تفاوت الناس في سيرهم المعرفي إلى الله (1)
ويرى سماحته أن آية "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" مقياساً ربانياً لا مناص منه ويقوم على أساسه التمييز بين الناس. ويؤكد أن من منطلقه أخذ العالم حظوته من التقديم والتقدير.
وباعتبار أن العرفاء جعلوا نصب أعينهم الطرد وراء الحقيقة فقد تسيدوا الساحة على من سواهم من العلماء .
العرفان هو المعرفة وهي من أشد الطرق العلمية مشقة وليس بمقدور كل عالم أن يقطع المشوار إليها ويتطلب من السالك أن يقطع مسافات طويلة حتى يصل إلى شي من هذا القبيل وهو علم "عميق" زلت فيه كثير من الأقدام باعتبار أنه أرقى من العلم الذي يحصل لعامة الناس من تاريخ وهندسة وتفسير وعلم كلام ،لأنه علم يبحث في أسرار حقيقة الوجود وتجلياته وهو قسمان عرفان نظري وعملي ، مفصلا الحديث في كليهما.
مضيفا أن تطبيق العرفان رغم سهولة سلوكه في الخطوات الأولى إلا أن السالك فيه لا بد أن يتحسس وعورة الدرب حين يتوسط به الطريق أو يقترب من النهاية .
وأكد في ختام خطبته أن العرفان يعني أن يسمو الإنسان بنفسه وفكره وهو أمر لا يتحصل إلا بالمجاهدة الروحية والتزكية النفسية فالإنسان يولد بفطرة سليمة وقلب نظيف نقي كصفحةٍ بيضاء وكمرآةٍ ينعكس عليها كل شيء، فيتعامل مع الظواهر الكونية والغيبية بكل سهولة, لكن عندما تبدأ حالات التلوث تتسلل إلى نفسه فيسود القلب يوما عن يوم لا يصبح وجها عاكساً للفيوض والأنوار الإلهية ففي الحديث القدسي "عبدي اطعني تكن مثلي" ذلك وعد يحتاج إلى مراحل طويلة وكل ما على الإنسان هو أن يُقَوِم هذه النفس فينقطع عن الملذات ويحبسها على الطاعة ويروضها عن الخوض في المكروهات ويمرنها على المستحبات في سبيل أن يصل إلى قربٍ إلهيٍ يعرج بروحه إلى ساحات الطهر والنقاء.
منوها أن مكمن ذلك هو ما نهجه أمير المؤمنين الذي يقول : ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه وبعده وقبله، فعلى العارف ألا يرى ولا يبصر إلا ويحضره الرقيب العتيد. وهو ما أشارت الآية المباركة " أينما تولوا فثم وجه الله " فيمر عليها سائر المسلمين مرورا كريماً دون استنطاق ما ترمي إليه.
وفي الدقائق الأخيرة لفت انتباه المصلين بجملة " إن أقصر الطرق إلى الله " هي أن تكون بين عباد الله ,مشيرا إلى أنه الطريق الذي انتهجه الإمام القائد رضوان الله عليه، فهو رجل خاف الله ولم يخشى غيره فخافه الناس. عرفه الناس يصول ويجول بمسبحته ، فهو معهم وليس بمعيتهم وبحضورهم لكن محضر الحق يتجلى بروحه إلى السماء السابعة, وإن من أجمل ما تختم به المواعظ والخطب أن في كل تكبيرة اقتراب وفي كل حمد اقتراب وفي كل تسبيح اقتراب ولكن في الذوبان بالصلاة على محمد وآل محمد عروج وولوج إلى مقامات يعرفه الله وحده .
للإستماع اضغط على الرابط