهيأتها بقوة المال والصحة والفكر والإبداع الفكري ,فأنشأت مدرسة البحث عن الحقيقة والإله الواحد , وخرجت القضاة والعلماء ورجال الدين , وإطلاق العناء للعناوين "صراع العناوين أم عناوين الصراع" فالفارق بينهما شاسع حيث الأول دلالة على الماضي والثاني دلالة على المستقبل , فأصفهان برز فيها الطابع الثاني حيث تدافعت نحو الإحراز على العناوين وما يترتب عليها , فتناغمت المسميات مع أصحابها, فكانوا مثال العلم والعمل , فخلفوا وراءهم الحراك العلمي والموسوعات,فمن أعلامها و طبع فيها الأثر في مدرسة أصفهان الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي الذي أتاها حين ضمورها , كل ذلك له تكملة في الأسبوع القادم .
وفي ختام خطبة سماحة العلامة السيد محمد رضا السلمان حث المؤمنين على الحضور ليلة الثلاثاء ذكرى شهادة الإمام الجواد(عليه السلام) حيث شهادته بعمر الشباب , فبقي في بيته ثلاثة أيام مطروح . وما نحن عليه من حال لنسياننا في الحضور للضريحين المهدمين الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) , فنطلب من الإمام الجواد (عليه السلام) المظلوم أخذ بيدنا في الدنيا لكل خير وصلاح والفوز يوم الحشر والنشر بشفاعته .